افتتاح السنة القضائية بالمغرب: حصيلة المحاكم تتأثر بإضرابات المهنيين، ومحاولات لتأطير عمل الجمعيات المهنية القضائية


2025-01-22    |   

افتتاح السنة القضائية بالمغرب: حصيلة المحاكم تتأثر بإضرابات المهنيين، ومحاولات لتأطير عمل الجمعيات المهنية القضائية

بتاريخ 15 يناير 2025 نظم بالمغرب حفل افتتاح السنة القضائية برسم هذه السنة، وهي مناسبة سنوية تقدّم فيها السلطة القضائية حصيلتها، وتستعرض أهم الأحكام المبدئية الصادرة عن محكمة النقض، كما تقدم توضيحات حول أهم المنجزات والعراقيل التي واجهت عمل المحاكم المغربية، بحضور ممثلين عن باقي السلط، ووسائل الاعلام، ومكونات المجتمع المدني والمهني.

شبح إضرابات المهنيين بالمحاكم يؤثر على حصيلة السنة القضائية

أكد الرئيس الأول لمحكمة النقض في كلمته أن سنة 2024 عرفت “تعثراً في ممارسة المحاكم لمهامها بسبب بعض الاحتجاجات الاجتماعية لموظفي كتابة الضبط وبعض المهن القضائية الأخرى، وهو ما كان له تأثير ملحوظ على السير العادي للأداء القضائي، ولاسيما ما يهم ارتباك نظام الجلسات، وعدم تسجيل الملفات وتأخير إنجاز الإجراءات”. وذلك في إشارة إلى احتجاجات هيئات المحامين ضدّ مشروع قانون المسطرة المدنية، والذي أدّى وفي سابقة إلى توقف المحامين بشكل نهائي عن تقديم خدمات الدفاع، حتى في القضايا التي يلزم فيها حضور المحامين مثل قضايا الأحداث وقضايا الجنايات.

وأشار رئيس محكمة النقض أنّ المحاكم المغربية عرفت حركية كبيرة، بحيث تمّ تسجيل أزيد من 4 ملايين قضية جديدة، وتم البتّ فيما يناهز 4 ملايين ونصف المليون قضية، بنسبة تجاوزت 103%.

النيابة العامة تعارض تزويج الأطفال تفاعلا مع النقاشات المجتمعية

من جهته استعرض الوكيل العام لمحكمة النقض في كلمته حصيلة النيابات العمومية حيث تمّ تسجيل ما يزيد عن 5 ملايين ونصف المليون شكاية، بلغت نسبة إنجازها 88%، كما بلغ معدّل الاعتقال الاحتياطيّ 32.56% وهي نسبة غير مسبوقة، مقابل نسبة 37.56% التي سجلت خلال نفس الفترة من السنة الماضية وذلك في إطار جهود الترشيد من معدلات الاعتقال بعد بلوغها مستويات قياسية .

وفي مجال تعزيز الحماية لبعض الفئات الهشة، تمّت معالجة حوالي 84.822 شكاية تتعلق بالعنف ضدّ النساء توبع بشأنها ما يناهز 21.898 شخصا وفتح لهم 17.822 ملفاً، كما عرفت سنة 2024 تسجيل ما مجموعه 195 قضية تتعلق بجريمة الإتجار بالبشر .

وقد واصلت النيابات العامة أدوراها من أجل المساهمة في البرامج الوطنية الرامية إلى الحدّ من الزواج المبكر، تحقيقًا للمصلحة الفُضلى للطفل حيث بلغ عدد الملتمسات الصادرة عن النيابة العامة برفض الإذن بزواج القاصر ما مجموعه 13762 ملتمساً أي بمعدل 86% من مجموع الطلبات المسجّلة خلال سنة 2024.

من جهة أخرى، دعا رئيس النيابة العامة إلى تعزيز الآليات المؤسساتيّة المساعدة لضمان حقوق الفئات الهشة بمختلف أصنافها، والزيادة في عدد مراكز الإيواء وتعزيز البرامج الحمائية للنساء والأطفال ضحايا العنف مع إيلاء الأهمية اللازمة لضحايا الاتجار بالبشر والتسريع بإخراج مشروع القانون المتعلق بالوكالة الوطنية لحماية الطفولة ومراجعة قانوني المسطرة الجنائية والقانون الجنائي وتعزيز الموارد البشرية للنيابة العامة وذلك من خلال تعزيز صفوفها بعدد كاف من القضاة يقدر بحوالي 1000 وأيضا من أطر كتابة الضبط المؤهلين.

محاولة لتأطير عمل الجمعيات المهنية القضائية

علاقة بالحراك القضائي الذي عرفه المغرب مند المصادقة على دستور 2011، والذي أدى الى ميلاد نادي قضاة المغرب وخوض أشكال تعبيرية لم تكن مألوفة داخل المشهد القضائي، كشف الرئيس الأول لمحكمة النقض أن سنة 2024 عرفت “إنهاء المجلس للمرحلة الأولى لمخططه الاستراتيجي بشأن تأطير المشهد الجمعوي للقضاة”.

وأضاف أن المجلس “يعمل حاليا بمشاركة الجمعيات المهنية للقضاة على صياغة وثيقة مرجعية للتواصل بين هذه الجمعيات ومؤسسات السلطة القضائية مبنية على احترام الدستور والقانون ومراعاة الأعراف والتقاليد القضائية، ولاسيما تجنب القضاة الممارسات النقابية والمواقف السياسية التي يحظرها الدستور، وجعل المبادئ الأساسية للقضاء تسمو على كل الاعتبارات الفئوية، ولاسيما التمسك بقيم الاستقلال والنزاهة والتجرد والحياد وواجب التحفظ وشرف القضاء وهيبته واعتباره المعنوي”.

مؤكدا حرص المجلس الأعلى للسلطة القضائية على ربط الوضعية المهنيّة للقضاة بالاعتبارات المهنية والأخلاقية وحدها، بحيث “يتم تقييم أدائهم والتقرير في وضعياتهم المهنية على أساس معايير الكفاءة والجودة والنجاعة والاستقامة. وليس على أساس الانتماء الجمعوي أو عدمه”.

استعراض أهم الأحكام المبدئية في سنة 2024

تطرق الرئيس الأول لمحكمة النقض لمجموعة من الأحكام المبدئية الصادرة عن المحكمة في إطار دورها التأطيري لباقي المحاكم المغربية.

وهكذا حسمت الغرفة العقارية بكون “السكن الممنوح لرب أسرة في اسمه وحده في إطار برامج الدعم الاجتماعي، هو سكن ممنوح للأسرة بكامل أفرادها طالما أنه منح مجاناً أو بثمن منخفض، ولو أن الزوج هو الذي أداه وحده. وذلك لأن وجه الاستفادة في منح ذلك السكن هو مكافحة الهشاشة وتحسين أوضاع الأسر المعوزة. ولذلك لا يكون من شأن الفرقة بين الزوجين حرمان المرأة المطلقة من السكن بدعوى أنه مقيد في اسم زوجها، إذ العبرة في الاستفادة بالأسرة وحدها”. [1]

كما ذهبت غرفة الأحوال الشخصية والميراث إلى اعتبار “الزوجة محقة في الحصول على نصف ثمن العقار المسجل في اسم الزوج وحده طالما أن الزوجين كانا قد اتفقا بالتزامن مع إبرام عقد زواجهما على اشتراك جميع الأموال المكتسبة بعد الزواج مناصفة، وأن محكمة الموضوع لم تكن في حاجة إلى البحث عن مدى مساهمة الزوجة في المال المدعى فيه أو معرفة من اقتناه من ماله الخاص من الزوجين، لأن الاتفاق المكتوب باشتراك الذمة يغنيها عن الخوض في ذلك”. [2]

وقضت الغرفة الاجتماعية بأن “تغيُّب الأجيرة عن العمل ستة أيام خضعت خلالها لعملية جراحية لاستئصال ورم من الدماغ، أعقبتها بشهادتين طبيتين مدتهما 34 يوماً، وجهتهما إلى المشغلة عن طريق تطبيق الواتساب الذي تم الاعتياد على استعماله في المراسلات من طرف المقاولة. فتوصل بهما الإطار المسؤول في المقاولة، مما يفيد علم هذه الأخيرة بسبب الغياب الذي لم تنازع فيه، مما يجعل ادعاء المشغلة بكون الأجيرة قد غادرت عملها بصورة تلقائية ودون إشعار، ناقصَ التعليل الموازي لانعدامه ويعرض القرار الاستئنافي للنقض”[3].

واعتبرت الغرفة التجارية “أن إفراط المؤسسة البنكية في رفع الاعتماد الذي تخصصه لزبونها، لا يشكل خطأ موجبا لمسؤوليتها إلاَّ إذا ثبت عِلمُها بالوضع المالي المتردِّي للزبون والميؤوس من قابليته للإصلاح، ومع ذلك رفعت سقف الاعتماد”. [4]

كما اعتبرت الغرفة الجنائية أن “جريمة هتك العرض المنصوص عليها في الفصل 485 من القانون الجنائي، تتحقق بمجرد المساس بحرمة جسد الضحية بدون رضاها، بصرف النظر عن ممارسة الجنس عليها أو محاولة ذلك، ولو كان الجاني عاجزاً جنسياً، مادام هتك العرض يتحقق بكافة الوسائل حتى ولو لم تقع ممارسة الجنس على الضحية من طرف الجاني”[5].

وقررت الغرفة الادارية أن “الدولة لا تُسأل عن ضمان وسلامة أي متضرر فوق أراضيها بصفة مطلقة ما لم يثبت في حقها خطأ جسيم. وأن التعويض عن الاعتداء الإرهابي يكون في إطار قواعد العدالة والإنصاف ولموجبات الإنسانية المبنية على التضامن الوطني، والاستئناس بالظهير رقم 178-03-1 الصادر بتاريخ 2003-09-11 بتخصيص منحة مالية لفائدة المستحقين عن ضحايا الاعتداءات الإرهابية التي تعرضت لها مدينة الدار البيضاء يوم 16 ماي 2003”.[6]

وأكدت الغرفة المدنية أن “أتعاب المحامي في مواجهة المقاولة الخاضعة لمسطرة التصفية القضائية، كغيرها من الديون التي على المقاولة المذكورة، يجب التمييز فيها بين الديون التي نشأت قبل صدور الحكم القاضي بفتح مسطرة التصفية، وهذه يتعين التصريح بها لدى السنديك تحت طائلة سقوطها متى توافرت شروطه وفقاً للمادة 686 وما يليها من مدونة التجارية، وبين الديون التي نشأت بعده، والتي يشملها هذا الحكم. فالمعيار في التمييز بين الحالتين يتحدد بتاريخ نشأة الدين وليس تاريخ استحقاقه”. [7]

مواضيع ذات صلة

افتتاح السنة القضائية في المغرب

افتتاح السنة القضائية بالمغرب : السلطة القضائية تستعرض حصيلتها

في افتتاح السنة القضائية بالمغرب 2019: حضور للجمعيات المهنية لأول مرة ورسائل قوية غير مألوفة

افتتاح السنة القضائية بالمغرب.. انفتاح على الاعلام وتغييب الجمعيات القضائية

محكمة النقض المغربية تستعد لافتتاح السنة القضائية بمعرض لإبداعات القضاة

مفاخرة بارتفاع نسبة تنفيذ الأحكام القضائية ضد الدولة في المغرب

افتتاح السنة القضائية 2017-2018: نشيد ومجاملات وكاتو دايت إكراما للرؤساء والوزراء

أدبيات الانسجام القضائي من خلال خطابات افتتاح السنة القضائية قبل الثورة التونسية

احياء احتفال افتتاح السنة القضائية في تونس: قطع مع تملّق السلطة واعتذار عن الماضي

العودة القضائية في تونس 2016-2017: عودة بألوان الطيف

المحاضرة الافتتاحية في أول احتفال ببدء سنة قضائية منذ الثورة: القضاء التونسي ينفض عنه غبار التبعية

افتتاح السنة القضائية في قصر العدل في بيروت: لا كهرباء، لا ماء، روائح كريهة، واشغال يطول أمدها

السنة القضائية 2022-2023 تسدل ستارها في تونس(2): حصيلة السنة الأولى من عهدة هيئة المحامين

تقاليد افتتاح السنوات القضائية بعد حرب 1975-1990

احتفال “التشكيلات القضائية”: طقوس الطاعة في قصور العدل

أدوار الجمعيات المهنية للقضاة في الدفاع عن مطالب مهنية للقضاة

ملاحظات حول تنقيط القضاة في المغرب: لئلا يتحول تقييم القضاة أداة لضرب استقلاليتهم

تدوينات القضاة على مواقع التواصل الاجتماعي بين حرية التعبير وواجب التحفظ: قراءة في بعض التجارب العربية

خريطة الحراك القضائي العربي كما بدت في أواخر 2012

مشكل الخصاص في المحاكم المغربية

جدل بخُصوص تأخر مصادقة البرلمان على تعديلات القانون الجنائي في المغرب

مشروع قانون المسطرة الجنائية الجديد بالمغرب: اعتماد التسجيل السمعي البصري وإمكانية الطعن في قرار الاعتقال

الأجل الاسترشادي” و”عدد القضايا لكل قاض” مواضيع تسائل ضمانات المحاكمة العادلة


[1] القرار رقم 252-7 في الملف العقاري عدد 6525/07/04/2022 تاريخ 02 أبريل 2024.

[2] قرار غرفة الأحوال الشخصية رقم 158/1 في الملف عدد 1102/2/1/2023 بتاريخ 10/09/2023.

[3] قرار الغرفة الاجتماعية عدد 46/1 في الملف عدد 237/5/1/2023 بتاريخ 23/01/2024.

[4] قرار الغرفة التجارية رقم 299/3 في الملف عدد 962/3/3/2023 بتاريخ 23/4/2024.

[5] قرار الغرفة الجنائية رقم 805/11 في الملف عدد 26107/6/11/2024 بتاريخ 19/09/2024.

[6] قرار الغرفة الإدارية عدد 732/3 في الملف عدد 6023/4/3/2024 بتاريخ 23/03/2024.

[7] قرار الغرفة المدنية رقم 901/1 في الملف المدني عدد 4196-1-1- بتاريخ 2023-12-19 2023.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، المغرب



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني