وجد عدد من المتقاضين بالمغرب أنفسهم في حيرة من أمرهم في إثر صدور قرارات متعارضة بين بعض المحاكم بعد التقسيم الجغرافي الجديد، الذي أحدث محاكم جديدة، وأعاد توزيع الخارطة القضائية. فقد رفضت بعض المحاكم الاستمرار في البتّ في قضايا لم تعد تدخل في اختصاصها المكاني، وأحالتها على المحاكم الجديدة. إلا أن هذه الأخيرة رفضت بدورها البت فيها بعلة أنه لا يوجد أي نص قانوني يلزمها بذلك.
آخر تلك الأحكام ما صدر عن المحكمة الابتدائية بتيفلت (وسط المغرب)، حيث صرح الحكم بعدم قبول الإحالة وإرجاع الملف إلى المحكمة الابتدائية بالخميسات، وقد اعتبرت المحكمة أنها غير مختصة للنظر في القضية، وأن سند الإحالة غير مؤسس قانونا، في ظلّ غياب نصّ تشريعي صريح ينص على هذه الإحالة وعدم إثارة الدفع بعدم الاختصاص المكاني من قبل أحد الأطراف لعدم تعلّقه بالنظام العام.
المحكمة عللت حكمها بأن “الثابت قانونا وفقها أن الاختصاص المكاني ليس من النظام العام حتى تثيره المحكمة تلقائيا دون طلب أحد الأطراف، بقوة الفصلين 16 و27 من قانون المسطرة المدنية، وهو الاتجاه الذي سار عليه العمل القضائي من خلال العديد من القرارات. كما أن الخروج عن القاعدة إستناداً إلى مقتضيات الفصل 26 من التنظيم القضائي لا يمكن اعتماده أساسا مسطريا للتصريح بعدم الاختصاص المكاني بصفة تلقائية نتيجة تغيير الخريطة القضائية لبعض المحاكم. فالفصل 26 ينص على أنه تدخل مقتضيات هذا الظهير بمثابة قانون في حيز التطبيق ابتداء من فاتح أكتوبر 1974، إذ “تحال على المحاكم الجديدة ابتداء من ذلك التاريخ بحكم القانون جميع القضايا التي تدخل ضمن اختصاصها والتي ليست جاهزة للبت فيها، دون تجديد للأعمال والإجراءات والأحكام التي صدرت من جديد لهذه الغاية”. بذلك، تنحصر عبارة هذا المقتضى الخاص في إحالة جميع القضايا الإقليمية والمحاكم الشرعية والمحاكم الاجتماعية ومحاكم السدد إلى المحاكم الجديدة وهي المحاكم الابتدائية والتي لا يمكن تمديدها لتشمل تغيير الخريطة القضائية عند ترقية مراكز للقضاة المقيمين إلى محاكم ابتدائية. قهذه الحالة تبقى مقيّدة من حيث الزمان بتاريخ دخول ظهير 15 يوليوز 1974 حيّز التطبيق الذي هو فاتح أكتوبر من السنة نفسها، وهو ما دلّت عليه عبارة “ابتداء من ذلك التاريخ” التي تضمنها الفصل 26 المذكور”.
وأضافت المحكمة في تعليلها أن “ما يعزز أن الفصل موضوع سند الإحالة مقيد زمنيا، أن المشرع حتى في الحالة التي تم فيها إحداث محاكم نوعية جديدة مثل المحاكم الإدارية، فإنه لم يتم إعمال الفصل 26 من ظهير 15 يوليوز 1974 وإنما جعل محكمة النقض والمحاكم العادية تظل مختصّة بالبت في القضايا التي أصبحت من اختصاص المحاكم الإدارية، إذ سجلت أمامها قبل تاريخ دخوله حيز التنفيذ.“
وسبق لنادي قضاة المغرب أن انتقد قرار الحكومة بإحداث محاكم جديدة في عدد من المدن، بشكل فجائي. وقال عبد اللطيف الشنتوف رئيس نادي القضاة أن المبادرة تمت بشكل مفاجئ، من خلال نشر مشروع مرسوم متعلق بإحداث محاكم يصل عددها إلى 13 محكمة بمختلف جهات المغرب. وتساءل كيف سيتم تدبير هذه المحاكم الجديد بكل ما تحتاجه من قضاة وموظفين وموارد بشرية، في ظل الخصاص الكبير مع انسداد أفق التوظيف الجديد بعد دخول القوانين الجديدة للسلطة القضائية حيز التنفيذ والتي تحيل كما هو معلوم على قوانين لم توجد بعد، وكذا عدم وجود بنايات أو بنايات غير لائقة؟ معتبرا أن الأولى هو الإسراع بإخراج قانون التنظيم القضائي الجديد، وتعديل قانون المعهد العالي للقضاء ليواكب المستجدات التي جاءت بها القوانين التنظيمية بما يسمح بفتح الباب أمام اختيار الكفاءات للدخول للمعهد.
وكانت هيئات المحامين قد انتقدت بدورها تسرع الحكومة في تنزيل مرسوم إحداث المحاكم الجديدة دون إعمال المقاربة التشاركية وهو ما أسهم في خلق عدة مشاكل عملية على مستوى التطبيق.
مواضيع ذات صلة
الخريطة القضائية بالمغرب تدخل حيز التنفيذ: إكراهات واقعية وقانونية
مرسوم حكومي بتغيير الخريطة القضائية في المغرب: استحداث محاكم قبل تأمين الموارد الضرورية
إشكالية تحكم السلطة التنفيذية في الخريطة القضائية بالمغرب (تعليق على مشروع قانون التنظيم القضائي)
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.