بالتزامن مع إعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن روزنامة الانتخابات الرئاسية المزمع تنظيمها يوم السادس من أكتوبر المقبل، تم الإعلان عن إيقاف المرشح المُفترض للانتخابات الرئاسية المقبلة محمد لطفي المرايحي بجهة نابل يوم الأربعاء 3 جويلية تنفيذا لمذكرة تفتيش صادرة في حقه، بعد فتح تحقيق من قبل الإدارة الفرعية للأبحاث الاقتصادية والمالية بإذن من النيابة العمومية بالمحكمة الإبتدائية بتونس 1.
وبعد يومين فقط من الإيقاف، تم إصدار بطاقتي إيداع بالسجن في حق المترشح للانتخابات الرئاسية والأمين العام لحزب الإتحاد الشعبي الجمهوري محمد لطفي المرايحي والكاتبة العامة للحزب، إضافة إلى ثلاثة أشخاص آخرين، “من أجل شبهة تكوين وفاق قصد غسل الأموال وتهريب مكاسب للخارج عبر تحويلها لعملة أجنبية، وفتح حسابات بنكية بالخارج على خلاف الصيغ القانونية والتعامل بين مقيم وغير مُقيم”. كما تمت إحالة المرايحي أيضا على المجلس الجناحي بالمحكمة الإبتدائية بتونس في قضية أخرى من أجل شبهة “تقديم عطايا نقدية بقصد التأثير على الناخب خلال الإنتخابات الرئاسية لسنة 2019”. كما صرح الناطق الرسمي باسم المحكمة الإبتدائية بتونس محمد زيتونة بأن “الأبحاث قد أثبتت تعمد جملة المتهمين الموقوفين على ذمة قضية الحال التنسيق في ما بينهم قصد تحصيل التزكيات وشراء أصوات المزكين بمقابل مالي”.
مسار الملاحقة القضائية المستمر للمرايحي لم يبدأ مع القضيتين المذكورتين، إذ سبق له أن تلقى استدعاء سابقا يوم الجمعة 15 مارس 2024 من الفرقة المركزية الخامسة لمكافحة جرائم تكنولوجيا المعلومات والإتصال للحرس الوطني بالعوينة للاستماع إليه بوصفه ذي شُبهة. وقبل ذلك أصدرت الدائرة الجناحية بالمحكمة الإبتدائية بتونس في 25 جانفي 2024 حكما يقضي بسجنه لمدة ستة أشهر مع تأجيل التنفيذ بتهمة “تسريب أخبار زائفة من شأنها الإضرار بالأمن العام” طبقا للمرسوم 54 على خلفية تصريح إذاعي أدلى به في نوفمبر 2022، أشار فيه الى فشل الرئيس قيس سعيد وتراجع شعبيته.
إيقاف منتظر
قرار إيقاف المرايحي كان متوقعا لجُل المتابعين لتطورات الساحة السياسية التونسية، بل إن المرايحي نفسه قد توقعه سابقا ومنذ سنة 2023 في حوار له مع إذاعة جوهرة أف أم في شهر أوت بعد ستة أشهر من الإيقافات الأولى في قضايا التآمر. المرايحي الذي دعم سابقا قيس سعيد في الدور الثاني من الإنتخابات الرئاسية لسنة 2019 ضد منافسه نبيل القروي، حظي باستقبال من طرف سعيد في 28 أكتوبر من نفس السنة مُباشرة بعد توليه للمنصب، حيث عبر المرايحي في اللقاء عن مساندة حزب الإتحاد الشعبي الجمهوري “لكل القرارات الرئاسية والحكومية الرامية إلى تحقيق تطلعات التونسيين”، كما ساند كذلك انقلاب 25 جويلية 2021 مباشرة، لا بل ودعا سعيد إلى عدم التنازل ومواصلة العمل بالتدابير الاستثنائية مع إعادة بعض مؤسسات دستور 2014. ثم غير المرايحي موقفه إلى النقيض تماما حين أعلن مبادرة سياسية تحمل اسم “إرحل” ضد السلطة القائمة في 16 نوفمبر 2022، وتعرض على إثرها إلى عدد من المضايقات التي ظلت تزداد وتيرتها مع اقتراب موعد الإنتخابات الرئاسية، وخاصة على إثر إعلان ترشحه للانتخابات في 2 أفريل المنقضي. وقد استبق المرايحي عملية الإعتقال بتسجيل فيديو له، تم نشره على صفحته الرسمية على فايسبوك، يُعلن فيه عن تعرضه للهرسلة منذ فترة وتلقيه عددا كبيرا من الإستدعاءات للتحقيق والاستماع والمنع من السفر غير المبرر والمحاكمات، وأنه خير عدم الخروج للتشكي والتظلم “لإدراكه طبيعة السلطة التي يقارعها والوضع الحالي في البلاد”. كما أكد في نفس الفيديو أنه لم يقم بالقدح في شخص قيس سعيد بل قيم أداءه باعتباره منافسا وبديلا سياسيا له أمام التونسيين، مُعتبرا أن حصيلة السلطة الحالية هزيلة مع نسبة نمو تناهز الصفر بالمائة وبلوغ التضخم وغلاء الأسعار نسبا غير مسبوقة وتدهور النقل العمومي والصحة العمومية بشكل كبير.
المرايحي، السياسي ذو التكوين الطبي هو أصيل مدينة حيدرة من ولاية القصرين، ويُعرف أيضا باختصاصه في مجال الموسيقى التي ألف فيها عددا من الكتب مع اهتمامه بالشأن الثقافي عموما والكتابة الصحفية، كما سبق له وأن ترأس جمعية أحباء الإبداع الموسيقي في تونس وأدار ثلاثة مهرجانات زمن بن علي. بعد الثورة، أسس المرايحي حزب الإتحاد الشعبي الجمهوري وعُرف في السنوات الأولى للانتقال الديمقراطي في تونس بتوجهاته المعارضة لحركة النهضة والمُتقاربة مع العائلة الدستورية حيث عمل سنة 2012 ضمن مبادرة كمال مرجان وزير الشؤون الخارجية السابق زمن بن علي، لجمع عدد من الأحزاب ذات الخلفية التجمعية والدستورية. قبل أن يتخذ اتجاها براغماتيا ابتداء من سنة 2014 لاستهداف شرائح أوسع من التونسيين وإبداء مزيد من التصالح مع الفكرة الديمقراطية دون إظهار موقف نقدي صارم من إرث ما قبل الثورة. وقد برز المرايحي خلال الحملة الإنتخابية لرئاسيات سنة 2019 بشكل لافت، وتحصل على المرتبة السابعة بنسبة 6،56 بالمائة من أصوات الناخبين في الدور الأول للإنتخابات الرئاسية وعلى 45،9 بالمائة من الأصوات في ولاية القصرين التي ينتمي إليها.
وخلال الأشهر السابقة لإيقافه، تحدث المرايحي عن برنامجه للانتخابات الرئاسية لسنة 2024، الذي أشرف على “إعداده فريق من المختصين”، من بينهم عدد من “الشخصيات الوازنة” في الإدارة ومن مديريها العامين على حد قوله، الذين سبق للبعض منهم الحضور في أعمال لجان تحضير البرنامج أو من فضل التواصل بشكل “أكثر تحفظا”. وتميز خطاب المرايحي الإقتصادي بتبني سياسة اقتصادية حمائية تستهدف الحفاظ على مخزون العملة الصعبة عبر التقليص من توريد البضائع الإستهلاكية وضرورة الترفيع الفوري للأجور وتبني سياسات تقشفية حادة، كما أعلن في 2019 عن موقف مناهض لخوصصة المؤسسات العمومية ولكن مع رفع الدعم، مما يجعل برنامجه الإقتصادي مزيجا من النيوليبرالية والحمائية. ولا يُخفي المرايحي انحيازه السياسي للنظام الرئاسي مع ضرورة وجود آليات لمحاسبة الرئيس وعدم التدخل في القضاء، إلا أن برنامجه السياسي الكامل لا يزال يُعاني من بعض نقاط الغموض في خصوص موقفه من ترسيخ آليات الحكم الديمقراطية خاصة ومن الحريات العامة والفردية باستثناء إعلانه سابقا عن رفضه لمشروع المساواة في الميراث.
يُشكل إيقاف المرشح المُفترض لطفي المرايحي خُطوة جديدة من السلطة في إحكام قبضتها على المسار الإنتخابي، بعد الإعلان عن شروط ترشح “على المقاس”، في حين تتكفل الأحكام القضائية بمُحاصرة بقية المترشّحين للسباق. وفي نفس سياق الإيقاف الأخير تم توجيه استدعاء للأمين العام لحزب العمل والإنجاز والقيادي في جبهة الخلاص “عبد اللطيف المكي” أمام قاضي التحقيق يوم 12 جويلية المقبل في ما يُعرف بقضية “الجيلاني الدبوسي”، رجل الأعمال والنائب السابق في برلمان بن علي الذي توفي في 8 ماي 2014 بعد إطلاق سراحه من السجن مباشرة. وقد أدان حزب العمل والإنجاز عملية استدعاء المكي وعبر عن أمله في “ألا تكون هذه التهمة كيدية وردة فعل على ترشحه للإنتخابات الرئاسية أو جزءا من خطوات ممنهجة لافتعال قضايا ضد المعارضين وخاصة المرشحين المحتملين”.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.