تزداد حدة خطاب الكراهية والتحريض ضدّ السوريين في لبنان خطاب يعبَّر عنه تارةً بقرار بلدي يقضي بطردهم من بلدة ما أو بمنعهم من التجوّل مساءً وتصريحات وبيانات تدعو إلى ترحيلهم وطورًا بأخبار وتغطيات إخبارية تحمّل السوريين وزر كلّ مصائب البلد. ويترجم كل ذلك باعتداءات وترهيب وتهديد للسوريين في مختلف المناطق اللبنانية وصلت إلى حد اقتحام منازل عائلات سورية والاعتداء على ساكنيها.
ويعيش السوريون في مناطق الدورة وبرج حمود وصولًا إلى سن الفيل أوقاتًا عصيبةً منذ إشكال “الدورة” الذي بدأ الخميس بين لبنانيين اثنين أحدهما صاحب معمل استعان بعمال سوريين يعملون لديه ليتحوّل إلى إشكال كبير جذب العشرات من أبناء المنطقة والأحياء المجاورة الذين حاصروا السوريين داخل المعمل قبل أن يتدخّل الجيش ويفرّق الحشد. وأثناء الإشكال وبعد انتهائه جابتمجموعاتعلىدراجات نارية الشوارع معتديةً على أي شخص افترضت أنّه سوري وعلى محال تجارية يملكها سوريون أو توظّف عمالًا سوريين. ويوم أمس الجمعة انتشرت فيديوهات لإشكال في منطقة جديدة المتن تدخّل الجيش لفضّه وتوقيفالمشاركين، ووثقت هواتف أحد المواطنين الاعتداءعلى شخص قيل إنّه سوري، في الجديدة أثناء الإشكال.
وما أجّج الأجواء أكثر أنّ إشكال الدورة ترافق مع انتشار الكثير من الأخبار المضلّلة على واتساب من بينها أنّ مجموعة من السوريين اعتدوا على اللبنانيين أو أنّ سوريًا طعن لبنانيًا في المنطقة وأبرزها أنّ “الأهالي يتعرّضون للاعتداء من قِبَل جحافل من نازحين سوريين”. وانتشرت معها النداءات إلى “المؤازرة”.
إشكال الدورة: تضارب في الروايات لكن استهداف السوري حقيقة
قصدت “المفكرة القانونية” شارع كنيسة مار مارون في منطقة الدورة حيث وقع الإشكال، الجميع متأثّرون وفي حال من القلق والحذر، قلة من تجاوبوا وأبدوا استعدادهم للحديث، فكنا أمام أحجيةٍ نحاول فكفكة طلاميسها، نلتقط الكلمات القليلة والروايات المتناقضة ولكن التي تجمع على أن السوريين لم يكونوا طرفًا أساسًا بل تورّطوا به بطلب من صاحب عملهم.
وحصرنا الروايات باثنتين كانتا الأكثر انتشارًا بين من التقيناهم الذين قال بعضهم إنّهم شاركوا في الإشكال. الرواية الأولى: عند الساعة الخامسة عصرًا حضرت زبونة إلى معمل للألبسة في المنطقة الذي يملكه شخص لبناني من أصل أرمني، وأثناء فتحها باب السيارة للترجّل صودف مرور شاب على دراجة نارية، فاصطدم بالباب وتحطم هاتفه المحمول. أصرّ الشاب أن تدفع الزبونة ثمن الهاتف، وحين سمع صاحب المعمل بالأمر قال للسيدة من إحدى نوافذ المعمل “كبّيله 50 ألف ليرة” كبدل عن الهاتف المكسور. انزعج الشاب من كلام صاحب المعمل فحصل تلاسن بينهما فاستعان الأوّل بعمّاله السوريين الذين نزل بعضهم إلى الشارع دفاعًا عن صاحب عملهم.
الرواية الثانية: الفتاة في الرواية الأولى كانت تسير وبيدها هاتفها المحمول فاصطدم بها أحد عمال معمل الألبسة على دراجته النارية وطار هاتفها وانكسر، فلجأ العامل الى صاحب عمله الذي قال له “كبّلها 50 ألف وامشي”، عندها لجأت الفتاة وهي من سكان الحي المجاور إلى شباب حيّها لمساعدتها، وهنا بدأ الخلاف فاستعان صاحب المعمل بعمّاله السوريين.
تتطابق الأحداث اللاحقة في الروايتين، حيث تطوّر الخلاف الذي بدأ شخصيًا سريعًا وبدأ عشرات اللبنانيين بالتوافد إلى الشارع حيث قاموا بضرب العمال السوريين واحتجازهم داخل المعمل وسدّوا المنافذ بالآلات بعد أن اعتذر صاحب المعمل وغادر المكان.
وبقي العمّال محاصرون داخل المعمل لساعات طويلة، ولم يتمكّنوا من الخروج إلّا عند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل وبمرافقة من الجيش اللبناني. وبحسب أحد سكان المنطقة فقد جمع شباب المنطقة درّاجات العمال النارية وحرقوها. وقد أوقف الجيش عددًا من السوريين المشاركين في الإشكال ولم تحصل أي توقيفات في صفوف اللبنانيين.
اعتداءات متنقلة واقتحامات لمنازل سوريين
لم ينته الأمر في شارع مار مارون، بل امتدّ إلى الشوارع والمناطق المجاورة حيث جابت ليل الخميس عشرات الدراجات النارية شوارع برج حمود، والدورة والنبعة وصولًا إلى سن الفيل، وقال شهود لـ “المفكرة” إنّه تمّ الاعتداء على المارّة بالضرب بالعصي وبآلات حادة والسكاكين، ولم تتمكّن “المفكرة” من مقابلة أي من الجرحى لتواري معظم السوريين عن الأنظار.
الاعتداءات طاولت أيضًا محال للبنانيين يوظّفون عمالًا سوريين. وقالت صاحبة أحد المحال التجارية لـ”المفكرة” إنّ مجموعة من الشبّان اللبنانيين على درّاجات نارية حاولوا اقتحام محلّها ليلًا والاعتداء على الموظفين، إلّا أنّهم تصدّوا لهم. ووصفت ما يحدث بأنّه حالة جنون”، إذ لا يجوز أن يتم الاعتداء على أرزاق الناس وتكبيدهم خسائر مهولة. وأضافت أنّها عبثًا حاولت إيجاد عمّال لبنانيين لتوظيفهم، إلاّ أنها لم تجد وعن ذلك تقول: “اللبناني ما بدو يشتغل إلّا مدير، ما بيقبل يشتغل أي شي، طب نحن كيف منمشّي شغلنا”.
كذلك أفاد موظف في أحد المطاعم أنّ مجموعة من الشبّان اعتدوا على العمال السوريين في المطعم وضربوهم بـ “البوكس” الحديدي. وروى ناشط لبناني إنّه أثناء وجوده في أحد المقاهي في المنطقة، دخلت عليهم مجموعة شبّان وطلبت هويّاتهم.
ويوم الجمعة، لم تتوقف الاعتداءات والإشكالات في المنطقة، حيث وقع إشكال كبير في منطقة الجديدة لم نتمكّن من معرفة تفاصيله إلّا أنّه من الأجواء السائدة يرجّح أنّه نتيجة الاحتقان والتحريض على السوريين. وانتشر فيديو لشخص قيل إنّه سوري يتلقى ضربات وركلات من أشخاص قيل أيضًا إنّهم لبنانيون. كما وقع إشكال آخر في منطقة سن الفيل – مستديرة الحايك بين لبنانيين وسوريين عمل الجيش على فضّه.
والأسوأ هو ما حصل فجر اليوم السبت، حيث اقتحمت مجموعة أشخاص مدنيين 4 شقق في منطقة برج حمود يقطنها سوريون بعد أن خلعت أبوابها وتعرّضت للضرب لعدد من قاطنيها، حيث أصيب أحدهم بكسور في قدمه. واقتحمت المجموعة شقتين لعائلتين سوريتين تضمّان أطفالًا وطلبت أوراقهم وخرّبت محتويات الشقتين ما أصاب الأطفال بالهلع. وتقول إحدى السيدات اللواتي اقتحمت شقّتها في اتصال مع “المفكرة” إنّها استيقظت على حركة في المبنى عند الرابعة فجرًا وسمعت أصوات تكسير أبواب قبل أن يُكسر باب شقتها ويدخل أشخاص مدنيون لم ترهم من قبل وطلبوا أوراقهم قبل أن يدخلوا إلى الغرف ويخرّبوا محتوياتها. “فاتوا عليي وكان زوجي برّات البيت ورعبوني ورعبوا الأولاد. بأي صفة وبأي حق بدّن يفوتوا ع بيوتنا. نحنا وراقنا مزبوطين وفي كتار متلنا. وما منقرّب من حدا، جوزي بشغله وأنا مع الولاد. ليش هالحقد!”.
وقد نشر مركز وصول لحقوق الإنسان (ACHR) بيانًاأشار فيه إلى أنّ “مجموعات أخرى تنتمي لحزب القوات اللبنانية قامت بالاعتداء على لاجئين واقتحام منازلهم والعنف ضدهم في مناطق مثل سد البوشرية ومناطق مجاورة”. ولكن لم تتمكّن “المفكرة” من التحقق من انتماء هذه المجموعات من مصدر محايد.
وطالب المركز “الحكومة اللبنانية بالتحقيق في حملة التحريض الممنهجة ضد اللاجئين، ووقف جميع العمليات الأمنية والعسكرية والترحيلات القسرية بحقهم، والتشدد في مراقبة ومحاسبة مثيري العنف وخطابات الكراهية الصادرة عن بعض الجهات والأطراف اللبنانية الرسمية والحزبية والإعلامية، ومراعاة القوانين والاتفاقيات المحلية والدولية، والتي تتطلب التعامل مع اللاجئين بأسلوب يحفظ حقهم وكرامتهم”. كما طالب السلطات اللبنانية باتخاذ إجراءات فورية لوقف هذه الحملة، وإجراء تحقيقات موسعة في هذه الانتهاكات التي وقعت مؤخرًا، وضمان احترام حقوق الإنسان لجميع اللاجئين المقيمين في لبنان.
شائعات وخطاب تحريضي يدعو للترحيل
انتشرت ليل الخميس الكثير من الأخبار التي تفيد أنّ “السوريين هجموا على اللبنانيين” وتداولاتها الكثير من المجموعات المحلية على واتساب التي ترافقت مع دعوات لـ “المؤازرة”. كما تداولت الكثير من المجموعات والمواقع الإخبارية أخبارًا مضلّلة وعارية عن الصحة عمّا يجري على الأرض. وكانت الأخبار هذه كافية لتأجيج الأوضاع في الشارع ولدفع الأشخاص المعبّئين ضدّ السوريين استغلال الفراغ الأمني وجمع أنفسهم لاستهداف السوريين.
وقد سمعنا قرب مكان إشكال الدورة شخصًا يصف لصديقه باعتزاز كيف جاب الشباب الشوارع ودبّوا الرعب في نفوس السوريين، “كانوا شي مئة موتسيكل، من ولاد المنطقة كلّهم، اليوم رح نكمّل عليهم بالدورة مثل ما مبارح ربّيناهم بسن الفيل”.
وقد انتشرت أمس الجمعة دعواتفي برج حمّود لمواصلة الحملة على السوريين والتجمّع أمام كنيسة مار يوسف.
أحد أصحاب المحال المجاورة لموقع الإشكال في الدورة قال لـ “المفكرة” إنّ “ما يحدث متوقّع والآتي أظلم، فهذه ضريبة الدخول خلسة وعدم تنظيم عمل السوريين الذي بات وجودهم في سوق العمل يفوق الوجود اللبناني” وأضاف “أي ضربة كفّ بسيطة ستكون نتيجتها كارثية من الآن وصاعدًا”.
صاحب سيارة أجرة، قال إنّ “السوريين بنافسوننا بكل أعمالنا، هم يفرضون التسعيرة التي يريدونها ما يسبّب لهم كأصحاب سيارات عمومية الخسائر”، وأضاف: “باتوا يمتلكون معظم المحال والمؤسسات التجارية وهذا غير عادل بحق الشعب اللبناني”.
الخطاب التحريضي استمر عبر وسائل التواصل الإجتماعي، وكانت صفحة “الحملة الوطنية لمواجهة التوطين السوري” الناشطة تبثّ خطاب الكراهية ضدّ السوريين، وتطالب بترحيلهم وتعلن عن الاستعدادات لتحركات ميدانية لمحاصرة وإغلاق المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التي تحمّلها مسؤولية الوضع.
وبالتوازي طالب مخاتير منطقة جديدة والبوشرية والسد في كتاب وجّهوه إلى المديرية العامة للأمن العام بـ “تسكير جميع المحال التجارية غير الشرعية المشغولة من غير اللبنانيين”.
وصدر بيان حول “النازحين السوريين والظواهر الاجتماعية المرافقة” باسم “شباببرمانا” وبالتنسيق مع “شباب مناطق الجوار، مار شعيا، جورة البلوط، قنابة برمانا، المسقى و الغابة، العيون، رومية، بيت مري، عين سعادة وبعبدات”. دعا البيان إلى “منع أي وجود على طرقاتنا لأي أشكال غريبة غير مطمئنة لأهلنا” و”مقاطعة أي مطعم أو محل تجاري يوظف شخصًا غير لبنان كـ delivery مما لذلك من تأثير على أمن أهلنا” و”مساعدة الدولة غير القادرة على تطبيق قانون العمل اللبناني”. وطالب البيان الدولة بترحيل كل اللاجئين سواء كان وجودهم قانونيًا أم لا وذلك “لاحتواء كارثة ممكن أن تحصل”.
كذلك غرّد النائب من حزب القوّات ملحم رياشي أنّ “ما حدث في الدورة مرفوض وما قد يحدث بالتالي نذير خطر، نعم للرهان على القوى الأمنية، لا لاستباحة المتن ولبنان لأي أحد”.
أما النائب رازي الحاج فغرّد مطالبًا قيادة الجيش إلقاء القبض على السوريين الذين “تسبّبوا بالإشكال” وإجراء المسح شامل لمنطقة الدورة – البوشرية- السد- الجديدة- سن الفيل- النبعة وبرج حمود. وفي تصريح لـ “النهار”، دعا إلى مسح لكامل قضاء المتن “لأنّ الأمر بدأ يثير الشبهات، وهناك تخوّف من وجود بؤر أمنية”.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.