الجسم الديني في لبنان مسؤولٌ بدرجة كبيرة عن رعاية الأطفال والإحاطة بهم. وكنا قد عالجنا جانباً من هذا الدور في العدد 14 من "المفكرة القانونية"، في موضوع شعب الثلاثة والعشرين ألف طفل المودعين في دور الأيتام والرعاية التابعة للإدارات الطائفية. وننظر في عددنا هذا الى ملفين آخرين أثارهما الإعلام اللبناني إثارة واسعة في الأشهر الماضية، وهما موضوعا التحرش من قبل رجال دين وزواج الصغار. الأول يتناول استغلال الطفل من قبل رجال الدين أنفسهم في ظل تساؤلات عن الحصانات الطائفية، فيما الثاني يتناول تقاعس مؤسسات دينية عن وضع قوانين حمائية للأطفال إزاء استغلالهم من قبل الغير.

وبعيداً عن التبسيط، تقتضي الإشارة الى أنّ التحرش بالأطفال يحصل في المجتمعات كافة، وليس فقط في لبنان حيث هناك جسم ديني "طائفي" متمكن ومسيطر. وقد صدف أن شهدت الأشهر الماضية مواقف عديدة صادرة عن الفاتيكان تدين التحرش وتنبه من عوارضه، بما في ذلك الذي يحصل داخل جسم الكهنوت. فمواضيع التحرش وزواج الصغار والاستغلال، عندما تُثار في المجال العام والمعلن، تكتسب قيمةً إضافية عن كونها جرائم أو أوضاعاً فردية، إذ تصبح بمثابة "ساحة رمزية" تتكوّن من خلالها ومن التعاطي معها أدوات المجتمع المفضلة من كلمات ومفاهيم وسلوكيات وتالياً من وعي الى ضرورة التدخل. والنجاح في ذلك قد يكون الشرط الأول لتأمين معالجة مبنية على معرفة، أخصه في وضع هذه الفئة الخاصة المكوّنة من الأطفال المرتبطة بالأوصياء القانونيين عليها.

يطرح ملف العدد موضوع استغلال الأطفال من زوايا عدة. يلقي الضوء من جهة على الظروف الاجتماعية التي تسمح بحصول الاستغلال، ويربطها بزواج القاصرات وبمسؤوليات السلطات الدينية في هذا الإطار. ثم يعالج تعاطي السلطات القانونية المختصة مع حالات الاستغلال المطروحة أمامها، وتحديداً المحاكم الشرعية ومحاكم الأحداث. وأخيراً يسلط الضوء على بعض تأثيرات الاستغلال على الأطفال من وجهة نظر علم النفس، ملقياً الضوء على دعويين قانونيتين في قضايا تحرش. الى جانب هذا الملف، يتناول العدد عدداً من القوانين أُقرّت في الجلسات التشريعية الحاصلة في نيسان 2014. 

نشر في العدد السادس عشر من مجلة المفكرة القانونية