“
بتاريخ 4 أيلول 2018، أطلق “التحالف الدولي ضد الإحتجاز” بالتعاون مع “جمعية إنسان دفاعا عن حقوق الإنسان” وجمعية “حماية”، تقريرا حول احتجاز الأطفال في لبنان، وذلك في “جامعة الحكمة”. حمل التقرير عنوان “مؤشر الأجيال القادمة (Global Nextgen Index)، إنهاء احتجاز الأطفال في لبنان”. وقد صُنف لبنان في التقرير في المرتبة رقم 19 من بين 20 دولة، عملت فيها المنظمتان حول موضوع احتجاز الأطفال المهاجرين. يقوم المؤشر على حساب نقاط تطال عدة مؤشرات تتعلق بكل بلد، منها القانون، الحقوق، سبل المعالجة، البدائل المتاحة عن الاحتجاز وغيرها. تأتي الولايات المتحدة الأميركية في المرتبة الأخيرة. أما إسرائيل، فبحسب المؤشر فقد سبقت لبنان حيث احتلت المرتبة 15، بينما احتلت البرازيل المرتبة الأولى. أي أن لبنان والولايات المتحدة هم الاسوأ من بين 20 دولة في موضوع احتجاز الأطفال المهاجرين.
خلال المؤتمر، اعتبرت مسؤولة برنامج الشرق الأوسط وأفريقيا في التحالف الدولي ضد الإحتجاز تيفاني شاكسبير أنه تم إنجاز المؤشر بمبادرة من جمعيات من المجتمع المدني الدولي الذين أنشأوا تحالفاً ضد الممارسات الخاطئة بحق الأطفال. وقد تم تجميع بطاقة سجل لبنان بالتعاون مع جمعيات غير حكومية العاملة في مجال احتجاز الأطفال. تضيف شاكسبير، بأن هذا المؤشر يقدم التوصيات اللازمة لكل دولة لأجل إيجاد الحلول البديلة عن احتجاز الأطفال، ويفتح النقاش للتحاور بشأن هذه القضية. وترى شاكسبير أن المؤشر هو وسيلة مناصرة لنشر التوعية ونشر الشفافية في أمور احتجاز الأطفال وحقوقهم، ولأجل حماية حريات الأجيال القادمة. من خلال هذا المؤشر، تلفت شايكسبير أنه يمكن المقارنة بين الدول حول ما تقدمه كل دولة بشأن حقوق الأطفال وخاصة الأطفال المهاجرين المعرضين للاحتجاز.
من جهة أخرى، توضح بأن هذا المؤشر قد دفع بعض الدول إلى تقييد عمل التحالف فيها، وذلك عندما شعرت بأن العمل به سوف يكشف عن ممارسات عدة تقوم بها هذه الدول تجاه الأطفال.
لبنان: احتجاز حرية الطفل وانتهاك حقوقه
أما عما يمارسه لبنان تجاه الأطفال المحتجزين، الذين هم في حال خلاف مع القانون، فقد تولت منسقة الوحدة الخاصة في جمعية حماية العالمة الإجتماعية باسمة روماني شرحها. وقد أوضحت أنه في لبنان يتم التعامل مع الأطفال بطريقة لا تليق بالإنسانية دون احترام لكرامة الطفل. وهي تلفت إلى أنه منذ العام 1991 إلى اليوم، فإن الوضع يزداد سوءاً، لا بل قبل عام الـ 2005 كان أفضل، بسبب تكاثر ظاهرة استغلال الأطفال في الأعمال الإرهابية في لبنان. وعليه، تؤكد بأن معايير العدالة الاجتماعية والتنمية الوطنية تتراجع إلى الوراء، وهي معايير غير ملحوظة من قبل القيمين على السلطات القضائية والأمنية. وتشير روماني إلى أنه منذ اللحظة الأولى التي يتم فيها احتجاز الطفل أو استدعاءه أو اعتقاله في أحد الأماكن، تبدأ الإنتهاكات بحقه.
تشرح روماني بأنه في مرحلة التوقيف الإداري، فإن قانون الأحداث رقم 422 يكفل في المادة 34 أن تتواصل الضابطة العدلية مع المندوب الإجتماعي المعتمد الذي يفرض عليه الحضور خلال ست ساعات من تاريخ دعوته. في المقابل فإن القانون لم يضع الإطار الزمني الذي يوجب العناصر الأمنية التواصل مع المندوب الإجتماعي منذ لحظة إلقاء القبض على الطفل. لذا، تلفت روماني إلى أن الطفل ليس أولوية لدى عدد من القضاة، فيتم احتجاز الطفل عبر الهاتف سواء كان يواجه تهمة من نوع جنحة أم جناية دون تفرقة، وقد تصل أيام الاحتجاز إلى 15 يوماً قبل تحويله إلى قاضي التحقيق.
وعليه، فإن وجود الطفل في المراكز الأمنية يعد انتهاكاً لحقوقه، خاصة وأن تلك المراكز ليست مجهزة لاستقبال الأطفال ولا يوجد فيها زنازين خاصة بهم. فغالباً ما يتم احتجازهم مع الموقوفين الراشدين على اختلاف التهم التي يواجهونها بين جنح أو جنايات. وتضيف روماني، خلال وجود الطفل في الاحتجاز، فإنه يبقى من دون أكل وشرب، إذ أن القانون لا يكلف الجهاز الأمني تأمينها له. لذا فإنه غالباً ما يقوم العناصر الأمنية بالمبادرة إنسانياً لتأمين الطعام له. كما يحدث أحياناً أن يحاولوا العناصر الأمنية التواصل مع نظارات أخرى لأجل الاستيضاح عن وجود نظارات تستقبل موقوفين متهمين بجرائم أقل خطراً من غيرها لإستقبال الطفل كـ “أمانة” لديهم.
توضح روماني أنه بعدما يتم التحقيق لدى الضابطة العدلية مع الطفل بوجود مندوب الأحداث، “يعود الأخير إلى بيته”. أما الطفل فيبقى في الاحتجاز، بدلاً من أن يتم اصطحابه إلى قصر العدل وتسليمه إلى النيابة العامة. أما النيابات العامة فغالباً ما تلجأ إلى التوقيف سواء كانت التهم الموجهة إلى الطفل من نوع جنحة أم جناية.
تضيف روماني، بعدما يتخذ قاضي التحقيق قرار توقيف الطفل، يتم سوقه إلى سجن رومية مباشرة إن وجدت آلية لذلك أو ينتظر في النظارة إلى حين تأمينها. وفي رومية، هناك جناح خاص بالأحداث الذكور، أعدادهم تتراوح بين 125 طفل إلى 200 وأعمارهم تتراوح بين 12 و 18 عشر عاماً. أما الأحداث الإناث، فيتم سوقهم إلى سجن خاص بهم أنشأته وزارة الداخلية ويدعى “مبادرة” وهو ملحق بمستشفى ضهر الباشق الحكومي. وكلا السجنان يخضعان إلى نظام السجن العادي. أي، تفتتح الزنازين الساعة الثامنة صباحاً وتقفل الساعة الرابعة عصراً وتطفأ الأضواء الساعة العاشرة.
في رومية بحسب وصف روماني، فإن الوصول إلى جناح الأحداث يتطلب السير لمسافات كبيرة، والمرور بين أجنحة الموقوفين الراشدين. والخطير أنه في كل زنزانة يوجد “شاويش” وغالباً يكون أقدم الأطفال المحتجزين أم أكبرهم عمراً. يقوم هذا الشاويش بإجبار الأطفال على الإنصياع لأوامره، وعندما يدخل طفل جديد يتحكم الشاويش بحياته، فيجبره أولاً على النوم تحت المغسلة. ومن ثم يبدأ الشاويش بالرضا عن الطفل فيتقدم معه ليسمح له بالنوم على سرير إن وجد، أو على حرام. وتؤكد روماني أن الأطفال يتعرضون للضغوط ذلك الشاويش الذي يستغلهم في تأمين السجائر وقد يصل الحال معه للتحرش الجنسي وممارسة الجنس معه.
احتجاز حرية الأطفال يعدّ مخالفاً لقانون الأحداث بحسب روماني. فالقانون يضمن اعتماد الوسائل البديلة عن حجز الحرية باستثناء حالات القتل المتعمد. تؤكد روماني أنه يتم حجز حرية الطفل لأشهر إن كان الطفل متهما وحده في القضية وتصل مدة الاحتجاز إلى عام أو أكثر إن كان يحاكم معه راشدون. وغالباَ، عند وصول ملف الطفل إلى قاضي الأحداث، فيتخذ الأخير قرارا بإلزام الطفل بالخدمة الإجتماعية لتعويض الضرر. وهنا تلفت روماني إلى أن الطفل يكون قد تعرض لأبشع أنواع المعاملة والانتهاك لحقوقه، بحيث أن الطفل أصبح بحاجة لمن يعوض له الضرر الذي لحق به وليس العكس.
أمام كل هذه المعطيات التي قدمتها روماني والتي تمكنت من استخلاصها من 20 سنة عمل كمندوبة اجتماعية في اتحاد حماية الأحداث، تشدد على ضرورة وضع الإصلاحات من ناحية قانون الأحداث. وذلك، من خلال رفع سن الملاحقة الجزائية من سبع سنوات إلى 12. كما تشدد على ضرورة تعديل القانون لإلزام الجهاز الأمني الذي يقبض على الطفل التسريع في التعامل معه من خلال وضع إطار زمني للتواصل مع مندوب الأحداث. ومن ناحية أخرى، تلفت إلى ضرورة إصلاح النظام القضائي، من خلال تجهيز القضاء المتخصص وتدريب القضاة للتعامل مع الأحداث. بالإضافة إلى زيادة عدد محاكم الأحداث في المحافظات. كما ترى روماني بأن الحلول البديلة عن الإحتجاز موجودة، وهي التي يكفلها القانون، مثال المتابعة القضائية للطفل في منزله مع عائلته أو العائلة البديلة.
ومن ناحية أخرى، تؤكد روماني أنه لا يوجد في لبنان أي مؤسسة تعنى بالتعامل مع الأطفال على خلاف مع القانون، علماً أن التجربة أظهرت أن مؤسسات الرعاية غير فعالة. كذا وأن مصلحة الأحداث توقفت منذ نحو السنة بعدما تم حل العقد بين اتحاد حماية الأحداث ووزارة العدل. كذا وأن جمعية الأب عفيف عسيران استقبلت لعام واحد أطفالا على خلاف مع القانون، من ثم توقفت.
توصيات للبنان
في التقرير الخاص في لبنان الذي أعدته منظمتا التحالف الدولي ضد الإحتجاز ومؤسسة إنسان دفاعاً عن حقوق الإنسان، نجد توصيات للبنان تتعلق بالبحث في تطوير السياسات للتعامل مع الأطفال المهاجرين وعائلاتهم، منها، إيجاد الحلول البديلة عن احتجاز الأطفال، ووضع حد للتمييز حسب الجنسية في تقديم الخدمات التعليمية والصحية والإجتماعية. فيما عدا ذلك، يلفت التقرير إلى ضرورة تطوير عملية توثيق الداتا الخاصة بالمهاجرين الموقوفين، والإلتزام بالشفافية في الكشف عن أعداد الأطفال في التوقيف الإداري، كما تطوير الأسس القانونية والأنظمة لتخفيض أعدادهم.
“