إسرائيل تهدد جميع سيارات الإسعاف: محاولة لشرعنة جرائم الحرب المستمرّة ضد فرق الإنقاذ


2024-10-12    |   

إسرائيل تهدد جميع سيارات الإسعاف: محاولة لشرعنة جرائم الحرب المستمرّة ضد فرق الإنقاذ
إشتعال سيّارة إسعاف تابعة لجمعيّة الرسالة للإسعاف الصحّي في سحمر

في إطار تصعيد ممنهج في الخطاب الرسمي لجيش الاحتلال الإسرائيليّ تجاه لبنان، هدد متحدثٌ باسمه صباح اليوم السبت، 12 تشرين الأول، سيارات الإسعاف، زاعمًا بأنّها تنقل “مخربين وأسلحة”، وفق تعبيره، محذرًا الفرق الطبية بالمباشر من “التعامل مع عناصر حزب الله”. وأكّد النيّة باستهداف أيّ مركبة زعم أنّها “تنقل مسلّحين”، وذلك “بغض النظر عن نوعها”. ولا يعبر هذا التصريح فقط عن تهديد مباشر، بل يكشف عن خطاب تسعى إسرائيل من خلاله إلى “شرعنة” استهداف العاملين في مجال الإسعاف الطبّي، في انتهاك صارخ للقوانين الدولية، وإمعان واضح في تشويه قواعد الحرب لتبرير جرائم الحرب.

ولم يبذل المتحدث أي مجهود لتقديم أدلّة على الاتهامات التي وجهها لجميع سيارات الإسعاف في لبنان، ما يدلّل على “الحصانة” التي يشعر بها الجيش الإسرائيليّ تجاه أيّ مساءلة أو محاسبة دوليّة، مع استمرار دعم دول الشمال العالميّ له. 

ويأتي البيان، وهو الأوّل من نوعه ضدّ فرق الإسعاف في لبنان، في سياق تهديدات كانت تصل عبر الاتّصال المباشر، أو من خلال وسائل التنسيق الموضوعة من خلال جهات ثالثة. وكذلك في سياق عشرات الهجمات المباشرة ضدّ هذه الفرق، وضدّ سيّاراتها ومراكزها المحلّيّة وخلال تنفيذ مهمات إنقاذية. ووثّقت “المفكّرة القانونية” استشهاد 130 عنصرًا من فرق الإغاثة والإسعاف، أكثر من نصفهم خلال فترة الأسابيع الثلاثة الأخيرة، باستهدافات مباشرة، وخلال قيامهم بمهامهم الإسعافية، وفق أرقام وزارة الصحّة وإحصاء “المفكّرة”. كما استشهد رقيب أوّل في الجيّش اللبنانيّ إثر استهداف دوريّة أثناء قيامها بمهمة إخلاء مصابين في الطيبة، وفق بيان للجيش. 

وتواجه فرق الإسعاف جميعها تهديدات جديّة بالاستهداف المباشر في عدّة مناطق في لبنان، إذ يمنع الجيش الإسرائيليّ عمليّات الإنقاذ في الجنوب، لاسيّما في منطقة جنوب الليطاني، وقد وثّقت “المفكّرة” أكثر من حالة منع لآليات الإنقاذ بالتحرك، ومنها، على سبيل المثال لا الحصر، إخلاء 8 مسعفين في الطيبة، والطاقم الطبي من مستشفى صلاح غندور في بنت جبيل، وعناصر مركز الدفاع المدني التابع لاتحاد بلديات بنت جبيل في برعشيت، ومنع فرق الإغاثة من الدخول إلى منطقة المريجة في الضاحية الجنوبية لبيروت، بالإضافة إلى تقارير تفيد باستهداف عمّال الإسعاف والإنقاذ من أجل منع وصولها في أكثر من قرية جنوبيّة.

وكشف الطبيب النرويجي مادس غيلبرت، الذي انضم إلى فريق مستشفى النجدة الشعبية في النبطية،  في حوار مع “المفكّرة” عن حالات عدّة تسبّب فيها تأخّر “الإذن الإسرائيليّ” للصليب الأحمر اللبنانيّ باستشهاد جرحى سقطوا نتيجة اعتداءات إسرائيليّة، بينها المعلّمة هند مسعد والرقيب في قوى الأمن الداخلي حبيب أبو مراد من بلدة جديدة مرجعيون. وأصيبت هند بعدما استهدفتها مسيّرة إسرائيليّة لمنعها وحبيب من تقديم المساعدة لجريح كان قد استهدف للتو على درّاجته النارية ظهر 6 تشرين الأولّ 2024. ونزفت هند وحبيب ساعتين إضافيّيتين بسبب تأخّر “الإذن” لسيّارة الصليب الأحمر بنقلهما. وعليه استشهدت هند متأثرة بجراحها قبل وصولها إلى المستشفى في النبطية، فيما استشهد حبيب فور وصوله إلى مستشفى في صيدا، متأثّرًا بجراحه. ويومها حال خروج مستشفى مرجعيون من الخدمة إثر استهداف إسرائيل سيارتي إسعاف على مدخله من إسعاف هند وحبيب اللذين أصيبا بغارة إسرائيلية على بعد أمتار من مستشفى مرجعيون المقفلة. 

مركز الدفاع المدنيّ المدمّر جرّاء غارة إسرائيليّة في دردغيّا 

محاولة لشرعنة جريمة الحرب

يحاول الجيش الإسرائيلي من خلال هذا التهديد تبرير وتمويه لجرائم الحرب السابقة واللاحقة المرتكبة بحق المسعفين، من خلال الترويج لادعاءات تفتقر لأي إثباتات حول استخدام سيارات الإسعاف لأغراض عسكرية. 

وتضلّل هذه الدعاية الرأي العام العالميّ عبر تبرير استهداف سيارات الإسعاف من خلال “عسكرتها” وتوصيفها على أنّها أهداف مشروعة ، علمًا أنّ قوانين الحرب تمنح الحماية لهذه المركبات  طالما أنّها مخصّصة للأغراض الطبية والإغاثية حصرًا. ومع غياب الأدلة عن الادّعاءات الإسرائيليّة، فإن هذه التهديدات تشكل مسّا خطيرًا بسلامة العاملين في المجال الطبي والمصابين الذين يعتمدون على هذه الخدمات.

وقد دعا بيان الجيش الإسرائيلي الفرق الطبّية اللبنانيّة إلى ما أسماه “تجنب التعامل مع عناصر حزب الله وعدم التعاون معهم” في مخالفة لقوانين الحرب التي لا تنزع الحماية عن الفرق الطبية والإغاثية في حال انتمائها لأحد أطراف النزاع أو تعاملها معه لأهداف إغاثية. ولم يكن البيان مجرّد تحذير، بل حمل لغة ترهيب صريح للعاملين في المجال الطبي، مهددًا بـ”اتخاذ الإجراءات اللازمة”. ويأتي هذا الترهيب في إطار سياسة إسرائيلية ممنهجة لتقويض الجهود الإنسانية التي تقدمها الفرق الطبية، ويُظهر تجاهلًا تامًا لمبدأ الحياد الطبي الذي يحظر التمييز في تقديم الرعاية الصحية، حتى في أحلك الظروف. 

ويشكّل هذا التحذير محاولة لـ”تشريع مقنَّع” لاستهداف المسعفين، ويسعى الجيش الإسرائيلي من خلال ذلك إلى فرض هيمنته على المشهد الإنساني، معتبرًا أن أي تدخل طبي أو إغاثي قد يُفسر على أنه “تهديد أمني”، ضمن محاولته لإرهاب العاملين في المجال الطبي والإغاثي ومنعهم من أداء واجبهم الإنساني.

وما نراه في هذا البيان التهديديّ “الأوّل” بعد مسلسل دمويّ من الاستهداف المباشر، هو محاولة للتطبيع مع استهداف المسعفين وسيارات الإسعاف تحت ذريعة “الأمن والإرهاب”. وهذه الاستراتيجية ليست بجديدة على الاحتلال الإسرائيلي الذي يستهدف سيّارات الإسعاف ويمنع عمليّات الإنقاذ بشكل ممنهج في غزّة وفي الضفّة الغربية المحتلّة. 

سياق استهداف متواصل ضدّ المسعفين

وقال متطوّع مع إحدى فرق الإغاثة في تصريح لـ “المفكّرة” إنّه قرأ في التهديد “محاولة شرعنة للاستهداف”، طالما أنّ الترهيب من خلال الاستهداف والقتل مستمرّ ومتصاعد. وعبّر المتطوّع عن إصراره على القيام بالواجبات الإنسانيّة “خدمة لأهلنا”، رغم قلقه المتزايد على سلامة زملائه وسلامته. 

واستهدف القصف الإسرائيليّ المباشر الفرق التابعة للصليب الأحمر اللبنانيّ، وفق بيان للأخير، كما استهدف الدفاع المدني اللبنانيّ، وهو جهاز رسميّ، وكذلك جمعيّات مدنيّة مثل مؤسّسة عامل الدوليّة وجمعيّة الإسعاف اللبنانيّة والهيئة الصحيّة الإسلاميّة والدفاع المدني التابع لها، وجمعيّة الرسالة للإسعاف الصحّيّ. ودمّر الاستهداف الإسرائيليّ أكثر من 130 سيّارة إسعاف وإنقاذ، بناء على الأرقام الأخيرة لوزارة الصحّة والجمعيّات. 

وقالت مديرة مستشفى النجدة الشعبية في النبطية منى أبو زيد في تصريح لـ “المفكّرة” إنّ سيّارات الإسعاف التابعة للصليب الأحمر تنطلق بناء على إذن مسبق من اللجنة الدوليّة للصليب الأحمر التي تتولّى التنسيق اللازم لضمان عدم الاستهداف الإسرائيليّ. وتتّخذ سيارات الإسعاف التابعة للصليب الأحمر اللبنانيّ من مستشفى النجدة الشعبية نقطة إنطلاق في عمليّاتها.

وأكّدت أبو زيد أن سيّارة الإسعاف الوحيدة التابعة للمستشفى، تنقل فقط معدّات طبيّة ومستلزمات خاصّة بالمستشفى يوميًّا بين صيدا والنبطيّة، علمًا أنّ جريمة الحظر الإسرائيليّ على عمليّات الإنقاذ تشمل معظم مناطق الجنوب اللبنانيّ. وأطلقت نقابة أطباء لبنان نداء “عاجلًا” إلى منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة لوقف “المجزرة” الإسرائيلية بحق الجهاز الطبي اللبناني. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، العدوان الإسرائيلي 2024



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني