ازمة بين اعضاء المحكمة الواحدة في دائرة آريانة- تونس: حين يمنع الاعلان عن الرأي المخالف


2012-05-11    |   

ازمة بين اعضاء المحكمة الواحدة في دائرة آريانة- تونس: حين يمنع الاعلان عن الرأي المخالف

  فوجئ من حضر جلسة الدائرة الجناحية بمحكمة اريانة الابتدائية بتونس يوم 08 ماي 2012 بتعمد رئيسها الامتناع عن ادارة جلستها . صرح رئيس الجلسة بان خلافات بينه وبين قاضية بمحكمته جعلته يتخذ هذا الموقف. كان الحدث سابقة لم يعهدها القضاة والمتقاضون .تبين لاحقا ان صراع قضاة الدائرة الجناحية سببه اختلاف حصل بينهم بتاريخ سابق خلال تداولهم في مطلب افراج تقدم به احد المتهمين. ساندت القاضية موقفا يرفض الاستجابة للطلب وعارضها في ذلك رئيس الدائرة وزميلها فكانت الغلبة لقرار الافراج. شعرت القاضية بالضيم فخرجت عن سرية المفاوضة لتدين القرار بدعوى عدم شفافيته. تحول الاختلاف في المواقف لمحاكمة علنية لها. وفيما تبدو الواقعة في ظاهرها عملية انفلات وخروج عن ضوابط العمل القضائي، فان التعمق في دراسة مسبباتها يطرح السؤال حول آليات المداولة بمجالس القضاء التونسية، وذلك في نقطتين اثنتين:
النقطة الاولى، وهي تتمثل في العرف الحاصل في عقد المفاوضات (اي المداولات) بين اعضاء الهيئة الحاكمة في مكاتب رؤساء الدوائر، وذلك بخلاف ما نص عليه قانون اصول المحاكمات المدنية لجهة وجوب عقدها في حجرة الشورى اي بقاعة مخصصة لذلك ملحقة بقاعة الجلسة الحكمية. ومن الطبيعي ان هذا العرف يعزز ثقل رئيس الدائرة داخل الهيئة عند اتخاذ القرار.  
النقطة الثانية، وهي تتأتى عن قانون اصول المحاكمات المدنية نفسه الذي يمنع نشر الآراء المخالفة بل يمنع حتى الاشارة الى وجودها او ترك اي اثر يدل عليها. وهكذا ليس بوسع احد ان يعلم اذا كانت القرارات الصادرة عن هيأة معينة صادرة وفق رأي اعضاء المحكمة كافة ام وفق رأي غالبيتهم فقط، كما ليس بوسع القاضي صاحب الرأي المخالف ان يعبر عن ذلك بأي شكل من الاشكال طالما يتعين عليه الالتزام بسرية المفاوضة، التي هي ترقو الى مصاف الواجب المهني المقدس بحيث يؤدي القاضي يوم مباشرته لعمله قسما بان لا يخرقها.
وكانت سرية المفاوضة قيدا مفروضا على القضاة اعتمدته ادارة المحاكم خلال الحقبة الاستبدادية لمنع أصوات القضاة الذين لا ينسجمون مع تعليماتها عن ابراز آرائهم اذ جرت العادة ان يوزع القضاة بين الدوائر بشكل يضمن ان يكون ذوو النزعة الاستقلالية منهم اقلية في كل دائرة. وهو ما قد يفسر ضعف اثرهم في الاحكام القضائية. وقد تشكل واقعة محكمة اريانة فرصة لطرح السؤال حول سلبيات هذا النظام خصوصا وقد بينت التجربة التاريخية انه قد تحول الى غطاء للاستبداد وأعاق تطور الاداء الفردي للقضاة في دوائرهم، وذلك في اتجاه الاعلان عن الرأي المخالف ونشره كجزء لا يتجزأ من القرارات القضائية الصادرة. فهذا الامر انما يسمح بادخال نفس جديد يجعل العمل القضائي في جانبه الحكمي اكثر شفافية ويحفز القضاة على الجدية في دراسة المسائل والمرور من الأغلبية التي تحكم وتغيب الآراء القضائية المعارضة إلى أغلبية تحكم وتحافظ على الرأي المخالف وتوثقه .
                                                                                                                                                                                                                  م.ع.ج
 

انشر المقال

متوفر من خلال:

غير مصنف



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني