بعد تأخير غير مبرّر لخمس سنوات ونصف السنة، حدّدت النيابة العامة الاستئنافية في بيروت اليوم موعدا لاستجواب المُشتبه بهما المحامييْن ماغي وزني وزوجها وسيم شعر في ما اصطلح على تسميته قضية سمسرة العدل. وما أمكن هذا الأمر أن يحصل إلّا بعدما فسختْ محكمة استئناف بيروت قرار نقابة المحامين بحجب إذن الملاحقة في أوائل هذا الشهر. إلّا أنّه ورغم ذلك، عاد المحاميان المشتبه بهما ليتخلّفا عن الحضور فأرجئت الجلسة إلى 15 حزيران المقبل. إذ تعلّمنا هذه القضيّة الكثير عن آليّات السّمسرة القضائية وعن شبكات المصالح المكوّنة من قضاة ومحامين خلافاً للسردية النمطية التي غالباً ما تحصر الفساد القضائي في القضاة دون المحامين وتغيّب الروابط فيما بينهم، فإنّها تفتح نقاشاً واسعاً حول آلية أخرى من آليات الإفلات من العقاب: حصانة المحامين. ففي حين وُجدت هذه الحصانة لضمان المحاكمة العادلة، تتيح لنا هذه القضية معاينة قضية استُخدمت فيها الحصانة كأداة لهدمها (المحرر).
أصدرتْ محكمة الاستئناف في بيروت (الغرفة 11) قراراً بإبطال قرار مجلس نقابة محامي بيروت بحجب الإذن عن ملاحقة محامييْن مشتبهٍ بهما في قضيّة “سماسرة العدل”. للتذكير، بدأت القضيّة في كانون الأوّل 2015 بعدما عرضَتْ قناة الجديد فيديو يظهر المحامييْن ماغي وزني وزوجها وسيم شعر وهما يعرضان على كاتب العدل أسامة غطيمي حفظ (تسكير) ملفّ له لدى قاضي التحقيق بلال وزني (وهو عمّ الأولى) مقابل تسديدهما مبلغ 150 ألف دولار أميركي. بعد أيام قليلة، تقدّم القاضي وزني بشكوى جزائية ضد المحامييْن على خلفية أنّهما “كانا يتفاوضان مع مجهول حول دعوى جزائية” يفترض أنّها عالقة لديه. وإذ يشترط القانون الحصول على إذن نقابة المحامين قبل تحريك الدعوى بحقّهما، فإنّ نقابة محامي بيروت رفضتْ في شباط 2016 إعطاء الإذن بملاحقتهما بعدما اعتبرت الفعل المدّعى به متّصلاً بممارسة مهنة المحاماة وأنّه لا يشكّل جرماً. ولهذه الغاية، استمدّ مجلس النقابة من الشكوى الجزائية المقدّمة من وزني ضدّ المحامييْن دليلها على انتفاء أيّ صلة بينهما وبين السلطة التي يمثلها، وتالياً انتفاء أي مجال لاستغلال النفوذ أو صرفه.
وعليه، استأنفتْ النّيابة العامّة قرار النقابة أمام محكمة الاستئناف التي انتهتْ إلى إصدار قرارها في 6 أيار 2021. وقد احْتاج الأمر قرابة 5 سنوات ونصف السنة تخلّلتها ثورة ليكون بمُستطاع النيابة العامّة تجاوز حصانة هذين المحامييْن بالرّغم من الأدلّة القويّة بالصوت والصورة المتوفّرة بحقهما. واللافت أنّ المحكمة المكوّنة من 5 أعضاء (3 قضاة ومحاميان) أصدرتْ قرارها بالأكثرية بأصوات قضاتِها (وهم تباعاً أيمن عويدات وحسام عطاالله وكارلا معماري) بعدما سجّل المحاميان الحاضران فيها (وهما بيار حنّا وندى تلحوق) مخالفة عليه.
ومن المهمّ هنا التذكير بأنّ محكمة استئناف بيروت تنظر وفق قانون تنظيم مهنة المحاماة بالطعون المقدّمة ضدّ قرارات مجلس نقابة محامي بيروت بحجب الإذن، وأنّها تضمّ في هذه الحالة بالإضافة إلى قضاتها الثلاثة محاميان يعيّنهما مجلس النقابة من بين أعضائه. وبفعل ذلك، غالباً ما يكون هذان العضوان قد شاركا في اتخاذ القرار المطعون فيه، تماماً كما حصل في هذه القضية، مع ما يتيحه ذلك من تناقض مصالح واضح. بل يلحظ أكثر من ذلك أنّ تلحوق كانت شاركت فضلاً عن ذلك في التحقيق الأوّلي مع المحامييْن والذي مهّد لهذا القرار، علماً أنّها مسجّلة أيضاً في مكتب المحاماة الذي تولّى تمثيل المحامية المشتبه بها في هذه القضية.
وبالتدقيق في الحجج التي أدلى بها قضاة المحكمة والمُحاميان المشاركان فيها، نجد أنفسنا أمام مقاربتيْن لحصانة المُحامين:
فمن جهة أولى، المقاربة التي اعتمدها قضاة المحكمة وارتكزت على الغاية من لحصانة وقوامه ضمان استقلالية المحامي في ممارسة حق الدفاع وتالياً ضمان مبادئ المحاكمة العادلة. فالمبدأ هو إذاً إعطاء إذن الملاحقة إلّا إذا توفّرت معطيات واضحة بأنّ الادّعاء ضد المحامي تعسّفي يهدف إلى عرقلة عمله أو الانتقام منه. بمعنى أنّ الغاية من الحصانة ليستْ منح المحامي أيّ امتياز بل حماية حقّ الدّفاع الذي يتولّى المحامون ممارستَه أمام المحاكم.
ومن جهة ثانية، المقاربة التي اعتمدَها الرأي المخالف (والذي جاء موافقاً لوجهة مجلس النقابة) والتي تعتبر أنّ صلاحية هذا المجلس لا تتّصل بالضرورة بالحؤول دون استهداف استقلالية المحامي، إنّما له أيضاً أن يتدخّل لممارسة رقابة مسبقة على صحّة الشّكاوى المقامة ضدّ أيّ محامٍ. ومن هذه الزاوية، يصبح المجلس بمثابة مصفاة تعْبرها فقط الشّكاوى التي يراها صحيحة مقابل حجب الإذن عن كلّ ما لا يراه كذلك، مع ما يتيحه ذلك من استيلاء على صلاحية القضاء في النظر في الشكاوى وما يفتحه ذلك من مجال لمحاباة المحامين وبخاصّة الذين يتمتعون بنفوذ انتخابي داخل النقابة من حزبيين وسواهم. وبذلك، تتحوّل الحصانة من ضمانة لاستقلالية المحامي إلى ما يشبه امتيازاً يتحكّم مجلس النقابة بدرجة كبيرة بمنحه أو حجبه، وهو امتياز قد يتيح لمحامين كثر استخدام أسلحة غير مشروعة في وجه زملائهم كالتدخّل في القضاء أو التحايل عليه أو صرف النفوذ فيه أو في وجه زبائنهم كالتماس رشوة، تحت غطاء ممارسة المهنة من دون أي خشية من الملاحقة. وعليه، تتحوّل الحصانة في حالات كهذه من ضمانة للمحاكمة العادلة إلى أداة لهدمها.
وهذا ما سنعمل على تفصيله من خلال تحليل الحجج الواردة في حكم الأكثرية كما في رأي الأقلية، قبل أن نتوقّف عند الدروس التي تمنحنا إياها هذه القضية.
- مقاربتان متناقضتان لحصانة المحامين
بمراجعة الحكم، يتبيّن أنّ أكثريّة المحكمة برّرتْ فسخ القرار المطعون فيه بثلاث حجج مترابطة:
قرار الأكثرية: المعيار هو حماية حق الدفاع
الحجّة الأولى اتّصلت بتوضيح سبب وجود الحصانة، والذي هو “حماية المحامي من أيّ تعسّف بالادّعاء ضدّه لفعل متعلق بممارسة المهنة أو بمعرضها، وذلك كي يتمكّن المحامي من القيام بدوره على أكمل وجه دون التعرّض أو الخوف من الافتراء عليه بإقامة شكوى جزائية ضده هدفها التأثير عليه أو الانتقام منه بسب مهنته”. ويُستشفّ من هذا التعليل أنّ هذه الحصانة ليستْ امتيازاً بل مجرّد تدبير حمائيّ الهدف منه ضمان استقلالية المحامي في أداء مهمّته التي هي الدفاع عن موكله، فلا يتمّ التعسّف ضدّه بدعاوى افترائية لعرقلة عمله أو الانتقام منه. وهي بذلك رأتْ أنّ أسباب الحماية تنتفي إذا ثبت أنّ الأفعال غير ناشئة عن ممارسة المهنة أو بمعرضها وفي مطلق الأحوال في حال تبيّن “ظاهراً” بأنّ الشّكوى تتضمّن أفعالاً معاقباً عليها قانوناً. ففي أيّ من هذه الحالات، يكون حجْب الإذن من النقابة بالنسبة إلى الأكثرية تعسّفياً. وقد أعابَتْ المحكمة من خلال هذه الحجّة على مجلس النّقابة ضمناً أنّه رفض إعطاء الإذن من دون أن يتحرّى عن أيّ دليل على استهداف حقّ الدفاع الذي يمثله المحاميان المشتبه بهما.
الحجّة الثانية، أنّه وفي حين أنّه يكون للنقابة ممارسةُ دورها في التثبُّت من أنّ الدّعوى المُقامة ضدّ محامٍ لا تنمّ عن تعسّف يستهدف التأثير على استقلاليّته، فإنّه ليس لها البحث في مدى صحّة الأفعال المنسوبة له ومدى قيامها وتوفّر عناصرها كما ليس لها التطرّق إلى مدى صحّة الأدلة والبراهين وقوتها الثبوتية. فالبتُّ بهذه المسائل يعود للمحكمة التي ستتولّى النظر في الادّعاء ضدّ المحامي. وقد أعابَتْ المحكمة من خلال هذه الحجّة على مجلس النقابة أنّه برّر حجب الإذْن بعدما قرّر أنّ الفعل المدّعى به لا يشكّل جرماً وأنّ الادّعاء به غير صحيح، معتبرةً ضمناً أنّ هذا الأمر يشكّل استيلاء على صلاحية القضاء كمرجع أوحد في النظر في الشكاوى بما له من حيادية مفترضة وبعد استماع الطرفين.
الحجّة الثالثة، وهي حجّة واقعية تدحض أيضاً فأيضاً إمكانية الاستهداف، وقوامها أنّ الأفعال المنسوبة إلى المحامييْن والتي لم ينكراها أصلاً يكتنفها الغموض وعدم الوضوح (المقصود خطيرة كفاية ويغلب عليها الطابع الجرمي)، الأمر الذي يولّد واجب التحقيق في ظروفها وأسبابها لجلاء الحقيقة وإزالة الغموض. وقد انتهتْ المحكمة إلى ذلك بعدما أخضعت لتحليلها مجمل الأفعال المنسوبة للمدعى عليهما اللذيْن تجنّبا المثول للاستجواب أمامها وما أدليا به دفاعاً عن نفسيْهما وبخاصّة أمام وسائل الإعلام أو المحققين في نقابة المحامين. ومن أبرز هذه الأفعال، تأكيد المحامييْن أنّ توكيلهما في هذه المرحلة يُؤدّي حتماً إلى حفظ الدعوى بحقّ غطيمي في حين أنّ عدم توكيلهما يؤدّي أيضاً حتماً إلى اتّهامه بحناية الإتجار بالبشر وامتناعهما عن توضيح خطة الدفاع وقيمة المبالغ الباهظة المطالب بها، فضلاً عن عرض توكّلهما أمام قاضٍ نسيب لهما. وقد رأت المحكمة بنتيجة توفّر هذه الأدلّة أنّه على فرض صحّة الدعوى التي قدّمها الزوجان بأنّ التسجيلات مزوّرة أو تمّ التلاعب بها، فإنّه لا يؤثّر على قناعتها طالما أنّ هذا الادّعاء لا يدحض أياً من هذه الأدلة.
وتبعاً لهذه الحجج الثلاث، انتهت المحكمة إلى فسخ قرار مجلس النقابة وإعطاء الإذن بالملاحقة.
الرأي المخالف: المحاباة
وعلى نقيض ما تقدّم، خالف المحاميان العضوان في المحكمة تلحوق وحنّا رأي أكثرية المحكمة، وذلك تيمّناً بما كان فعله مجلس النقابة الذي كانا شاركا فيه. وقد ذهب رأيُهما على العكس من ذلك إلى توسيع تعريف الأعمال المُتّصلة بممارسة المهنة أو الحاصلة بمعرضها وتوسيع صلاحية مجلس النقابة في ممارسة الرقابة المسبقة على صحّة الدعاوى والبراهين المقدّمة فيها وصولاً إلى حجب الإذن عن ملاحقة أيّ محامٍ قد يجدها غير ثابتة أو مجرّدة عن أيّ أساس بمعزل عمّا إذا كان هنالك أيّ استهداف لحقّ الدفاع أو ضرورة لحمايته. أخطر من ذلك، أبدى العضوان على غرار مجلس النقابة ميلاً للتسليم بأقوال المحامييْن مهما بدتْ واهية يصعب تصديقها، في موازاة إهمال الأدلّة ضدّهما مهما كانت قوية، وغالباً من دون أيّ مناقشة، ومن ضمنها الأدلّة التي أثارتها أكثريّة المحكمة التي خالفا حكمها. وبذلك، يكون توسيع صلاحية مجلس النقابة في الرقابة المسبقة على صحّة الدعوى ترافق مع توجّه إلى ممارستها باستنسابية فائقة وبمحاباة مفرطة بعيداً عن الحد الأدنى من المهنية، من دون أي توجّس من قلب الحقائق وتحويل الأسود أبيض أو العكس.
وقد تضمّن الرأي المخالف الذي جاء في أسطر قليلة لا تتعدّى نصف صفحة حرفياً أنّ “الأفعال المنسوبة (للمحامييْن) إنّما تعتبر ناشئة عن ممارسة المهنة وهي تتمثل بتحديد المحامين لأتعاب المحاماة التي طالبا بها الكاتب العدل لكي يقوما بالدفاع عنه في القضية العالقة بوجهه أمام قاضي التحقيق وهذا حقّ للمحامي لا يمكن أن يحرم منه عند ممارسته لمهنته”. ولم ينسَ المحاميان تسجيل أنّ “كلّ ما أدلى به الكاتب العدل قد بقي مجرّد إدلاءات غير ثابتة وغير صحيحة مع الإشارة إلى أنّ المستأنف عليهما قد تقدّما بدعوى تزوير وتلاعب التسجيلات المذكورة”.
وتبدو هذه المخالفة المقتضبة بمثابة إعلان موقف نقابي أكثر ممّا هي رأي قضائي مخالف، بدليل أنّ موقّعيْها لم يتكبّدا حتّى عناء مناقشة أكثرية المحكمة وتعليل أسباب عدم اقتناعهما بحججها. ففي حين أوضحت الأكثرية على طول صفحة ونصف الصفحة أنّ ثمّة معطيات وأفعالاً غامضة يصعب جداً تفسيرها بممارسة مهنة المحاماة بصورة اعتياديّة بل هي تناقض تماماً آداب هذه المهنة وضمناً أنّ ثمّة معطيات وظروفاً تُرجّح إمكانية صرف النفوذ والابتزاز، فإنّ المخالفة لم تتطرّق إلى أيّ من أوجه الغموض هذه لتكتفي بوصف هذه الأفعال على أنّها مجرّد مطالبة بأتعاب محاماة، وهي حقّ للمحامي لا يمكن حرمانه منها.
وبذلك، بدا العضوان المُخالفان وكأنّهما يقفزان فوق كلّ الأفعال والأقوال التي تضمّنها الملف في اتجاه التسليم بفرضية أنّ مطالبة المحامي بأيّ مبلغ لقاء توكّله بأيّ دعوى في أيّ ظرف هي مطالبة مشروعة وأن أيّ مبلغ يقبضه أيّ محامٍ من موكّله يعدّ أتعاباً مشروعة وأنّ أيّ ادّعاء في هذا الخصوص يعدّ تالياً اعتداء على حقوقه. وتبْعاً لذلك، لا يكون هنالك مكان لاتّهام المحامي بالابتزاز أو صرف النفوذ أو التدخّل في القضاء. فكلّ هذه الاتّهامات يتمّ تبييضها بالعبارة السحرية “أتعاب” التي هي “حقّ”.
وبذلك، التقى العضوان المُخالفان مع التعليل الذي كان استند إليه مجلس النقابة لحجب إذن الملاحقة، وقوامه أنّ الجرائم المدّعى بها (رشوة، صرف نفوذ، انتحال صفة، استغلال نفوذ) كلّها لا تنطبق على محامٍ. فـ”كيف يمكن الكلام عن هذه الجرائم إذا كان من يقوم بها طرف واحد لا سلطة لديه؟” وقد أمكن مجلس النقابة طرح هذا السؤال بصورة خطابية لا تنتظر إلّا جواباً واحداً بعدما استعان بالشكوى الجزائية التي قدّمها القاضي وزني (الذي له وحده سلطة القرار في هذه القضية) ضد المحامييْن تبعاً لنشر الفيديو لنفي أي صلة فيما بينهم. وعليه، وفي حين ذهب مجلس تأديب القضاة إلى صرف القاضي من الخدمة تبعاً لهذه الحادثة بعدما اعتبر أنّ هذه الشكوى بمثابة تمويه، فإنّ مجلس النقابة اعتبر أنّ مجرد تقدّم القاضي بها يعني بداهة أنّ لا تواطؤ بينهم وأنّه ليس هنالك تالياً أي استغلال أو صرف نفوذ.
المحاباة في التسليم برواية المحامييْن لم تقتصر على ما تقدّم، إنّما تجلّت أيضاً في التسليم بصحّة دعوى تزوير التسجيلات التي تقدّما بها من دون أن يناقشا ما وصلت إليه الأكثرية من استنتاجات على أساس أقوال المدّعى عليهما والتي أدليا أصلاً بجزء منها أمام نقابة المحامين نفسها. واللافت أنّ الأقلية لم تطلبْ إرجاء البت بالدعوى إلى حين انتهاء دعوى التزوير، بل ذهبتْ في خضمّ تماهيها مع المشتبه بهما إلى استباق نتيجتها من خلال التسليم بصحتها. فما أدلى به الكاتب العدل ليس فقط مجرّداً عن أي إثبات، ولكنّه “غير صحيح” كما ورد في المخالفة. وقد بدتْ دعوى التزوير وكأنّها دلو شطف استخدمه العضوان المخالفان لتبرئة المشتبه بهما من مجمل الأدلة القوية التي أثارتها ضدهما أكثرية المحكمة والتي سبقت الإشارة إليها، ومن ضمنها وقائع يُستدلّ منها تجاوزٌ تامّ للآداب المهنية كما سبق بيانه. ويلحظ أنّ مجلس النقابة كان قلّل من أهمية الحجّة المتمثلة في المطالبة بأتعاب باهظة، بعدما سلّم هنا أيضاً بصحّة المبرّرات التي قدّمها المحاميان لارتفاع الأتعاب وقوامها نيّتهما الاستعانة بخبير لإجراء تحقيقات في الفيليبين. وهي الأخرى مبرّرات يصعب تصديقها أو أقلّه التسليم بها إلّا لمن يريد من كل قلبه مساعدة المحامييْن للتخلّص من كأس الملاحقة.
وأخيراً، في حين كانت أكثرية المحكمة ذكرت أنّ البتّ في صحّة الدعوى لا يعود لها ولا لنقابة المحامين وإنّما لمحكمة الأساس، فإنّ العضوين المخالفين عادا ليؤكّداً براءة المحاميين ممّا نسب إليهما في استباق لما قد تقرّره هذه المحكمة وفي سعي هنا أيضاً للاستيلاء على صلاحيتها.
وبذلك، بدت مخاطر المُقاربة المُعتمدة من العضويْن المخالفيْن لمفهوم الحصانة وأسبابه واضحة، وهي مقاربة تمهّد لتشجيع كلّ محام من ذوي النفوذ على مواصلة ارتكاب أعمال غير مشروعة في ممارسة المهنة وغالباً ضدّ زملائه، بما يؤدّي إلى تزييف المحاكمة مع احتمال وصمها بأوصاف كثيرة إلّا وصف العادلة.