بعد تصريحه أنه ملتزم بحبس أي انسان سيخطئ في حقه أو في حق أسرته “حتى لو كان النبيّ” خلال برنامج على شاشة فضائية “صدى البلد”، تعرض وزير العدل السابق أحمد الزند إلى انتقادات حادة، الى حد المطالبة بمحاكمته بتهمة “ازدراء الأديان”[1]. وقد اعتذر الزند في أكثر من مداخلة تليفونية على برامج فضائية مختلفة عما قاله مبررًا التصريح بأنه “زلة لسان” وأنه لا يقصد التعرّض للنبيّ.
وقد كان لهذا التصريح والانتقادات المصاحبة له صدى كبير لدى الشارع المصري والسلطة السياسية. وكان أول ردود الفعل “الرسمية” بيان صادر من الأزهر الشريف حذر فيه من التعرض “لمقام النبوة الكريم في الأحاديث الإعلامية العامة صوناً للمقام النبوي الشريف من أن تلحق به اساءة حتى لو كانت غير مقصودة”. ولم يقف الأمر عند هذا الحد. فقد اتصل رئيس الوزراء بالمستشار الزند طالباً منه إصدار بيان باعتذار رسمي عن تصريحاته أو تقديم استقالته. وإزاء رفضه الاستجابة لهذا الأمر، تمّ “اعفاؤه من منصبه”، بناء على توجيهات رئاسية كما يتردد[2]، بعد هذا اللقاء بساعات قليلة. ونرصد أدناه ابرز ردود الأفعال على هذه الاقالة، كما نرصد الاحتجاجات داخل الوسط القضائي على إقالته.
هل الإساءة للنبي هي السبب الحقيقي لإقالة الزند؟
يرجح العديد من الإعلاميين والصحفيين[3] أن تصريحات الزند الأخيرة ليست السبب الوحيد وراء إقالته. ولكنها كانت “القشة التي قصمت ظهر البعير” بعد تصريحات متعددة للوزير السابق، جعلته عبءاً على الحكومة. ونذكر على سبيل المثال، تصريحه باعتزام تقديم قانون يعاقب والدي الإرهابي، وتصريحه بأنه لا يكفيه إعدام عشرة آلاف من مؤيدي الإخوان للثأر من مقتل كل ظابط شرطة أو جيش. كما يسجل في السياق نفسه انتقاده مجلس الدولة بعد رفض قسم التشريع فيه التعديلات المقترحة[4] على قانون الاجراءات الجنائية والرامية إلى عدم الزام القاضي بسماع شهود النفي. وقد أصدر مجلس الدولة تبعا لذلك بياناً استنكر فيه تدخل الوزير في عمل إحدى الهيئات القضائية بطريقة تهدد استقلالها المكفول دستوريًا.
كما رجحت بعض التحليلات الأخرى[5] أن إقالة الزند هي أولى خطوات الرئيس لتفكيك شبكات المصالح ومراكز القوى لبعض الشخصيات والهيئات في مصر.
ورفض بعض الاعلاميين والشخصيات العامة[6] هذه الاقالة معتبرين أن الضغط الذي مارسته مواقع التواصل الاجتماعي هو السبب وراء هذه الاستقالة، مستنكرين أن تدار الدولة بناء على آراء هذه المواقع.
وفي حين رحب النشطاء والمعارضون المصريون بهذه الإقالة، رفض بعضهم أن يكون السبب هي التصريحات الأخيرة للمستشار الزند، معتبرين ان للزند تصريحات سابقة أكثر تأثيرًا على منظومة العدالة.
إصرار الزند على رفض الاستقالة ودعم نادي قضاة مصر
لعل موقف الوزير الرافض تماماً للاستقالة حتى أخر دقيقة، والرافض أيضاً لإصدار بيان رسمي للاعتذار، يعكس بشكل كبير اعتبار الزند لنفسه بأنه قاضٍ، فوق مستوى الشبهات وأنه لا يجوز أن يُعزل من منصبه. وقد بدا بذلك زكأنه لا يدرك الإختلاف الكبير بين موقعه كقاض، وموقعه كوزير للعدل. كما أن تمسكه بموقعه لآخر دقيقة يعكس كذلك ثقته في عدم إقالته معتمدًا على موقعه في “تحالف 30 يونيه”، وبأنه كان من أبرز الأشخاص الذين ساهموا في الإطاحة بالإخوان. وتنعكس تلك التحليلات في ردود الأفعال المختلفة الصادرة عن بعض القضاة.
فبداية، قبل اقالة الوزير السابق، أصدر نادي قضاة مصر بيانا[7] أعلن فيه تمسكه باستمرار الزند في منصبه كوزير للعدل “ليستكمل مسيرة تطوير منظومة القضاء التي قام بها منذ توليه مهام منصبه وحتى الآن وبدأت بالفعل تؤتي ثمارها”. كما أكد البيان مساندة النادي للمستشار الزند في مواجهة “الحملة الممنهجة” ضده وذلك لاعتباره رمزاً من رموز القضاء وأبرز من ساندوا “الدولة والشعب المصري” في مواجهة حكم جماعة الاخوان ونجاح ثورة 30 يونيو. وبعد صدور قرار الإقالة، صرح رئيس النادي باحترام النادي لمبدأ الفصل بين السلطات وأن النادي لن يقوم بأي خطوات تصعيدية بعد هذا القرار، مع التحفظ على الاقالة[8].
وقد صرح عدد من القضاة خلال مداخلتهم التليفونية على برامج تليفزيونية مختلفة مساء يوم 13-3 برفضهم لقرار الاقالة، معتبرين أن ما تعرض له المستشار الزند من انتقادات يشكل حملة ممنهجة من “لجان الكترونية” معتبرين أن مواقع التواصل الاجتماعي لا تعبر عن الوضع الحقيقي في الشارع. كما اعتبر عدد كبير من القضاة أن اقالة المستشار أحمد الزند إنتصار كبير للاخوان، منتقدين الدولة بالتخلي عن رمز وطني من أمثاله[9].
الأمر الذي يدعو إلى التأمل في تصريحات العديد من القضاة هو دفاعهم عن مواقف المستشار الزند المختلفة، واعتبارهم وقوفه ضد الاخوان المسلمين عملا وطنيا جليلا، ضاربين عرض الحائط بأسس استقلال القضاء الذي ينادون به دائماً؛ ومتجاهلين كذلك، قانون السلطة القضائية الذي ينص صراحةً على حظر عمل القضاة بالسياسة[10]. لا بل أن رئيس نادي القضاة الحالي طالب بعودة المستشار الزند الى المنصة، في تجاهل تامّ لتصريحاته السياسية المتكررة، مما يضعه في موضع خصومة مع عدد كبير من المتقاضين. هذه التصريحات الصادرة من قضاة كبار تصل درجتهم إلى رؤساء محاكم استئناف تطرح تساؤلات حقيقية حول فهم القضاة الحقيقي لمفهوم “استقلال القضاء” وحدود هذا الاستقلال ودورهم في المجتمع، وعلاقتهم بالسلطتيين التنفيذية والتشريعية، وبالمواطن المصري[11].
كما أعرب المستشار مصطفى عيسي، رئيس اللجنة الاعلامية بوزارة العدل، عن إستيائه من قرار إقالة الوزير الزند مشدداً أن الانجازات التي قام بها الوزير خلال فترة توليه الوزارة لم يقم بها وزير آخر خلال 10 سنوات. واعترض عيسى على تقييم الإعلام لأداء الوزير السابق، معتبراً أن الاعلام “لا يفهم” وأن القضاة وحدهم هم من يستطيعون تقييم الانجازات[12]. كما نوه رئيس اللجنة الاعلامية بأن وزارة العدل ستشهد استقالات عديدة بعد هذه الاقالة بسبب ارتياح القضاة، المندوبين للعمل بالوزارة، للعمل مع الزند وعدم رغبتهم في العمل الا معه. وهو الأمر الذي يعكس بصورة واضحة نظرة القضاة الرافضة لتقييمهم من أي شخص أو سلطة أخرى غير القضاة أنفسهم. وقد تناسى المستشار في هذا التصريح، أن الزند عند توليه وزارة العدل أصبح جزءاً من السلطة التنفيذية، خاضعاً لرقابة رئيس هذه السلطة ولرقابة البرلمان المعنيين بتقييم أدائه.
كما تعكس تصريحات هؤلاء القضاة نظرتهم الى وزارة العدل بانها تتبع السلطة القضائية او جزء منها، وهو الأمر الذي ينعكس عند اختيار الحكومة، بسبب تدخّل القضاة في تعيين وزير العدل، ورفضهم في اوقات سابقة لأسماء بعينها.
الجدير ذكره أنه في عام 2006، تم تعديل قانون السلطة القضائية لوقف سيطرة وزارة العدل على أمور قضائية، بهدف تحقيق مبدأ الفصل بين السلطات. وتظل وزارة العدل محتفظة ببعض المهام الضرورية. ولكن في الأمور الأساسية، يستدعي الأمر موافقة مجلس القضاء الأعلى أو جهة قضائية أخرى وتصدر وزارة العدل القرار التنفيذي فقط.
واستمرار هذه النظرة الى وزارة العدل، في ظل رفض أي مراجعة أو مراقبة للأعمال القضائية من البرلمان، واعتبار كل إعتراض من الصحافة أو المواطنين “اهانة للقضاء” تستدعي الحبس، كلها أمور تنذر بهروب القضاء من أي نوع من المراقبة والمحاسبة، واحتكاره في ذات الوقت لمحاسبة الأفراد والهيئات والسلطات الأخرى، مما ينذر بنتائج غير مرضية بخصوص تطور السلطة القضائية.
[1] راجع “الزند في مرمى الروب الأسود: بلاغات جماعية للمحامين تتهم الوزير بازدراء الأديان”، نشر على موقع جريدة التحرير بتاريخ 13-3-2016.
[2] راجع تغطية جريدة الشروق تحت عنوان “الزند يرحل عن الوزارة باقالة لا استقالة”، نشر على موقع جريدة الشروق بتاريخ 14-3-2016.
[3] راجع على سبيل المثال تغطية الاعلامية لميس الحديدي في برنامج “هنا العاصمة” على فضائية “سي بي سي”، حلقة 13-3-2016، كذلك راجع مي شمس الدين، “بعد اعفائه من منصبه، هل أُقيل الزند عن مجمل أعماله؟”، نشر على موقع مدى مصر بتاريخ 13-3-2016.
[4] كان للزند يد في هذه الاقتراحات وكان داعماً لها.
[5] راجع حلقة “هنا العاصمة” للاعلامية لميس الحديدي، حلقة 13-3-2016، يذاع على فضائية “سي بي سي”.
[6] راجع على سبيل المثال تصريحات الاعلامي “احمد موسي” في برنامج “على مسئوليتي”، حلقة 13-3-2016، يذاع على فضائية “صدى البلد”.
[7] راجع “بيان لنادي القضاة وأندية الأقاليم يعلن التمسك بالمستشار أحمد الزند وزيرا للعدل”، نشر على موقع جريدة اليوم السابع بتاريخ 13-3-2016.
[8] راجع “نادي القضاة: لن نقود حملة تصعيدية ونطالب المستشار الزند بالعودة للمنصة”، نشر على موقع اليوم السابع بتاريخ 14-3-2016.
[9] راجع اماني ابو النجا، “أسد القضاة يتعثر في ذلة لسان وزملاء المهنة يتساءلون “هل أصبح فيس بوك يحكمنا؟”، نشر على موقع جريدة الشروق بتاريخ 14-3-2016.
[10] تنص المادة 73 من قانون السلطة القضائية على: “يحظر على المحاكم ابداء الآراء السياسية. ويحظر كذلك على القضاة الاشتغال بالعمل السياسي، ولا يجوز لهم الترشح لانتخابات مجلس الشعي أو الهيئات الاقليمية أو التنظيمات السياسية الا بعد تقديم استقالتهم”.
[12] خلال مداخلة تليفونية للمستشار مع الاعلامية لميس الحديدي في برنامج “هنا العاصمة”، على قناة “سي بي سي”، حلقة 13-3-2016.