اعتصام طلّابي أمام “التربيّة”: العدالة لأبناء المناطق المتضرّرة لن تضرّ بمستوى الشهادة 


2025-05-02    |   

اعتصام طلّابي أمام “التربيّة”: العدالة لأبناء المناطق المتضرّرة لن تضرّ بمستوى الشهادة 

اعتصم صباح اليوم طلاب الشهادة الثانوية الرسمية أمام وزارة التربية في بيروت، مطالبين بتقليص المناهج واعتماد مواد اختياريّة، على غرار السنوات السابقة، وذلك بما يتناسب مع ما تسبّبت به الحرب الإسرائيليّة الأخيرة من تأخّر للالتحاق بمدارسهم وبالتالي عدم إنهاء المنهج المطلوب للامتحانات ولاسيّما في المدارس الرسميّة. هذا فضلًا عمّا تسبّبت به هذه الحرب من ظروف نزوح وتدمير وقتل عاشه الطلاب لأشهر، ومنهم من لا يزال يعيشه بسبب تكرار الخروقات الإسرائيليّة لاتفاق وقف إطلاق النار. 

وأشار المعتصمون خلال عدد من الكلمات التي ألقوها إلى أنّ تحرّكهم اليوم يأتي بعد لقاء جمع وزيرة التربية ريما كرامي الأسبوع الماضي بمجموعة من الطلاب، وبعد ما أسموه “نكثًا بوعودها لهم”. وقال الطالب علي سويد الذي شارك في اللقاء، إنّ الاعتصام اليوم هو “اعتصام عتب” على الوزيرة التي وعدتهم خلال اللقاء بـ “أنْ تأخذ ظروفهم في الاعتبار، وتحرص على تكافؤ الفرص، ولكنّها لم تعتمد المواد الاختياريّة ولم تُقلّص المناهج بالشكل الذي يتناسب مع ما استطاعت المدارس في المناطق التي طالتها الحرب تغطيته ولاسيّما الرسميّة منها”.

وكانت وزيرة التربية أعلنت يوم الأربعاء الماضي عدم اعتماد مواد اختياريّة في الامتحانات الرسميّة  لـ “عدم وجود ضرورة” وإجراء “تخفيض وفقًا للحاجات في مضامين عدد من المواد ووفقًا للأهمية في الشهادة”.

وأشارت الوزيرة في مؤتمر صحافي إلى أنّها “عقدت لقاءات مفتوحة مع الأساتذة واستمعت إلى مخاوف الأهالي واطلعت على نتائج استطلاعات الرأي للأساتذة والطلاب (…) وتمّ لحظ الهواجس والاقتراحات”، وقالت إنّها “اعتبرت أنّ العام الدراسي ابتدأ فعليًا في أول كانون الثاني مع 4 أيام تدريس”. 

ورفع الطلاب المعتصمون لافتات تتحدّث عن العدالة وعن حقّهم في اعتراف الوزارة بأنّهم عاشوا حربًا جعلت ليس فقط عامهم الدراسي استثنائيًا بل حياتهم بكلّ تفاصيلها، ما يتطلّب إجراءات استثنائيّة في الامتحانات الرسميّة. وسأل الطلاب الوزيرة عن الاختصاصيين الذين أخذت برأيهم وإن كان هؤلاء فعلًا يعيشون في لبنان ويعرفون أنّه تعرّض لعدوان إسرائيلي، داعين إيّاها إلى جولة على قراهم ومناطقهم للاطلاع عن كثب على مأساتهم. 

وشهد الاعتصام الذي لن يكون الأخير بحسب الطلّاب المشاركين، مشاركة لطلاب من مدارس خارج الجنوب والضاحية الجنوبيّة والبقاع وطلاب من مدارس خاصة، أتوا للتضامن مع زملائهم. 

بالكاد أنهينا نصف المنهج المطلوب 

“مستوى الشهادة الرسمية ليس أهمّ من العدالة، والعدالة لا تعني أن نُعامل الجميع بالطريقة نفسها، بل أخذ ظروف الكلّ بعين الاعتبار” يقول الطالب أحمد بدر الدين من ثانوية البازورية الرسميّة، مضيفًا: “المسألة واضحة هناك طلاب تسنّى لهم أن ينهوا المنهج وهناك طلاب مثلنا لم يتمكّنوا من الأمر، كيف يُمكن أن يكون إجراء الامتحان نفسه لهم جميعًا عادلًا ويُعيد مستوى الشهادة؟”

زهراء موسى نزحت خلال الحرب من منزلها في برج الشمالي إلى إحدى مدارس عكّار وكما معظم طلاب المدارس الرسميّة انقطعت عن الدراسة لأشهر، فحتّى حين اتُخذ قرار الدراسة عن بعد لم تتمكّن من متابعة دراستها “كنّا نازحين، ولا يوجد إنترنت، كنّا نعيش في ظروف صعبة لا تسمح لنا بالدراسة” تقول.

الظروف نفسها تتحدّث عنها الطالبة زهراء رضا ابنة عيتا الشعب مذكّرة وزيرة التربية بأنّ طلّاب القرى الحدوديّة لم يتلقّوا المعارف المطلوبة ليس فقط هذا العام بل خلال العام الماضي أيضًا. “نحن أبناء القرى الحدوديّة كنّا أول النازحين، وأوّل من تأثّر بالحرب، عشنا التهجير مرتين وانتقلنا هربًا من منزل إلى آخر،  أنا لا أزال مهجّرة، منزلي في قريتي مدمّر، ومدرستي التي انتقلت إليها أيضًا أقفلت لأكثر من شهرين” تقول، مضيفة: “كلّ هذا لا تراه الوزيرة، نحن لم نكمل المنهج، كيف نُختبر بما لم ندرسه؟”

وكذلك تتحدّث آية الموسوي الطالبة في ثانوية شحور الرسميّة عن التهجير الذي عاشته وعن بيتها الذي تضرّر وعن كلّ الظروف الصعبة التي عاشتها فتقول: “نزحنا إلى منزل أقاربي في خلدة، كان في المنزل أكثر من عائلة، عشنا التهجير ومنّا من لم يعد إلى منزله بعد، عشنا  كلّ يوم خبر استشهاد وخبر دمار منزل وتضرّر آخر، التحقنا بالمدرسة متأخرين أشهر عن زملائنا، بالكاد أنهينا نصف المنهج، والوزيرة تريد الحفاظ على مستوى الشهادة هذا العام تحديدًا”.

كما في الجنوب كذلك في الضاحية الجنوبيّة، يُخبرنا أحد طلاب ثانوية زاهية سلمان الرسميّة في بئر حسن أنّ مدرسته لم تتمكّن من إنهاء المنهج بعد “نحن درسنا حتّى اليوم 6 دروس اقتصاد من أصل 19” يقول.

ويقول زميله في المدرسة نفسها: “نحن لم ننه المنهج المطلوب منّا، وظروف الكثيرين منّا صعبة، أنا لم أعد إلى بيتي في الشيّاح حتّى هذه اللحظة، بيتي تدمّر وأسكن وعائلتي حاليًا عند بيت جدّي”. 

لا يختلف الوضع كثيرًا في البقاع إذ يقول عبد الجبّار وهو طالب في ثانوية سعدنايل الرسمية: “نحن طلاب المدرسة الرسميّة لم نتعلّم لشهرين، وندرس 3 أيام في الأسبوع، كيف يمكن أن نكون قد أنهينا المنهج”. 

آثار الحرب طالت طلّاب لبنان خارج مناطق الاستهدافات أيضًا 

لم تطل آثار الحرب فقط طلّاب المدارس الرسميّة في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبيّة بل طالت أيضًا طلاب المدارس الرسمية في مناطق أخرى بسبب اعتماد خطّة الطوارئ هذه المدارس كمراكز إيواء، كما طالت عددًا من المدارس الخاصّة في المناطق التي كانت تحت مرمى الاعتداءات الإسرائيليّة. 

“ابنتي في مدرسة رسمية في منطقة الشويفات، بدأ عامها الدراسي في شهر كانون الثاني، ولم تستطع مدرستها إنهاء المنهج، من اختار المدارس كمراكز إيواء دون كلّ مرافق الدولة هو من عليه أن يتحمّل المسؤوليّة، كان عليه حينها أن يفكّر بمستوى الشهادة الرسميّة” تقول سيّدة قابلناها في الاعتصام.

كذلك تُشير سيلين بو سعيد وهي طالبة في ثانوية مجدل بعنا الرسميّة إلى أنّ مدرستها لم تنهِ المنهج بعد “لم تتعرّض قريتي لاعتداءات إسرائيليّة ولكنّ مدارسها استقبلت نازحين، فأقفلت طوال الحرب”.

ليس بعيدًا يلفت علي قدوح إلى أنّه طالب في ليسيه حناويه وهي مدرسة خاصّة في الجنوب اضطرت أيضًا للإقفال ما تسبّب بالتأخر في إعطاء المنهج. “الأمر لا يتعلّق فقط بإنهاء المنهج، وأيضًا بكيفيّة هذا الإنهاء، ما يأخذه طلاب آخرون في عدّة حصص نأخذه في حصّة، لم نعد نكتب وراء الأستاذ، يوزّعون علينا ملفات مطبوعة كسبًا للوقت، المدرسة تحاول أن تقدّم أفضل ما لديها ونحن أيضًا، ولكن هناك ظروفًا قاهرة” يقول.

ويُخبرنا علي ابنة بلدة ياطر عن حجم الدمار في قريته وعن أيّام عاشها نازحًا في طرابلس وعن بيته الذي يعمل والده على إصلاحه قائلًا: “ضيعتي نصفها مدمر، نزحت إلى طرابلس في الحرب، كنّا أكثر من عائلة في بيت واحد، كنت أسمع وأقرأ أخبار الاستشهاد والتدمير وأنا أحاول جاهدًا متابعة دراستي، نحن لسنا كسالى نحن نحبّ العلم، ولكن ما حصل فوق طاقتنا”.

نحن أبناء وطن واحد 

وشارك في الاعتصام عدد كبير من طلّاب مدارس رسميّة كانت خارج نطاق الاعتداءات الإسرائيليّة خلال الحرب ومدارس خاصّة استطاعت أن تُنهي المنهج المطلوب للامتحانات بخلاف المدارس الرسميّة أو حتّى المدارس الخاصة التي كانت في مناطق طالتها الاعتداءات. “نحن وضعنا جيّد أنهينا المنهج، ومستعدون للامتحانات، ولكنّنا لسنا وحدنا في لبنان، ما ذنب من تهجّر وتدمّر بيته وأُقفلت مدرسته؟” يقول آدام وهو طالب من مدرسة “الآي سي” (International College) معتبرًا أنّه ليس من العدالة بمكان أن يخضع هو ومن تهجّر من منزله والتحق متأخرًا بالعام الدراسي، للامتحان نفسه. 

الأمر نفسه يُكرّره زميله فوزي شعبان، متسائلًا عن مفهوم العدالة التي تُحاول وزارة التربية إيصاله للطلاب إذا لم تأخذ ظروف  الطلاب في الاعتبار “طلّاب الجنوب والبقاع والضاحية عاشوا ظروفًا صعبة، وما زالوا يعيشون تبعات الحرب، هذا غير الأثر النفسي، أنا جاهز للامتحان لم أتأثّر مباشرة بالحرب، ولكن زملائي في الوطن نفسه تأثّروا”. 

بالإضافة إلى العدالة، تسأل لين وهي طالبة من مدرسة السان جورج، عن مفهوم المواطنة “نحن في مدرستنا انتهينا من المنهج، ولكن زملائي في مدارس رسمية لم يصلوا حتّى إلى ما كنّا أنهيناه منذ أشهر. هناك طلاب لبنانيون عاشوا ظروفًا صعبة تهجّروا ودمّرت إسرائيل بيوتهم وقتلت أهلهم، أو أقفلت مدارسهم بسبب استقبالها للنازحين، هم جزء من هذا الوطن أيضًا وواجبنا أن نعلّي الصوت معهم” تقول.

أمّا زميلتها في الصف ليليا فتذكّر الوزيرة بأنّ الاعتداءات الإسرائيليّة لا تزال مستمرّة حتّى في الضاحية الجنوبيّة لبيروت، وهناك من لم تنته الحرب بعد بالنسبة له. “في ناس خرجت من بيوتها بعد إنذارات في السلم وعادت ولم تجد منزلها، طلاب الضاحية والجنوب لا يزالون يعيشون رعب الحرب، ولا بدّ من المطالبة بالعدالة لهم”.

وتُشير راشيل مهنا وهي طالبة في مدرسة راشيا الرسميّة إلى أنّ المواد الاختيارية معتمدة في عدد كبير من الدول لأنّها تُراعي الصحة النفسية للطالب ورغباته وميوله للدراسة الجامعية، هذا ما عدا عن أنّه “ليس من العدالة ولا بمكان أن يخضع من نزح وعانى، للامتحان نفسه الذي سيخضع إليه من لم تطاله آثار الحرب”.

وليس بعيدًا تقول زميلتها في الصف جلنار بحمد “السنة استثنائيّة لذلك يجب أن يكون هناك استثنائيّة بالامتحانات، هذا هو المنطق أمّا مستوى الشهادة فنقاش آخر، ولن يتضرّر من مراعاة زملائنا هذا العام”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

الحق في التعليم ، لبنان ، مقالات ، الحق في الصحة والتعليم ، العدوان الإسرائيلي 2024



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني