إعادة إحياء لجنة حكومية لمعالجة قضايا المعتقلين في سورية: الحكومة تقضم صلاحيّات الهيئة المستقلة للمخفيّين قسرًا


2024-12-20    |   

إعادة إحياء لجنة حكومية لمعالجة قضايا المعتقلين في سورية: الحكومة تقضم صلاحيّات الهيئة المستقلة للمخفيّين قسرًا

مع سقوط نظام الحكم في سورية، عادت قضيّة المفقودين والمخفيين قسرًا إلى الواجهة في لبنان بفعل عاملين: الأول، تواتر أنباء عن تحرير معتقلين لبنانيين بعد فتح السجون السورية، والثاني، الإعلان عن المقابر الجماعية في سورية على نحو يذكّر باستحقاق فتح المقابر الجماعية في لبنان وصولًا إلى تحديد هويّة الأشخاص الذين دُفنوا فيها.

وإذ عاد الأمل تبعًا لذلك في إمكانيّة تفعيل عمل الهيئة الوطنيّة للمفقودين والمخفيّين قسرًا والمنشأة بموجب القانون رقم 105 والصادر في 30/11/2018 وتأمين الموارد التي قد تحتاجها للقيام بعملها، عمدت الحكومة رغم تجاوبها المحدود مع بعض مطالبها إلى إعادة تفعيل عمل لجنة حكومية هي لجنة معالجة قضية المعتقلين في سورية والتي كانت أنشئت في 2005؛ وهي لجنة كان يفترض أنّها زالت من الوجود بعدما أقرّ البرلمان ضرورة إنشاء الهيئة الوطنية كـ “مؤسّسة مستقلة” تتمركز لديها جميع الصلاحيات والبيانات من أجل تحديد مصائر المفقودين والمخفيين قسرًا، وذلك بالنظر إلى حساسيّة القضية سياسيًّا وعدم جواز تجزئة التحقيقات في مجال الإخفاء القسري كما ورد صراحة في الأسباب الموجبة للقانون المذكور. ومع إعادة إحياء عمل هذه اللجنة، اكتشفنا أنّ ثمة قرارًا حكوميًا سابقًا يعود إلى 9 أيار 2022 بتجديد عملها. وقد عُيّن القاضي زياد أبو حيدر (النائب العام الاستئنافي في بيروت) رئيسًا لها يعاونه القاضي المتقاعد جورج رزق بالإضافة إلى ممثلين عن وزارتي الدفاع والداخلية. 

وقد تأكّد هذا الاتجاه بفعل القرار 1 الصادر عن الحكومة في 17 كانون الأوّل 2024. فلئن رفعت الهيئة إلى الحكومة مطلبًا بضرورة تأكيد مرجعيّتها في التحقيق في قضية المفقودين في سورية عملًا بالقانون 105 وبالتعميم على جميع الإدارات العامّة وضمنًا اللجنة، بوجوب تسليم الهيئة كلّ المستندات والمعلومات التي بحوزتها والتي تساعد في اقتفاء أثر المفقودين، اكتفت الحكومة بأخذ العلم معتبرة ضمنًا أنّ كلًا من اللجنة والهيئة مختصتان لإجراء التحقيقات من دون أي مفاضلة. وهذا ما عبّرت عنه في خلاصة قرارها حيث طلبت منهما بعدما أخذت علمًا بتقريريْهما، “تكثيف اجتماعاتهما واتصالاتهما لإنجاز المهمّة المطلوبة منهما بالسرعة الممكنة”. وفي خضمّ ذلك، اكتفت الحكومة بأخذ العلم في طلب الهيئة توفير موارد تخوّلها القيام بأعمالها، ومنها تأمين الجهاز البشري التي تحتاج إليه لتلقي المعلومات وحفظها وتحليلها وأيضًا لإجراء التحقيقات والزيارات الميدانية وتقديم الدعم للمفرج عنهم ومواكبة الأهالي. ويستشفّ من ذلك أنّ الحكومة لم تكتفِ بالالتفاف على صلاحيّات الهيئة الوطنية، بل عمدت إلى مخاطبتها بصورة فوقية مع تحميلها مسؤولية إنجاز العمل من دون أن تتحمّل أيًا من مسؤولياتها في هذا الخصوص وبخاصة لجهة توفير الموارد اللازمة أو مشاركة المعلومات المتاحة.    

وعليه، يهمّ “المفكرة القانونية” التنبيه إلى الأمور الآتية:

أوّلًا، خطورة الالتفاف على استقلالية الهيئة وصلاحياتها: 

إنّ تصرّف الحكومة بإعادة إحياء لجنة حكومية بشأن المعتقلين في سورية إنما يشكل التفافًا بيّنًا على استقلالية الهيئة وصلاحياتها وفي الآن نفسه تمرّدًا على إرادة المشرّع إناطة معالجة قضايا المفقودين والمخفيين قسرًا بهيئة مستقلّة وبصورة مركزية، من دون أن يكون للحكومة أيّ دور في هذا الخصوص، إلّا بالحدود الذي يتطلبه إنجاح عمل الهيئة الوطنية.

ونستشفّ إرادة المشرّع في ضمان استقلالية أيّ جهاز يعمل على قضية المفقودين من الأسباب الموجبة للقانون حيث جاء حرفيًا: “ونظرًا إلى حساسية المسألة، وضماناً لمصداقية المؤسسة تجاه ذوي المفقودين، يقتضي أن تتمتّع الهيئة بقدر عالٍ من الاستقلالية، وذلك من خلال تنظيمها على شكل “هيئة مستقلة”. وقد أعلنت الأسباب الموجبة للقانون عن هذا التوجّه بعدما أكّدت فشل مجمل اللجان التي أنشأتها الحكومة سابقًا ومنها لجنة المعتقلين في سورية في تحقيق مهامها. الأمر نفسه يتأكد في المناقشات الحاصلة في المجلس النيابي في جلسة الهيئة العامّة المنعقدة في 12/11/2018 والتي شهدت إقرار القانون حيث أكّد النائب السابق نوّاف الموسوي بصفته مقرّرًا للجنة الإدارة والعدل، أنّها أصرّت على استقلالية الهيئة وأنّها هي التي تتولّى المهامّ المتعلّقة بالمفقودين ولا تكون هذه المهامّ منوطة بأي جهاز آخر. وقد ذهب المشرّع أبعد من ذلك بحيث حظر على الحكومة “اتخاذ قرارٍ بتعليق أو وقف عمل الهيئة في أي ظرف من الظروف، بما في ذلك حالات الطوارئ والحروب” (مادة 17).

وبالإضافة إلى تمسّك القانون بإنشاء هيئة مستقلة لتقفي آثار المفقودين، فإنّه تمسّك أيضًا بوجوب ضمان تجميع المعلومات المتّصلة بالمفقودين والمخفيين قسرًا في سجّلات مركزيّة لدى الهيئة الوطنية. وهذا ما نستشفّه من الأسباب الموجبة حيث جاء أنّ القانون “ينصّ على إنشاء مؤسّسة تتولّى جمع المعلومات، وتوثيقها، وإنشاء سجلات مركزية واتّخاذ خطوات عملية لتحديد أماكن المقابر الجماعية تمهيدًا لتحديد هويّة الضحايا”. كما نستشّفه من نصّ القانون حيث جاء أنّ السجلّات المركزية للهيئة “تتألّف من مجموعة السجلّات الفردية العائدة لأشخاص مفقودين أو مخفيين قسرًا” (م.33)، و”تشمل جميع السجلّات والوثائق التي تمّ الاحتفاظ بها لدى المراجع المختصّة اللبنانية بعد أنّ تتحقّق الهيئة الوطنية من صحّتها” (م.35).

وعليه، وعدا عن أنّ إعادة إحياء اللجنة الحكومية للمعتقلين في سورية يتعارض بداهة مع القانون 105/2018 فإنّ من شأنها أن تشوّش على عمل الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسرًا وأن تعزّز الشكوك التي حاول القانون تبديدها بشأن صدقية الدولة وجديتها في التعاطي مع الملف فضلًا عن شرذمة المعلومات المتوفّرة. ويخشى تاليًا أن تكون الحكومة من خلال إعادة إحياء هذه اللجنة، في معرض الالتفاف على استقلالية الهيئة ودورها وتهديد الثقة العامة بالعمل المبذول في هذا الخصوص.

ثانيًا، وجوب تزويد الهيئة بالمستندات المطلوبة خلافًا للمادة 3 من القانون 105/2018:

أمر ثانٍ بالغ الخطورة نستشفّه من قرار الحكومة هو الاكتفاء بأخذ العلم بشأن طلب الهيئة الوطنية بالتعميم على الإدارات العامة ومنها لجنة المعتقلين في سورية ضرورة تسليمها جميع المعلومات والتحقيقات المتوفرة لديها. وهذا الأمر إنّما يخالف المادة 3 من القانون 105/2018 التي نصّت صراحة على أنّه “للهيئة حق استلام جميع المعلومات المتصلة بتقفّي الآثار والمتوافرة لدى الهيئات والإدارات والسلطات المختصة كافة”.

ثالثًا، عدم اتخاذ الخطوات اللازمة لتوفير الموارد اللازمة من احتياطي الموازنة لتمكين الهيئة من القيام بأعمالها:

أخيرًا، نصّ القانون صراحة في المادة 23 فقرة “ب” منه على أنّه­ “يكون للهيئة مساهمة ماليّة سنويّة خاصة تدرج في باب خاص ضمن موازنة رئاسة مجلس الوزراء وتكون كافية لتغطية مصاريفها ونشاطاتها”.

وعليه، وبالنظر إلى المستجدات الطارئة تبعًا لسقوط النظام السوري وما يتطلّبه من مواكبة وملاحقة، وضآلة الموارد المخصّصة للهيئة، فإنّ إعراض الحكومة عن النظر في مطالب الهيئة لجهة وجوب ضمان موارد تمكّنها من مواكبة المستجدات الطارئة وبخاصّة لجهة “تلقي الاتصالات وإجراء زيارات ميدانية واستقبال البيانات وحفظها وحمايتها وتحليلها وتقديم الرعاية الأوّلية للمفقودين والمخفيين قسرًا المفرج عنهم، فضلًا عن مواكبة الأهالي”، يشكّل مخالفة واضحة للمادة 23 من القانون. كما يسجّل أنّ الحكومة رفضت النظر في مطالبها لجهة ضرورة توفير موارد كافية لتأمين مقرّ دائم للهيئة يراعي خصوصية عملها ويرفد الهيئة بالعناصر البشرية الضرورية للقيام بأعمالها.   

وما يفاقم من إعراض الحكومة عن توفير الموارد المطلوبة خلافًا للمادة 23 من القانون، هو أنّها لا تجد حرجًا من ثم في التحامل على الهيئة من خلال مطالبتها بمضاعفة “أعمالها واتّصالاتها واجتماعاتها لإنجاز المهمة المطلوبة بالسرعة الممكنة”. 

وعليه،

وإذ تسجّل “المفكرة القانونية” بقلق التفاف الحكومة على مرجعية الهيئة وصلاحياتها وتبعًا لذلك على حقوق المفقودين والمخفيين قسرًا وذويهم في معرفة الحقيقة،

فإنّها تعلن وتطالب بالآتي:

  1. إنّنا نطالب الحكومة بتأكيد مرجعية الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسرًا واستقلاليّتها وصلاحيّاتها من دون أيّ انتقاص، داعين إياها إلى حلّ لجنة المعتقلين في سورية بعد نقل جميع سجلّاتها إلى الهيئة الوطنية والعمل على توفير الموارد المالية الكافية للقيام بعملها سندًا للمادة 23 فقرة “ب” من القانون، 
  2. إنّنا نذكّر جميع الإدارات العامّة بوجوب تزويد الهيئة بالمعلومات المتّصلة بالمفقودين والمخفيين قسرًا سندًا للمادة 3 من قانون 105/2018، كما نذكّر جميع المواطنين بوجوب إعلام الهيئة بأيّ معلومات تساعد في اقتفاء آثار المفقودين لأي جهة كانت،
  3. ندعو أخيرا الهيئة الوطنية إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة للتنسيق والتواصل مع المؤسّسة الدولية المستقلّة لكشف مصير المفقودين في سورية المنشأة حديثًا بقرار أممي صدر عن الجمعية العمومية للأمم المتّحدة، تعزيزًا لحظوظ النجاح في تحديد مصائر المفقودين والمخفيين قسرًا.  
انشر المقال

متوفر من خلال:

تشريعات وقوانين ، اختفاء قسري ، لبنان ، مقالات ، سوريا



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني