حين استيقظ محمد الدقدوقي من غيبوبته، لم يعرف نفسه. كان جسده مختلفاً، ناقصاً، مشوّهاً، وأحسّ أنّه يرى نصف الدنيا والسواد يحتلّ النصف الآخر. شعر أنّه ليس هو، أغمض عينيه علّه ينام ويستيقظ في واقع آخر. لكنّه حين استيقظ علم أنّ حياته تغيّرت إلى الأبد. بُترت ساق محمّد وفقد عينه وتعطّلت ذراعه جرّاء إصابته في تفجير المرفأ، وبات يلازم فراشه معظم الوقت كي لا يواجه ألم الحركة وواقعه الجديد. وجد محمد نفسه فجأةً في مواجهة صعوباتٍ وتحدّياتٍ عليه التأقلم معها في بلد غير صديق لذوي الحاجات الخاصّة الذين انضمّ إليهم محمد بعد تفجير 4 آب.
لا يعترف محمّد وغيره من الذين أصيبوا بإعاقات نتيجة تفجير المرفأ بواقعهم الجديد، جميع من التقيناهم يرفضون الإقرار بذلك والدليل الحسّي على ذلك أنّ الذين تقدّموا بطلباتٍ للحصول على بطاقات معوّق بعد وقوع التفجير هم خمسة فقط، بحسب المدير العام لوزارة الشؤون الاجتماعية عبدالله أحمد.
في هذا التحقيق تضيء “المفكّرة” على فوضى الأرقام في تحديد أعداد الجرحى الذين أصيبوا بإعاقةٍ بعد تفجير المرفأ وتلتقي عشرة منهم كشف عليهم الفريق التقني الخاص بالاتحاد اللبناني للأشخاص المعوّقين حركياً، للوقوف على معاناتهم الحياتية الجديدة، وكيفية تعامل مؤسّسات الدولة معهم، وكيف تركوا يواجهون خساراتهم وحدهم ويتابعون علاجاتهم على نفقتهم الخاصّة، كذلك يعرّج على ما إذا كانت إعادة إعمار ما تهدّم في انفجار بيروت تأخذ في الاعتبار معايير الدمج الاجتماعي لهذه الفئة.
فوضى الأرقام والإحصاءات
لا أرقام رسميّة بعد عن عدد الجرحى الذين أصيبوا بنوعٍ من إعاقةٍ جرّاء تفجير بيروت، وقد جالت “المفكرة القانونية” على الوزارات والجهات المعنيّة للوصول إلى أرقامٍ وإحصاءاتٍ واضحة، لكن بدا جليّاً أنّه لا يوجد أيّ تنسيقٍ أو تشبيكٍ بين الجهات الرسمية والخاصّة، حيث تسعى كل جهة إلى العمل على مسحها الميداني الخاص بدلاً من إيجاد استراتيجية لإجراء مسحٍ واحدٍ تصدر عنه أرقام موحّدة ما يوفّر الوقت والمال على الجميع.
أما وزارة الشؤون الاجتماعية الجهة الرئيسية المعنيّة بهذه الفئة فهي الآن وبعد أربعة أشهر من التفجير بصدد إجراء مسحٍ لحوالي 5300 جريح، سيتضمّن تحديد الحالات التي أصيبت بإعاقاتٍ دائمة أو مؤقتة للوقوف عند حاجاتهم، وذلك وبتمويل من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP.
بدورها أجرت “المفكرة” فرزها الخاص للمعلومات والبيانات غير المفرزة التي حصلت عليها من وزارة الصحة بأعداد جرحى تفجير المرفأ وأنواع إصاباتهم. وقد توزّعت الإصابات على لائحتين: الأولى تحت عنوان “لائحة بأسماء الجرحى المصابين الموجودين في العناية الفائقة جرّاء انفجار بيروت” البالغ عددهم 131، والثانية بعنوان “لائحة بأسماء الجرحى المصابين الذين دخلوا المستشفى جرّاء انفجار بيروت” البالغ عددهم 1222 جريحاً.
وتبيّن لنا بعد فرز اللائحتين اللّتين تضمّان 1353 جريحاً، بأنّ هناك 44 جريحاً مصنّفاً كمصاب بنوعٍ من إعاقة، غير أنّ العديد من الحالات على اللائحتين كانت مصنّفة “غير مؤكّدة” أو فارغة أو حملت رمز (/) من دون توضيح المقصود منه، لذلك تعذّر معرفة ما إذا كانت تتضمّن مصابين جدد بإعاقات أم لا.
وتلاقت أرقامنا مع ما توصّل إليه المسح الميداني الذي يجريه الاتحاد الذي توصّل حتى الآن إلى تحديد 258 معوّقاً قديماً وجديداً أصيبوا في الانفجار بينهم 42 شخصاً أصبحت لديهم إعاقة جرّاء التفجير (24 شخصاً أصيبوا بإعاقة مؤقّتة و18 شخصاً بإعاقة دائمة)، أما عدد الأشخاص المعوّقين الذين تضرّروا بشكل أو بآخر من التفجير فبلغ إلى اليوم 216 شخصاً.
والملفت أنّ الاتحاد عاد وحصل من الصليب الأحمر اللبناني على بياناتٍ تعود إلى 3000 جريح، صنّفهم بأنّ لديهم نوعاً من إعاقة، ولكن بعد التدقيق من قبل مشرفي الاتّحاد تبيّن أنّ جروح معظمهم لا تصل إلى درجة التسبّب بإعاقة، بالإضافة إلى عدم احتواء اللائحة على أسماء المعوّقين الجدد الذين تمكّن الاتحاد من إحصائهم. وفي اتّصالٍ للـ”مفكرة” بأمين عام الصليب الأحمر جورج كتانة، أفاد الأخير أنّ الصليب الأحمر لم يجر فرزه النهائي للأشخاص ذوي الإعاقة، وبأنّ اللوائح كافة أصبحت في عهدة وزارة الصحة.
تيمان نموذج عن استنسابية المستشفيات في متابعة علاج جرحى 4 آب
يعمل تيمان مددي وهو من الجنسية الإيرانية في معرض السجّاد الإيراني في بيروت، أصيب جرّاء التفجير بكسورٍ في اليد اليمنى وتمزّقاتٍ في أوتار اليد اليسرى والرجل اليمنى ما أثّر على حركته، وبات غير قادر على التنقل إلاّ مع عكّازات ما انعكس سلباً على كيفية أداء أنشطته اليومية الحياتية (اعتنائه بذاته وقدرته على إتمام عمله).
تعبّر مديرة مددي في العمل آمنة عسيلي عن استيائها من طريقة تعاطي المستشفيات والوزارات المعنيّة مع الجرحى، تقول إنّها بعيد التفجير نقتله إلى مستشفى الجامعة الأميركية حيث أجريت له عمليات على حساب وزارة الصحة، لكن بعد مرور 25 يوماً شعر مددي بآلامٍ حادّة في يده اليمنى ليتبيّن أنّ الأطباء هناك قاموا بتقطيب الجرح من دون إزالة بقايا قطع الزجاج من داخلها، ما يستلزم إجراء عملياتٍ جراحية جديدة، إلاّ أن مستشفى الجامعة الأميركية رفض استقباله مجدداً على حساب وزارة الصحة، ما اضطر مددي إلى إجراء جولةٍ على مستشفياتٍ أخرى حتى وافق مستشفى الرسول الأعظم على إجراء العملية على نفقة الوزارة.
لم ينته علاج مددي بانتهاء العمليات الجراحية، فهو يحتاج إلى جلساتٍ عدّةٍ من العلاج الفيزيائي، إلاّ أنه لم يباشر بها نظراً لتكلفتها الباهظة، وتقول عسيلي إنّ حالة مددي تتدهور يوماً بعد يوم، ولا تعلم من هي الجهة المكفّلة بمتابعته.
حالة مددي واحدة من حالات عدّة لجرحى واجهوا استنسابية ورفضاً من المستشفيات لمتابعة علاجهم على حساب وزارة الصحة كما ينصّ تعميم الوزير حمد حسن في 4 أيلول الذي يطلب من جرحى التفجير أن يتابعوا علاجاتهم كافة والفحوصات الشعاعية والمخبرية في المستشفيات على نفقة وزارة الصحة. وقد تبيّن من خلال تحقيقاتنا أنّ جميع الجرحى المعوّقين عولجوا على حساب وزارة الصحّة من الكسور والجروح التي أصيب بها في التفجير ولكن كلّ ما له علاقة بإعاقتهم الجديدة ترك لنفقتهم الخاصّة.
ويردّ رئيس دائرة المستشفيات والمستوصفات في وزارة الصحة هشام فواز للـ”مفكرة”، أنّه من حيث المبدأ يحق لأي شخصٍ (أصيب في التفجير أم لم يصب) أن يتلقّى علاجاً على حساب وزارة الصحة، مشدّداً على أنّ تعميم الوزير واضح بهذا الخصوص، داعياً الجرحى والمرضى إلى اللجوء إلى طبيب الوزارة المراقب والموجود عادةً في كل مستشفى لتقديم شكوى. وفي المقابل دعا رئيس العناية الطبية في وزارة الصحة جوزيف حلو، الجرحى إلى ضرورة استكمال أوراقهم في الوزارة وتقديمها للمستشفيات لمتابعة العلاج، لعدم تقديم حجج للمستشفيات يمكن الاستفادة منها للتهرّب من مسؤولياتها.
محمد من موظّف “عالبور” إلى أسير الفراش
دقّت الساعة السادسة عصراً، انتهى دوام محمد الدقدوقي الذي يعمل في شركة نقل الحاويات “بي سي تي سي” BCTC في مرفأ بيروت. وكان طريق المغادرة يمرّ على مقربة من الحريق المندلع في العنبر رقم 12 فسار مع مدراء الشركة الذين توجّهوا إلى هناك لتفقّد أحد مستودعات التخزين القريبة. ومع ارتفاع أصوات انفجار المفرقعات، هرع محمد إلى سيارته، أدار المحرّك على عجلٍ لكنّه لم يتمكّن من الاستدارة إلى الأمام، فراح يقود سيّارته باتجاه الخلف، وتوقف لثانيةٍ ليصعد معه زميله في المقعد الخلفي، حين دوى التفجير الأوّل فراح الناس يهرعون ويركضون مبتعدين عن مكان الحريق. يصف محمد المشهد بأنّه كـ”يوم الآخرة”، وجوه يعلو ملامحها الخوف والحيرة وكأنّ الجميع شعر بأنّ تفجيراً ثانياً سيقع.
غاب محمد عن الوعي بعد التفجير الثاني لثلاثة أيام، ولا يعلم كيف تمّ نقله إلى المستشفى، وحين استيقظ من غيبوبته وجد جسداً غير جسده، جسداً بلا رجل يمنى وبيد مشوّهة ولاحظ أنّه لا يرى كما في السّابق فكلّ ما إلى يساره أسود والباقي غير واضح تماماً. في الواقع أصيب محمد إصابة بليغة في رجله اليمنى استدعت بترها وأصيب بتشوّه في اليد اليمنى بالإضافة إلى إعاقةٍ بصريةٍ كاملةٍ في العين اليسرى وإعاقة بصرية جزئية في العين اليمنى. وهذا سيمنعه من مزاولة مهنته والتنقّل باستقلالية وسيحول دون تمكّنه من الاعتناء بنفسه (دخول الحمّام والاستحمام وارتداء ملابسه كما استخدام الهاتف). كما سيتأثّر دوره الاجتماعي كوالد لثلاثة أطفالٍ. وهذا كلّه لمسه محمد فور خروجه من المستشفى، فمع وصوله إلى المنزل لمس التغييرات التي طرأت على حياته وجسده، فلم يستطع صعود سلالم منزله في الطبقة الرابعة ما اضطّر أخوته إلى حمله، وبات يحتاج إلى مساعدةٍ لإنجاز أبسط تفاصيل الحياة اليومية. ولكنّه يعزّي نفسه طوال الوقت بالبقاء على قيد الحياة: “بقول الحمدالله إنّه بعدني عايش ما متت، بس صعبة تحسّ حالك عاجز”. يمضي محمد معظم أوقاته أسير الفراش: “أوقات بفضّل ضلّ قاعد بالتخت، على إنّه قوم وعاني من الأوجاع”.
وعلى عكس الدولة التي لم تقدّم له أيّ مساعدةٍ إلى اليوم، لم تتخلّ الشركة التي يعمل فيها محمد عنه، وهو لا يزال يتقاضى راتبه كاملاً من دون أي تأخير. كما غطّى الضمان الاجتماعي علاج محمد ودفعت شركة التأمين الفروقات والأمور الأخرى التي لا يغطّيها الضمان.
سما ترى الدنيا بعينٍ واحدة
لم تبك سما الحمد (5 سنوات) عندما أصيبت في عينها، لم تصرخ، وقفت، نفضت الغبار عن ملابسها، وجلست بانتظار من يسعفها. والد سما، مكحول الحمد الذي هرب من الحرب في سوريا طالباً الأمان في لبنان قبل كلّ شيء، كان في الطبقة الخامسة يلتقط فيديو للحريق الناشب في المرفأ، وراءه وقف شقيقه صلاح. ما هي إلّا لحظات قليلة حتى دوى التفجير، فانهمر الزجاج على جسديهما، تمكّن مكحول من استجماع قواه ووقف لتفقّد شقيقه الذي كان ينزف من رأسه وغائباً عن الوعي. ركض لطلب النجدة، نزل إلى منزله في الطبقة الأولى ففوجئ بالدماء تغطّي وجه ابنته، نظر داخل عينها “التي كان يرى من خلالها النور” فوجد البؤبؤ وقد تقلّص حجمه، فعرف أنّ عينها “انطفأت”. ولكن الآن لا متّسع للحزن فلا بدّ أن يتفقّد ابنه الذي خرج قبل ساعة، فترك سما وركض إلى الشارع محاولاً إيجاده، فرآه يهرول باتجاهه. وعاد إلى المنزل ليعرف أنّ الجيران أخذوا سما إلى المستشفى. فصعد إلى الطبقة الخمسة حيث حمل صلاح على ظهره ومشى باتجاه مستشفى الروم. في الطريق أعانه بعض الأشخاص على حمله حتى وصلوا إلى المستشفى المتضرّرة. هناك وجد الجرحى في مواقف السيارات، حاول مكحول وبعض المدنيين إسعاف صلاح على قدر معرفتهم، فربطوا جرحه النازف بسترةٍ، ونصحه أحدهم بضرورة تغيير وضعيّته بحيث يصبح مستلقياً على جنبه وليس على ظهره، وما إن فعل ذلك حتى تقيّأ صلاح وبدأ يصدر صوت أنينٍ، فاطمأنّ قلب مكحول وتذكّر سارة. اتّصل بجيرانه الذين أخبروه بأنّهم تركوها في مستشفى رزق وغادروا بعدما منعت إدارة المستشفى أحداً من الدخول. هرع إلى المستشفى لكنهم لم يسمحوا له بالدخول إلاّ بعد مرور أكثر من ساعة. في الطوارئ وجد سما وحيدةً تلهث من شدّة خوفها وبكائها وقد أحيطت بالجرحى وجثث الموتى. ركض الوالد إليها واحتضنها محاولاً قدر الإمكان حجب رؤيتها عن المشاهد المؤلمة، “في ناس قدّام عيوني كانت عم تموت، كيف هالبنت اللّي عمرها 5 سنين قدرت تتحمّل المناظر”. بعدها جاء أحد الممرضين ورافق سما ووالدها في المستشفى بحثاً عن غرفةٍ أو سريرٍ شاغرٍ، ثمّ أدخلت سما إلى غرفة العمليات حيث أودعت عينها المنطفئة وخرجت لترى الدنيا بعينٍ واحدةٍ.
اليوم عادت سما إلى منزلها محاولةً التأقلم مع وضعها الجديد، تلعب في أرجاء المنزل مع دميتها كالمعتاد، تقول إنّها تحبّ أن تأخذ أدوار الأم والمعلّمة. تمكّنت بمساعدة الهلال الأحمر الإماراتي من تركيب عينٍ زجاجيةٍ، لكنها تحتاج بشكلٍ دائمٍ إلى أدوية ومراهم للحفاظ على رطوبة العين. يقول والدها إن ضحكتها وضجيج طفولتها قد خفّا كثيراً بعد أن غطّى عليهما دوي الانفجار الذي لا تكفّ سما عن الحديث عنه. ستكبر سما وبعين زجاجية ستشق طريقها نحو دورها الحقيقي.
فاطمة معيلة عائلتها الوحيدة تخاف الخروج من المنزل
أصاب انفجار 4 آب جسد فاطمة جابر (47 عاماً) بشكل بليغ وتركها غير قادرة على العمل. بتر يدها اليمنى التي كانت تعتمد عليها لتحصيل لقمة عيشها وعيش أطفالها من خلال أعمال التنظيف في المنازل والمدارس وأصاب رجلها اليمنى بأضرار كبيرة وأصابها بكسور في الأنف. واليوم أصبحت فاطمة بلا عملٍ وبلا دخلٍ يومي، هي التي أخذت على عاتقها تربية أطفالها الأربعة وإنهاء تحصيلهم العلمي منذ طلاقها قبل حوالي 11 عاماً تمكّنت خلالها من تأسيس منزلها الخاص في الكارنتينا الذي لم يصمد أمام هول التفجير.
وحيدة كانت فاطمة في منزلها عندما وقع التفجير، سقط عليها جزء من المنزل ولا تدري من قام بنقلها إلى المستشفى حيث استفاقت بعد أربعة أيامٍ لتجد أنّها أصيبت بإعاقة. تبكي فاطمة بحرقةٍ وهي تحكي عن وضعها الجديد: “عم حاول إتعوّد بس صعبة كثير”. تتحدث عن “أمور بسيطة” لم تعد تستطيع القيام بها، كربط شعرها أو ارتداء ملابسها، إضافة إلى المعاناة النفسية التي تعيشها، فهي اليوم باتت بحاجة لمعيل.
ومع خسارتها المنزل، انتقلت مع أولادها الأربعة إلى منزل شقيقتها الذي يتألّف من غرفتين فيما عائلة شقيقتها مؤلّفة من عشرة أفراد. لهذا تشعر فاطمة أنّها عبء على شقيقتها وزوجها وهي غير قادرة على استئجار منزلٍ خاصٍ يأويها وأولادها الذين لا يزالون في مرحلة التحصيل الدراسي.
منذ خروجها من المستشفى تأبى فاطمة الخروج من المنزل: “أنا صرت إستحي إضهر من البيت بطّلع بحالي بالمراية بنهار”. خضعت فاطمة إلى أربع عملياتٍ جراحيةٍ متلاحقة، جزء منها على حساب وزارة الصحة، ولكنّ قسماً كبيراً من تكاليف العلاج مثل الصّور الشعاعية ومستلزماتٍ طبّية تحمّلتها على نفقتها الخاصة.
تقول فاطمة إنّ الهيئة العليا للإغاثة تواصلت معها وقالوا إنّهم كي يقدّموا لها مساعدات يجب أن تؤمّن لهم مستندات خاصّة بمنزلها. وتتابع وهي تغالب دموعها: “قال بدّن وراق! قلتلّن من وين بجيب الوراق إذا راحوا تحت الرّدم؟ أنا بدّي روح اركض وراهن بإيدي المقطوعة وإجري المكسورة وبدّي روح فتّش بالرّدم عالوراق؟ ما بدّي شي منهم، ما بدّي مصاري، بدّي يرجعولي إيدي!”.
أما الجهات الأخرى التي تواصلت معها فاطمة من صليب أحمر وجيش وجمعيّات للحصول على أيّ نوعٍ من التقديمات فكان ردّها أنّ جدول المستفيدين من الخدمات لديها “كومبليه” ولا مكان لاسمها على الجدول، بالرغم من أنّ جميع المنظمات تدّعي أنّها تساعد المتضرّرين في “المحيط الجغرافي للتفجير”.
ندى متروكة لمواجهة مصيرها وحدها
في الرابع من آب رافقت ندى الأعور (63 عاماً) ابنتها وصهرها وحفيدها (4 سنوات) إلى مستشفى الكارنتينا لإجراء عمليةٍ جراحيةٍ للطفل. لم تمض خمس دقائق على المباشرة بالعملية حتى وقع التفجير الذي ألحق أضراراً جسيمةً في المستشفى. أعاد الأطباء تقطيب جرح الطفل على عجل وحرصوا على إيقاظه من البنج، أما خارج غرفة العمليات فكانت إصابات الجدّة ندى بليغة حيث كانت تعاني من كسورٍ في رأسها ووجهها وأضلعها بالإضافة إلى نزيفٍ حادٍ في الرئتين. استطاع صهر ندى قيادة سيارته شبه المحطّمة إلى مستشفى السان شارل حيث أدخلت إلى غرفة العناية المشدّدة والطفل إلى غرفة العمليّات لاستكمال عمليّته الجراحية على حساب وزارة الصحة.
مكثت ندى في العناية مدّة 18 يوماً خرجت بعدها إلى المنزل، لكن وضعها الصحّي تدهور بعد أن أصيبت جروحها بالتهاباتٍ وتقرّحاتٍ، فأدخلت مستشفى قرنايل القريبة من مكان سكنها. هناك وضعوا لها جهازاً يسحب البكتيريا والالتهابات دفع الأهل تكلفته البالغة مليوني ليرة لبنانية.
اليوم اضطرت ندى بسبب الشلل الذي أصاب رجلها إلى التوقّف عن العمل، تفكّر دائماً بأيامها الآتية، وكيف ستتمكّن من تأمين حاجاتها الصحّية لاحقاً، فهي بحاجة لمعاينات طبيّة دائمة بسبب الكسور وبحاجة لعلاجاتٍ لفترةٍ طويلةٍ ممّا شكّل عبئاً اقتصادياً عليها وعلى عائلتها، فلم تطرق أيّ جمعية بابها لغاية اليوم. تقول ندى إنّ “المفكرة” هي الجهة الأولى والوحيدة التي تواصلت معها منذ وقوع التفجير. تتحسّر على عدم وجودها في دولةٍ أجنبيةٍ حيث ضمان الشيخوخة مؤمّن، “أنا عمري اليوم 63 سنة بدي ضلّ عم فكّر كيف بدّي عيش ومن وين بدّي أمّن مصاري لعلاجي، أيمتى منرتاح بهالبلد”.
أديب يقف على قدم واحدة يتفرّج على المساعدات تمرّ من أمامه
تظهر صورة أديب كعكي (45 عاماً) من الجنسية السورية، على شاشة الهاتف عند الاتّصال به عبر واتسآب، مستنداً إلى الحائط، يحمل عكّازه بيده وقد لفّت ساقه اليسرى بالأبيض. فبعد إصابته في التفجير أصبح يعاني من شللٍ في قدمه اليمنى ما جعله يواجه صعوباتٍ عديدة في حياته اليومية، خصوصاً على صعيد التنقّل.
يعيش أديب مع طفله (8 سنوات) منذ أن انفصل عن زوجته وبات الطفل في عهدته. يعيشان في غرفةٍ في محلّ النجارة حيث يعمل. يستذكر أديب لحظات التفجير، قائلاً إنّه كان كعادته في المحلّ وكان عنده صديقه الذي حضر لزيارته. تكسّر زجاج المحل من هول التفجير، ووقع جهاز التبريد على رأس صديقه الذي فقد وعيه، أما هو فقد أصيب في رجله لكنه لم يشعر بذلك إلاّ بعد مضي ساعاتٍ عدّة. حمل أديب صديقه على ظهره وسار به إلى المستشفى، في الطريق قام أحد سائقي الدرّاجات النّارية بنقلهما إلى مستشفى المقاصد. تضرّرت رجل أديب أكثر بسبب سيره بعد الإصابة وهو ما أدّى إلى تدهور حالها وصولاً إلى الشلل. تعالج أديب على حساب وزارة الصحة لكنه دفع ثمن جهازٍ لتثبيت الساق من جيبه الخاص. في اليوم الثاني للتفجير طلبت منه إدارة المستشفى المغادرة، إلاّ أنه رفض خوفاً من أن يحتاج إلى عمليّةٍ جراحيةٍ وترفض إدارة المستشفى استقباله كجريح التفجير. أصرّت إدارة المستشفى على موقفها فتوجّه إلى مخفر طريق الجديدة مسجّلاً شكوى بحقها، فبحسب أديب “بهذه الطريقة بضمن حقّي خاصّة إنّي مش لبناني، بكون معي دليلٍ أنه أنا جريح انفجار في حال احتاجت أي جهةٍ إلى إثبات”.
اليوم عاد أديب إلى ابنه ومكان إقامته في محلّ النجارة في الجميزة، لكنّه فقد قدرته على العمل في النّجارة ما اضطرّ صاحب العمل إلى توظيف عاملٍ جديدٍ. أما أديب فبات يعتاش على “البقشيش” أو المساعدة المالية الذي يمنحه إياها رب العمل بين الحين الآخر.
معاناة أديب لا تقتصر على ضرره الجسدّي فحسب، بل تعدّاها إلى خوفه على ابنه الذي زاد التفجير من ضغوطاته ومشاكله النفسية التي كان يعانيها جرّاء انفصال والديه. اليوم يسعى أديب إلى إدخاله مدرسة داخلية تنقذ من صعوبات العيش في مكان العمل الضيّق حيث روائح الطّلاء.
لم تقدّم الجمعيات والمنظمات أيّ نوعٍ من المساعدات لأديب، على حد قوله، فهو بعد الخروج من المستشفى لجأ إلى أصحابه في الجنوب، فلم يسجّل اسمه كمستفيد في الأسبوع الأوّل للانفجار ليحصل على مساعدات. ورغم أنّه يعاني من الفقر والعوز وأحياناً من الجوع، يمرّ عناصر الجمعيّات محمّلين بالحصص الغذائية، وإذا ما سأل عن حصةٍ له ولولده يكون الجواب أنّ الحصص “عالعدد” و”إنت إسمك مش مكتوب”.
عباس تشتت عائلته ولا يزال في حال صدمة
وضع تفجير 4 آب عباس مظلوم (35 عاماً) على كرسي متحرّك، بعد أن أصابه تفجير المرفأ بشللٍ سفلي وهو يحتاج إلى متابعة طبّية دائمة.
في الرابع من آب، كان مظلوم في المطعم حيث يعمل كرئيس للطباخين في محلّة مونو. أثناء اندلاع الحريق في المرفأ وقف خارجاً يشاهد الدخان. ومع دوي التفجير الثاني سقط الزجاج على عبّاس ووقع أرضاً. ساعات مرّت ولم يأتِ أحد لإنقاذه، “كلّ حدا كان ملهي بحالي”، يبرر عباس عدم مساعدته على الفور. حين استفاق من غيبوبته وجد نفسه غير قادرٍ على الحركة. حاول أصدقاؤه مساعدته، فوضعوه في شاحنةٍ صغيرةٍ “بيك آب” ونقلوه إلى مستشفى مار يوسف، حيث خضع لعمليّتين جراحيّتين على نفقة وزارة الصحة.
تغيّراتٍ عدّة كان لا بد من إجرائها للتأقلم مع الإعاقة الجديدة والجسد الجديد، فقد اضطرّ عباس وزوجته ولاء إلى ترك منزلهما الذي يقع في الطبقة الرابعة في مبنى لا يوجد فيه مصعد كهربائي، والانتقال للسكن في مكتبٍ تعود ملكيّته لربّ عمله، فيما انتقل أطفالهم الخمسة للعيش في القرية مع شقيقته ما أدى إلى تشتت العائلة، ولم تر ولاء أطفالها سوى مرةً واحدة خلال الثلاثة أشهر، فهي تحاول إبعادهم عن أيّ صدمةٍ نفسيةٍ قد تسبّبها رؤيتهم لوالدهم في وضعه الحالي. من جهةٍ ثانية يحتاج مظلوم إلى رعايةٍ خاصة لا يمكنها تقديمها في ظل وجود الأطفال. وقد طلب رب عمل عباس من شابّين من حرّاس الأبنية المجاورة لمساعدته في تلبية حاجياته ونقله من السرير إلى الكرسي المتحرّك وغيره، “كل ما بدّي شغلة بدّي دقّلهم، إذا بدّي فوت عالحمّام أو لمّا بدّي روح عند الحكيم بدقّلّهم”.
ينظر عباس بأسفٍ إلى حاله “أنا كنت مسؤول عن 5 أولاد إقعد هلّق على كرسي متحرّك والعالم تتصدّق عليي؟ مش حرام لي عملوا فينا، كنت مش عايز حدا كافي حالي وعيلتي هلّق ناطر دولة ما بتسأل”. في الوقت الحالي لا يزال عباس في حالة إنكار ورفض لإعاقته، وهو يخاف أن يبقى وضعه الصحي كما هو عليه “صراحة إذا رح ضلّ ما إقدر اتحرّك كارثة بفضّل موت أهون”.
لا آلية رسميّة لمساعدة معوّقي انفجار 4 آب
تؤكّد الحالات التي تابعتها “المفكّرة” أنّ لا آلية رسمية بعد لمساعدة المصابين بإعاقات بسبب تفجير 4 آب، فلم تقتصر خسارة من قابلناهم على إصاباتهم الجسدية بل تعدّتها إلى خسارة أعمالهم وبيوتهم. ولم تتواصل أيّة جهات رسمية مع أيّ منهم بعد للوقوف على حاجاتهم بعد كلّ هذه الخسارات. وبعد رفض المستشفيات متابعة علاجهم، لم يعرفوا إلى أي جهة رسمية يلجأون، وهم يتابعون علاجهم على نفقتهم الخاصّة حتى الآن علماً أنّ معظمهم من ذوي الدخل المحدود. أما من خسروا أعمالهم فما من جهة تابعت حالتهم لتقديم تعويض أو بديل ومن خسروا بيوتهم فهيئة الإغاثة تنتظر منهم تقديم أوراقهم إليها لدفع تعويضات رغم علمها بدمار بيوتهم وقلّة حيلتهم. هذا لم نتحدّث بعد عن حالاتهم النفسيّة السيئة التي تحتاج إلى متابعة جدّية أيضاً.
تقول سيلفانا اللقيس، رئيسة الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوّقين حركياً أنّ هذه الشريحة المجتمعية تتعرّض اليوم إلى الكثير من المذلّة والإهانة، فلا تتم معاملة أفرادها بالطريقة التي تراعي وضعهم وخصوصيّتهم، وضربت اللقيس مثلاً حيّاً عن كيفية قيام الجيش اللبناني بتوزيع مساعدات لهم، بحيث يطلب منهم التجمّع في أماكن لا تراعي قدراتهم الجسدية، وغالباً ما ينتظر هؤلاء لساعاتٍ تحت الشمس من دون توفّر مقاعد: “هيدا كله ذل وإهانة”.
من جهةٍ ثانيةٍ تعتبر اللقيس أنّ الأشخاص المعوّقين يحتاجون إلى أجهزةٍ تعويضيّةٍ عدّة وإلى معدّاتٍ ضروريةٍ مثل أكياس البول أو الحفاضات، وفي ظل غياب مساعدات الدولة فإنّ عدم توفّر هذه المواد يعرّض المعوّق للمهانة، “الدولة عندها واجب بدها تأدّيه، مش لازم تتحوّل تلبية حاجات الشخص الأساسية لمذلّة”. اليوم لا يملك هؤلاء إلاّ مساعدات الجمعيات، إذا ما توفّرت. وتضيف اللقيس أنّ خسارة الكثير من هؤلاء مضاعفةً، فهم بالإضافة إلى إصابتهم بإعاقةٍ، فقدوا أشغالهم وأحبّاء لهم وتهدمت منازلهم، كل هذه الظروف تجعلهم بحاجة إلى الكثير من العناية وإعادة التدريب.
وتصف اللقيس الطريقة التي يتمّ فيها التعاطي مع هذه الشريحة بالـ”جريمة”، مطالبةً بإنشاء خلّيةٍ مشتركةٍ بين وزارة الشؤون الاجتماعية والصحة وقيادة الجيش ووضع استراتيجية عمل واضحة تخصّ هذه الفئة بالتحديد.
فوق الإعاقة إعاقات جديدة
لم تكن ولادة شربل بريدي (3 سنوات) يسيرة، فقد اضطرت والدته لإنجابه وأخيه التوأم في الشهر السابع، ما جعله يعاني من نقصٍ في الأوكسيجين تسبّب له بمشاكل عدّة منها: الشلل وعدم القدرة على الحركة وفقدانه حاسّة السمع، وعدم القدرة على النطق. ولما كان شربل لا يستطيع المضغ وتحريك فمه، فإنّه يتغذّى من خلال إدخال الطعام إلى معدته بشكلٍ مباشرٍ عبر جهازٍ مثبت في البطن. وعلى الرغم من الصعوبات المادية لطالما حرصت والدته على تقديم أفضل العناية له ولأخوته.
في 4 آب كان شربل بصحبة والدته في زيارةٍ إلى منزل صديقتها في الأشرفية. عندما دوى التفجير أفلت شربل من بين يديها ووقع على الدرج، وأصيب بكسرٍ في الورك وبات يعاني من داء الصرع. لا تسمح حالة شربل الصحية بإجراء عمليةٍ لوركه المكسور، وتقول والدته إنّه يحتاج إلى الغذاء الجيّد كي ينمو، إلاّ أنّ الحالة الاقتصادية الضيّقة تحول دون شراء أيّ من الأغذية المفيدة. “أنا أولادي بطحنلهم رز وعدس، ما بقدر فوّت لحمة ودجاج عالبيت لأن بنكسر على أدوية شربل”. فالأدوية والمعينات الطبية المساعدة لشربل تكلّفها أكثر من مليون ليرة لبنانية، أي ما يوازي راتب والده الشهري، وقد أصبحت المعينات الطبية التي يحتاجها نادرة وثمينة جداً بسبب التدهور الاقتصادي في لبنان لهذا غالباً ما يحرم شربل من مستلزماتٍ عدّة ضرورية. يعتبر شربل اليوم واحداً من جرحى تفجير المرفأ، وبدل من أن يتمّ التواصل مع أهله واحتضانهم، تناشد والدته عبر “المفكرة القانونية” الجمعيات لمساعدتها.
سعاد عمرها يزيد عن عمر لبنان
أصيبت سعاد بارد (91 عاماً) بكسورٍ عدّة جراء التفجير، هي التي لم تكن تعاني من أي مشاكل صحية على الرغم من تقدّمها في العمر، تسبّب لها التفجير بكسرٍ في الظهر والكتف والحوض ما جعلها طريحة الفراش. حزينة سعاد على وضعها الصحي وحزينة أكثر على منزلها الذي تهدّم، المنزل الذي تزوّجت وأنجبت أطفالها فيه واهتمت بتفاصيله واليوم بات كومة أحجارٍ.
“بعتذر ما بقدر إحكي كثير… بتعب”، تهرب سعاد من حديثٍ لا يرقى لمستوى ألمها، تمرّر الهاتف لحفيدتها تانيا خوري حيث الأسئلة الروتينية، أين كانت سعاد لحظة التفجير؟ من نقلها إلى المستشفى؟ كيف هو وضعها الحالي؟ كلّ هذا لا يهمّ، ما يهمّ هو أنّ سعاد بخلاف ما أحبّت لشيخوختها أن تكون، تقطن في منزلٍ غير منزلها، تنام في سريرٍ غير سريرها، لم تعد تستطيع الوقوف على قدميها وهذا ليس بتفصيلٍ، فسعاد التي ولدت قبل إعلان استقلال لبنان، خرجت من حروبه واحتلال أراضيه معافاة، ليأتي تفجير 4 آب ويجعلها مقعدة تطلب المساعدة في كلّ مرة تحتاج إلى الوقوف أو إلى قضاء حاجة هي التي لم تحتج يوماً إلى مساعدة أحد حتى بعد تجاوزها التسعين.
الانفجار يجتاح “أمان” رينالدا ووجهها ويديها
تعاني رينالدا مدوّر (63 عاماً) جراء التفجير من جروحٍ بليغةٍ في وجهها، وتمزقاتٍ في أوتار يدها اليمنى واليسرى وأصابعها، ما اضطرها إلى استخدام جهازٍ تعويضيٍ كي تقوم بنشاطاتها الحياتية. في الرابع من آب وصلت رينالدا إلى منزلها القائم في الأشرفية قبل التفجير بدقائق، خلعت حذاءها، أحضرت صحناً من الفاكهة وجلست على كنبتها المفضّلة تستريح من تعب النهار حين دوى الانفجار. “سمعت صوت رصاص، اطّلّعت لبرّا، الهوا والزجاج كلّهم إجوا بوجّي”. استفاقت رينالدا من هول الصدمة حاولت الاتصال بأولادها لكنها لم تعثر على هاتفها الخلوي، زحفت إلى الهاتف الأرضي حيث اتصلت بشقيقتها وجاء أولادها لإنقاذها، “إجا إبني حملني على ظهره ونزل 11 طابق عالدرج”، بعدها راح يسير في الشوارع حتى جاءت إحدى السيارات ونقلتهم إلى مستشفى الجامعة الأميركية حيث عولجت على نفقة الوزارة، أما جلسات العلاج الفيزيائي فعلى نفقتها الخاصة.
“ليه عملوا فينا هيك؟” تنهار رينالدا باكيةً، “نحن منعمّر بيوت ومنزبّطها لنحسّ بالأمان، فاتوا علينا على بيوتنا”. تروي أنّ ما عايشته خلال الحرب الأهلية أهون من الانفجار، “بالحرب كنّا نعرف وين بدنا نروح مننزل عالملاجئ، ما في أبشع من إنك تشعر إنّه ما بقى عندك محل آمن حتى البيت”.
إعادة إعمار المدينة، هل تتكرر أخطاء حرب تموز
خلّف التفجير دماراً في الأحياء والمناطق المتاخمة للمرفأ، لذلك يصار اليوم إلى التخطيط لإعادة إعمارها، من هنا تشدّد سيلفانا اللقيس، على ضرورة أخذ المعايير الدامجة بعين الاعتبار. وكان الاتّحاد قد سلّم قيادة الجيش ومحافظ بيروت خارطة طريقٍ تتضمّن الخطوات الرئيسية والعناوين العريضة للمضي في سياسة الدمج، “مش رح نقبل يصير مثل ما صار من بعد حرب تموز حيث تم إعادة الإعمار بطريقة لا تراعي معايير الدمج، حتى المستوصفات والمستشفيات في حينها لم تستوف الشروط”. وبحسب اللقيس فإنّ مطالب الاتّحاد بشأن معايير الدمج باتت في عهدة البنك الدولي والأمم المتحدة، حيث أدرجت المطالب في تقرير تقييم التفجير الذي من خلاله تتم الموافقة على منح لبنان التمويل اللازم لإعادة الإعمار.
وفي اتصالٍ لـ”المفكرة” مع جو رحال، مستشار محافظ بيروت للشؤون الاجتماعية، ومؤسس جمعية “جو رحال فاونديشين” التي تُعنى بشؤون الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، أفاد بأن المحافظ مروان عبود يعمل بالتنسيق مع الجيش اللبناني على وضع خطةٍ لإعادة إعمار المدينة، وقد تمّ تكليف إحدى الشركات لإجراء “المخطط التوجيهي”، الذي ستؤخذ فيه المعايير الدامجة كافة بعين الإعتبار. كذلك سيقوم المحافظ بإصدار تعميمٍ يجبر فيه كل من سيقوم بأعمال البناء من مهندسين ومقاولين وتجّار وبنّائين وغيرهم أن يراعي معايير وقوانين الدمج في كافة الأبنية والمنازل المنوي تشييدها من جديد.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.