هزّت المشاهد الوحشية لضرب فتاة قاصر واغتصابها، التي تم توثيقها في فيديو انتشر أمس في 25 أيلول الجاري على مواقع التواصل الاجتماعي، الرأي العام، إذ يُظهر الفيديو تعرّض فتاة للضرب المبرح والوحشي على يد فتاة وشاب.
قصدت “المفكرة” مخيم شاتيلا ليل أمس الإثنين للوقوف على تفاصيل هذا الاعتداء. وتبيّن أنّ الضحية تبلغ من العمر 14 عامًأ وهي من الجنسية الفلسطينية وقد تعرّضت للضرب على يد المشتبه فيها مريم (سورية)، والضرب والاغتصاب على يد المشتبه فيه هاني ك. (فلسطيني الجنسية). وقد صوّر الحادثة المشتبه فيه جمال ع. (فلسطيني الجنسية). وأكّدت قوى الأمن الداخلي في بيان صدر عنها اليوم في 26 أيلول أنّها ألقت القبض على المشتبه فيهم الثلاثة. وقد علمت “المفكّرة” أنّه تمّت إحالتهم إلى مكتب مكافحة الاتجار بالبشر وحماية الآداب في ثكنة حبيش للتحقيق معهم تحت إشراف المحامي العام في جبل لبنان سامي صادر، كذلك استمعت الضابطة العدلية إلى شهادة الضحية بحضور مندوبة من اتحاد حماية الأحداث وعرضتها على الطبيب الشرعي.
وفي حين تتضمّن القضية شبهات بالاتجار بالبشر، إلّا أنّه لم يتمّ إحالة الضحية إلى أي من الجمعيات المتعاقدة مع وزارة العدل لحماية الأحداث. وهي اليوم ولغاية كتابة هذه السطور، تعيش هاربة مختبئة خائفة، تعاني وحدها الصدمة وآثار الجريمة التي تعرّضت لها، بحسب ما أكدته مصادر من العائلة لـ”المفكرة”.
وعلمت “المفكرة” أنّ الفيديو التقط قبل انتشاره بحوالي 10 أيام إذ أنّ الضحية، بحسب مصادر العائلة، تعرّضت للاحتجاز والتكبيل مدة 15 يومًا في الشقةٍ ذاتها التي صوّر فيها الفيديو قبل أن تتمكّن من الهرب منها.
تفاصيل الحادثة
تفيد مصادر العائلة بأنّ علاقة الضحية بمريم بدأت قبل عدّة أشهر، وتوطّدت علاقتهما كثيرًا خلال مدةٍ قصيرةٍ، فكانتا لا تفترقان. وقبل وقوع حادثة الاغتصاب بحوالي أسبوعين جاءت مريم لاصطحاب الضحية من منزل والدها، كون والديها مطلّقان وهي تتنقّل بين منزليهما، ليتبيّن لاحقًا أنّ الهدف كان استدراجها إلى منزل هاني في مخيّم “الغواش”، وهي منطقة تقع خارج مخيّم شاتيلا وعلى مقربة من المدينة الرياضية. وقد تمّ احتجازها وتكبيلها لمدة 15 يومًا وقص شعرها، ولم يقدّم لها الطعام، وكانت تتعرّض للضرب والتعنيف طيلة تلك الفترة بحجّة معاقبتها على نشر شائعات مسيئة حول مريم. وبعدها قام هاني باغتصاب الضحية كما ظهر في الفيديو، وبحسب مصادر العائلة، فإنّ المشتبه بهما مريم وهاني هدّدا جمال بقوّة السلاح لتصوير الفيديو.
بعد أيام من جريمة الاغتصاب، تمكّنت الضحية من الهرب عبر النافذة بمساعدة جمال وفقًا لمصادر العائلة. ولدى علم عائلة الضحية بأحداث الفيديو، توجّهت والدتها إلى مكتب مكافحة الاتجار بالبشر وحماية الآداب لدى قوى الأمن الداخلي وادّعت ضدّ مجهولين بجرم الضرب والتعنيف والاعتداء الجنسي على ابنتها القاصر، بحسب بيان قوى الأمن الداخلي.
يشار إلى أنّ ووالد ووالدة الضحية مطلّقان، لديهما ثلاثة أطفال، بعد الطلاق تزوّجت والدتها من عمّها وأنجبت منه ولدين. سوء الوضع الاقتصادي دفع بالوالدة للعمل في مجال التنظيف، ما يضطرّها إلى الخروج من الساعة السابعة صباحًا حتى الخامسة عصرًا. وقد كبرت الضحية “وحيدة” تتنقل بين والدها ووالدتها المنشغلين عنها معظم الوقت، وقد حاولت والدتها اللجوء إلى الجمعيات والمدارس الداخلية لحمايتها من جو “المخيّم” حسب قول أحد المقرّبين، إلّا أنّها لم تنجح. وكانت الضحية تغيب لفتراتٍ طويلةٍ عن المنزل، وتبيت عند رفيقاتها.
الطفلة من دون حماية وتحت التهديد
وعلى الرغم من أنّ المشتبه فيهم هم اليوم رهن الاحتجاز، إلّا أنّ أحدًا لم يقدّم للضحية وعائلتها “الحماية” اللازمة. فالضحية تعيش مختبئة، معرّضة لشتى أنواع التعنيف المعنوي واللفظي، فيما عائلتها خائفة من اعتداءات أخرى قد تتعرّض لها الضحية كونها متعبة ذهنيًا ونفسيًا، ما يجعلها فريسةً سهلةً. وتؤكّد مصادر العائلة أنّها غالبًا ما تكون شاردة الذهن ولا تتجاوب مع الأسئلة. وأفادت مصادر من داخل المخيم أنّ الضحية وعائلتها تلقّوا تهديدات لإجبارها على إسقاط الدعوى.
الحي كلّه سمع صراخ الضحية ولم يتحرّك أحد
التقت “المفكرة” بالحاج فادي حليمة، قائد القوّة الأمنية المشتركة في مخيم شاتيلا، الذي يوضح أنّه في تاريخ 8-9-2023 تلقّى اتصالًا من مجموعة شبّان من مخيّم “الغواش”، يفيد بأنّهم يسمعون صراخ فتاة تتعرّض للضرب المبرح من إحدى الشقق السكنية. إلّا أنّه وبحسب حليمة لا يمكن للقوّة الأمنية المشتركة التابعة للمخيّم التدخل، كون الحادثة تقع خارج حدود مخيّم شاتيلا. عندها تواصل حليمة مع أحد عناصر أمن الدولة الذي أحاله على مخفر الطريق الجديدة الذي نصح حليمة بإرسال شبّان لدخول الشقة وربط المعتدين بحبال، وإبقائهم تحت حراستهم لغاية الصباح حتى يتم إرسال دورية إلى الشقة، لكن يضيف حليمة أنّ الشبّان لم يتدخّلوا خوفًا من وجود سلاح بحوزة المعتدين.
ويعتبر مسؤول شعبة حركة أمل في المنطقة الحاج كوراني في حديث مع “المفكرة”، أنّ حوادث الاغتصاب والقتل والسرقة تحدث يوميًا في المنطقة، لكن هذه القضية لاقت الصدى اللازم كونها انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي. ويضيف أنّه “قبل الأزمة كانت الأجهزة الأمنية كافة تتسابق للحصول على معلومات حول فار من وجه العدالة أو وكر للدعارة أو المخدرات، اليوم لا تتحرّك أيّ دورية منهم حتى لاستلام المجرمين باليد ومن دون أي جهد”.
وتفتح القضية الباب على وضع المجتمعات في لبنان أثر الأزمة، ومنها المخيّمات الفلسطينية المكتظّة وحال المقيمين في داخله، أولاد مشرّدة في الشوارع، شباب بلا عمل وبلا أفق، حيث تمنع القوانين الفلسطينيين من مزاولة مهن عدّة. كذلك يفيد أحد السكان أنّ أوكار للدعارة والاتجار بالبشر منتشرة بكثرة، ولا يمكن لأحد من الفصائل الفلسطينية محاربتها أو مداهمتها لأسباب سياسية. وكانت دراسة لـ “المفكّرة” حول الأحكام القضائية الصادرة في قضايا الاغتصاب بين 2016 و2018 عن محاكم الجنايات في بيروت وجبل لبنان، أظهرت أنّ أغلبيةَ (59%) ضحايا الاغتصاب قاصرون (45% منهم ذكور و55% منهم إناث)، فيما تبلغ نسبة الراشدين 41% (95% منهم إناث، و5% ذكور)، وأنّ المحاكم أدانت 67% من المتهمين الذين حوكموا وجاهيًا بجريمة الاغتصاب. كما أظهرت دراسة أخرى حول قضايا الاتّجار بالبشر العالقة أمام هذه المحاكم في 2016 و2017 أنّ معظم ضحايا الاستغلال في الدعارة كانوا راشدات من الجنسية السوريّة (38 من أصل 46).