
في 16 كانون الأوّل 2024، خضعت الناشطات سحر غدّار وغنى غندور وإيفلينا مهوّس للتحقيق أمام مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية تحت إشراف المحامي العام الاستئنافي في بيروت رجا حاموش، وذلك بناءً على شكوى تقدّمت بها محطة تلفزيون المر (MTV) في حق مسؤول في حزب الله وعدد من الإعلاميين والناشطين بجرائم القدح والذم والتحريض على القتل وإثارة الفتنة. وجاءت الشكوى على خلفية منشورات للناشطات على مواقع التواصل الاجتماعي انتقدنَ فيها تغطية المحطة للعدوان الإسرائيلي على لبنان التي اعتبرتها منحازة للسرديّة الإسرائيلية. وفيما كان استدعاء الناشطات يوم أمس هو الأوّل في هذه الشكوى، أثار قرار القاضي حاموش بتوقيفهنّ اعتراض العديد من الناشطين لما يشكّل من تهديد لممارسة حريّة التعبير.
أمضت الناشطات الثلاث، 12 ساعة في مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية من الساعة العاشرة صباحًا حتى الساعة العاشرة ليلًا من يوم أمس. وبعد انتهاء التحقيق معهنّ في حضور محاميهن، طلب القاضي حاموش منهن التوقيع على تعهّد بعدم التعرّض لمحطة تلفزيون المر وبحذف المنشورات موضوع الشكوى، وفقًا للمحامي الشريف سليمان وكيل غدّار. وأمام رفضهنّ الاستجابة لهذه الطلبات لاعتبارها خارجة عن صلاحية النيابة العامّة، أصدر القاضي حاموش قرارًا بتوقيفهنّ. ومن ضمن المنشورات موضوع الشكوى، منشور ساخر بداهة لغدّار على منصّة “إكس” يُشير إلى وجود “منصة صواريخ متنقّلة داخل ردهة الـ MTV تحضيرًا لإطلاق صواريخ حزب الله منها”، وأضافت “إعدم ميشال المر إذا عم بكذب”. ويأتي هذا المنشور في سياق الانتقادات التي طالت أداء المحطة خلال تغطية الحرب الإسرائيلية على لبنان، منها التي طالت ادّعاءها بوجود مسلّحين في مراكز إيواء النازحين وصواريخ في المنازل وهو ما اعتبر تحريضًا على استهداف المدنيين وارتكاب جرائم حرب، تحريضًا بقي بمنأى عن أيّ مساءلة أو تحقيق.
وبعد صدور قرار توقيفهن، احتشد مساءً عشرات من المتضامنين والمتضامنات معهن أمام مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية، وكذلك حضر النائب عن كتلة الوفاء للمقاومة إبراهيم الموسوي إلى المكتب والتقى بالناشطات. وصرّح الموسوي أمام المتضامنين أنهم تواصلوا مع النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجّار ووزير العدل ووزير الإعلام بشأن توقيفهنّ. ونتيجة ذلك، علمت “المفكّرة” أن القاضي حاموش اتّصل بالمكتب وأعلم المحققين أنّ الملف أصبح في عهدة القاضي الحجّار الذي أمر بتركهنّ رهن التحقيق. ورغم أنّ النائب الموسوي صرّح لوسائل الإعلام بعد إطلاق سراح الناشطات بأنّه “تحت سقف القانون، بدنا دولة القانون، ما بدنا بلطجة، لا ببعض القضاء ولا بغيره”، إلّا أنّ تواصله مع الحجّار، يدلّ على استمرار نهج التدخّل السياسي في عمل القضاء من خلال النيابة العامة التمييزية التي غالبًا ما اعتبرت الذراع السياسي داخل القضاء، وذلك بغض النظر عن مدى قانونية أو تناسب الإجراءات التي اتخذها النائب العام حاموش.
بالتوازي، يؤكّد المحامي الشريف سليمان الذي حضر التحقيق مع غدّار لـ “المفكرة” على رفضه حلّ هذه القضايا بالتدخّلات السياسية. ويشدد على أهمية رفض الناشطات التوقيع على التعهد وحذف المنشورات، إذ أنّ “لجنة المحامين المتطوعين للدفاع عن المتظاهرين” كانت قد خاضت معارك قانونية خلال انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 لرفض هذه الممارسات من قبل النيابات العامّة التي تُشكل تجاوزًا لصلاحياتها، وكذلك لرفض قرارات التوقيف في قضايا الرأي والتعبير. ويؤكدّ سليمان أنّ الإجراءات التي اتّخذها حاموش غير قانونية إذ “لا يتمتّع المحامي العام بصلاحيات حذف المنشورات عن وسائل التواصل الاجتماعي، كونه يعود للمحكمة وحدها صلاحيّة البتّ فيه”. ويشرح سليمان أنّه “من غير القانوني إصدار قرار بالتوقيف، لأنه يتعارض مع المادتين 46 و107 من قانون أصول المحاكمات الجزائية اللتيْن تمنعان التوقيف في الجرائم التي لا تتجاوز العقوبة فيها سنة حبس”، كما هي الحال بالنسبة لجرائم القدح والذم. ويشدّد على مواصلة التمسك برفض هذه الإجراءات غير القانونية.
غدّار أكدت في منشور بعد انتهاء التحقيق معها أنّه “من الطبيعي الحديث عن انقسام اللبنانيين بشكل عامودي إلّا أنّني كنت أظن أن الموقف من العدو هو خارج الانقسام”. وأضافت: “مارست قناة المرّ قناعتها طيلة عدوان إسرائيل علينا، ومارست قناعاتي الوطنية بالكلمة مهما علا سقفها”. وأكّدت أنّها مثلت أمام مكتب الجرائم المعلوماتية، وهي على أتمّ الجهوزية لتحمّل أي مسؤولية ولكن ضمن الأطر القانونية. وأوضحت أنّها رفضت التوقيع على أي تعهد أو حذف منشوراتها نظرًا لتجاوز المحامي العام الاستئنافي لصلاحياته. ومن جهتها، نشرت غندور على “إكس” تأكيدًا على أنّها “تحت سقف القانون، وأنّه لا يزال لدينا قضاء نزيه يصون حريّة الرأي والتعبير”. وأكّدت أنّها لم توقع على التعهد “ليس تحدّيًا إنّما إيمانًا بحرية الرأي والتعبير”.
وكانت محطة “إم تي في” قد نشرت بيانًا أكدّت فيه أنّها ادّعت على مسؤول في حزب الله وبعض الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي. وأشارت المحطة إلى أنّ “هذه الدعاوى لا صلة لها بموضوع الحريّات وقمعها.. إلا أنّ بعض الناشطين والفاشينيستاز، الذين حرّك معظمهم مسؤولٌ في حزب الله، حرّضوا ضدّ موظفين في المحطة وأهدروا دماءهم عبر إلصاق تهمٍ بهم من دون الاستناد إلى أيّ دليل”. ورأت المحطة أنّ القضاء هو الملجأ لينال كلّ صاحب حقّ حقّه، ولذلك لجأت إلى رفع الدعاوى لوقف مسلسل الافتراءات في حقّها وفي حقّ الإعلاميّين فيها، خصوصًا أنّها تعرّضهم للخطر.
ومن بين الأشخاص الذين تمّ استدعاؤهم أيضًا في هذه الشكوى، الصحافية رولا بحسون التي رفضت المثول أمام المكتب، نظرًا لـ “عدم اختصاص الضابطة العدلية التحقيق مع الصحافيين والصحافيات حيث أنّ قانون المطبوعات حصر حق التحقيق في حال توجّبه بقاضي التحقيق ومنع التوقيف الاحتياطي”، بحسب بيان أصدره تجمّع نقابة الصحافة البديلة مساء أمس. كما ندّد التجمّع بتوقيف الناشطات سحر غدار، إيفلينا مونّس، وغنى غندور، معتبرًا أنّه “انتهاك لحرّية التعبير المكفولة قانونيًا”.
متوفر من خلال: