إسرائيل تواصل “الحرب على الأطفال” التي بدأتها في غزة: استشهاد 130 طفلًا في لبنان


2024-10-08    |   

إسرائيل تواصل “الحرب على الأطفال” التي بدأتها في غزة: استشهاد 130 طفلًا في لبنان

ينتظر الأهل بفارغ الصّبر اللحظة التي يخطوا فيها أطفالهم خطواتهم الأولى، يلتقطون لهم الصور وهم يحاولون التوازن، يتراجعون إلى الوراء ليسمحوا لهم بالمشي خطوات أكثر، يخبرون عائلاتهم وأصدقاءهم عن الحدث الكبير. لا بدّ أنّ أهل الطفلة حوراء حسين (سنتان ونصف)، فعلوا ذلك، حين خطت أولى خطواتها في بلدة المعيصرة، مكان نزوحها مع عائلتها هربًا من الغارات الإسرائيلية. ولكن حوراء بدل أن تمشي باتجاه أمها، مشَت إلى حتفها مع أفراد من عائلتها. 

فبعد شهر على العدوان الإسرائيليّ على لبنان المستمرّ منذ تشرين الأوّل 2023، نزحت حوراء مع عائلتها من قرية حولا الحدودية في الجنوب إلى المعيصرة – قضاء كسروان، وبدل أن تنتظر قصّة ما قبل النوم من والدتها، أصبحت هي القصّة، يرويها كلّ من شهد على مجزرة المعيصرة التي وقعت في 25 أيلول وسقط فيها 16 شهيدًا 7 منهم نازحون، فيما لا يزال أحد الأطفال في المستشفى في غيبوبة.

الطفلة الشهيدة حوراء حسين

الطّفلة رزان ذات السنوات الأربعة، وهي ابنة عمّ حوراء التي نزحت مع عائلتها أيضًا إلى منزل مجاور، شاهدت كلّ ما حصل، فأُصيبت في طفولتها رغم سلامة جسدها. تزورها الكوابيس ليلة تلوَ الأخرى، تستعيد صور الأشلاء التي رأتها، فتستيقظ مع صراخ لا يهدأ إلّا بعناق من والدتها، وتسأل عن حوراء. قصدت العائلة بلدة المعيصرة ظنًّا منها أنّها ستكون في أمان هناك. ولكن لا أمان في أيّ مكان أمام عدوّ متعطّش للدم، ولدم الأطفال من غزة التي وصفت “اليونيسف” حرب إسرائيل فيها بأنّها “حرب على الأطفال“، وصولًا إلى لبنان حيث قتلت حتى كتابة هذه السطور 130 طفلًا بحسب إحصاءات جمعتها “المفكرة” من بيانات وزارة الصحة. وهؤلاء هم جزء من حصيلة مؤلمة من الشهداء بلغت منذ 8 تشرين الأوّل 2023، حتى يوم أمس الإثنين 7 تشرين الأوّل 2024، 2083 شهيدًا. 

أما الجرحى الأطفال فبلغوا بحسب بيان لـ “اليونسيف” 690 طفلًا في لبنان خلال ستة أسابيع فقط. والنازحون تجاوزوا 350 ألف طفل وفق التقارير الرسمية، من أصل أكثر من مليون شخص أجبروا على ترك منازلهم نتيجة تزايد الاعتداءات الإسرائيلية في الأشهر الأخيرة. 

كلّ ذلك والأطفال يفترض أن يكونوا محميّين بالقانون الدولي الإنساني بصفتهم مدنيّون لا يشاركون في الأعمال العسكرية (المادة 3 المشتركة لاتفاقيات جنيف الأربعة والمادة 4 من البروتوكول الإضافي الثاني). بالتالي، يحظر أن يكونوا هدفًا للهجوم، كما يحظر “أعمال العنف أو التهديد به الرامية أساسًا إلى بثّ الذعر بين السكان المدنيين” (المادة 13 البروتوكول الإضافي الثاني)، وفقًا للباحثة القانونية في “المفكّرة القانونية” نور كلزي. وأبعد من ذلك، ينصّ البروتوكول الإضافي الثاني على وجوب “توفير الرعاية والمعونة للأطفال بالقدر الذي يحتاجونه”. ويفرض أن تُتخذ – إذا اقتضى الأمر – إجراءات “لإجلاء الأطفال وقتيًا عن المنطقة التي تدور فيها الأعمال العدائية إلى منطقة أكثر أمنًا داخل البلد على أن يصحبهم أشخاص مسؤولون عن سلامتهم وراحتهم، وذلك بموافقة الوالدين كلما كان ممكنًا أو بموافقة الأشخاص المسؤولين بصفة أساسية عن رعايتهم قانونًا أو عرفًا”. (المادة 4، الفقرة 3، البند ه من البروتوكول الإضافي الثاني).

كما تفرض اتفاقية حقوق الطفل على الدول، بحسب كلزي، وجوب احترام وكفالة احترام قواعد القانون الدولي الإنساني الآنفة الذكر ويجب على الدول أن تتخذ “كافة التدابير المستطاعة لتكفل حماية ورعاية الأطفال المتأثرين بالنزاع المسلح”. وقد خصّت لجنة الصليب الأحمر الدولية في الدراسة التي أعدّتها عام 2005 حول قواعد القانون الدولي الإنساني مادّة للأطفال حيث اعتبرت أنّهم يتمتعون باحترام وحماية خاصة (القاعدة 135، المجلد الثاني، الفصل 39، القسم ب).

عن الطفلة “زهراء” التي خسرت عائلتها في غارة واحدة 

يجتمع الأولاد عادة في الدّار أو أمام المنزل للّعب، وفي حالات الحرب يصبح اللّعب الطريقة الأمثل للهرب من قسوة الواقع ومرِّه، هكذا نجّا اللعب الطفلة زهراء علي عمرو (7 سنوات) من الموت في مجزرة المعيصرة ولكنّها خسرت عائلتها، ومنزلها، وكلّ عالمها. “كل شي راح” بغارة واحدة. فبعدما كانت قد خسرت والدها علي عمرو في غارة على قرية حولا وردّدت على مسمع والدتها عبارة “بدّنا نكفي الحياة”، خسرت زهراء والدتها سيّدة عمرو، وشقيقتيها رقية (10 سنوات) وريحانة (3 سنوات)، واثنتين من عمّاتها، وعمّها مع زوجته، وزوجة عمّها الآخر، واثنين من أولاد عمّاتها.

“العالم الذي اعتادت زهراء على تفاصيله وشكّل يومياتها، قد خسرته في لمح البصر”، يقول علي شيران، أحد أقرباء الطفلة، في اتصال مع “المفكرة”. علي الذي خسر بدوره شقيقته شهيناز وزوجها في المجزرة نفسها. الطّفلة التي اعتادت أن تركض باتّجاه والدتها عندما يصيبها أي مكروه، استيقظت من دونها في المستشفى حيث تُعالج. ولكن لحسن حظّها أنّها وجدت في زهراء شيران، شقيقة علي، حضنًا يعتني بها في المستشفى. “رأينا صور أطفال غزة بعد القصف على شاشات التلفاز والهواتف، لكنّني لم أتوقّع أن أرى هذا المشهد أمامي، ورأيته من خلال زهراء”، تقول زهراء شقيقة علي. كلّ الأسئلة اجتمعت في رأس طفلة ذكية ودقيقة ملاحظة، كما يصفها أقرباؤها، لحظة استيقاظها من على سرير المستشفى. “سألت عن الجميع، سمّتهم بأساميهم، فردًا فردًا، وكلّ الذين سألت عنهم قتلتهم إسرائيل. انتقمت من عائلة والدها الشهيد وبقيت زهراء شاهدة”، يقول علي. 

صورة زهراء الشهيدة الحيّة وعائلتها التي استشهدت

كلّ الخسارات اجتمعت في خسارة زهراء لأقرب الناس إليها. أمام التحدي الكبير في إيجاد الطريقة المناسبة للإجابة على أسئلتها، وقف علي وشقيقته زهراء حائرين “هي طفلة ذكية، واعية ومدركة لما حصل. لا يمكنني أن أنسى تعابير الحزن التي اعتلت وجهها ونظراتها في اللحظة التي أدركت فيها الحقيقة”. خطف الفقدُ ابتسامة الطفلة ذات الأعوام السبعة، وسرحت في مخيّلتها تستحضر وجوه والديها وشقيقتيها وكلّ من خسرتهم. “هذه هي أهداف إسرائيل”، يقول علي، ويتابع “رأت الأطفال أمام باحة المنزل ولم تكترث. هذه هي المصالح التي تتعمّد ضربها”. بعد خروجها من المستشفى، تعمّدت زهراء أن تُشيح بنظرها عن الدّمار الذي خلّفته الغارة في منزلهم، عن ذكرياتها، وعن سبع سنوات من الحضن الدافئ، ثمّ عادت وطلبت أن تلتقط فيديو للدّمار.

“بدّي إعملّه قبر حلو وإزرعله حبق على تراباته”

احتضنت أرض المعيصرة جثمان حوراء. دفنت في قبر صغير على حجم جسدها وضعت عليه لعبتها التي رافقتها طوال فترة الحرب. لكن ابن عمّها أمير (4 سنوات) الذي استشهد في الغارة نفسها، لم يكُن له قبر. فقد ضاع جسده الصّغير بين الرّكام ولم يجد له فرق الإنقاذ أيّ أثر. هو “الزلمة الصغير”، تقول عمّته، المفعم بالطاقة والذي ينشر البهجة في كلّ مكان، كان قد نزح مع عائلته من حولا إلى قرية جبشيت ثمّ إلى تول في جنوب لبنان، ومنها إلى المعيصرة يوم الاثنين 23 أيلول، كان طفلًا صلبًا في وجه أصوات الصواريخ الإسرائيلية، وقتله صاروخ لم يسمع صوته. 

تتأمّل سلمى (اسم مستعار) عبوة المياه التي تحمل رسمة “سبايدرمان” والتي اشترتها مؤخرًا لابن أخيها جواد (اسم مستعار) الذي يبلغ من العمر 11 عامًا والذي استشهد في مجزرة القائم في 21 أيلول الماضي. “لم أتزوّج، كان جواد بمثابة ابني. أحبَّ المدرسة وأحبَّ الحياة. هو القويّ بطبعه، لم يخف يومًا. والآن فقدناه”. جواد نزح مع عائلته من إحدى قرى قضاء صور إلى الضاحية الجنوبية حيث استشهد في مجزرة القائم. تنتظر سلمى بفارغ الصّبر اللحظة التي تنتهي فيها الحرب، لتعود إلى القرية وتزيّن قبر جواد “القبر بعدو بلا بلاطة. بدّي إعملّه قبر حلو وإزرعله حبق على تراباته”.

الشقيقتان سيلا (6 سنوات) وسيلين (3 سنوات) عاشتا تحت القصف في قرية المروانية الجنوبية (قضاء صيدا) منذ بدء الحرب على لبنان، كانتا تنتظران يومهما الأوّل في المدرسة، الذي كان من المفترض أن يكون في 23 أيلول، 2024. وبغارة واحدة، تحوّل هذا التاريخ إلى ذكرى استشهادهما مع والدتهما بعدما توسّعت إسرائيل في عدوانها. وتقول عمّتهما: “أصوات القصف لم ترحم سيلا وسيلين، عاشتا في حالة خوف ورعب مع كلّ غارة، ولم تُتَح الفرصة لهما ولوالدتهما للهرب والنجاة من هذا الإجرام”.

عددٌ كبير من الأطفال الذين قتلتهم إسرائيل في لبنان استشهدوا ومعهم أخوتهم أو أحد والديهم أو كلاهما وعدد من أقربائهم، كما هي حال عائلات عدّة “ما بقي منها مين يخبّر” بعد المجازر الإسرائيلية. ومع توسّع العدوان الإسرائيلي على لبنان في 23 أيلول 2024، قُتل 50 طفلًا من أصل 558 شهيدًا في يوم واحد، وهذا الرّقم أكثر من عدد الأطفال الذين قُتلوا في لبنان في الأشهر الـ 11 الماضية، الأمر الذي وصفته اليونيسف بـ “أسوأ يوم للبنان منذ 18عامًا”، مشيرةً في بيانها إلى أنّ “أعمال العنف تتصاعد، ممّا يعرّض عددًا لا يحصى من الأطفال للخطر”.

إلى حوراء وأمير وجواد وسيلا وسيلين، تضاف أسماء كثيرة:

الطفلة ياسمينة نصار (6 سنوات) استشهدت في غارة طالت منزلها في النبطية، وكانت قد كتبت على ورقة “أمنيتي أن أبقى بخير أناوعائلتي في الحرب”.

الطفل محمد حسن بلال سعد، قتلته إسرائيل مع والديه وشقيقه وشقيقته في بنت جبيل.

الطفل فاطمة إبراهيم قاسم، قُتلت بغارة إسرائيلية في قرية كفرملكي.

الطفل مجتبى وشقيقته سكينة أخضر، قُتِلا مع والدتهما في غارة على جون.

الطفلة فاطمة علي مكي، قتلتها إسرائيل مع جميع أفراد أسرتها (7 أشخاص) في كوثرية السياد.

الطفل الرضيع علي حسين محسن من قرية عيناثا، قتلته إسرائيل في دير قانون العين.

فاطمة، فرح، جلال، وعلي فارس، قُتلوا في مجزرة القائم في الضاحية الجنوبية في 20 أيلول.

الطفلة نايا غازي، قُتلت في مجزرة القائم في الضاحية الجنوبية في 20 أيلول.

الأطفال نايا حلوم وشقيقها التوأم محمد حلوم وشقيقهما أحمد حلوم (15 سنة)، قُتلوا في مجزرة القائم في الضاحية الجنوبية في 20 أيلول.

الطفل بلال كنج قُتل في تفجير أجهزة النداء في 17 أيلول.

الطفلة فاطمة عبدالله (10 سنوات)، قُتلت في تفجير أجهزة النداء في 17 أيلول.

الطفلة فاطمة عودة، كانت وصيّتها “إذا استشهدت بتحطّيلي عالحالة صورتي وبتحطّي: هي قمرٌ غفى”.

الطفلة فاطمة أحمد حمدان، استشهدت مع والدتها آية حسين حمدان في مجزرة القائم.

الطفل مهدي مبارك، استشهد مع والده في غارة استهدفتهم في قرية كفرجوز جنوب لبنان في 12 أيلول.

الطفل ذوالفقار رضوان، استشهد مع خاله في غارة إسرائيلية على قرية عيتا الجبل في 24 آب.

الطفل علي حسين هاشم من بلدة الزرارية استشهد في 25 أيلول.

الطفلتان إيمان وتاليا نسر، استشهدت في غارة على البازورية في 25 أيلول.

الطفل الرضيع حسن محمد زريق – بنت جبيل.

الطفلة آلاء حسين حمود، استشهدت في غارة على قرية عربصاليم.

الطفل فوّاز الجوهري استشهد في الهرمل في 29 أيلول مع والديه وشقيقيه محمد وشادي.

الطفلة حوراء محمد فارس، استشهدت في مجزرة عين الدلب في 29 أيلول.

الشقيقان حسن علي فارس وحسين علي فارس، استشهدا في مجزرة عين الدلب في 29 أيلول.

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، الحق في الحياة ، حقوق الطفل ، لبنان ، مقالات ، جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية ، جريمة الإبادة الجماعية ، العدوان الإسرائيلي 2024



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني