جاء حسان طنوس إلى لبنان من فرنسا حيث يسكن مع عائلته، خصيصاً ليحضر جلسة الاستماع للشهود الأطباء في قضية ابنته إيلا، التي يرى أنها وقعت قبل أربع سنوات ضحية خطأ طبي أدى إلى بتر أطرافها الأربعة. المصيبة التي جمعته مع فوزي مشلب والد ضحية الخطأ الطبي صوفي التي خضعت لعملية استئصال ورم حميد أدى إلى تلف بالدماغ، حثت الأخير على أن يأتي لمساندته ودعمه. وعلى مدى ساعتين في تاريخ 15 آذار 2019، استمع القاضي المنفرد الجزائي في بيروت باسم تقي الدين لشهادة ثلاثة أطباء من اللجنة الطبية التي وضعت تقريرا عن حالة إيلا. وختم القاضي الجلسة بتعيين تاريخ 27 حزيران موعداً للمرافعة.

كانت الجلسة صاخبة. أخذت الأصوات ترتفع حيناً وتهدأ حيناً آخر. وقد وقف مشلب يستمع طيلة الجلسة إلى مُجرياتها. وبدا وكأنه يعرف تفاصيل ملف إيلا مثل والدها حسان طنوس. فكان الرجلان يتحمسان على كل ما يحصل. طنوس كان متأهباً وحازماً في توجيه الأسئلة إلى الشهود. ويقف خطوات إلى الوراء فوزي مشلب، الذي حاول أن يلفت نظره إلى أمور قد تكون مهمة ولا يجدر إغفالها. تحمُس مشلب استفز وكيل مستشفى سيدة المعونات، فطلب منه القاضي أن ينتظر خارجاً إلى أن تنتهي الجلسة.

والحال أن مصيبتي طنوس ومشلب تعود إلى المرحلة الزمنية نفسها، فقضية إيلا تعود إلى شباط 2015 عندما اُدخلت الطفلة إلى مستشفى سيدة المعونات في جبيل بسبب ارتفاع في درجة حرارتها. وقد وجدت العائلة حينها أن خطأ التشخيص أدى إلى تدهور حالة إيلا الصحية، ما أدى إلى إصابتها بالغرغرينا واستحالت النجاة دون بتر أطرافها. أما قضية صوفي، فتعود إلى تاريخ 10 حزيران 2015 حين خضعت الطفلة لعملية استئصال ورم حميد، في مستشفى مار جاورجيوس، وكان عمرها لا يتجاوز الشهر ووزنها لا يتخطّى 1.6 كيلوغرام. فخرجت صوفي من العملية مع ضرر كلوي أدّى إلى تلف دماغي، اكتشفه الأهل حين لاحظوا علامات تأخر نمو على ابنتهم. وتواجه المستشفى وأربعة أطباء دعوى جزائية تسلك مسارها عند القاضية المنفردة الجزائية ضياء مشيمش.

الأطباء الشهود: الإجابات موجودة في التقرير الطبي

بالعودة إلى الجلسة المتعلقة في قضية إيلا، الجدير ذكره أنه يواجه الدعوى الراهنة، ثلاث مستشفيات نقلت إليها إيلا، وهي مستشفى سيدة المعونات وأوتيل ديو والجامعة الأميركية. كذا وبالإضافة إلى طبيبين من المعونات والجامعة الأميركية مدعى عليهم بالإيذاء غير المقصود، وطبيب من أوتيل ديو المتهم بالامتناع عن الإغاثة. وبعدما جرى الاستماع سابقاً إلى الأطباء المدّعى عليهم، خُصّصت الجلسة الأخيرة للاستماع إلى ثلاثة أطباء شهود من اللجنة الطبية التي صاغت التقرير المتعلق بحالة إيلا. وهؤلاء الشهود طلبتهم مستشفى الجامعة الأميركية، والأخيرة كلفت الطبيبة بترا خوري لتقوم بطرح الأسئلة الطبية للشهود. أسئلة خوري اتصلت بمجملها بنقد التقرير الطبي الذي صاغته اللجنة الطبية التي كلفتها المحكمة التحقيق بقضية إيلا. وشكلت رسالة كانت قد أرسلتها خبيرة أجنبية إلى الطبيبة الشاهدة باتريسيا كلداني محورا أساسيا في أسئلتها، وهذه الرسالة تعتبر خوري أنها تتضمن معلومات لم تؤخذ بعين الاعتبار في التقرير، وهي معلومات تتعلق برأي الخبيرة الأجنبية بالنوع الجرثومي “group A streptococcal”. والحال أن أسئلة خوري أحدثت جلبة في الجلسة، خصوصاً عند الاستماع إلى إفادة الشاهدة الأولى الطبيبة كلداني، والتي أحالت مُعظم أجوبتها إلى التقرير الطبي الذي وقعت عليه. وكذلك فعل الشاهد الثاني الطبيب جاك مخباط الذي أكد بضرورة مراجعة التقرير لأنه وللأمانة الطبية لا يُريد الإجابة على أسئلة محددة في حالة إيلا لأن التقرير وضع منذ ثلاث سنوات والذاكرة لا تُسعفه.

كلداني أكدت على أن “اللجنة الطبية المُكلفة قامت بأخذ بعين الاعتبار كافة الأمور الهامة لصياغة التقرير”. وكررت لأكثر من مرة أن التقرير الذي مضى عليه ثلاث سنوات هي غير قادرة على تذكر كافة تفاصيله، لكن بالمقابل شددت على أنها تؤيد كافة مضامينه التي وقعت عليها حينها. الطبيبة خوري استمرت بطرح أسئلتها المتعلقة بالرسالة المذكورة بطريقة حادة، وطلبت من الطبيبة شرحها وترجمتها، والإجابة لماذا لم يتم تضمينها في التقرير. أوضحت الشاهدة في سياق إجاباتها بأن اللجنة الطبية أرسلت إلى الخبراء الأجانب كافة المعلومات التي كانت متوافرة، كما أنه تم استشارة عشرات الخبراء، والرسالة المذكورة هي إحدى هذه الاستشارات، ولفتت إلى أن اللجنة أخذت بكافة المعلومات المهمة التي حصلت عليها. الطبيبة خوري صعّدت في طرح الأسئلة التي أشعرت الشاهدة بأنها تتعرض للاستجواب، وأوصلت الأمر إلى مرحلة قررت فيها التوقف عن إعطاء الإفادة. فقد اعتبرت أن طريقة خوري بطرح الأسئلة غير ملائمة. وطلبت كلداني إحالة كافة الأسئلة إلى التقرير الطبي الذي تعتبره يُجيب على كل شيء.

الشاهد الثاني وهو الطبيب جاك مخباط وهو متخصص بالأمراض الجرثومية، أكد على أن الأجوبة موجودة في التقرير. ودأب الطبيب على التذكير بضرورة العودة إليه لأن ذاكرته لا تُسعفه لإعطاء أجوبة دقيقة عن حالة حصلت قبل ثلاث سنوات، وذلك للأمانة الطبية. من ناحية أخرى، اعتبر أن ما يوجد في الرسالة معروف ولا يحتاج لخبرة خارجية لإدراكه، خاصة أنه طبيب متخصص بالأمراض الجرثومية. وشرح بترجمته الفورية لما تتضمنه الرسالة هي أن “…الـ A group A streptococcal infection ، عندما تُصيب الإنسان قد ينجم عنها تدهور في وصول الدم إلى الأنسجة تحت الجلد وفي الجلد…”. ثم أوضح الطبيب أن هذه الجرثومة “قد تؤدي إلى الإصابة بالغرغرينا من ثم بتر الأطراف”. ولم يجزم الطبيب بأن كافة الحالات متشابهة ولفت أيضاً إلى أن كل طبيب يُقدر الوضع بطريقة مختلفة عن الآخر.

المنظومة الطبية في لبنان فاشلة؟

أما شهادة الشاهد الأخير وهو الطبيب أيمن قزي  المتخصص بطُب الطوارئ، وقد شارك في إعداد التقرير الخاص بإيلا إلا أنه اعترض عليه لأنه رأى أن طريقة التعاطي في هذا الملف مغايرة لتوقعاته. إذ لفت إلى أنه “لأجل القيام بالتحقيقات احتاج الدخول إلى المستشفيات، لكن لم تتجاوب معه سوى مستشفى المعونات، وأن أوتيل ديو لم تسمح له بالدخول”. أما بالنسبة لمستشفى الجامعة الأميركية، شرح الطبيب بأنه يعمل فيها وطلب عدم إعطاء رأيه بخصوصها تكريساً لمبدأ الحيادية. وأوضح الطبيب بأنه كتب تقريرا يتضمن 16 صفحة وقدمه إلى اللجنة الطبية، وتفاجأ بعدها بأنه تم تلخيصه إلى صفحة ونصف. ويُفهم من ذلك أن التقرير النهائي خفف المسؤولية عن مستشفى المعونات. الطبيب حمل مسؤولية عالية لمستشفى المعونات واعتبر أن منظومتها الطبية لديها غير كفؤة. واستغرب الطبيب عدم تمكن هذه المستشفى من العناية بإيلا خاصة وأن “الطبيب الذي وقع على الموافقة لخروج إيلا متخصص بالعناية الفائقة للأطفال حديثي الولادة”. وأكثر من ذلك، رأى الطبيب بأن هذا الأمر ينسحب على منظومة طبية فاشلة على صعيد لبنان.

أما لناحية مستشفى أوتيل ديو، اعتبر الطبيب بأنه مستشفى جامعي وله قدرات على استقبال مرضى العناية الفائقة. إلا أن المستشفى قصّرت بعدم استقبال إيلا. كما لفت الطبيب إلى أن ما حصل مع إيلا هو نتيجة مرض ما كان ليتطور لو تمت معالجته بالطريقة الملائمة، وبالتالي كانت الأضرار أقل.

شهادة الطبيب الأخير تحفظ عنها وكيل الطبيب ع. م. المحامي صخر الهاشم، واعتبر أن “فيها الكثير من التناقضات” وأضاف الهاشم متهكماً الشهادة أتت “لتُحسن النظام الطبي في لبنان وليس لقول الحقيقة”، أي أن الطبيب خرج عن موضوع القضية. وأيده على هذا التحفظ كل من وكيل المعونات المحامي روي لبكي، ووكيلة مستشفى أوتيل ديو مروى الخضر.

وأرجئت الدعوى كما أسلفنا للمرافعة بتاريخ 27 حزيران القادم.

لمتابعة مقالات ذات صلة في قضية إيلا:

تأجيل دعوى إيلا طنوس: تشديد على حضور شهود من اللجنة الطبية

قضيتا إيلا وصوفي تنتظران التقارير: لا آليات رقابة فاعلة على عمل المستشفيات

قضية الصغيرة إيلا على عتبة القرار الظني: سنتان من العناء والانتظار

قضية إيلا طنوس: القرار الظني صدر، والعائلة راضية

جلسة استجواب الأطباء في قضية الطفلة إيلا… روايات لا تلغي الضرر

تقارير طبية جديدة في قضية الطفلة إيلا طنوس: والدعوى تتجه لإكمال سنتها الرابعة

والدة إيلا طنوس تنفعل وتضعها على مكتب القاضي: انظروا بعين الإنسانية إلى ابنتي