“
كان للفيديو الذي بثته صفحة “حكي عالبلدي” على مواقع التواصل الإجتماعي أثر النار في الهشيم في منطقة الهرمل ومحيطها. تُبين الكاميرا، المذيلة بتاريخ 2/11/2018، أي يوم الجمعة الماضي، كتلاً ضخمة من مخلفات المسالخ وأحشاء الدواجن تعوم في مسمكة أحد أكبر مربي الأسماك على حوض العاصي. المسمكة نفسها التي سبق أن كتبت المفكرة عن واقعة إقفالها بالشمع الأحمر وتوقيف صاحبها بأمر قضائي ومن ثم إقفال ملفه وإعادة فتح المسمكة والإفراج عنه وكأن شيئا لم يكن. حصل ذلك تبعا لوضع مندوبة وزارة الصحة فاتن خوري تقريرا مضادا يؤكد خلو المسمكة من أي أثر لمخلفات المسالخ. مع العلم أن الإقفال والتوقيف حصلا يومها بعدما أرسل رئيس مخفر الهرمل علاًم رعد صورا وفيديو إلى المدعي العام أياد بردان يوثق فيها مخالفة المسمكة للقانون ومعه قرار مجلس الوزراء اللذين يمنعان تغذية الأسماك بمخلفات الدواجن والمسالخ.
وقد علق آنذاك ناشطون على صفحات التواصل الاجتماعي، على قرار إعادة فتح المسمكة بأن صاحبها “مدعوم” من قبل بعض النافذين من سياسيين وحزبيين. بل ذهب أحدهم إلى وصفه بتعليق على صفحة “حكي عالبلدي” بأنه “أقوى من الدولة”.
و”حكي عالبلدي” هي صفحة على مواقع التواصل الإجتماعي، أطلقتها مجموعة من الشبان والشابات الغيورين على الهرمل ومحيطها، يثيرون من خلالها قضايا ومشاكل منطقتهم والعاصي والتي قلما يسأل أحد عنها.
يُعتبر العاصي ثروة المنطقة الأهم وركيزتها السياحية، وأكبر أنهار لبنان التي ما تزال حية، بما يميزه عن الأنهار الأخرى كالليطاني الذي كانت أعلنت وفاته نتيجة التلوث والتعديات الكبيرة عليه. ولكن العاصي يسير وفق الوقائع على طريق الليطاني وسط صراخ الغيورين عليه من دون أن يلقى صراخهم صدى.
وبالعودة إلى الفيديو الذي بثته صفحة “حكي عالبلدي” في 2/11/2018، يلفت أحد الناشطين على الصفحة أنهم يريدون “توثيق التجاوزات التي ما زالت مستمرة على العاصي، وفي المسمكة نفسها التي أقفل القاضي بردان ملفها، لكي نحمّل القضاء ومعه إتحاد بلديات الهرمل وبلدية الهرمل وكل الوزراء والنواب في المنطقة ومعهم الإدارات الرسمية المعنية مسؤولياتهم في حماية نهر العاصي”.
على من تقرع مزاميرك يا داوود؟
لكن هدف الناشطين على صفحة “حكي عالبلدي” لم يصل إلى خواتيمه المرجوة. فقد روى بعضهم للمفكرة أن هذا الفيديو وصل مع صور فوتوغرافية إلى المدعي العام بردان ومع ذلك لم يعطِ الأمر بإقفال المسمكة (برغم الأدلة الملموسة) بل كلف مندوبة وزارة الصحة فاتن خوري سحب عينات من المسمكة لفحصها. خوري نفسها التي سبق وأخذت عينات من المكان نفسه وخرجت بتقرير يشير إلى خلو هذه المسمكة من مخلفات المسالخ وأحشاء الدواجن برغم أنه كان لدى القاضي بردان صور توثق بشكل دقيق وجود هذه المخلفات الحاصلة في قلب العاصي وتحديدا في مسمكة مربي الأسماك الذي أوقف ل16 ساعة فقط وأعيد الإفراج عنه.
ويعبر بعض الناشطين عن استغرابهم الذي يلامس الإمتعاض والإستنكار بسبب إعادة فتح المسمكة بعد إقفالها مع مسمكة أخرى (لم يتم فحصها أبدا) من جهة، وعدم اعتبار القاضي الفيديو الواضح مثل عين الشمس دليلا قاطعا يمكنه من إقفال المسمكة وتوقيف صاحبه. ويتسلح هؤلاء بالقانون الذي يضاعف العقوبة والغرامة في حال التكرار، وقد كرر صاحب المسمكة فعلته غير عابئ بالقانون “طالما نفد بفعلته قبل شهر، ويعرف قدراته وعلاقاته التي تحميه أيضاً، وبعضها مرتكز إلى رشاوى تدفع هنا وهناك”. مسألة الرشاوى كان مسؤول ملف العاصي في اتحاد بلدياه الهرمل عباس الجوهري قد أكدها للمفكرة قائلاً “يتبجح بعض مربي الأسماك أنه يوزعون رشاهم هنا وهناك”.
ويضحك بعض الناشطين من فكرة أن البعض ينتظر نتيجة التقرير الذي ستنشره مندوبة وزارة الصحة (ينتظر وروده في أي لحظة) حول المسمكة التي سبق لها وبرأتها في تقرير سابق: “شو تغير”؟ يقولون، “فالتلوث ثابت، والعاصي صار مثقلا بالتعديات والمخالفات والمسامك غير المرخصة التي تستبيحه بالإضافة إلى المنتزهات، ومع ذلك لا يعتبر القضاء الذي اعتقدنا أنه منقذ العاصي الوحيد، فيديو وصور مخلفات المسالخ دليلاً يمكنه من أخذ قرارات حاسمة لمصلحة النهر ومنطقته”.
إنجازات بلدية لا تنقذ العاصي
مع فيديو رمي مخلفات المسامك في العاصي، تنشر صفحة “حكي بلدي” جردة أعلنها اتحاد بلديات الهرمل بما أسماه “إنجازاته”. قال الناشط الذي نشر “إنجازات الإتحاد” “فلنترك التعداد للناس”. وبالفعل انهالت الإنتقادات على 44 إنجازا عددها الإتحاد من بينها على سبيل المثال خمسة بنود تتعلق بنهر العاصي. وهنا سأل أحدهم المعنيين في الإتحاد “يا ريت تخبرونا شو عملتو بعد هيدا الفيديو الصادم المليء بمخلفات الدواجن”.
بالعودة إلى “إنجازات” الإتحاد من صيف 2016 إلى صيف 2018، يعدد القيمون في الإتحاد في البند الثالث كإنجاز “مشروع إنشاء حفر عازلة للصرف الصحي للمنتزهات على العاصي”. هذا المشروع لم يشمل أولاً إلا عددا محدودا من أكثر من خمسين منتزهاً يلوث العاصي، والأهم أنه سيجري شفطها بعد امتلائها (لا تستوعب أكثر من تسعين متر مكعب من المياه المبتذلة) ورميها في مكان ما. يذكر أن صهاريج الصرف الصحي حاليا في المنطقة تُفرغ في منطقة منحدرة نحو نهر العاصي وبالتالي ستعود المياه المبتذلة إلى النهر عاجلاً أم آجلاً. خيار الحفر الصحية أخذته بلدية الهرمل والإتحاد برغم ارتفاع أصوات بيئيين وناشطين يطالبون بضرورة تركيب محطتي تكرير للمنتزهات على ضفتي العاصي وحل المشكلة نهائيا حيث تخرج المياه مكرّرة صالحة للريّ ولا تؤذي النهر.
يتضمن البنذ 21 من “الإنجازات” تنظيف مجرى نهر العاصي من النفايات الصلبة وبرنامجا يوميا لمراقبة التعديات. وهنا يسأل الناشطون “أليست مخلفات المسالخ تعديا على العاصي؟ وكيف يبرر الإتحاد عدم رفعه الصوت بقوة ومعه بلدية الهرمل لقمع المخالفين وإقفال مسامكهم؟ وإذا كان هناك فعلا برنامج يومي لمراقبة التعديات فكيف يحصل ما يحصل على النهر على الصعد كافة؟”.
وفي البندين 22 من الإنجازات، يقول الإتحاد أنه وضع يافطات إرشاية وحاويات نفايات على منتزهات العاصي. ولكن أين ترمى نفايات هذه المنتزهات؟ وما هو عدد المرات التي يجمع فيها الإتحاد النفايات من هذه المنشآت، والتي ما أن يقفل النهار حتى يرميها عدد كبير من أصحاب المنتزهات في العاصي دون حسيب أو رقيب.
كما يُطرح سؤال عن جدوى “رش مبيدات حشرية على ضفاف العاصي” (الإنجاز 23) إذا كانت مخلفات المسالخ تُنتج آلاف حشرات الدود والبكتيريا التي تأكل النهر نفسه، وتلوث ماءه وتضعه على سكة الليطاني.
أما المضحك المبكي فهو البند 25 من الإنجازات “حملة سلامة الغذاء ل 130 منشأة غذائية”. ألا تعتبر مسامك العاصي منشآت غذائية توزع أسماكها التي يتغذى بعضها على مخلفات المسالخ خلافا للقانون “منشآت غذائية؟ وأين السلامة والأمن الغذائي؟” علماً أن المسامك لا تسوق انتاجها في الهرمل والبقاع فقط بل في كل لبنان ويُصدر بعضها إلى الخارج.
ويكتفي ناشطون بتعداد البنود 29 و31 و36 التي تتحدث عن إنجازات اتحاد بلديات الهرمل في تنظيم حملة دعائية للسياحة ومواطن الجمال في الهرمل وعلى العاصي وقيادة حملة لحماية النهر لدى كل الإدارات الرسمية المعنية. يقول ناشط جملة واحدة تعليقا على هذه البنود “فليرفقوا فيديو مخلفات المسالخ ودودها ومعها دماء الحيوانات ودهون الخنزير تعوم في إحدى مسامك الهرمل بالأطنان مع حملتهم، عندها يتمتعون بمصداقية أكبر”.
“