
لقي اصدار محكمة الجنايات بالمنيا بمصر للقرار المتصل باعدام 529 متهما ادانة واسعة بلغت حد الاجماع لدى المتدخلين في الشارع السياسي والحقوقي التونسي، بمعزل عن مواقف هؤلاء من عقوبة الإعدام أو من تجربة الأخوان المسلمين.
فقد كشف موقف الاحزاب السياسية التونسية عن اتفاق على اعتبار القرار نتيجة لمحاكمة سياسية متسرعة لم تحترم شروط المحاكمة العادلة وتندرج في سياق توظيف القضاء في الصراع السياسي. فقد اعتبر حزب العمال الذي يحسب على أحزاب اليسار الاحكام التي صدرت "مجزرة قضائية تنم عن استخفاف بمبادئ العدل". وفيما عد حزب حركة النهضة ذات التوجه الإسلامي "الاحكام التي صدرت سابقة لا مثيل لها حتى في أسوإ مراحل القمع والاضطهاد التي عاشتها مصر وكامل المنطقة"، فقد حذر على "أن استعمال القضاء لسحق طرف سياسي أصيل في الساحة المصرية يعمق الشرخ الاجتماعي والانقسام السياسي ويضاعف الأخطار التي تهدد مصالح مصر ووحدة المصريين".
وذات التقييم السلبي لاحكام الاعدام بالجملة التي اصدرها القضاء المصري كان اثره واضحا في الساحة الحقوقية التونسية. فقد اصدر عميد المحامين بتونس الاستاذ محمد الفاضل محفوظ بيانا عد فيه الاحكام القضائية المصرية "خرقا لابسط حقوق الانسان"، داعيا قضاة محامي مصر وكل الحقوقيين الى "الاضطلاع بدورهم بالابتعاد عن التجاذبات السياسية من اجل الحيلولة دون تنفيذ هذه الاحكام". وكتبت القاضية كلثوم كنو الرئيسة الشرفية لجمعية القضاة التونسيين على صفحتها الخاصة بموقع التواصل الاجتماعي الفايسبوك "اليوم برهن القضاء المصري عن عدم استقلاليته وحياده بشكل مفضوح، فصدور حكم بالإعدام لعدد (529) متهم بالإعدام في جلسة واحدة دون منحهم حق الدفاع ومناقشة ادلة الاتهام والرد عليها هو انتهاك لمعايير المحاكمة العادلة ويعد شهادة وفاة حقيقية للقضاء المصري". وهو ذات الموقف الذي عبر عنه القاضي السيد احمد الرحموني رئيس مرصد استقلال القضاء الذي بين ان "القرار القضائي يكشف الخروقات المتعلقة بضمانات المحاكمة العادلة في ظل الممارسة الاستبدادية للحكم والمساس باستقلالية القضاء". وبدورها، ذهبت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان الى تسجيل "ادانتها بشدة لهذه المحاكمة الصورية وهذه العقوبات الجماعية التي يحرّمها التشريع الدولي والمواثيق الدولية التي صادقت عليها الدولة المصرية وهي عقوبات من شأنها أن تشكل في صورة تنفيذها جريمة ضد الانسانية يمكن تتبع مقترفيها أمرا وتنفيذا من طرف المحكمة الجنائية الدولية".
ومن خلال ذلك، رفضت جميع الأطراف التونسية، بما فيها الأطراف القضائية، ضمنا موقف وزارة العدل المصرية الذي اعتبر ان ابداء الموقف من الحكم الذي صدر تدخل في عمل القضاء وتعد على استقلاليته. وقد كشف تقييم الأطراف التونسية للحكم في منتهاه أن المحاكم وبعيدا عن المحاذير النظرية يحصل ان تتأثر فعليا في المحاكمات الكبرى التي يتابعها الرأي العام بالنظر لصفة المتهمين فيها او لخطورة وقائعها بعوامل تخرج عن ملف القضية. وقد يستدعي الاثر الصادم لموقف جنايات المنيا أسئلة شديدة البلاغة بشأن عدالة عقوبة الإعدام، من منطلق أن بإمكان الحكم بالاعدام، بما فيه من تعرض على حياة الانسان، أن يكون ذات طابع شعبوي وعمليا مجرد استجابة قضائية لضغط اجتماعي خارجي استبطنه القضاة. فهل يؤدي الحكم بما فيه من "شعبوية" الى استخلاص الدروس العميقة في اتجاه يمنع السلطة، أي سلطة، من وضع حد لحياة الانسان؟
الصورة منقولة عن موقع arabic.arabia.msn.com
متوفر من خلال: