بعد ان فتحت “المفكرة القانونية” ملف ازمة السير في لبنان عبر العودة الى تاريخ انشاء السكك الحديدية، تتطرق في هذا العدد الى مسألة تدهور النقل العام من خلال سيارات الأجرة والباصات منذ انتهاء الحرب حتى اليوم. فبعد أن باتت ازمة السير تشكل عائقاً اساسياً امام تفعيل الحركة الانتاجية، اصبح من الضروري اعادة فتح النقاش في كيفية تفعيل النقل العام، الذي وحسب استطلاع اجريَ سنة 2010، يشكل عامل التوتر الثاني لدى اللبنانيين بعد الكهرباء[1]. ومن جهة اخرى، فإنّ ضيق القدرة الاستيعابية لما يزيد عن مليون مركبة تدخل بيروت يومياً اصبح عقبة رئيسية امام حركة النقل كما انه يرتب عبءاً على مدخول المواطن وعلى البيئة والصحة بشكل عام. وعلى الرغم من ذلك، ما تزال هذه الازمة خارج اولويات الحكومات التي لم تنفك عن طرح المشاريع لتبقيها لاحقاً في الجوارير. نتطرق في هذه المقالة الى ابرز الممارسات المشبوهة التي طالت النقل العام بعد انتهاء الحرب والى تواطؤ الدولة مع جزء من القطاع الخاص لتدمير هذا المرفق العام على حساب حقوق المواطن ومصلحته. كما نبحث في التداعيات الاقتصادية التي تسببها ازمة السير في لبنان.
النقل بين مصالح الادارات العامة وتدهور المصلحة
تتوزع صلاحيات النقل البري بين جهات عدة، تتولى كل واحدة منها ادارة قسم معيّن من قطاع النقل. فوزارة الداخلية مسؤولة عن سلامة الطرق والرقابة على المركبات ومنح الرخص للوحات العمومية. ووزارة الاشغال والنقل هي الوصية على مصلحة السكك الحديد والنقل المشترك (المصلحة)[2]. وتتولى وزارة المال من جهتها مسألة منح الموارد المالية للمصلحة فيما على البلديات تأمين المواقف ونقاط الانتظار للباصات العاملة على الخط. ومن الملفت انّ لا هيكلية عمل موحدة تجمع بين هذه الادارات ما يجعلها عرضة سهلة للتجاذبات والتضاربات في ما بينها.
وفي ظلّ تشابك عمل الوزارات، وبعد محاولات حثيثة لتحسين انتاجية القطاع، اقترحت وزارة النقل والأشغال العامة سنة 2005 ضمن خطة لتحسين النقل العام[3]، انشاء هيئة عامة للنقل وظيفتها تأمين تمويل دائم لقطاع النقل لابعاده عن اهواء التدخلات السياسية. ومن مهام هذه الهيئة، تنظيم النقل وتحديد كيفية الحصول على التراخيص وانشاء قاعدة معلومات تحفظ جميع البيانات الخاصة بالعاملين في قطاع النقل بالاضافة الى العمل على تسهيل الظروف المعيشية للسائقين من خلال اعفائهم من الرسوم الجمركية ورسم التسجيل والميكانيك ودعم فوائد القروض المصرفية على السيارات[4]. لم تبصر الخطة النور وبالتالي لم تشكل الهيئة.
اما في ما خص مصلحة “السكك الحديد والنقل المشترك”، تجدر الاشارة هنا الى أن حكومات ما بعد الحرب لم ترصد ايّ موازنة تكفي لتفعيل عملها “علماً ان معظم الدول تدعم النقل المشترك بما يزيد على 50% من موازنته. وعدا عن ذلك، فإن النصوص القانونية التي تجيز للمصلحة عقد ايّ صفقة شرائية تكبّل عملها اذ على هذه الاخيرة نيل موافقة وزارة المال كلما ارادت ابرام عقد تفوق قيمته المليون ليرة لبنانية[5].
كيف دمرت الدولة قطاع النقل العام بعد الحرب
لم يتوقف الحديث عن كيفية تطوير النقل العام منذ انتهاء الحرب. وطرحت الحكومات المتعاقبة عدة مشاريع ودراسات معظمها لم يبصر النور. ولا مجال للعودة الى جميع هذه المشاريع هنا. نكتفي فقط بتسليط الضوء على تلك التي وصفت “بالفضائح” لاسيما انها ساهمت بشكل اساسي بتدمير هذا القطاع وتحويله الى مرفق تعمّه الفوضى.
فضيحة “وهب” اللوحات العمومية: في 4 تشرين الثاني 1994، صدر القانون رقم 384 الذي اجاز لوزارة الداخلية في حكومة الرئيس رفيق الحريري وضع عدد كبير من اللوحات العمومية في التداول كما تمكن كل صاحب لوحة على الحصول على لوحة مجانية بالمقابل. كل صاحب لوحة عمومية لوحة اضافية مجاناًواعفى من 50% من الرسوم الجمركية “من يستورد وسيلة نقل جديدة خلال سنة من تاريخ عمل القانون شرط وضعها في السير وعليها اللوحة العمومية خلال 6 اشهر من تاريخ استيرادها وبقائها كذلك مدة 5 سنوات.” ونتيجة ذلك، ارتفع عدد اللوحات الحمراء من 10649 الى 33290 في سنة واحدة. وّ تم اقرار القانون من دون درس حاجات السوق للمركبات العمومية، [6]. وقد اقترح وزير النقل آنذاك عمر مسقاوي تقسيم اللوحات على اساس المحافظات وبالتاليتقسيم دفع الضرائب حسب المناطق (يختلف سعر اللوحة بين المناطق النائية والمدن). كما وشدد على ضرورة احصاء السيارات العاملة وقتها ودرس حاجة السوق قبل الشروع في ترخيص اللوحات الحمراء الا ان الرئيس الحريري لم يأخذ هذه الملاحظات في عين الاعتبار، على حدّ قول مسقاوي[7]. وقد اجاز القانون ايضاً لأصحاب هذه اللوحات الانتساب الى الصندوق الوطني الضمان الاجتماعي باشتراك مخفّض، فيما بقيت المصلحة تدفع لموظفيها كإشتراك ضمان خمسة اضعاف ما يدفعه السائق العمومي[8].
ورغم هذه الزيادة العشوائية، لم تبحث الحكومة عن اقرار تشريعات تنظم عمل هذه المركبات في خطوط محددة كما في معظم دول العالم. ولم تسعَ يوماً الى تطبيق قانون السير على هذه الآليات. ونذكر هنا على سبيل المثال المادة 19 من قانون السير الصادر عام 2012 التي تمنع “التمهل في السير أو التوقف بشكل مفاجئ أو في غير جهة الرصيف لاستجلاب الركاب أو إنزالهم، باستثناء الأماكن المتاح فيها التوقف من دون التسبب بإعاقة حركة المرور[9]” وذلك تحت طائلة المعاقبة بدفع غرامة مالية وبالسجن. ويكفي ان نستذكر مشهدا لسائق تاكسي او ميني باص يتوقف بطريقة عشوائية ما ان يلمح راكباً محتملاً حتى ندرك حجم تقاعس الدولة عن تنفيذ مهامها.
وعام 1998، بدأت الميكروباصات التي تتسع لـ12 راكباً والعاملة على المازوت بمزاحمة باصات الدولة ايضاً مستفيدة من المرسوم رقم 368 تاريخ 4/8/1994 الذي سمح باستيراد الباصات العاملة على المازوت. لم تضع الحكومة اي قانون ينظم عمل هذه الباصات التي فضلاً عن فوضى عملها على الخطوط باتت تشكل خطراً كبيراً على الصحة والبيئة. وسرعان ما ارتفع عدد هذه الباصات الى حوالي 4000، لا حسيب ولا رقيب عليها فضلاً عن انها لم تُلزم بإجراء معاينة ميكانيكية اذ ان المرسوم رقم 6603 الصادر في 4/1/1995 المعني بتنظيم هذه المعاملة بقيَ حبراً على ورق[10].
فضيحة الكاروسا: عام 1997، اشترت الحكومة 200 اوتوبيس من طراز “كاروسا” التشيكية من دون اي مراعاة لدفتر الشروط ومن ضمنه كبر الآلية الواحدة التي تتسع لنحو 50 راكباً ما يجعل العبور في الطرقات الثانوية مستحيلاً. وقد تبيّن لاحقاً ان وزير المالية آنذاك فؤاد السنيورة موّل بواسطة الوزارة عملية الشراء بسندات فائدتها بقيمة 25% فيما كان هناك قرض ميّسر بفائدة 7.5% لهذه الغاية[11]. 60 باص كانوا معطلين عند وصول الشحنة الى مرفأ بيروت فتمّ نقلها الى محطة مار مخايل. خمسون آخرون تعطلوا فور وضعهم في الخدمة اذ تبيّن انّ النظام الميكانيكي للباصات لم يعدّل بعدما كان مصمماً للعمل في درجات حرارة تصل الى 20 درجة مئوية تحت الصفر. وفي هذا السياق، أشار المدير العام السابق للمصلحة رضوان بو نصر الدين في حديث للسفير انّ “المواصفات جاءت مختلفة عن مواصفات الحافلة النموذج. وفي اليوم الذي وصلت فيه الباصات، سحبت الحافلة النموذج من المصلحة.[12]” وقد تولّى خبراء اجانب تعديل الباصات المئة المتبقية فيما صار فنيّو المصلحة يستخدمون قطع الباصات المعطلة لصيانة الباصات العاملة حتى توقف آخر باص عن السير سنة 2008 بسبب عدم توافر القطع في السوق المحلي[13].
وكأنّ الحكومة لم تكتف بهذا الامر. فقد قررت، بعد شراء الحافلات، زيادة عدد الموظفين في ملاكها دون الحاجة اليهم ومن دون موافقة مجلس الخدمة المدنية المعني بالتوظيف. “وبذلك تحوّلت المصلحة الى مؤسسة مدينة للدولة حيث وصل الدين عام 2002 الى نحو 151 مليار ليرة لبنانية[14]” وسببه الرئيسي اجور الموظفين لديها. وامام تردي وضع النقل العام، سمحت الدولة بدخول القطاع الخاص الذي لم يلبث ان بسط سيطرته على خطوط النقل.
تحالف الحكومة والقطاع الخاص على حساب المواطن
هناك اربع شركات خاصة كبرى تتولى النقل في لبنان. وتتوزع كل منها على خط منفصل ما يسمح لكلّ واحدة ان تحتكر الخط وتجني الارباح بعيداً عن منافسة الشركات الاخرى فضلاً عن ان كلّ شركة تحدد التعرفة الخاصة بها من دون اي رقيب. الشركة الاولى هي الشركة اللبنانية للمواصلات (الباص الاحمر) والتي تعمل داخل بيروت وجبل لبنان. اما الثانية فتعود لـ”الصاوي وزنتوت” (الباص الازرق) وتهتم بالنقل بين بيروت والجنوب. وتتولى شركتا كونكس والاحدب النقل بين بيروت والشمال. ولا يقلّ عدد الباصات الحمر عن 230. تجني جراءها الشركة حوالي 800 الف دولار من خط البرج وحده فيما تكسب حوالي مليون دولار سنوياً من خلال خط يربط بين فرعي الجامعة العربية في بيروت والدبية والذي انشئ بالاتفاق مع الجامعة[15]. علاوة على ذلك، فإن الدولة قامت بتأجير مساحة 15000 متر مربع لهذه الشركة كمرآب لحافلاتها مقابل مبلغ الف ليرة سنوياً[16].
وفي سياق متصل، نلفت هنا الى انّ احمد خليل زنتوت، احد مالكي هذه الشركة اشار في مقابلة مع صحيفة النهار الى انّ “القيّمين على الشركة لم يحصلوا على اذن من الحكومة، لأنه ليس مطلوباً، بل على لوحة عمومية لكلّ باص. كما يوضح زنتوت الى ان القانون “لا يحدد الخط ولا التعرفة ولا يلزم الباص التوقف في محطات معيّنة.” تنقل الباصات حوالي مليون ونصف مليون راكب في الشهر، اي اكثر من 50 الف في اليوم.[17]وكان السنيورة اثناء توليه وزارة المال حرص على التأكيد مراراً بأن شركات القطاع الخاص قد تمكنت من “تحقيق مداخيل مالية اعلى مما حققته المصلحة.[18]” جاء تقرير لمصلحة السكك اعدته سنة 2001 ليدحض كلامه اذ عزا تراجع النقل العام الى سياسات حكومات ما بعد الحرب. فقد اشارت المصلحة الى ان “ايرادات النقل المشترك زادت عام 98 بنسبة 73% على ايرادات 97 (اي بعد شراء حافلات كاروسا) وعادت وانخفضت نتيجة مزاحمة القطاع الخاص على الخطوط المنتجة ونتيجة الاعطال التي طرأت على الحافلات وتدني قدرات الصيانة.[19]” ولعلّ اكثر ما يثبت الجهد لتغليب دور القطاع الخاص في النقل، ما جاء على لسان الحريري نفسه في مؤتمر حول ازمة السير سنة 1995. اعتبر الحريري ان قرار الحكومة بتشغيل سيارات عاملة على المازوت واصدار لوحات عمومية نجح في تفعيل قطاع النقل. واضاف “كذلك يجب تفعيل قطاع النقل العام من خلال تسيير الباصات ووضعها اذا امكن في تصرف القطاع الخاص في مقابل بدل معيّن. ويجب ان يتنافس القطاعان الخاص والعام في ميدان النقل واذا استطعنا تحقيق ذلك نستطيع ان نحلّ جزءاً من المشكلة.[20]” يكفي رؤية وضع النقل العام اليوم عام ٢٠١٤ لتقييم مدى صوابية هذه القراءة.
الواقع اليوم: ماذا فعلت الحكومات الاخيرة لتفعيل النقل العام؟
لم تختلف الامور كثيراً خلال الفترة الأخيرة على الرغم من محاولات وزراء النقل تطوير القطاع. ولعلّ ابرز ما طبع هذه المرحلة هو الصراع الذي دار بين فؤاد السنيورة ووزير الاشغال العامة والنقل السابق غازي العريضي حول هذه المسألة. وقد عبّر العريضي مراراً عن سخطه ازاء سياسة السنيورة في ما يخص النقل. فيوم أعلنت وزيرة المال في حكومة السنيورة ريا الحسن عن آلية دعم السائقين العموميين[21]سنة 2011، خرج العريضي ليقول انّ “مئة وخمسين مليار ليرة، وهي كلفة دعم السائقين، تفوق بثلاثة اضعاف كلفة تفعيل النقل المشترك.[22]” في الواقع، لم يخف العريضي امتعاضه اذ كشف ان السنيورة ايضاً كان وراء تعطيل صفقة اخرى سنة 2004، بغض النظر عن فاعلية هذا المشروع في تحسين ظروف النقل. اذ “تمّ التفاهم مع الرئيس الحريري على تخصيص 50 مليار ليرة لشراء 250 حافلة للنقل العام، لكن المشروع لم ينفذ لأن السنيورة عارضه.[23]” وفي المقابل، لم يتردد السنيورة عن الدعوة الى “الغاء المصلحة لأنها مؤسسة خاسرة، وتكلف الدولة اكثر مما تعود عليها.[24]”
تمكن العريضي في آب 2012[25]من شراء 20 باصاً جديداً بعد نيله موافقة مجلس الوزراء فعاد وسيرّ 45 باصاً على الخط. “ومن اصل الـ45 باصاً وضع العريضي 6 منها على خط يربط الكولا بخلدة وببلدته بيصور.[26]” وكان القصر الجمهوري، بعد ان كانت وهبته دولة الامارات 40 باصاً، قدم 37 منهم للمصلحة عام 2000[27]. وفي تموز من العام الحالي، اعلن رئيس لجنة الاشغال والنقل النائب محمد قباني ان وزارة الاشغال وضعت خطة لشراء 250 حافلة لتستعمل على 20 خطاً داخل بيروت، مع ربطها بمراكز المحافظات الاخرى. لكن قباني اوضح ان الدولة بحاجة فعلياً الى 790 باصاً لتفعيل النقل العام. كما اشار الى ان الخطة تشمل 911 محطة وقوف وتعمل الباصات على فترة تمتد بين السادسة صباحاً ومنتصف الليل. وتجدر الاشارة هنا الى ان ثلاث شركات خاصة كلفت بتولي ادارة المشروع. وقد انتقد البعض هذا القرار معتبراً انه بداية لخصخصة النقل العام تطبيقاً لما كان ينادي به الحريري والسنيورة. وقد اشار قباني ايضاً في اطار عرضه لهذا المشروع “الطموح” الى ان مشكلة الازدحام على مدخل بيروت الشمالي ستتم معالجتها من خلال سكة حديد تصل المعاملتين ببيروت[28]. انتهى الكلام عن هذه الخطة مع انتهاء المؤتمر الصحفي. وما زال اللبنانيون يتنظرون مبادرة تظهر جدية الدولة في تنفيذ هذا المشروع.
تداعيات الازمة على الاقتصاد
وفي ظلّ فشل الطبقة السياسية في ايجاد حلّ جذري لهذه المسألة، تتفاقم الانعكاسات السلبية لازمة السير سنة تلو الاخرى. توجمع الاستطلاعات والدراسات التي نشرت انّ “المتوسط الادنى لاستهلاك كل سيارة يصل الى 350 الف ليرة شهرياً، وهو مبلغ يأكل اكثر من نصف الحد الادنى للأجور في لبنان. وبالتالي يدفع مستخدمو السيارات الخاصة حوالي مليار و960 مليون دولار سنوياً ثمن بنزين مخصص للتنقلات.[29]” في سياق آخر، لم يساهم بناء الجسور وتوسيع الطرقات في الحدّ من الزحمة اذ بقيت الطرقات الداخلية ضيقة ولا تستوعب عدد السيارات الهائل التي تعبرها يومياً فضلاً عن ان المواصلات انحسرت على طول الشاطئ فلم تربط بين بيروت والمناطق الداخلية. كما ان المركزية الادارية الشديدة بفعل تمركز ادارات الدولة ومعظم الجامعات والشركات في بيروت وضواحيها جعل من التنقل امراً صعباً للغاية في هذه المدينة. ففي دراسة للبنك الدولي سنة 2003، اشار التقرير الى انّ الازدحام في بيروت “يؤدي الى خسائر اقتصادية كبيرة والى تدهور نوعية الهواء…فنسبة 83% من رحلات المركبات البالغة مليوني رحلة يومياً تنفذها سيارات، والـ17% الباقية تعتمد على النقل العام.[30]” ونشير هنا الى انّ شبكة النقل العام (الحكومية والخاصة) اصبحت “تتسع لنحو 290 الف راكب سنة 2002 بعدما كانت تتسع لـ78 الف عام 1994. هذه الزيادة لم تترافق مع زيادة مماثلة في اعداد الركاب لأسباب عدة منها: اقتصار شبكات النقل على المدن الكبرى، التأخير وانتظار الحافلات، وطول وقت الرحلة نظراً الى التوقف المتكرر.[31]” وفي سياق متصل، تشير الاحصاءات الى ان اللبناني يخسر على الأقلّ ساعة عمل يومياً بسبب زحمة السير مما يؤدي الى خسارة وطنية تقارب 2.4 مليون دولار يومياً[32]. وامام حجم هذه الخسائر، لا بدّ من السؤال عن الاسباب الكامنة وراء تجاهل الدولة لتنظيم قطاع النقل والعمل الجدي للحدّ من ازمة السير؟ لعلّ ابرزها يكمن في ما تطالعنا به احدى الدراسات بأنّ الدولة تجني ما يزيد عن 1000 مليار ليرة سنوياً من خلال المصادر التالية: رسوم جمركية على استيراد السيارات، قطع الغيار ولوازم السيارات، استهلاك البنزين، رخص السوق، تسجيل السيارات، رسوم السير السنوية وغراماتها بالاضافة الى الميكانيك[33].
في الختام، فقد سئل النائب قباني عن السبب وراء عدم تفعيل النقل العام، فكان جوابه “لأن البلد فالت.[34]” توجه قباني في جوابه هذا على الارجح الى الطبقة السياسية التي لم تلحظ اي معالجة جدية لمسألة النقل منذ التسعينات. فلم تسعَ الى تفعيل هذا المرفق من جهة وساهمت في التأسيس لفوضى النقل الحاصلة اليوم من جهة اخرى[35].
لكن لا بدّ ان تدرك هذه الطبقة ان قطاع النقل لم يؤسس لكي يدرّ أرباحا على خزينة الدولة. فالخدمات التي يوفرها على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي كفيلة برفع انتاجية الفرد وبالتالي تحسين ظروف المعيشة ما يحتمّ على الدولة العمل على رصد التمويل اللازم لإعادة احياء هذا القطاع الاساسي. وبناء هذا القطاع لا يقتصر فقط على شراء عدد هزيل من الباصات او تأمين المواقف او اعادة بناء سكك الحديد. فقد اثبتت عدة استطلاعات اجريت في الاعوام الاخيرة ان “اللبنانيين يفضلون التنقل بوسائلهم الخاصة وليس بواسطة النقل العام، حتى في حال توافره.[36]” اذاً العمل يبدأ من خلال ابراز اهمية النقل العام للمواطن اولاً وللمنظومة السياسية ثانياً لكي يدرك الاثنان معاً ان تفعيل هذا القطاع سيساهم في شكل كبير في التقريب بين المناطق المتباعدة وفي توزيع فرص العمل على كافة الاراضي اللبنانية بالاضافة الى الحدّ من حرق اعصابهم المتواصل على طرقات لبنان.
نشر هذا المقال في العدد | 24 |كانون الثاني /يناير/ 2015 ، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه:
حق المعرفة لألشخاص المٌتبنّين
[1]– حسن شقراني. النقل العام في اسوأ حال. جريدة الاخبار، 26 حزيران 2010
[2]– يتولى ادارتها مجلس ادارة على رأسه مدير عام وفيه مفوض عن الحكومة. وتخضع المصلحة لوصاية وزارة الاشغال العامة والنقل ولرقابة مجلس الخدمة المدنية ووزارة المال.
[3]– اعدت وزارة النقل خطة لتحسين النقل العام بتمويل من الاتحاد الاوروبي والبنك الدولي.
[5]– ريتا صفير. 3% من سكان بيروت يتنقلون في الباصات و70% في سياراتهم. جريدة النهار، 11 كانون الاول 2001
[6]– رلى بيضون. ازمة السير، معاناة يومية بوجود مليون ونصف مليون مركبة. جريدة النهار، 2 كانون الاول 1998
[7]– بيروت الاكثر ازدحاماً في العالم واللوحات العمومية عشوائية. جريدة النهار، 21 كانون الثاني 1995
[8]– يدفع السائق العمومي 58500 ليرة شهرياً كما يستفيد من التعويضات العائلية فيما تدفع المصلحة اشتراكات شهرية عن كل سائق لديها بقيمة 287500 ليرة لبنانية. (ريتا صفير. المرجع المذكور اعلاه)
[10] ريتا صفير. المرجع المذكور اعلاه.
[11] حسن شقراني. “نقل” العيش المشترك. جريدة الاخبار، 28 ايلول 2011
[12] سعدى علوه. “القطاع الخاص يحتكر النقل المشترك…ولا ارادة سياسية لتفعيل “العام.” جريدة السفير، 14 حزيران 2011
[13] فراس ابو مصلح. خصخصة النقل المشترك: تدمير الواجهة المدنية للدولة. جريدة الاخبار، 19 تموز 2014
[15]– محمد وهبة. مزرعة النقل الخاص. جريدة الاخبار، 24 ايار 2011