دَاهمَت فرقة أمنية صباح الإثنين 21 أفريل منزل المحامي والقاضي الإداري السابق أحمد صواب. وبعد تفتيش منزله تمّت إحالته على قاضي التحقيق في قطب مكافحة الإرهاب الذي أذن بالاحتفاظ به، حيث تعهّدت بالأبحاث الوحدة الوطنية للبحث في جرائم الإرهاب.
وحسب تصريح أدلى به مصدر قضائي رسمي لوكالة تونس أفريقيا للأنباء (وكالة عمومية)، فإن اعتقال المحامي صواب جاء في إثر فتح بحث تحقيقي من أجل “جملة من التهم الإرهابية وجرائم حق عام مرتبطة بها”. هذا التصريح أكّده إعلام بالاحتفاظ لمدة 48 ساعة (تمّ تسريبه) أرسله قاضي التحقيق الأول بالمكتب الثاني عشر في القطب القضائي لمكافحة الإرهاب إلى رئيس الفرع الجهوي للمحامين بتونس، وَردَ فيه أن المحامي أحمد صواب يُواجِه تهما عدة من بينها “تكوين تنظيم وفاق إرهابي له علاقة بالجرائم الإرهابية وتوفير بأي وسيلة كانت مواقع إلكترونية ووثائق وصور لفائدة تنظيم وفاق إرهابي ولفائدة أشخاص لهم علاقة بالجرائم الإرهابية ووضع كفاءات وخبرات على ذمة تنظيم ووفاق إرهابي…” و”الإساءة للغير عبر الشبكة العمومية للاتصالات وتعمد استعمال شبكات وأنظمة معلومات واتصال لإنتاج وترويج ونشر وإرسال وإعداد أخبار وبيانات وإشاعات كاذبة ووثائق مصطنعة…”.
ويُواجه أحمد صواب تهمًا على معنى القانون المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال، وفصول من المجلة الجزائية ومجلة الاتصالات، والمرسوم عدد 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال.
تم تسخير كل هذه النصوص القانونية لإدانة المحامي صواب، عضو لجنة الدفاع عن المعتقلين السياسيين، بسبب تصريح أدلى به مساء الجمعة 18 أفريل أمام المحكمة الابتدائية وسط العاصمة تونس بعد إعلان هيئة المحكمة قرار المفاوضة والتصريح بالحكم في إثر الجلسة، في القضية المعروفة بـ”التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي”.
تصريح يُعبّر عن سياق بأكمله
كان أحمد صواب ضمن المحامين الذين تَجمّعوا مساء الجمعة الفائت في شارع باب بنات أمام المحكمة الابتدائية وسط العاصمة تونس. وقد أدلى أمام عدد من الصحفيين بتصريح انتقد فيه خضوع القضاء للسلطة السياسية في “قضية التآمر”، جاء فيه حرفيا: “هَذا رأيي ومَا يُلزِمني كان أنا: السْكَاكِن مُوش على المعتقلين، السْكَاكِن على رئيس الدائرة اللّي باش يُحكُم تَوّة” (هذا رأيِي يُلزِمُني فقط: السّكاكين ليست على رقاب المعتقلين فقط، وإنما أيضا على رقبة رئيس الدائرة القضائية الذي سيَحكم الآن). ثم أشار بيديه إلى حركة ذبح العنق.
تَشبيه خضوع القضاء بوُقوع السكّين فوق الرقبة، وهو تشبيه دارج وشائع في الاستعمالات اليومية والإعلامية، تَمّ اعتباره فِعلاً خطيرا يرتقي إلى مستوى الجرائم الإرهابية وجرائم تُهدّد الحق العام. وطيلة اليومين اللذين سبقا اعتقاله، شَكّلَ تصريح أحمد صواب مادة روّجتها صفحات مناصرة للرئيس سعيد، اعتبرت التصريح تهديدا للقضاة بالذبح وطالبت باعتقال صاحبه. وهو ما استجابت له الوكالة العامة لدى محكمة الاستئناف في تونس التي أذنت بفتح تحقيق بناء على ذلك التصريح.
أحمد صواب، المحامي والقاضي الإداري السابق وأحد مؤسسي اتحاد القضاة الإداريين، سبق وأن أطلق تصريحات حاول من خلالها توصيف حالة الخضوع للسلطة السياسية التي يعيشها القضاء التونسي، في قضية “التآمر” وقضايا مماثلة لها. فقد سبق أن قال في شهر فيفري الفائت لإذاعة محلية خاصة: “وضع القضاء التونسي اليوم ليس في أزمة فحسب، وإنما هو كما الوضع في غزة تمامًا وهو يعيش حالة من الخراب بالتمام والكمال”.
في فترة سابقة استعمل أيضا أحمد صواب مصطلح “المذبحة” تعليقا على قرار إعفاء 57 قاضيا من قبل الرئيس قيس سعيد، أول جوان 2022، وهذه الصيغة كانت المفكرة القانونية أول من استعملها في مقال لها آنذاك، وتداولَها عدد من المختصين في القانون والإعلاميين والسياسيين والمتابعين للشأن العام. ويعود استعمال مصطلح “المذبحة القضائية” في المنطقة العربية إلى حادثة العزل الجماعي الذي تعرض له أكثر من 189 قاضيا مصريا في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
كانت معظم تصريحات أحمد صواب تتحرّك دلاليا ومجازيا ضمن سياق سياسي وقضائي، تُشير وقائعه إلى استهداف مُنَظّم للسلطة القضائية من قبل السلطة التنفيذية منذ 25 جويلية 2021، بدءًا بالتحريض ضدهم والتشهير بهم في الخطاب السياسي الرسمي، مرورا بحل المجلس الأعلى للقضاء وإعفاء 57 قاضيا من دون محاكمات، وعدم الامتثال لقرار المحكمة بإيقاف تنفيذ أمر الإعفاء في حق 49 قاضيا، إضافة إلى ما بات يُعرف في الأوساط القضائية بـ”قضاء المذكّرات الإدارية”، وقد أدانت جمعية القضاة التونسيين هذه الآلية واعتبرتها مدخلا للسيطرة على المشهد القضائي عبر العقوبات والنُّقَل والتحكّم في المسارات المهنية للقضاة التونسيين.
تجريد لسان الدفاع في “قضية التآمر” من صَوت قوي
تمّ اعتقال المحامي أحمد صواب بعد يومين فقط من صدور أحكام ثقيلة في حقّ المعتقلين السياسيين في قضية “التآمر” تراوحت بين 4 سنوات و66 سنة. كما تزامن الاعتقال مع ندوة صحفية عقدتها هيئة الدفاع عن المعارضين المعتقلين، أوضحت خلالها مختلف الإخلالات التي شابت القضية وخلفياتها السياسية، وبيّنَت حالة الضغط التي سُلّطَت على القضاء خلال هذه القضية.
في الفترة التي سبقت اعتقاله، وعلى الأقل منذ بداية اعتقالات ملف التآمر في فيفري 2023، رسّخ المحامي أحمد صواب حضوره إعلاميّا كأحد أعضاء هيئة الدفاع. وتَميَّزَ هذا الحضور بالطرافة في القول وقدرة على تفسير أبعاد القضية بشكل يُتيح للجميع فهمه. كما سعى المحامي صواب إلى إبراز التناقضات وغياب الأدلة والقرائن في قضية التآمر من خلال انتقاء جمل بإمكانها الرسوخ في أذهان الناس، حيث سعى في معظم إطلالاته الإعلامية إلى التأكيد على أن ملف التآمر بُنِيَ في الأساس على سطرٍ وحيد ورد في تقرير لمدير شرطة عدلية سابق قال فيه: “لديَّ معلومات على وجود تآمر على أمن الدولة” ويضيف صواب بأن مدير الشرطة العدلية نفسه الذي فتَح الملف يقبع الآن في السجن.
وبأسلوب لا يخلو من السخرية كان يُردّد خلال الندوات أو أثناء الإجابة على أسئلة الصحفيين بأن ملف التآمر “يمكن أن يُدرَّس أكاديميا كنموذج لملف غابت فيه كل العناصر المادية لإدانة المتهمين”. وأثناء حضوره في الجلسة الثانية لقضية التآمر يوم 11 أفريل 2025، تحدّث أحمد صواب أمام عدد من الصحفيين عن مضمون مرافعَته قائلا: “لقد التزمت بعدم المرافعة في الأصل. وقلت للقضاة الذين أعرفهم، وهي ميزة يمنحني إياها تقدّمي في السنّ، قلت لهم الدّنيَا دوّارة واحكموا بضمائركم. وقلت لهم أيضا لو كنت مكانكم (قاضي طيلة ثلاث عقود) لرفضت البتة أن أحكم في مثل هذا الظرف”. ثم عَبّرَ عن انتقاده الظروف السيئة التي تمت فيها الجلسة وعدم حضور المتهمين احتجاجا على فرض محاكمتهم عن بعد وضرب حقوق الدفاع، محاولًا تلخيص ما حدث على النحو التالي: “فَراغ الملف يجب أن يُصاحَب (بالنسبة إليهم) بإفراغ المحاكمة العادلة من مكوناتها”. بالتوازي مع دوره كمحام في قضية التآمر، كان أحمد صواب حريصًا على إبراز موقفه السياسي المُعارض لنظام الرئيس سعيد، وسبق أن وَصف النظام قائلًا: “الرئيس قيس سعيد بدأ بالدكتاتورية حين أصدر الأمر 117، والدكتاتورية بالمفهوم القانوني هي احتكار السلطات من قبل شخص واحد، ثم مررنا إلى مرحلة الاستبداد بعد التضييق على الحريات، ونحن حاليًا نعيش في منظومة فاشية بعد إلغاء الأجسام الوسيطة أو بقاء المدجّن منها مع تقسيم المجتمع إلى أقليات”.