“
تتجه الحكومة اللبنانية نحو إنشاء ثلاث “محارق للنفايات”، أو كما يحلو للمسؤولين تسميتها “معامل التفكك الحراري”، بالإضافة إلى 25 مطمراً للنفايات، بحسب ما جاء في مقررات جلسة مجلس الوزراء بتاريخ 27 آب 2019. تعكس هذه المقررات الخارطة التي توافقت عليها القوى السياسية في الحكومة بشأن “الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة” التي تقدم بها وزير البيئة فادي جريصاتي.
وأشار ائتلاف إدارة النفايات والتحالفات البيئية المعارضة في 30 آب 2019، في دعوتهم للمشاركة في اعتصام أمام وزارة البيئة في بيروت تاريخ 3 أيلول 2019، إلى أن هذه الخارطة استندت على استراتيجية لم تصدر بعد. كما لم يتم إعداد دراسة تقييم بيئي استراتيجي لها، بما يتناقض مع القانون رقم 80 حول الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة الصادر في تشرين الأول عام 2018، الذي أعطى وزارة البيئة مهلة ستة أشهر لإصدار هذه الاستراتيجية لإدارة القطاع.
“لا نثق بوزارة البيئة” لافتة حملها مواطنون عدة شاركوا في الاعتصام، ليوضحوا اعتراضهم على توجهات وزارة البيئة وخياراتها في إدارة ملف النفايات. بالنسبة لمشارك آخر في الاعتصام “مين بيحرق نفايات كلها مي (أي نفايات سائلة)، يلي بيعمل صفقة وبيقعد بالفي”. وفي لافتة كبيرة أخرى عبّر المعتصمون عن رأيهم بالخارطة: “خارطة طريق إلى الهاوية، لا للمحارق، نعم لإدارة بيئية متكاملة للنفايات”.
بحسب المعتصمين أمام وزارة البيئة أول أمس، فإن قرارات مجلس الوزراء تأتي دون الاستناد إلى أرقام ومعلومات تؤكد حاجة لبنان لها، أو تأقلمها مع بيئتنا. وانطلاقاً من ذلك، رفض المعتصمون ما يُقال بأن هذه القرارات أخذت بعين الاعتبار رأي “المجتمع المدني” وكافة الأطراف، مشددين على أنه “لم نوافق ولا نوافق أبداً على اعتماد محارق للنفايات المنزلية في لبنان”.
إيجابيات تبقى حبرا على الورق؟
أراد المعتصمون، من ناشطين وخبراء في المجال البيئي، تصويب الحقائق حول ثغرات فادحة تتخلل بعض قرارات مجلس الوزراء. تبدو بعض هذه القرارات إيجابية، انما هي تبقى حبراً على ورق، وفقاً لبيان قرأته الناشطة سينتيا شقير. البيان لفت إلى إقرار مرسوم الفرز من المصدر والتوعية على مبادئ التخفيف والفرز، غير أنها بالنسبة لهم خطوات لا تتماشى مع توجه الدولة نحو إنشاء المحارق، متسائلين إن كان اللبنانيون سيفرزون النفايات ليتم حرقها. وكذلك الحال بالنسبة لقرار تأهيل مراكز الفرز والمعالجة الموجودة وإنشاء معامل جديدة، وهي خطوة لم يجد المعتصمون ربطاً لها مع إنشاء المحارق والمطامر. أما بالنسبة لإصدار مرسوم إدارة النفايات الخطرة، فهو إيجابي أيضاً إنما ينقصه “بنى تحتية لإدارة هذه النفايات”، وهذا دليل على اعتماد حلول مجزأة وإصدار مراسيم تبقى حبراً على ورق.
البلديات ترفض المحارق والمطامر
هواجس المعتصمين تتصل بالدرجة الأولى بإنشاء ثلاث محارق و25 مطمراً. فقد تمّ التوافق في مجلس الوزراء على إنشاء “معملين للتفكك الحراري” الأول في بيروت والثاني في دير عمار في الشمال، مع العلم أن بلدية دير عمار أصدرت بياناً عقب قرار مجلس الوزراء، ترفض من خلاله “إنشاء أي محرقة أو ما يسمى معمل تفكك حراري أو مطمر ضمن نطاقها، لما له تأثير سلبي على البيئة والصحة العامة”.
وأعطى مجلس الوزراء مهلة 15 يوماً للأحزاب السياسية لإيجاد موقع في جنوب لبنان لإنشاء “المحرقة” الثالثة. على الأثر، جاء موقف اتحاد بلديات إقليم الخروب الشمالي حاسماً بهذا الشأن، حيث أن المنطقة مطروحة ضمن خطة النفايات ليتم إنشاء “المحرقة الثالثة” ومطامر للنفايات في نطاقها. ففي بيان صدر في 30 آب 2019 شدد الاتحاد على الرفض القاطع لإنشاء محرقة أو ما يسمى “معمل التفكك الحراري”، أو مطمر “صحي” في أي بلدة من بلدات إقليم الخروب. والمستغرب أن تكليف مجلس الإنماء والإعمار للمباشرة بدراسة تقييم الأثر البيئي للمحرقتين، وتأهيل الشركات العالمية لبناء وتشغيل المحارق (لمدة 25 عاماً)، يأتي بالتزامن مع قرار إنشائها، أي أن الحكومة تجزم مسبقاً بأن دراسة الأثر البيئي لن تخرج بنتيجة تعارض إنشاء المحارق.
وبالنسبة للمطامر، الأمر مشابه بحيث تأتي الدراسات بعد القرارات. فقد تمّ التوافق على 10 مواقع، فيما أُمهلت البلديات شهراً لتقترح مواقع بديلة، وإلا ستعتبر المواقع التي اقترحت من قبل الحكومة موافقا عليها ضمنياً. وجاء في مقررات المجلس بشأنها بأنه بعد التوافق على المواقع “عندها يصار إلى البدء بالإجراءات القانونية لجهة استملاكها وتصنيفها. وإعداد الدراسات البيئية اللازمة استناداً إلى المرسوم 8633/2012 مع الاستخدام الفوري للمواقع”.
خارطة طريق إلى الهاوية
يُحذّر المعتصمون من سوء الإدارة وسوء التخطيط في ملف النفايات. فثمة عوامل عدة تُثبت بالنسبة لهم انعدام الدراسات التي تعطي معلومات حول حاجتنا للمطامر والمحارق، كدراسات الأثر البيئي والتقييم البيئي الاستراتيجي، وهو ما يؤشر بتكرار قصة مطمري برج حمود وكوستا برافا، عدا عن التخوف الشديد من سوء انعدام المعلومات حول طريقة إدارة المحارق وخاصة بما يتصل بالرماد السام الناتج عنها الذي يسبب أمراضاً سرطانية. ويُضاف إلى ما سبق، ما سيترتب على الدولة من أعباء اقتصادية جراء الكلفة المرتفعة لهكذا توجهات. فكُلها مؤشرات لا تبشر بالخير، أراد المعتصمون أن تُقال علناً لأن ما تأخذنا إليه الحكومة هو ليس خارطة طريق لإدارة النفايات بالنسبة لهم، إنما “خارطة طريق إلى الهاوية”.
المعتصمون رفضوا أيضاً خطة خارطة الطريق لأنها “خطة غير شرعية وغير علمية وغير مدروسة لأسباب أن مجلس الوزراء أخذ قرارا يلزم اللبنانيين لمدة 25 عاماً على الأقل بصرف أموال لإنشاء بنى تحتية للمعالجة والتخلص، وذلك قبل أن ينتهي من وضع تقييم بيئي استراتيجي ودراسة تقييم الأثر البيئي”. أي أنه لا يوجد دراسة تثبت أن لبنان يحتاج فعلاً ل 25 مطمراً، ولا يوجد معلومات تؤكد أن نفاياتنا مناسبة للحرق لإنشاء ثلاث محارق، غير أن المعتصمين شككوا بأن تكون الدولة اللبنانية قادرة على إدارة هذه الخطة.
وبناء عليه، بحسب البيان، أيضاً فإن القرارات المتخذة غير مبنية على معلومات دقيقة تُظهر قدرة استيعاب مراكز الفرز والتسبيخ، وقدرة استيعاب المحارق والمطامر، ومدة استمرارها. يُضاف إلى ذلك، أن القرارات تؤكد الاستعمال الفوري للمطامر، قبل تنفيذ الدراسات الملائمة لها.
ومن ناحية موازية، شجب البيان طريقة اتخاذ القرارات في قطاع النفايات، إذ لفت إلى أنها “قرارات سياسية ومحاصصة للأحزاب والطوائف”. وتُخالف برأيهم مبداً اللامركزية في إدارة النفايات الذي أقره مجلس الوزراء، حيث أن المجلس اتخذ القرارات بالنيابة عن البلديات، لكن بعض البلديات أبدت اعتراضها فوراً بعد اتخاذ القرارات، ما ينسف اللامركزية الإدارية.
من جهته، يؤكد رئيس جمعية الخط الأخضر علي درويش أن “طبيعة الاستهلاك في لبنان لا توفر موارد كافية لحرقها. إذ أن نسبة عالية من النفايات هي نفايات سائلة وهذه لا تحترق. بالتالي فإن الحكومة تقول إنها تريد الفرز، فلماذا لا تقوم بمعالجة النفايات عبر تدويرها؟” ويرى درويش أن “المحرقة تتطلب إدارة جيدة ونظام مراقبة نفتقد إليه، فالتجارب أثبتت افتقادنا لهذه القدرات، غير أن كلفة معالجة النفايات في المحرقة عالية جداً”. البديل بالنسبة لدرويش هو “الفرز من المصدر، لأن جزءاً من النفايات هي موارد. وعندما ترمى من دون فرز تصبح نفايات، لذا على الحكومة أن تتجه نحو التوعية على تخفيف النفايات أولاً. وثانياً، من الأجدى إصدار قانون للفرز من المصدر، ثم تشغيل معامل الفرز التي أنشئت قبل سنوات ولم يدم تشغيلها حتى توقفت نهائياً”. ويرى درويش، “لو أننا اعتمدنا تقنية الفرز منذ إنشاء مطمر الناعمة، لكان استمر المطمر لنحو 35 سنة”.
الحكومة تستعين بأشخاص لا يمثلوننا
بدورها، تحدثت الناشطة البيئية فيفي كلّاب عن كيفية إقصاء الخبراء البيئيين المتمسكين بالآراء المعارضة عن إبداء الرأي. فهي توضح أن اختيار وزارة البيئة للخبراء لتمثيل الرأي المعارض خلال إعداد الخطط البيئية يحصل دون العودة إلى كافة الائتلافات والتجمعات البيئية في المجتمع المدني. إذ يتم إقصاء المعارضين ليتم اختيار أشخاص يتماشون مع قرارات السلطة. تُضيف كلاب، “من غير المقبول الاستمرار بهذه الطريقة، وفي السابق طالبنا بمناظرة تلفزيونية لنواجههم فيها بالحقائق العلمية، ولم يوافق أحد من الوزراء والنواب على الأمر”.
من جهتها، نشرت جمعية الأرض-لبنان على صفحتها على وسائل التواصل الاجتماعي منشوراً تؤكد فيه أنه، و”بعد مراجعة مقررات مجلس الوزراء الصادرة بتاريخ 27 آب 2019 حول خطة وزارة البيئة 2019 -2030 ومرفقاتها وخاصة خارطة المناطق الخدماتية المقترحة وخارطة المواقع المقترحة لإنشاء أو توسيع أو تشغيل مطامر صحية، تبين أن عدد المحارق ومعامل التفكك الحراري هو 14 وليس 3
كما تبين أن عدد المطامر المقترحة هو 33 وليس 25. ووعدت الجمعية بنشر أسماء المناطق وأماكن المحارق والمطامر المقررة قريباً.
“