إلى الشارع مجدداً… لا للمحارق


2018-08-30    |   

إلى الشارع مجدداً… لا للمحارق

سار حشد من المواطنين والمواطنات أمس بتاريخ 29 آب 2018 للتعبير عن رفضهم لقرار بلدية بيروت بإنشاء معامل التفكيك الحراري المعروفة بالمحارق، وذلك في مسيرة حملت عنوان “حرقتوا نفسنا… خلص”، انطلقت من بلدية بيروت إلى مقر وزارة البيئة في وسط المدينة. هتف المحتجون بشعارات تندد بقرارات رئيس بلدية بيروت جمال عيتاني موجهين إليه دعوة “يلا إنزل عالشارع”. كما راحت الهتافات تندد بتقاعس الحكومات عن إيجاد الحل الصحي لإدارة النفايات هاتفين “كلن قرطة حرامية، دين العام صار 100، والزبالة مثل ما هي”.

 من المفترض أن معامل التفكيك الحراري هي أداة لإنتاج الطاقة الكهربائية. إلا أن المعطيات تؤكد بأن النسبة الكبيرة من النفايات في بيروت هي نفايات عضوية 63 بالمئة، بحسب دراسة مجلس الإنماء والإعمار عام 2015. هذا الأمر يدل بحسب الجمعيات المشاركة في المسيرة على أن نفايات مدينة بيروت غير قادرة على إنتاج الطاقة، ما يعني أن سيتم حرق النفايات القابلة للتدوير. لذا، دعا المحتجون إلى اعتماد تقنية الفرز من المصدر بدلاً عن المحارق، التي برأيهم تشكل سبباً رئيسياً لتلوث الهواء، خاصة وأن لبنان يفتقر إلى أنظمة متطورة للتعامل مع الانبعاثات الناتجة عنها من غبار ورماد. واستندت الجمعيات في رأيها على معطيات وزارة البيئة التي تؤكد أن معامل الفرز والتسبيخ الموجودة حالياً في لبنان والمخطط لها، تستطيع معالجة حوالي 7.750 طنا من النفايات بشكل يومي مقابل 6.555 طناً ينتجه لبنان يومياً. كما تظهر دراسة أعدها البنك الدولي حول التحليل البيئي والوطني عام 2011 أن الخسارة المالية السنوية الناتجة عن استخدام محرقة ذات قدرة على معالجة 1200 طن من النفايات يومياً تلامس الـ 17.500.800 دولار أميركي في العام الواحد، بينما الخسارة المالية السنوية الناتجة عن تشغيل منشأة فرز يومي ذات قدرة على معالجة الكمية نفسها أي 1200 طن لا تتجاوز الـ 2.043.270 مليون دولار.

اختارت المسيرة التوقف عند مقرات معنية بملف إدارة النفايات، أولاً أمام مبنى بلدية بيروت، إذ طالبوا البلدية بإيقاف مناقصة المحارق واعتماد الفرز بدلاً عنها، بالإضافة إلى العمل بشفافية عبر إشراك المواطنين بالقرارات التي تتخذها، وأن تلتزم بدورها في تنظيم إدارة النفايات الصلبة ضمن نطاق عملها من جمع النفايات ونقلها، وتوعية المواطنين على الفرز وتأمين البنى التحتية اللازمة لذلك.

من ثم مشت المسيرة لتتوقف عند المدخل المؤدي إلى مقر البرلمان الذي تم إقفاله أمس منعاً لدخول المحتجين إلى ساحة النجمة، علماً أن ساحة النجمة تم إعادة فتحها منذ نحو العام بعدما أغلقت مداخلها منذ حراك عام 2015 إلى أواخر عام 2017. هناك طالب المحتجون مجلس النواب بأن يلتزم بدوره التشريعي وأن يراقب عمل الحكومة ويحاسبها على أدائها، خصوصاً في ملف النفايات.

من ثم اتجهت المسيرة إلى السراي الحكومي، وطالبوا هناك الحكومة بأن تلتزم بالقوانين التي تلزم البلديات أخذ رأي وزارة البيئة في ملف إدارة النفايات، وأن يتوقف عن تمكين البلديات من التهرب من رقابة وزارة البيئة، وأن يوقف المشاريع التي أظهرت في دراسات الأثر البيئي أنها لا تستوفي الشروط كحالة مشروع المحارق الذي لم توافق عليه وزارة البيئة. وقد مر المحتجون بوزارة البيئة ومن ثم عادوا إلى مقر بلدية بيروت.

تلفت اخصائية الإدارة البيئية وعضو ائتلاف إدارة النفايات سمر خليل بأن المحارق تنتج رماداً متطايراً وآخر يرسب في القاع، فالرماد المتطاير يؤثر مباشرة على صحة الإنسان ويسبب أمراضاً سرطانية. أما الرماد الذي يرسب في القاع فقد يكون خطراً حسب نوع النفايات المحروقة، علماً أنه لا يوجد في لبنان مختبرات خاصة قادرة على كشف السموم الخطرة في الرماد، ما يجبرنا على إرسال عينات إلى الخارج ويكبدنا تكاليف عالية لنقلها والانتظار إلى حين الحصول على النتيجة. وهنا تسأل خليل، “من سيوقف المحرقة إن تبين أن الرماد يحتوي على سموم؟”

 فضلاً عن ذلك، تؤكد خليل بأن لبنان يفتقر إلى الأنظمة اللازمة للتعامل مع الرماد السام، وأن إمكانية تصديره إلى الخارج يكبد لبنان تكاليف عالية. تضيف خليل، إن إدارة النفايات يجب أن يكون لها منظومة كاملة. ففي الدول التي اعتمدت المحارق، وضعت ضوابط قانونية وإدارية فضلاً عن أنها ضمنت وجود الأنظمة التي ترعى التعامل مع الانبعاثات الناتجة عنها. تعتبر خليل أن إيقاف المحارق قبل إنشائها واستخدام حل علمي متكامل سيضمن ألا تتكرر تجربة المطامر البحرية، وتعطي مثالاً الأسلوب الذي تعاملت فيه الدولة مع المطامر البحرية، فتذكر أنه تم طمر نفايات مكب برج حمود في البحر دون وضع عوازل أو كاسر للموج، الأمر الذي أدى إلى تلوث مياه البحر بسبب عصارة النفايات مما أدى إلى توقف عمل الصيادين في المنطقة.

دعا إلى المسيرة جمعيات أهلية مهتمة بملف النفايات، وهي ائتلاف إدارة النفايات، وبيروت مدينتي، والمرصد الشعبي لمحاربة الفساد، طلعت ريحتكم، لبلدي، لحقي وحراك المتن الأعلى.

وقد شاركت في المسيرة النائبة في البرلمان اللبناني بولا يعقوبيان، التي أوضحت أن المحرقة هي كارثة من الكوارث، وأنه لم تبنَ على حل علمي. وكانت يعقوبيان وائتلاف إدارة النفايات قد راسلا منذ أسبوعين “الشركات المؤهلة للمشاركة في مناقصة بلدية بيروت من أجل إنشاء المحارق، محذرين من الاستمرار في هذا الاستثمار الخطر بيئياً وصحيا في ظل غياب الرقابة الحكومية الجدية والاستنسابية في تطبيق القانون”[1].

واعتبرت الجمعيات الداعية من خلال منشورات وزعت خلال المسيرة، أن حل أزمة النفايات على المستوى الوطني يتطلب عملا جديا في تطبيق الإدارة المتكاملة للنفايات وتصنيف النفايات إلى فئات ووضع معايير لمعالجة كل فئة. لذا طالبت الجمعيات بـ:

إصدار قرار مشترك بين وزارتي البيئة والداخلية لتوجيه البلديات واتحادات البلديات للمباشرة بتطبيق الفرز من المصدر. كما تكليف وزارتي البيئة والصناعة بدراسة حاجات القطاع الصناعي وإمكانيات تطويره لتحسين إعادة تدوير النفايات. وأيضاً، طالبت الجمعيات بتطوير معامل فرز وتسبيخ وإعادة تشغيل المعامل المتوقفة عن العمل.

ومن ناحية موازية، طالب المنشور بالعمل على تغيير نظام الجمع للتخلص من الشاحنات الضاغطة والحفاظ على نوعية المواد المفروزة وإدارتها بشكل أفضل، واعتماد مبدأ مسؤولية المنتج في إدارته بعد الانتهاء من استخدامها.

وإضافة إلى ذلك، تطالب الجمعيات بوضع محفزات اقتصادية وتقنية للحد من انتاج النفايات، وتكليف وزارتي المالية والبيئة باستصدار محفزات اقتصادية لدعم صناعة إعادة التدوير. كما المباشرة الفورية بحملات توعية عامة للفرز من المصدر وتأمين المستوعبات اللازمة لذلك. كما تكليف وزارة البيئة ووزارة الداخلية والبلديات فريق تقني متخصص لتدريب البلديات واتحادات البلديات على إدارة النفايات وتقديم المساعدة التقنية عند الضرورة.

بالإضافة إلى:

التوقف عن حرق النفايات في المكبات العشوائية والعمل على تأهيل هذه المكبات.

استكمال وزارة البيئة للدراسات المقترحة على مجلس الوزراء في آب 2017 والتي تتضمن إجراء مسح ميداني ودراسات لتحديد المواقع المحتملة لإنشاء مرافق إدارة النفايات المنزلية الصلبة.

قيام النواب بواجباتهم التشريعية والرقابية ومحاسبة الحكومة على أدائها خصوصاً في ملف إدارة النفايات.

الطلب من القضاء متابعة قضايا التلوث البيئي وتطبيق المخالفات ومحاسبة المخالفين.

 


[1]  نصيحة من بولا يعقوبيان إلى الشركات المؤهلة للمشاركة في مناقصة “محرقة بيروت”، 18 آب 2018، الكلمة أونلاين، https://goo.gl/XgJauV.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، حراكات اجتماعية ، بيئة وتنظيم مدني وسكن



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني