بخطوات ثابتة يتقدّم التحقيق في قضية مقتل الطفلة الضحية لين طالب في نهاية الشهر الماضي. فبعد ادعاء المحامية العامة الاستئنافية في الشمال ماتيلدا توما على الوالدة والجد بشبهة الاغتصاب والتسبب بالوفاة والتستر عليها، أحالتهما موقوفين أمام قاضية التحقيق الأوّل في الشمال سمرندا نصّار التي استهلّت عملها يوم أمس 27 تموز بإصدار مذكرتي توقيف بحق المدّعى عليهما اللذين ظهرت عليهما علامات التوتر والتعب في قصر العدل في طرابلس.
ويتمسّك المحامي عمر طالب، الوكيل القانوني لوالد الضحية الذي اتخذ صفة الادعاء الشخصي في القضية، بسرّية التحقيق والتحفّظ على بعض المعطيات التي سيبنى عليها قرار الإدانة، رافضًا “القفز إلى خلاصات وأحكام نهائية”. ويشير المحامي إلى “أنّنا في بدء مسار قضائي، سيستمر تباعًا، حيث ستعقد جلسة ثانية نهار الخميس المقبل. فيما ينتظر مجموعة من المعطيات، وتحليل بيانات الاتصالات، وتقارير الخبرة وفحوص الحمض النووي من أجل تكوين القناعة، ومواجهة المشتبه بهما فيها، ناهيك عن الاستماع تباعًا إلى مجموعة من الشهود، وصولًا إلى الإدانة”. كما يعتقد عمر في الوقت نفسه أنّه “كان من البديهي إصدار قرار التوقيف بحق المشتبه بهما في انتظار الخطوات القانونية المقبلة”.
تفاصيل المأساة
تفيد أوساط عائلة والد لين بأنّ والديها في حالة خلاف وانفصال منذ حوالي العام والنصف، وقد وقع الطلاق رسميًا عشية شهر رمضان الماضي وكانت الطفلة خلال كل تلك الفترة تقيم مع عائلة والدها. ولكن بعد الطلاق، بدأت بالتردد على عائلة أمها في المنية بموجب قرار قضائي.
ويروي ابن عم لين، عامر طالب الذي كلّفته العائلة متابعة القضية مع المحامي أنّه: “بعد حوالي أسبوع على غياب الطفلة التي ذهبت لقضاء عطلة عيد الأضحى عند بيت جدّها لأمها في المنية، تلقينا اتصالًا يبلغنا أنّ الصغيرة تعرّضت لسقطة ووضعها الصحي حرج، وما لبثت أن فارقت الحياة”. ويضيف: “قصدنا المستشفى وهناك تفاجأنا بوجود تقارير طبية تفيد بأنّ الفتاة توفيت نتيجة نزيف حاد ناجم عن اغتصاب متكرّر، وقد أبلغنا الطبيب أنّ الطفلة عانت من حرارة عالية قبل الوفاة”. ويلفت إلى أنّه “لم يكن بالإمكان الجزم بأنّ أحد أفراد عائلة الأم هو من قام بالفعل، ونحن نتمسّك بالإجراءات التي تقوم بها الدولة، وفحوص الحمض النووي وداتا الاتصالات، ولكن هناك شبهات كبيرة بسبب الفترة والمكان اللذين وقع خلالهما الحادث حول الأم بالتستّر، والجد بالاغتصاب”.
وكانت الوالدة قد نقلت لين إلى مستشفى المنية في أوّل أيام عيد الأضحى في 28 حزيران (تاريخ الوفاة) بعد ارتفاع حاد في الحرارة ثمّ أعادتها إلى منزل جدّها رغم وضعها الحرج، قبل أن تنقلها من جديد في اليوم نفسه إلى المستشفى. وتفيد المعلومات أنّه بعد إعادة الطفلة إلى المستشفى، تبيّن أنّها فارقت الحياة، وهناك كدمات على جسدها.
وكان المكتب الإعلامي لوزير الصحة فراس أبيض قال في بيان في تاريخ 1 تموز الجاري ردًا على الاتهامات للمستشفى بكتم معلومات، أكد فيه متابعة الوزارة لظروف وفاة الطفلة، كما كشف واقعة أنّ “الطفلة نقلت مرتين متتاليتين في اليوم نفسه إلى مستشفى المنية الحكومي”.
وقد تواصلت “المفكرة” مع مدير العناية الطبية في وزارة الصحة د. جوزيف الحلو، ومدير مستشفى المنية الحكومي د. ديما جمال إلّا أنّهما رفضا إعلان أي شيء حول حقيقة ما جرى في المستشفى لأنّ الملف أصبح بيد القضاء بالكامل، ولا يمكن الكشف عن مضامينه.
وسأل عامر طالب (ابن عم لين) ردًا على اتهامات الوالدة إلى عائلة الأب بإساءة معاملة الطفلة، وبأنّ أحد أعمامها ليس سويًا، وربما هو من قام بهذا الفعل المستقبح: “لماذا لم تدّعِ الوالدة عليهم في هذه الأفعال؟ وكيف لأم أن تسكت سنتين عن تعرّض ابنتها للتحرّش (من قبل عمّها) في حال صحته؟”، واصفاً كلام الوالدة بأنه “ذرّ الرماد في العيون”.
ويتحدث عامر عن تمسّك عائلة لين من آل طالب وسكان سفينة القيطع قريتها، بتطبيق القانون وتحقيق العدالة، وإدانة من حاول تضليل التحقيق، وإلصاق الجريمة بآخرين وعائلة الضحية.
تحقيقات أوّلية موّسعة
بعد وفاة الطفلة وفي أعقاب مخابرة الضابطة العدلية والنيابة العامة، باشر طبيبان شرعيان الكشف على جثتها. وحسب العائلة فإنّ التقريران أكدا تعرّض الطفلة لاغتصاب متكرر، أدى إلى نزيف شرجي حاد وبالتالي الوفاة.
يرفض الطبيب الشرعي سامي الأحدب الكشف عن مضمون التقريرين لأن “التقرير ليس ملك الطبيب وإنّما ملك القضاء حصرًا منذ أن أصبح في عهدة النيابة العامة”. ويضيف أنّ “الطبيب الشرعي يباشر عمله تحت إشراف النيابة العامة، ومن أجل قطع الشك باليقين، يتم تعيين طبيبين اثنين أو أكثر للكشف على الضحية وهذا بروتوكول متعارف عليه دوليًا لعلّ أحدهما أخطأ”، و”قد يحصل الكشف بصورة مستقلة أو بالاشتراك (بين الطبيبين) من أجل إعداد التقرير المفصّل”. ويشير إلى أنه “إجراء احترازي تقوم به النيابة العامة لعدم مواجهة مشاكل لاحقة في أثناء مراحل التقاضي”.
على أي حال حدا التقريران بالقاضية ماتيلدا توما إلى إحالة ملف التحقيق من فصيلة المنية في طرابلس إلى مكتب مكافحة الاتجار بالبشر وحماية الآداب في بيروت للإفادة من خبرتهم في التحقيق بجرائم الاعتداء والاغتصاب، والاستعانة بخبرة شعبة المعلومات من أجل تدقيق البيانات وداتا الاتصالات. وأجرت القاضية تحقيقات أوّلية مع أفراد عائلتي الأم والأب بالكامل، وشهود من بلدتي سفينة القيطع والمنية، كما ضُبطت الهواتف الخاصة بهم. وعلى الأثر، ادعت القاضية توما على الجد للأم فواز بوخليل بشبهة الفاعل الأساسي، وعلى الأم وعد بوخليل بشبهة التستر على الانتهاك، وأحالتهما موقوفان إلى قضاء التحقيق.
وعقدت قاضية التحقيق الأوّل في الشمال سمرندا نصّار جلسة التحقيق الأولى يوم أمس في 27 تموز، استجوبت خلالها الوالدة بحضور وكيلتها القانونية، واستمعت إلى مجموعة من الشهود، فيما استمهل الجد حتى نهار الخميس المقبل لأجل تعيين محام. وفي ختام الجلسة، أصدرت القاضية نصّار مذكرتي توقيف وجاهية بحق المدّعى عليهما.
تدخّل اتحاد حماية الأحداث
تكشف أميرة سكر رئيسة اتحاد حماية الأحداث أنّه “ما إن تبلّغ الاتحاد بالقضية، توجّه مندوبان اجتماعيان لحضور التحقيق لدى الفصيلة في طرابلس”، مضيفة: “كما هو معهود، يشارك الاتحاد في التحقيقات المتّصلة بالاعتداءات الجنسية، والتحرش، والاغتصاب، والاتجار بالبشر”، مشددةً على الدور الذي لعبه مكتب الاتجار بالبشر في القضية.
تستنكر سكر “سيل الاتهامات والإدانات في الإعلام، وتسريب بعض التفاصيل، لأنّ ذلك غير مقبول”، مضيفةً “في ملف لين طالب كان هناك موقف حازم من القاضية توما، ولم يحصل أي تسريب رسمي، لأنّ أيّ تسريب من شأنه الإضرار بمصلحة التحقيق، وأحيانًا منح المرتكب للجرم الفرصة لأخذ الحذر”. ناهيك عن “عدم إمكانية توجيه الاتهام إلى أي شخص من دون دليل ثابت، الأمر الذي قد يتسبب في تدمير حياة إنسان، لأن الاتهام والمحاكمة من سلطة القضاء حصرًا”.
تعتقد سكر أنّنا نعيش في ظل مرحلة جديدة، حيث تتزايد البلاغات عن جرائم الاعتداءات بحق الأطفال، بفعل تزايد الوعي لدى محيط الضحية. كما تلفت إلى أنّ الاتحاد يتحرّك بصورة عفوية وفورية للمتابعة عند إبلاغه بوقوع أي انتهاك بحق أطفال سواء جاء البلاغ من أفراد، أو مؤسسات، أو الضابطة العدلية. وقد يتدخل أحيانًا من أجل تأمين بيئة بديلة للطفل والحدث في حال عدم كفاءة الوالدين، لما فيه صالح الطفل.
تأسف سكر للانتهاكات التي تحصل أحيانًا في المؤسسات الحمائية، وتعتبر أن ما أثير مؤخرًا في الإعلام عن إحدى الجمعيات ليس سوى حالة من ضمن سلّة حالات يتدخّل القضاء والضابطة العدلية ووزارة الشؤون الإجتماعية لمعالجتها بسرية، داعيةً إلى مراجعة أوضاع هذه المؤسسات بصورة دورية، ومن ثم وجوب التحقق من أنّ “الطفل ينتقل من بيئة سيئة إلى بيئة سليمة”.