“
“يا محافظ وينك وينك..الدستور بيني وبينك”.
كان ذلك أحد الشعارات التي رددها المحتجون في العاصمة الأردنية عمان، عقب الاحتجاجات التي اندلعت في الأول من حزيران في كامل أرجاء الأردن، وهي تمثل رسالة واضحة لكف يد الحاكم الإداري من التغول على السلطة القضائية.
الاحتجاجات التي جاءت بداية عقب قرار الحكومة الأردنية بتمرير قانون ضريبة الدخل الذي يستهدف الطبقة الوسطى، ومن ثم خطوة رفع أسعار المحروقات 5% ما أشعل الحراك الاحتجاجي على السياسات الحكومية.
لكن ومع تطور تلك الاحتجاجات، التي أعقبها استقالة حكومة هاني الملقي والعودة عن قرار رفع الأسعار، وسحب قانون الضريبة، ذهب المحتجون إلى توسيع مطالبهم، لتشمل مطلب وضع حد لتغول المحافظ (الحاكم الإداري) على حقوق وحريات الأفراد الذين بامكانه توقيفهم بمجرد إلاشتباه بهم، عملا بقانون منع الجرائم. وما أشعل هذا المطلب هو أن محافظ عمان قرر إبقاء أربعة نشطاء كانوا قد أوقفوا على خلفية ما وصفته مديرية الأمن العام ب”مقاومة رجال الأمن” محتجزين، رغم صدور قرار قضائي عن محكمة الصلح في وسط عمان بالإفراج عنهم. تبعا لذلك، طالب المحتجون رئيس الحكومة المكلف عمر الرزاز بالنظر بقانون منع الجرائم الذي يعطي صلاحيات فضفاضة للحكام الإداريين بتوقيف الأفراد إحترازيا بمجرد الاشتباه بهم وحفاظا على الأمن العام. وكان الأمن العام أعلن بتاريخ 4 حزيران، في مؤتمر صحفي، اعتقال وتوقيف قرابة 60 شخصا، تم إطلاق سراح الكثيرين منهم بعد ساعات من التوقيف. وقد بقي بالمقابل الأشخاص الأربعة موقوفين بقرار من محافظ عمان بكفالة عدلية بقيمة 100 ألف دينار للشخص الواحد.
وقد رأى المحتجون أن استمرار احتجاز هؤلاء يشكل إنتهاكا لمبدأ حجز حرية الأفراد دون أي مبرر، وفي الوقت نفسه مخالفة واضحة لمبدأ استقلالية القضاء.
وهذا ما عبرت عنه المحامية نور الإمام، التي وصفت التوقيف بأنه إمعان في تغول السلطة التنفيذية على السلطة القضائية. “طالما أن القاضي قرر إخلاء سبيلهم، بالتالي لا نفهم ما معنى التحفظ سوى على أنه تكريس لخرق مبدأ الفصل بين السلطات”.
انتهاك للخصوصية
بالعودة إلى المؤتمر الصحفي الذي عقده مدير مديرية الأمن العام وضاح الحمود، نلحظ أن الأمن العام انتهك مبدأ الحفاظ على خصوصية الموقوفين، عندما نشر خلال المؤتمر فيديو يُظهر رصدهم، لما يعتقده تجاوزات من قبل المحتجين. تضمن الفيديو عرضا لصور 8 موقوفين من جنسيات غير أردنية، يخضعون لتحقيق أمني. الملفت في ذلك هو تصريح مدير الأمن العام بأنه “نتحفظ عن ذكر أسمائهم” في موازاة عرض صورهم، بطريقة واضحة وأمام جمهور الصحفيين وأيضا في نقل مباشر على التلفزة الرسمية الأردنية.
هذا الإنتهاك يشكل مساساً بالموقوفين الثمانية، وخرقا لمبدأ ضمان حمايتهم. وما يضاعف من شكل الانتهاك، هو أن التحقيق ما يزال مستمرا بحقهم، ولم يثبت تورط أي منهم بجرائم.
حراك الأردن ضد اللاعدالة
تتجه أنظار الشارع الأردني إلى حكومة عمر الرزاز التي لم تتشكل بعد، والتي ولدت من رحم الحراك.
كيف استطاع الشباب تنظيم حراكهم؟
لا يعتقد أحمد وهو أحد النشطاء، أن الأمر كان منظما. بالصورة التي كان عليها الاحتجاج، كان مجرد الاتفاق على الساعة والمكان المحددين، كفيلا لابقاء استمرارية الحراك الذي ازداد حجما بفعل عدم استجابة الحكومة لمطالبه في بداياته. لم تنخرط قيادات نقابية في حراك الشارع اليومي واقتصرت مشاركتها على اضرابات عامة نفذت مرة واحد في أسبوعين. ثمة كوادر شبابية كانت جزءاً لا يتجزأ من الحدث، وهي تمثل بصورة أو بأخرى، أحزاب اليسار.
يناقش نشطاء المجتمع المدني الأردني في كيفية الانطلاق والعمل نحو دور ينسجم وطبيعة عمله في البناء مع ما يمكن وصفه بالامتثال لإرادة الشعب. هل أفرز الحراك قيادات شابة جديدة؟ هل شكلت أو سوف تشكل هذه القيادات بديلا عن الشخصيات التي تصدرت الساحة السياسية لفترة من الزمن؟
لا يعتقد الناشط أحمد قدورة أن أحدا سيحل مكان أحد، لكن المؤكد أن أمام الجيل الجديد من الشباب العمل في بيئة سياسية شائكة، غير معلوم إتجاهها، لطالما أن الاقتصاد الأردني يعتمد على المساعدات الخليجية والدولية عموما والأفق السياسي غير واضح في ظل منطقة عربية مضطربة.
“أنظر إلى مؤتمر دول الخليج الثلاث وما تلقاه الأردن من مليارين ونصف على شكل ودائع وسندات، هي نسبيا سوف تساعد الاقتصاد المترهل، لكنه حل آني غير مستمر سرعان ما سوف يتلاشى وتعود الأزمة كما كانت”، يقول أحمد قدورة.
زمن اللاقادة
الاحتجاج الذي شهده الأردن طوال أسبوع كامل، ضاربا في عمق دولة اقتصادها هش كاد أن يرمي إلى أزمة سياسية لم يكن أحد يستطيع الخروج منها في محيط إقليمي لا يخدم هذا البلد.
دخول حركات جديدة دون أسماء بعينها أظهر مدى حاجة الشارع إلى حراك يقوده شباب ولو من دون قيادة معروفة؛ فالقادة كانوا موجودين في مجمع النقابات المهنية وهو معقل النقابات المهنية في الأردن، كانوا يتفاوضون باسم الحراكات المدنية مع الدولة، ومع رئيس الوزراء المستقيل تحت ضغط الجمهور.
محمود عطعوط، أحد الشبان المشاركين في سلسلة الاحتجاجات، دفعه الاحساس بالظلم واللاعدالة إلى المشاركة في احتجاجات لم يألفها سابقا، ولم يسجل في حياته وإن شارك في احتجاجات. “شعرت بالظلم وكان اقوى من الخوف، وكنت أصطحب في بعض الأيام، زوجتي وأطفالي”.
العطعوط، لا يكتفي بسحب قانون ضريبة الدخل، إنما يطالب بالغاء قانون الجرائم الالكترونية الذي يقيد حريات المواطنين على الفضاء الإلكتروني.
وعلى جانب آخر، يقول إبراهيم سليم، بأنه كان واحدا من الذين رصدوا غياب شخصيات عامة، وهو ما شجعه وأصدقاءه على المشاركة. “أقول أن الشارع ليس لشخصيات بعينها، ورغم أن بعضهم حاول أن يتسلق في الاحتجاجات، لكنهم فشلوا أمام أصواتنا ونحن نهتف ضد الفاسد والفاسدين وكل المنظومة المهترئة والتي تشكل تلك الشخصيات التي تلعب بالسياسة جزءا منها”.
لماذا تواجد المحامون بأروبهم؟
تواجد العشرات من المحامين وسط الحراك. تعمدوا ارتداء أروابهم في دلالة على أنهم ضمانة للمتابعة القانونية على الأرض، وحصانة أمام الجهات الأمنية، ورقابة على أي إنتهاك قد يقع.
في أحداث 24 آذار 2011 وأحداث النخيل، شهد الأردن صدامات حادة بين معتصمين والأمن، انتهت إلى كثير من الاعتداءات بحق المتظاهرين، وتركت شرخا بين المجتمع المدني والمؤسسة الأمنية. من تلك التجربة، حاول الكثير من المحامين، أن يكونوا أكثر رصدا وتوثيقا لأي انتهاك محتمل. وهو ما دفعهم إلى التواجد بالعشرات وهم يرتدون أروابهم.
أرواب المحامين، كانت تمثل الحق، من حيث الشكل، تقول المحامية نور الإمام، أما من حيث المضمون، فهي تمثل رمزيا لمبدأ العدل من حيث أن المحامين موجودون للدفاع عن مضمون الاحتجاج، ومظلة قانونية، لأي شخص قد يتعرض لانتهاك. وهو عرف ممارس بين المحامين في شتى دول العالم.
تحرك المحامين في الميدان، لم يكن إلا بعدما بادرت نقابة المحامين، بالإعلان عن أنها سوف تقدم الخدمة القانونية والمساندة لأي شخص قد يتعرض لانتهاك.
المحامية سماح مرمش من الشبكة القانونية للنساء العربيات، ترى بأن دور المحامين في الميدان، كان مستندا على مبدأ أن المهمة تبدأ بالدفاع عن حقوق الأفراد، وهي شكل من أشكال الحصانة أمام الجهات الأمنية.
سقف تطلعات الكثيرين نحو حكومة عمر الرزاز منخفض، طالما أنها ستبقى دون ولاية عامة. مبدأ الولاية العامة، هو الفيصل في عمل الحكومات، “وإذا كانت غير متوفرة فما فائدة كل الحراك الذي شهدناه”، تقول الناشطة لندا كلش.
أمام الحكومة الجديدة تحديات كبيرة، لكن المؤكد أن عليها إتخاذ خطوات نحو تكريس مبدأ دولة القانون وأحد أهم ملامحها، إعادة النظر بجملة من القوانين الإشكالية أبرزها قانون منع الجرائم وقانون منع الجرائم الالكترونية وأخرى. غير ذلك ستبقى رقما متغيرا من بين الحكومات الأردنية المتعاقبة.
“