بعد إعلان وقف العمليات العدائية في السابع والعشرين من شهر تشرين الثاني الماضي، أعلنت غرفة إدارة الكوارث والأزمات في محافظة مدينة بيروت تخصيصها مركزي إيواء لاستقبال النازحين الذين لن يتمكّنوا من العودة إلى منازلهم إمّا بسبب تعرّضها للتدمير أو الضرر أو لأنّها في القرى الحدوديّة التي لا يزال العدو الإسرائيلي داخلها. وكانت “قرية بنين” المقامة في المدينة الرياضيّة، التي تتّسع إلى ما بين 600 و800 شخص، أحد هذين المركزين بالإضافة إلى بيت الضيافة “فلورا” في الكارانتينا. وفي حين أُعلن سابقًا عن إمكانيّة توسيع القرية في حال الحاجة إلى ذلك، فوجئ النازحون بإنذارهم بضرورة إخلائها قبل يوم غد السبت.
جاء إنذار القرية للنازحين بحسب مدير جمعية “بنين” جاد بيضون، بناء على رغبة إدارة المنشآت الرياضية التي طلبت من الجمعية إخلاء القرية قبل نهاية شهر آذار لحاجتها للتحضير لاستحقاقات رياضيّة، الأمر الذي يؤكّده بدوره مدير عام المنشآت الرياضية والكشفية في لبنان ناجي حمود، متسائلًا عن سبب تمسّك محافظة بيروت بإبقاء النازحين في “قرية بنين” ما يعيق الاستحقاقات الرياضيّة، بينما يمكن نقلهم إلى مكان آخر منها “المسبح الأولمبي” الذي يمكن أن تقدّمه إدارة المنشآت كبديل أو إلى مركز “فلورا” الذي تشغله حاليًا 42 عائلة (90 فردًا) وهو يتّسع لحوالي 600 فرد.
على الرغم من الإنذار الذي تلقّاه النازحون، تؤكّد محافظة بيروت حتّى اللحظة عدم النيّة لإخلاء القرية، معتبرة أنّ الموضوع سيُحلّ وحده خلال أسابيع قليلة إذ سيغادر الناس بعد حصولهم على التعويضات التي تعتبر العائق الأساسي لعدد كبير منهم، بينما تقول إدارة المنشآت إنّها لم تُبلّغ بأيّ رفض للإخلاء من قبل المحافظة وأنّ لا صلاحيّة للمحافظة في الأصل على المنشأة.
قد يُثير موضوع “بنين” سؤالًا عن الصلاحيات وأيضًا عن السبب وراء الإصرار على “قرية بنين” وعن سبب إقامتها أساسًا إذا كان هناك بدائل جاهزة، والأهم عن كلفة تشييد هذه القرية والجهة التي تحمّلت الكلفة، ولاسيّما أنّه كان من الأجدى استغلال هذه الكلفة لتجهيز مركز لا نضطّر إلى إخلائه بعد شهرين وكأنّنا اكتشفنا فجأة أنه على منشأة رياضيّة وأنّ بانتظار لبنان استحقاقات رياضيّة. ولكن السؤال الأهمّ وربما الأعمّ هو عن عدم وجود رؤية واضحة من الأساس تُحدّد، أقلّه بناء على الخطّة التي قدّمتها الحكومة كخطّة استباقيّة للحرب، مراكز نزوح لائقة مجهّزة لتكون مركز نزوح ثابت يستقرّ فيه النازحون إلى حين تمكّنهم من العودة. فلا تضطّر الدولة إلى تخصيص مراكز نزوح تحت الأمر الواقع كالمدارس، وتُجهّزها بعد لجوء الناس إليها، ومن ثمّ تنقلهم من مكان إلى آخر بسبب الحاجة إلى استكمال التدريس، وعندما تحطّ رحالهم في مركز كان من المفترض أن يكون آخر محطّاتهم قبل عودتهم إلى منازلهم، تعي فجأة أنّ المركز منشأة رياضيّة لها دور آخر.
ويُعيدنا ما يحصل حاليًا في موضوع قرية “بنين” إلى ما كانت “المفكّرة” بيّنته سابقًا من خلال مقابلات مع نازحين وأحزاب وجهات معنيّة بالإيواء، من أنّ مراكز الإيواء افتُتحت تحت قوّة النزوح وكردّة فعل، وليس كفعل استباقي لحال طوارئ كانت متوقّعة وكانت الحكومة قد وضعت لها خطّة “استباقيّة”. وكان مصدر رسمي معنيّ بالإيواء أوضح لـ “المفكرة” أنّ اعتماد المدارس بداية كمراكز إيواء جاء “تثبيًا لأمر واقع فرضه الناس وغياب الدولة” مع التسلّح لاحقًا بتعميم وزير التربيّة. وكان من المفترض أن يكون إنشاء مركز “بنين” استدراكًا لما حصل بداية النزوح.
ويشار إلى أنّه وحسب الأرقام الرسميّة لا تزال هناك 859 عائلة في مراكز إيواء موزّعة على 40 مركزًا في مختلف المحافظات، العدد الأكبر منها في محافظة بيروت حيث توجد 268 عائلة في 9 مراكز.
أحد مراكز النزوحأحد مراكز النزوح
محافظة بيروت تؤكّد عدم إخلاء النازحين
على الرغم من إبلاغ جمعية “بنين” النازحين بضرورة إخلاء المركز بناء على طلب إدارة المنشآت، يؤكّد مصدر من محافظة بيروت لـ “المفكرة” أنّه لن يتم إخلاء المركز طالما هناك حاجة له، وأنّ مصلحة النازحين فوق كلّ اعتبار وأنّ المحافظ وجمعية “بنين” خصّصت المركز في المدينة الرياضيّة تنفيذًا لطلب رئاسة الوزراء عبر لجنة الطوارئ الحكومية التي طلبت تخصيص المكان وتجهيزه، وبالتالي لجنة الطوارئ هي من لها الصلاحيّة بطلب إخلائها. ويشدّد على أنّ هذا الموضوع يتجاوز المحافظات والمؤسّسات وهو وطني وإنساني بامتياز. ويعتبر المصدر أنّ الموضوع كلّه لم يكن بحاجة إلى كلّ هذه الضجّة، إذ إنّ النازحين سيخرجون وحدهم خلال أسابيع قليلة بعد تسلّم تعويضاتهم لإصلاح منازلهم، وأنّ القرية لن تبقى بطبيعة الحال بعد انتفاء الحاجة إليها.
من جانبه يؤكّد مدير عام المنشآت الرياضية والكشفية في لبنان ناجي حمود، أنّه ووفقًا لصلاحيّاته طلب إخلاء المدينة الرياضيّة، مشيرًا في اتصال مع “المفكرة” إلى أنّ لا صلاحيّة من الأساس لمحافظة بيروت على المنشأة، وأنّ المحافظة لم تبلّغه رفضها الإخلاء.
وفي حين يُشير حمّود إلى أنّ إدارة المنشآت قدّمت المدرّج حيث القرية، بناء على طلب لجنة الطوارئ وإيمانًا منها بضرورة تأمين مأوى للنازحين، يعتبر أنّ حال الطوارئ انتهت ويجب أن تعود المنشأة إلى دورها الطبيعي تمامًا كما عادت المدارس، ولاسيّما أنّ أمام لبنان استحقاقات رياضيّة مهمّة.
ويؤكّد حمود أنّ إدارة المنشآت لم تطلب إخلاء القرية في المدينة الرياضيّة من دون تقديم بديل وهو “المسبح الأولمبي” المجهّز بـ 120 غرفة لائقة، بحسب تعبيره، كما أنّ هناك مركز الكارنتينا كبديل مُتاح وهو تحت وصاية محافظة بيروت عكس المدينة الرياضيّة، ويشير حمود إلى أنّ إدارة المنشآت طالبت بلوائح اسميّة بالعائلات الموجودة في “قرية بنين” حتّى تتمكّن من مساعدتها وحتّى تُتابع موضوع التعويضات لكنّها لم تحصل عليها، متسائلًا عن سبب الإصرار على “قرية بنين” التي لم يبق فيها إلّا عدد قليل من العائلات والتي يوجد أماكن أخرى لإيوائها.
وفي ردّه على الخيارات المتاحة، يقول مصدر من محافظة بيروت إنّ مصلحة الناس هي المعيار الأساسي، فالمسبح الأولمبي هو على الواجهة البحرية في منطقة النقّاش وهو ليس صالحًا ولا مؤهلًا، فما المغزى من نقل النازحين من مكان مؤهّل إلى مكان غير مؤهّل علمًا أنّ القضيّة ستحلّ قريبًا عندما يقبض الناس تعويضاتهم.
وفي ما خصّ مركز الكارنتينا يعتبر المصدر، أنّ الخيار موجود طبعًا وهو مركز مجهّز، ولكن الناس ترفض الانتقال إليه نظرًا لبعده (وهذا سبب إضافي لرفض الانتقال إلى المسبح الأولمبي) عن بيوت الناس المتضرّرة وأعمال بعضهم هي في الضاحية الجنوبيّة وفي محيط المدينة الرياضيّة.
النازحون يدفعون ثمن غياب التخطيط
على المدخل الخارجي لقرية “بنين” التقينا بأم محمد التي نزحت من صور قبل 23 أيلول الماضي أي تاريخ توسّع العدوان على لبنان والتي أخبرتنا أنّها تتحضّر لترك المركز والعودة إلى منزلها غير القابل للسكن. “منزلي متضرّر، سأضع النايلون والحرامات على الشبابيك، ريثما أتقاضى التعويض وأصلح الأضرار” تقول. تُشير أم محمد لـ “المفكرة” إلى أنّها كانت تفضّل أن تعود إلى منزلها بعد تصليحه: “حاسة حالي راجعة على العصر الحجري، لا ماء ولا كهرباء، ولكن لا خيار أمامي”.
تتحدّث أم محمد عن تعب من النزوح وعن رغبة في الاستقرار “ما في متل البيت، بس بعد ما تصلّح” تقول ومن ثمّ تخبرنا عن انتقالها من مركز إلى آخر خلال الحرب “هذا ثالث مركز اُنقل إليه، كنّا في مدرسة في الدكوانة ومع عودة الدراسة نقلونا إلى مهنيّة قريبة هنا، وبعدها إلى بنين، تعبنا كثيرًا، كثرة الترحال مُتعبة”.
حال أم محمد هو حال معظم العائلات النازحة في القرية على الأرجح، والتي يبلغ عددها 50 عائلة منها عائلات نازحة من القرى الحدوديّة فلا تستطيع العودة أو من سكّان الضاحية الذين لا تشملهم التعويضات كونهم مستأجرين، أو من الذين لم يتقاضوا تعويضاتهم بعد.
حاولنا الحديث مع العائلات داخل القرية للوقوف على خياراتهم، ولكنّ جمعيّة “بنين” المسؤولة عن القرية لم تسمح لنا بالأمر إذ فضّلت أن نزورها يوم الاثنين المقبل (وهو بعد يوم السبت المحدّد لإخلاء القرية) وذلك على الرغم من عدم ممانعة إدارة المنشآت المسؤولة عن المدينة الرياضيّة ومحافظة بيروت دخولنا وإجراء المقابلات.
ويُعيد انتظارنا لإذن الدخول إلى المركز من الجمعيّة التي تُديرها السؤال عن غياب الدور الذي كان يجب أن تؤدّيه الجهات الرسمية المسؤولة عن الإيواء وهذا ما كنّا بيّناه في تحقيق سابق تناولنا فيه إدارة مراكز الإيواء.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.