أصدر رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي في 28-3-2016 قراراً بعزل المستشار هشام جنينة من منصبه كرئيس للجهاز المركزي للمحاسبات، وذلك استنادًا للقانون رقم 89 لسنة 2015 الذي أجاز لرئيس الجمهورية عزل رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والجهات الرقابية من مناصبهم في حالات عدة. وقد فتح هذا القرار نقاشًا حول مدى دستوريته ودستورية القانون المذكور، بالإضافة إلى تساؤلات حول جدية مكافحة الفساد في مصر.
خلفيةالأحداث
الجهاز المركزي للمحاسبات هو هيئة تتولى “الرقابة على أموال الدولة، والأشخاص الاعتبارية العامة، والجهات الأخرى التي يحددها القانون، ومراقبة تنفيذ الموازنة العامة للدولة والموازنات المستقلة، ومراجعة حساباتها الختامية”[1].
وكان المستشار هشام جنينة أعلن في ديسمبر 2015 أن الجهاز قام بدراسة عن “تحليل تكاليف الفساد بالتطبيق على بعض القطاعات في مصر”، وأن تكلفة الفساد في السنوات الأربع الأخيرة (2012-2015) في مصر تجاوزت ال600 مليار جنيه وهو التصريح الذي أثار غضب مؤسسات الدولة[2]. وهو الأمر الذي أدى الى تشكيل رئاسة الجمهورية للجنة لتقصي الحقائق حول هذه التصريحات. وأعلنت اللجنة في يناير 2016 تقريراً[3] وصفت فيه تصريحات جنينة ب”التضخيم والتضليل” في حجم وقيمة الفساد، وأن التقرير فاقد للمصداقية بسبب احتوائه على وقائع حدثت منذ عشر سنوات. كما أعابت اللجنة على التقرير إغفاله “المتعمد” لما تم اتخاذه من قرارات حيال ملاحظات تم ادراجها في تقارير سابقة وإحالة بعض هذه الحالات للنيابة العامة أو النيابة الادارية. كما وصفت اللجنة التقرير بأنه أساء توظيف الأرقام والسياسات بشكل يظهر الإيجابيات بشكل سلبي.
وبناء على تقرير لجنة تقصي الحقائق، بدأت نيابة أمن الدولة العليا التحقيق في بلاغات مقدمة تتهم رئيس الجهاز بتعمد نشر أخبار لها تأثير سلبي على الاقتصاد القومي، كما حظرت النشر في القضية. وقد استدعت النيابة المستشار جنينة للتحقيق معه في القضية في نفس يوم عزله من منصبه.
خلفية قانونية
نصّ الدستور في المادة 216 أن رئيس الجمهورية يقوم بتعيين رؤساء الهيئات الرقابية والمستقلة بعد موافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب. وتكون مدة ولايتهم أربع سنوات غير قابلة للتجديد، كما نصت المادة المذكورة على عدم جواز إعفائهم من مناصبهم إلا بناء على الحالات التي يحددها القانون.
وفي يوليو 2015، أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي القرار بقانون رقم 89 لسنة 2015، وهو القانون الذي ينظم حالات إعفاء رؤساء الهيئات الرقابية والمستقلة من مناصبهم. ونص القانون على أربع حالات هي: “1- اذا قامت بشأنه دلائل جدية على ما يمس أمن الدولة وسلامتها. 2- اذا فقد الثقة والاعتبار. 3- اذا أخل بواجبات وظيفته بما من شأنه الاضرار بالمصالح العليا للبلاد أو أحد الأشخاص الاعتبارية العامة. 4- اذا فقد شروط الصلاحية للمنصب الذي يشغله لغير الأسباب الصحية”. وكانت المفكرة قد أشارتآنذاك إلى مخاطر هذا القانون وأنه يكرس هيمنة السلطة التنفيذية على الهيئات الرقابية على نحو يضرب استقلالها ويجعلها مجرد كيانات تابعة للرئاسة.وقد ختمت تعليقها آنذاك بترجيح أن يكون الغرض من القانون هو الإطاحة بهشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، على خلفية أنه فضح تجاوزات مالية للعديد من مؤسسات الدولة، وكشف عن قضايا فساد داخل هذه المؤسسات.
فضلا عن مخاطر هذا القانون، فإنه يتعارض وفق عدد من القانونيين[4] مع القانون الخاص بقانون الجهاز المركزي للمحاسبات الذي نص في المادة 20 منه على عدم جواز إعفاء رئيس الجهاز من منصبه. وقد دفع هؤلاء بأن القانون الصادر في 2015 هو قانون عام، وأن القاعدة القانونية تقول أن القانون العام لا يقيد القانون الخاص. ومن شأن ذلك أن يجعل قانون الجهاز المركزي للمحاسبات واجب التطبيق ويمنع عزل المستشار جنينة. أما وأن السلطة التنفيذية تجاوزت هذه القاعدة لتطبيق القانون رقم 89، فإنه يكون بمثابة خطوة تمهيدية للإعفاء الحاصل الآن.
ردود الأفعال على الإقالة
تراوحت ردود الأفعال بين مؤيد للقرار ومعارض له. وعارض ناشطون حقوقيون وقانونيون هذا القرار معتبرين أن الدولة غير جادة في محاربة الفساد، بل وتقوم باقصاء كل من يحارب الفساد. وأعرب عاصم عبد العاطي، الوكيل السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، أنه للمرة الأولى في تاريخ الجهاز تتم إقالة رئيسه وإحالته إلى النيابة للتحقيق معه وأن من شأن هذا الأمر أن يضر بهيبة الجهاز ومنصب رئيسه. كما اعتبر موظفون بالجهاز أن القرار يعد “توغلاً” للسلطة التنفيذية على أكبر جهاز رقابي في الدولة[5].
بالمقابل، أيّد بعض الإعلاميين والسياسيين القرار معتبرين أن هشام جنينة أضر بالأمن القومي المصري بعد تصريحاته “المغلوطة” عن الفساد. كما يرى البعض[6] أن تصريحات هشام جنينة الاعلامية هي التي أدت الى هذا القرار، كما للجهاز شق سياسي مما يترتب عليه التنبّه لصدى التقارير والتصريحات التي تصدر عن الجهاز على الرأي العام.
وقام المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في 30-3-2016، برفع دعوى أمام القضاء الاداري للطعن على قرار اقالة المستشار هشام جنينة. وقد اعتبر المركز أن قرار اقالة جنينة يأتي بعد قرارات من التصالح مع متهمين بالفساد في وزارة الداخلية، ومنع المواطنين من الطعن على عقود الاستثمار، وتراجع رموز الفساد المالي والسياسي الى الساحة مقابل تعويضات مالية، مما يوضح اتجاه السلطة التنفيذية في “محاباة الفساد”. وقد علل المركز طعنه على القرار بالحجج الآتية:
– أنه تعدى على استقلالية الجهاز المركزي للمحاسبات، والتفّ على الحماية القانونية التي كفلها الدستور والقانون للمركز بغرض القيام بعمله.
– لا يوجد أي أسباب قانونية لاصدار جهة الادارة القرار المطعون عليه، وهو يشكل وسيلة للإفلات من التقارير الرقابية للجهاز. وهو من هذه الجهة قرار تشوبه قرينة عدم الملائمة الصارخة أو الغلو.
– أن إصداره عن رئيس الجمهورية يشوبه “عيب الإنحراف بالسلطة”، وذلك بسبب انعدام الدافع المعقول له. فالتذرع بتقرير لجنة تقصي الحقائق هو حق يراد به باطل.
– ان القرار يمثل اعتداء من السلطة التنفيذية على أحد أهم الأجهزة الرقابية.
وطالب المركز أن يتم الفصل في الدعوى ووقف تنفيذ القرار بصورة مستعجلة، معتبرًا أن عدم وقف تنفيذ القرار يعني استمرار “محاولة السلطة التنفيذية للتنكيل بالجهاز المركزي للمحاسبات”.
الصورة منقولة عن موقع aljleague.net
[1] المادة 219 من الدستور المصري.
[2] راجع الخبر على موقع جريدة الوفد بتاريخ 26-12-2015.
[3] نُشر التقرير على موقع جريدة الوطن بتاريخ 12-1-2016.
[4] راجع منشور صفحة “الموقف المصري” على فيسبوك بتاريخ 30-3-2016. وراجع تصريحات محامي هشام جنينة، نشرت على موقع جريدة الوطن بتاريخ 29-3-2016.
[5] راجع “انقسام بين موظفي المركزي للمحاسبات حول قرار عزل جنينة”، نشر على موقع جريدة الشروق بتاريخ 30-3-2016.