اصلاح معايير اسناد الخطط القضائية: استحقاق مؤجل من دون تبرير


2012-07-11    |   

اصلاح معايير اسناد الخطط القضائية: استحقاق مؤجل من دون تبرير

(تونس): اعتبر القضاة التونسيون من خلال المواقف التي تبنتها هياكلهم المهنية وخصوصا منها جمعية القضاة التونسيين أن مراجعة معايير اسناد الخطط القضائية يعد مدخلا لازما لإصلاح القضاء، فطالبوا باعتماد معايير استثنائية ذات طابع انتقالي تسمح بالتنازل ولو جزئيا عن معيار الأقدمية في اسناد الخطط الوظيفية القضائية بالمحاكم العدلية لفائدة معياري الاستقلالية والكفاءة المهنية. وقد استندت الدعوة الى مراجعة هذه المعايير الى أمرين: الأول، أن تدرج القضاة في رتبهم القضائية كان يخضع قبل الثورة في جانب كبير منه لمعيار الولاء السياسي ويقدم كجزاء على خدمات يقدمها القضاة الموالون لدوائر الفساد في السلطة. كما كان رجال الأعمال الفاسدون وأفراد الأسرة الحاكمة يتدخلون في التحركات القضائية ويدعمون أصدقاءهم في تولي المسؤوليات القضائية بشكل ميز القضاة الفاسدين. والثاني، أن القضاة المستقلين كانوا يحرمون في اطار عقوبات مقنعة من حقهم في التدرج الوظيفي الطبيعي، فتتعطل ترقياتهم بشكل يجعلهم خارج اطار المنافسة على تولي الخطط الوظيفية القضائية السامية في ظل تراتيب تشترط في من يحق له الترشح لاحدى هذه الخطط التمتع بالأقدمية وتحمل مسؤولية وظيفية معينة في الرتبة السابقة.
وبعد أن رفضت مصالح وزارة العدل خلال الفترة التي سبقت انتخابات المجلس الوطني التأسيسي النظر في الأمر فيما عد بمثابة مقاومة من سامي القضاة الذين كانوا يتولون مواقع القرار لأي تغيير. وبعد أن اسفرت الانتخابات عن تولي حكومة منتخبة لمقاليد الأمور، بادر وزير العدل الى مراجعة الموقف وأبدى اقتناعا بعدالة المطلب ومشروعيته الثورية. فأعلن ان تنقيح الأمر عدد 436 لسنة 1973 المؤرخ في 21 سبتمبر 1973 والذي ينظم ضبط الوظائف التي يمارسها القضاة العدليون أمر متأكد، وأضاف أن مصالح وزارته شرعت في العمل على ادخال اصلاحات على معايير اسناد الخطط القضائية ستفضي الى وضع حد لحرمان عدد كبير من القضاة من حقوقهم في تحمل الوظائف القضائية السامية.
انتظر القضاة أن يتم الاعلان سريعا عن التصورات الجديدة التي وعدت وزارة العدل بإرسائها خصوصا وقد تبين لهم أن مجهود  اصلاح البيت القضائي من الداخل أضحى يصطدم بعجز القوانين النافذة عن ادخال تغييرات حقيقية في المناصب القضائية العليا، فأغلب القضاة الذين تتوفر فيهم الشروط القانونية لتقلد تلك المناصب كانوا جزءا من منظومة الفساد القضائي الذي أهلهم للارتقاء الوظيفي السريع وحرم سواهم منه. كان من المتوقع أن يتم الاعلان عن الأمر المرتقب قبل نهاية السنة القضائية وأن يتضمن هذا الأمر اعادة اعتبار للقضاة المستقلين وأن يسمح بايجاد آليات توزيع جديدة للمسؤوليات القضائية بشكل يزعزع جمود الهرمية القضائية ويبرز رموزا من القضاة السامين تجتمع في أشخاصهم الكفاءة المهنية مع التشبع بروح الاستقلالية والابتعاد عن شبهات التورط في منظومة "قضاء التعليمات".
فوجئ القضاة بأن وزارة العدل أبطأت في اعلان المراجعة التي وعدت بها، وعاينوا أنها تولت مباشرة تعيينات في مائتي خطة قضائية من جملة ثلاثمائة خطة وظيفية وفق ذات المعايير القديمة، كما فاجأهم توزيع مصالحها لمطالب النقل والترقيات عليهم مصحوبة بدليل يبين الخطط الوظيفية القضائية الشاغرة من دون أي اشارة الى مآل الاصلاح المنتظر. لم تكن مسألة مراجعة مقاييس اسناد الخطط القضائية معقدة اجرائيا لأنها تخضع لأمر ترتيبي يصدر عن رئيس الحكومة دون حاجة للمرور بمسارات دواليب اللجان التشريعية ولم يكن موضوع الاصلاح مسألة خلافية بين وزارة العدل وهياكل القضاة المهنية، فالجمعية بادرت بالطلب ونقابة القضاة ساندته ووزارة العدل رحبت به، فكان الاصلاح استحقاقا تم الاجماع عليه في الظاهر. وكان يتوقع أن تعلن المقاييس الثورية لتقلد المناصب القضائية قبل موعد التحركات القضائية لكي تكون الحركة القضائية موعدا لإعلان بعث روح جديدة في مختلف المحاكم. لكن ذلك لم يحصل؛ وهو ما يطرح السؤال حول مشروعية التأخير الحاصل وحقيقته: هل أنه تأخير يقصد منه تأجيل الاصلاح أم أنه تأخير فرضته غياب التصورات العملية لمن حركتهم  النوايا الطيبة؟
م.ع.ج

انشر المقال

متوفر من خلال:

غير مصنف



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني