“
انتشرت خلال هذه الأيام في وسائل التواصل الاجتماعي بالمغرب صورة لإعلان بمحل لبيع الخبز والحلويات، كتب فيه صاحبه العبارة التالية: “إعلان ..مخبزة ريحانة ..لا توجد حلويات رأس السنة ..وشكرا “. خلفت هذه العبارة جدلا واسعا بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي قبل أن ينتقل الأمر إلى التحليل في المواقع الإخبارية بين مؤيد لحرية صاحب المحل وبين من رأى فيها رفضا غير مقبول للتعايش مع الآخر المختلف في الدين والعادات ، قبل أن يدلي صاحب المحل بدلوه والفيدرالية المغربية لجمعيات المخابز والحلويات العصرية والتقليدية أيضا.
ولكن بمعزل عن هذه المواقف، فإن مجرد حصول سجال من هذا النوع في مسألة ثانوية كهذه، إنما يعري حجم الهواجس المهيمنة والتي باتت تدفع ليبراليين وناشطي حقوق إنسان إلى رفض أي موقف قد يستشعرون أنه ديني بما يتعارض أقله ظاهريا مع مسلمات حريتي التعبير والمعتقد. اللافت أن هذا الرفض بات يستسهل اتهام أي موقف ديني يرونه متشددا بالترويج لأفكار الإرهاب، بما يتماهى تماما مع أشكال القمع التي باتت تعتمدها أنظمة المنطقة في مكافحة الإرهاب.
الإعلان هو استغلال للدين في التجارة وتعبير عن اتجاه فكري معين ….
العديد من التدوينات والتعليقات في صفحات الفايسبوك رفضت اعلان صاحب المحل لكونه يعبر عن اتجاه ديني داخل المجمع ويرفض التعامل مع الآخر الذي لا يشاركه نفس المعتقد، على اعتبار أن بعض الاتجاهات الدينية المنتشرة في الأوساط الشعبية تعتبر أن الاحتفال بأعياد رأس السنة حرام في الدين الإسلامي اعتماد على تفسيرات لنصوص دينية. وفي هذا السياق كتب المحامي والقاضي السابق محمد الهيني تعليقا على الإعلان بصفحته على الفايسبوك ما يلي:
“مخابز الحلويات وإعلانات التطرف والإتجار بالدين…
حينما تعلق بعض مخابز الحلويات إعلانا أنها لا تعد حلويات رأس السنة فإنها لمصيبة عظيمة لأنها تعتبر أن إعدادها محرم، فهي حرة في اعدادها من عدمه. لكن تعليق إعلان يدل على نية خبيثة وإتجار بالدين وتطرف جسيم ينم عن التلاعب بعقليات أصحاب العقول الصغيرة بأن يهاجموا ويشنوا حربا على المخابز التي تعد حلويات رأس السنة.
عليكم أن تتنافسوا لفعل الخير وإتقان العمل وليس أسلمة الحلوى أو تكفيرها”.
وفي تعلق آخر كتبت الكاتبة والمدونة المغربية أسماء بنلعربي وبشكل متهكم ما يلي:
“قريبا مخبزة ريحانة لا تبيع الحلويات للأعراس والحفلات المختلطة”.
وذهبت مئات التعليقات في نفس الاتجاه معتبرة أن ما قام به صاحب المخبزة مرفوض في بلد كالمغرب يحتضن كل الأديان والأجناس، مؤكدين بأن جل المخابز المغربية تعرف بمناسبة أعياد رأس السنة الميلادي إقبالا متزايدا على شراء هذه الحلويات من طرف المغاربة.
من جهتها رفضت الفيدرالية المغربية لجمعيات المخابز والحلويات العصرية والتقليدية في بيان موقف صاحب المخبزة مؤكدة بأنها تسجل “بقلق ما قامت به إحدى المخابز بإعلانها عن عدم تهييء الحلوى الخاصة بليلة رأس السنة الميلادية. واعتبرت الفيدرالية في بيان لها الأمر مزايدة لا طائل منها، ولا تعبر بأي حال عن رأي المهنيين الشرفاء أرباب المخابز والحلويات، الذين يشتغلون من أجل توفير جميع المواد لكل من في هذا البلد بدون استثناء وبغض النظر عن دينهم أو لونهم أو جنسهم، من مواطنين ومقيمين وضيوف وسائحين، وبأن المغاربة كعادتهم بعيدون كل البعد عن اَي فكر متطرف أو إقصائي. …وأن المغرب كان و لا زال وسيبقى دائما أرضا للتعايش والتسامح والقبول بالآخر، وبأن التصرف المذكور لا يعبر إلا عن رأي صاحبه”.
لصاحب المحل بيع ونشر ما يشاء ….
في مقابل التعليقات الرافضة لما قام به صاحب محل الحلويات، هناك من رأى بأن ما قام به هذا الأخير ليس بالضرورة اتجاها فكريا متجذرا وإنما قد يكون مجرد رفض عفوي في إطار إلتزام ديني سطحي لكن بدون خلفية مؤطرة دينيا ناكرة على أصحاب التعليقات الرافضة اتهام صاحب المحل بالفكر المتطرف والداعشية وغيرها من الأوصاف.
موقف صاحب المحل ….
أما صاحب المعني بهذا النقاش فقد رفض الاتهامات له مؤكدا بأنه سيلجأ الى القضاء لرد اعتباره في اتهامه بالتطرف والداعشية وكتب بصفحته المنقولة عنه في مواقع إخبارية ما يلي :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
“نظرا للهجمة الشرسة علي بعد إعلاني عن عدم توفر الحلوى في نهاية السنة.. ونظرا للإتهامات الخطيرة بوصفي داعشي.. والمساس بكرامتي و إهانتي من طرف بعض الأشخاص واتهامهم لي بأنني داعشي وهذه تهمة خطيرة تمس بأمن الدولة.. قررت متابعتهم قضائيا لرد اعتباري وأخذ حقي منهم …
صاحب مخبزة ريحانة”.
بذلك، عرت مخبزة الريحانية اضطرابا فكريا هائلا بات يعيشه مغرب اليوم، ومعه الكثير من شعوب المنطقة.
“