إقامة السوريين عالقة عند حاجز السفارة


2016-11-15    |   

إقامة السوريين عالقة عند حاجز السفارة

سنوات مضت على اندلاع الأزمة السورية ظل فيها لبنان يتبع سياسة النأي بالنفس إزاء تدفق اللاجئين السوريين وصولاً إلى كانون الثاني من العام 2015، حيث بدأت المديرية العامة للأمن العام تفرض شروطاً على تجديد إقامات السوريين. أقلّ ما يقال عن هذه الشروط أنها تعجيزية، ولا تخالف الاتفاقات بين البلدين وحسب وانما تجنح لتكون لا إنسانية. ولا تحدّ من أعداد الوافدين إلى لبنان فقط، وانما تفرض في مكان ما استعباداً مبطناً للاجئين وذلك مع فرض نظام الكفالة كشرط من شروط تجديد الاقامات، والذي اضافة إلى صعوبة تطبيقه يجعل من المكفول عبداً رهناً لإشارة الكفيل.

من المعروف أن تجديد الاقامات للاجئين السوريين في لبنان يتطلب إما أن يكون بحوزة الراغب في تجديد إقامته بطاقة هوية واضحة المعالم، أو جواز سفر صالح وإلاّ لا يمكنه تجديد إقامته. أما تجديد جواز السفر فيتطلب من صاحب العلاقة الذهاب إلى سوريا أو التوجه إلى السفارة السورية في لبنان لتجديده.

لكن منذ فترة، تردنا اتصالات وشكاوى من قبل عدد من اللاجئين عبّروا خلالها عن خوفهم من التوّجه إلى السفارة السورية لتجديد جواز سفرهم تمهيداً للحصول على إقامة. ذلك لأنّ مركز السفارة الملاصق لوزارة الدفاع اللبنانية يجعلها خاضعة للمراقبة من قبل حاجز للجيش اللبناني.

المشكلة أنّ هذا الحاجز لا يكتفي بتوقيف المارة من هناك وطلب هوياتهم أو إقامتهم، بل أنه في حال كان المار هو من التابعية السورية ولا يملك بطاقة إقامة صالحة في لبنان (كما هي الحال بالنسبة لأكثر من 70% من اللاجئين)، يعمد إلى توقيفه. وفي هذه الحالة، يقوم الجيش بتسليمه إمّا مباشرة إلى الأمن العام (الجهة المعنية بمراجعة الأوضاع القانونية للأجانب) وإمّا إلى مخفر تابع لقوى الامن الداخلي، حيث ينتهي به الأمر قابعاً وراء القضبان لأسابيع وربما أشهر في العديد من الحالات.

وكأنّ اللاجئين في لبنان لا يكفيهم كل العناء الذي يتكبدونه لتجديد إقامتهم، ولا يكفيهم الهروب من ويلات الحرب وآلات الموت التي تقصف، حتى يضاف إليهم خوف جديد المتمثل بحاجز الجيش قبل السفارة، والذي ينعكس سلباً على السوريين وعلى لبنان في الوقت نفسه. اذ إن هذا الخوف أدّى إلى أن العديد من السوريين لا يملكون جواز سفر صالح قد يخوّلهم مغادرة لبنان أو الحصول على إقامة في لبنان، في حال لا يمكنهم مغادرته.

يروي لنا "نهاد" (اسم مستعار) وهو من أمّ لبنانية مشكلته، أي الحصول على إقامة مجاملة ويقول: "انا أملك هوية، لكنها مشعورة والأمن العام لا يعترف بها، علماً أن كل المعلومات عليها واضحة تماماً. تنتهي اقامتي في شباط من شهر 2017 بينما جواز السفر ينتهي في أيار 2017. لا يمكنني العودة إلى سوريا للاستحصال على هوية جديدة، ولا يمكنني تجديد اقامتي على اساس الجواز، لأنه يجب ان يكون صالحاً لأكثر من سنة. وهذا يعني أن اقامتي ستنتهي قبل أن يكون بمقدوري التجديد، علماً أن تجديد الجواز في السفارة يأخذ بين ثلاثة وستة أشهر. وهذا يعني أنني سأبقى فترة دون إقامة، وبالتالي سأكون عرضة للتوقيف في أي لحظة".

أما "فادي" (اسم مستعار) وهو طالب جامعي انتهت صلاحية إقامته منذ نحو الثلاثة أشهر، ولا يستطيع أن يجددها لأنه بحاجة إلى تجديد جواز السفر. وهو لا يمكنه العودة إلى سوريا لأنه لم يؤجل خدمة العلم، وفي الوقت عينه يخاف أن يعبر من أمام حاجز السفارة السورية في لبنان. وعن ذلك قال: "سبق أن استوقفني العنصر على الحاجز وهو لم يكن لطيفاً بالمرة، وسألني عن اوراقي. وقتها كانت إقامتي صالحة وأظهرت له بطاقتي الجامعية. ولكن أخبرني العديد من أصدقائي أن من لم تكن إقامته صالحة يجري توقيفه فوراً. انا شخصياً لا أعرف ماذا سيحلّ بي إن ذهبت لأجدد الجواز ووجد العنصر على الحاجز أن أوراقي غير نظامية. لذلك أتردد ولا أدري ماذا عليّ أنّ افعل".

تكتظ السجون اللبنانية بأعداد السوريين الذين يجري توقيفهم على خلفية انتهاء مدة إقامتهم أو عدم امتلاكهم للإقامة. ولعلّ حاجز السفارة المكان الأمثل لاصطياد الضحايا. من هنا كان لزاماً علينا التوجه إلى السفارة السورية لرؤية الواقع على الأرض.

أمام وزارة الدفاع اللبنانية، يوجد حاجز يستوقف المارين يسأل عن الهوية وسبب المرور من هناك. الهوية اللبنانية تجعل التعامل مع المرء ألطف نسبياً، ولكن لا يخلو ذلك من التدقيق في سبب المرور. أما أمام السفارة السورية، فيقف عنصر من الجيش اللبناني على الرصيف المقابل. وعند مرور أي شخص يناديه ويأمره ان يأتي اليه "وينك تعا أو تعي لهون". يرى الهوية أو الأوراق الثبوتية، ثم يسمح بالمرور. لا يردّ العنصر على أي سؤال حول لماذا يدقق بصلاحية الأوراق الثبوتية وماذا يفعل في حال لا يحمل أحد قاصدي السفارة إقامة صالحة، ويردّ بأن عليك سؤال المديرية العامة للجيش.

نتوجه إلى السفارة السورية بعد محاولات يائسة على مدى أسبوعين من الاتصال بالمعنيين فيها لمعرفة إن كانوا على علم بما يقوم به الحاجز امام مبنى السفارة. وإن كانوا على اطلاع بأن العديد من السوريين يتعرضون للتوقيف من جراء عجزهم عن الوصول إلى مركز السفارة لتجديد جواز سفرهم.

يستوقفك أمن السفارة عند الباب. يسأل عن سبب الزيارة، تشرح له أن الموضوع يتعلق باللاجئين السوريين في لبنان، يطلب منك الانتظار ريثما يجري اتصالاً بالسكرتيرة، تردّ عليه بضرورة أخذ موعد مسبق، فتشرح له أنك تحاول منذ اسبوعين وأكثر، فإما يكون الخط مشغولاً او أن أحداً لا يجاوب. فيأتيك الرد بنبرة "مخابراتية عتيقة": "روحي وجربي، هالمرّة أكيد بيردوا عليك." ترفع الهاتف أمامه وتطلب الرقم، الخط كالعادة مشغول، فتفهم أنّ الجهة المعنية غير معنية بالإجابة عن أي سؤال.

يتحدث أحد الناشطين في موضوع اللاجئين السوريين في لبنان ويقول: "الذي يحدث أنه بسبب تعقيد القوانين هنا وتعرّض اللاجئين السوريين للاعتقال من قبل السلطات اللبنانية، تحوّل العديد منهم إلى لاجئين غير شرعيين، وبالتالي غير معروف مكان وجودهم. هناك العديد من اللاجئين الذين يريدون تجديد جوازاتهم للسفر إلى بلدان أخرى مثل السودان مثلاً، ولكن لا يستطيعون الوصول إلى السفارة السورية لأنها محصورة بين حاجزين للجيش. وقد علمنا أنّ العديد منهم تمّ اعتقالهم".

ولفت إلى أنّ الاحتجاز لا يتمّ بصورة مباشرة. بل أن العنصر يطلب من السوري الانتظار قليلاً، فيأتي عندها عناصر من قوى الأمن الداخلي ويأخذونه إلى المخفر بحجة تسوية أوضاعه، وأنه سيقوم بالتوقيع على تعهد بالذهاب إلى المدينة الرياضية لتجديد الإقامة. ولكن عملياً يذهب هو ليكتشف أنه سيجري توقيفه. وغالباً ما يمضي الموقوف اسابيع قبل أن يُطلق سراحه.

وهكذا، يكون حاجز الجيش اللبناني الواقع قبل السفارة السورية عائقاً إضافياً أمام إمكانية اللاجئين السوريين الحصول على إقامة. فهو يرغمهم على البقاء في دائرة مفرغة إذ لا وصول إلى السفارة دون إقامة، ولا إقامة دون جواز سفر صالح، ويمنع عنهم الحلول الممكنة لتسوية أوضاعهم القانونية في لبنان.                 

انشر المقال

متوفر من خلال:

لجوء وهجرة واتجار بالبشر ، لبنان ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني