في حزيران 2013، أحال مجلس الوزراء مشروع قانون اعادة هيكلة المؤسسات الرسمية إلى مجلس الأمة لغايات اقراره بهدف الغاء الازدواجية والتداخل في الأدوار من خلال دمج المؤسسات والدوائر والهيئات المتشابهة في المهام في مؤسسة أو دائرة أو هيئة واحدة، ورفع مستوى الأداء الحكومي وترشيد الانفاق المالي من خلال تقليص عدد الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية، بالإضافة الى تخفيف العبء الاداري والإشرافي عن رئيس الوزراء من خلال تغيير ارتباط بعض المؤسسات والهيئات من رئيس الوزراء الى الوزير المختص.
وأثناء دراسة مشروع القانون، قرر مجلس النواب إلغاء ديوان المظالم ونقل كافة حقوقه وموجوداته إلى هيئة مكافحة الفساد دون سابق إنذار أو الاعتماد على أية دراسات متخصصة أو إحصائيات أو معلومات مسبقة. ولدى سؤال البعض من النواب حول هذا الموضوع، أجابوا أننا لا نعلم شيئا عن الأعمال التي قام بها الديوان منذ انشائه، وتم التأكيد على أن قرار الإلغاء والدمج أُخذ بشكل ارتجالي واستنادا الى سياسية "الفزعة" (أي تقديم الدعم والنصرة للصديق أو القريب دون معرفة السبب).
مجلس الأعيان بدوره رفض التعديل الذي أجراه مجلس النواب المتعلق بإلغاء ديوان المظالم وكذلك الأمر بالنسبة لإلغاء هيئة التأمين وهيئة تنظيم قطاع الكهرباء، إلا أن مجلس النواب أصر على موقفه السابق. وبحسب نص المادة 92 من الدستور فانه يتوجب ان "يجتمع المجلسان في جلسة مشتركة برئاسة رئيس مجلس الاعيان لبحث المواد المختلف فيها ويشترط لقبول المشروع ان يصدر قرار المجلس المشترك بأكثرية ثلثي الاعضاء الحاضرين"
لا توجد أسباب واضحة لتفسير موقف مجلسي الأعيان أو النواب، كما انه لم يتم إعداد أية دراسات مسبقة لاتخاذ مثل هذا القرار أو تقييم لأعمال الديوان الذي باشر مهامه في شباط 2009. كما أن إلغاء ديوان المظالم يُعطّل تطبيق نص المادة 17 من الدستور التي جاء فيها "للأردنيين الحق في مخاطبة السلطات العامة فيما ينوبهم من أمور شخصية او فيما له صلة بالشؤون العامة بالكيفية والشروط التي عينها القانون". أي أن الدستور يضع التزام على الدولة بإنشاء جهاز أو مؤسسة لاستقبال الشكوى ضد السلطات العامة أو الإدارة العامة فيما يتعلق بالمسائل الشخصية أو الأمور ذات الشأن العام، وقد بقي هذا النص معطلاً وغير فعّال إلى ان تم إنشاء ديوان المظالم. وقد أكد الميثاق الوطني على أن تفعيل المادة 17 يقع ضمن مرتكزات دولة القانون ويتم من خلال انشاء هيئة مستقلة باسم ديوان المظالم بموجب قانون خاص، يتولى التفتيش الاداري ويراقب اداء الادارة وسلوك اشخاصها.
والطريف بالأمر أن مجلس النواب الذي يجهل إنجازات الديوان تلقى تقاريره السنوية التي تحتوي على كامل انجازاته، كما أن رئيس الديوان كان يلتقي بالنواب على الدوام لاطلاعهم على محتوى التقرير ومدى استجابة الإدارات العامة لتوصياته.
الديوان يستقبل سنويا آلاف الشكاوى، وقد تمكن من حل ما يقارب 79% من هذه الشكاوى، ويمكن التأكد من هذه المعلومة من خلال مراجعة تقاريره السنوية. كما ان بعض الشكاوى جماعية، بمعنى انها مسجلة على انها شكوى واحدة لكن تمس المئات من المتعاملين مع الإدارة العامة، لذلك لا مبالغة ان قلنا ان الديوان من أنجح المؤسسات الرقابية في أداء المهام الموكولة إليها.
كما أن ديوان المظالم الأردني هو المؤسسة العربية الوحيدة التي تمكنت من تحقيق معايير الانضمام للاتحاد الدولي لأمناء المظالم كعضو مؤسس مع كامل الصلاحيات الخاصة بهذه العضوية بعدما اجتاز معايير الاعتماد الخاصة بهذا الشأن الواردة في النظام الداخلي للاتحاد، الأمر الذي يؤكد على أهمية دور الديوان في حماية حقوق المتعاملين مع الإدارة العامة. كما لاقى الكثير من الدعم من نظائره الأوروبيين على اعتبار أنه تجربة رائدة في العالم العربي. والطريف بالأمر أن الأمم المتحدة أكدت في أكثر من مناسبة على دور مؤسسات أمناء المظالم في تعزيز الحكم الرشيد في الإدارات العامة، وفي توفير الخدمات العامة وكذلك المساهمة في الإعمال الفعّال لسيادة القانون واحترام مبادئ العدالة والمساواة. وبسبب نداءات الأمم المتحدة المتكررة، زاد عدد مؤسسات أمناء المظالم في الدول المختلفة ليصل إلى 130 مؤسسة في أقل من عشرين عاماً بعد ان كان هناك 45 مؤسسة فقط. عفوا لقد أخطأت، يبدو انه سيكون لدينا 129 مؤسسة فقط.
وأخيرا، تجدر الإشارة إلى انه لا توجد علاقة لا من قريب أو من بعيد بين عمل هيئة مكافحة الفساد وديوان المظالم. الهيئة تنظر في قضايا الفساد وديوان المظالم أداة رقابية على الإدارة العامة عندما تكون وسائل الرقابة التقليدية غير قادرة او عاجزة عن تقديم الرقابة الفاعلة على عملها الإداري، هذا من جانب. من جانب آخر، يعمل على كونه همزة الوصل بين الإدارة العامة والمتظلمين منها، ليكون الوسيط المحايد الذي يطمئن اليه الجانبان. إضافة إلى ما سبق فهو يعمل على تبسيط الإجراءات الإدارية والمبادرة لدراسة أي موضوع يتعلق في أي من قرارات الادارة العامة او اجراءاتها او ممارساتها. لذلك يمكن القول ان عملية الإلغاء والدمج تفتقر لأبجديات المنطق الذي يحكم هذه العملية الحساسة وهي تماثل المهام بين المؤسستين، ووجوب اجراء الدراسات لتحديد الجدوى من الدمج ووضع خطط تمهيدية لعملية الدمج وغيرها من الأسس التي ان انعدمت أصبح التشريع تجربة فاشلة بكافة المقاييس.
الصورة منقولة عن موقع فايسبوك صفحة ديوان المظالم الأردني
متوفر من خلال: