
“المشهد في أم العرائس الآن يُشبه إلى حدّ كبير مشهد الحراك الاجتماعي في أحداث الحوض المنجمي، وقد عاد بي الزّمن إلى سنة 2008، مع فارق بسيط، هو أنّ قوات الشرطة الآن خارج المدينة”، هكذا يصف أيوب عمارة، مناضل اجتماعي وسياسي أصيل منطقة أم العرائس الواقعة في الجنوب الغربي للبلاد في منطقة الحوض المنجمي، للمفكرة القانونية الساعات الأولى للإضراب العامّ الّذي انطلق اليوم 20 فيفري 2025، وأقرّه الاتحاد الجهوي للشغل بقفصة.،. يُضيف عمارة أنّ هذا الإضراب له محرّكات اجتماعية، لكن له ارتدادات السياسية، حيث رُفعت فيه شعار: “يحبّونا ساكتين ويْرَجْعُونا لعَهد الزّين” (يريدونا إرجاعنا إلى عهد الرئيس الأسبق بن علي)، وشعارات أخرى ذات بعد اجتماعي يشير إلى التفاوت الجهوي: “الكدّ من المناجم والمال في العواصم”.
يأتي هذا الإضراب على خلفيّة حادث مرور أليم أدّى إلى وفاة ستّ ضحايا بسبب اصطدام شاحنة ثقيلة بحافلة لنقل المسافرين. “هذه الحافلة تنطلق من أم العرائس، ثمّ تعود للردَيِّف الواقعة على بُعد 14 كيلومترًا، وعادةً ما تُقلّ الطّلبة والمرضى الّذين لديهم عيادات في المستشفى الجامعي بصفاقس، نظرًا إلى عدم وجود أطبّاء اختصاص في الجهة. ثمّ تستأنف طريقَها نحو المتلوّي مرورًا بأم العرائس وصولًا إلى قفصة المدينة، ومن ثَمّ السّند وزانوش ومنزل بوزيّان والمكناسي والمزونة، وصولًا إلى صفاقس”، يُوضّح أيوب عمارة المسار الّذي تقطعه الحافلة يوميًّا لنقل رحلات في مدن يتجاوز عدد سكّانها 60 ألف ساكن، رغم أنّها مُنتجة للثورة.
يصف أيوب عمارة يوم تشييع جنازة ضحايا هذا الحادث بأنّه “يوم حزين جدّا”، وبأنّه “من الأيام الكبار” في جهة أمّ العرائس التي شهدت في تاريخها حادثة أليمة سنة 1973، عندما غمرت مياه الأمطار أحد المناجم عندما كان العاملون بصدد التنقيب ولم يتمّ انتشال سوى سبع جثث. “المنطقة هُنا صغيرة وتركيبتها الاجتماعية بسيطة ومُعقّدة في الوقت ذاته. من بين الضحايا كانت هناك امرأة مُسنّة وطالبتان اثنتان وسائق الحافلة، كلّ الشرائح شعُرت بأنّها معنيّة بشكل أو بآخر بهذه الحادثة”، يُضيف أيوب عمارة.
ويقول مُحدّثُنا “إنّ الإضراب العامّ الّذي انطلق بحلول الساعة الصفر من هذا اليوم شمِل كلّ مقاطع إنتاج الفسفاط الراجعة بالنظر لمنطقة أم العرائس والشركة التونسية لنقل الموادّ المنجمية. يمكن القول إنّ الإضراب العام في ساعاته الأولى ناجح بنسبة 100%، مكاتب البريد مغلقة وكذلك المدارس والمعاهد، فقط الصيدلية والاستعجالي وحصص الاستمرار بقيت تشتغل”.
ويُطالب الاتحاد المحلّي للشغل بأم العرائس في بيان أمضتْه مختلف المكاتب المحلّية بمنطقة الحوض المنجمي، إلى جانب الاتحاد الجهوي بقفصة، بتوفير أسطول عمومي محترم لنقل المواطنين وتوفير مركز حماية مدنيّة، إلى جانب المعدّات الطبيّة الضرورية للمستشفى المحلّي. “المطالب إجمالًا ذات صبغة اجتماعية تنموية، من بينها إعادة النظر في البنية التحتيّة التي تجاوز عمرها ثلاثين سنة، وتوفير الأجهزة الطبيّة وأجهزة الكشف وإدارات الصحة العمومية ومكاتب التغطية الاجتماعية والضمان الاجتماعي والتأمين على المرض”، يُوضّح أيوب عمارة، مضيفًا: “الجديد في كلّ هذا هو تسقيف هذه المطالب بأسبوعين، وفي حال عدم تفاعل السُّلَط معها فستُنظَّم حتْمًا تحركات أخرى، خاصّة مع وجود تضامن كبير لا فقط في تونس ولكن من جانب جيراننا في الرديف والمتلوي، فالمكتب المحلّي لاتحاد الشغل بالرديف أصدر بيان مساندة وغدًا هناك وقفة وتجمّع عمالي كبير في المنطقة من العاشرة إلى منتصف النّهار، وهناك تضامن عُمّالي على مستوى النقابات الأساسية لعُمّال شركة فسفاط قفصة”.
متوفر من خلال: