إسرائيل تستهدف مستشفيات ضاحية بيروت: إخراج مستشفييّ الساحل وبهمن من الخدمة وإلحاق الضرر بثلاثة أخرى


2024-10-24    |   

إسرائيل تستهدف مستشفيات ضاحية بيروت: إخراج مستشفييّ الساحل وبهمن من الخدمة وإلحاق الضرر بثلاثة أخرى

كانت ليلة الإثنين-الثلاثاء (21-22 تشرين الثاني) ليلة العدوان الإسرائيلي على مستشفيات ضاحية بيروت الجنوبية. هددت إسرائيل مستشفى الساحل وهجّرت قسريًا طاقمها الطبي متسببة بإقفالها وخروجها من الخدمة بيد، فيما استهدفت باليد الأخرى محيط مستشفى رفيق الحريري الحكومي في الجناح، مرتكبة مجزرة ذهب ضحيتها 18 شهيدًا و60 جريحًا واحتسب 10 آخرون في عداد المفقودين.  وردّت إدارة مستشفى رفيق الحريري على العدوان الذي ترك أضرارًا كبيرة في بعض أقسامها، بالاستمرار في العمل، واستقبلت شهداء وجرحى ومصابي العدوان على محيطها وبمسافة لا تزيد عن 50 مترًا. كما لجأ إليها نحو ألف نازح هربًا من الغارات الإسرائيلية على أبوابها. 

واستكملت إسرائيل عدوانها على القطاع الطبي مستهدفة ليل أمس الثلاثاء محيط مستشفى بهمن في قلب الضاحية الجنوبية متسببة بأضرار في المبنى والتجهيزات، متسببة بإخراج المستشفى من الخدمة. وقبل مستشفى بهمن توفرت معلومات لـ”المفكرة” (لم يتسن لنا التأكد منها)، عن تسبب العدوان بإخراج مستشفى البرج في منطقة برج البراجنة من الخدمة، فضلا عن تضرر مستشفى سانت تيريز بصورة جسيمة نتيجة التفجيرات الحاصلة حولها. 

إخلاء مستشفى الساحل تحت نار التهديد والوعيد

عند التاسعة من مساء الإثنين، 21 تشرين الأول 2024، والظلام الموحش يخيّم على طريق الغبيري- المشرفية حيث صارت الضاحية الجنوبية على موعد ليلي يشتد عنفًا يومًا بعد يوم منذ تصاعد وتيرة إجرام العدوان الإسرائيلي على لبنان، خرج نحو 25 ممرضة وممرضا من مستشفى الساحل يركضون في الشوارع يبحثون عن آليّة تنقلهم بعيدًا عن المستشفى التي كان قد هدّدها الناطق باسم الجيش الإسرائيلي. وقد تمثل التهديد في نشر الجيش تغريدة له زعم فيها “وجود ملجأ تُخزّن فيه مئات ملايين الدولارات العائدة لحزب الله”، مردفا أن “قطعا جوية تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي تستطلع المجمع (مجمع مستشفى الساحل)، ونتابعه وسنواصل متابعته”. عندئذ، شعر أفراد طاقم الساحل أنهم على قاب قوسين وأدنى من استهداف إسرائيلي للمستشفى، وقرروا إخلائه، بعد التواصل مع إدارته ووزارة الصحة. 

ومع إدراكهم لإجرام إسرائيل وطبيعة حربها على غزة ولبنان، شكل هاجس استهداف المستشفى هلال ثوانٍ الشغل الشاغل لطاقمها الطبي. وبسرعة، عملوا على تنظيم إخلاء المرضى الذين يعتمدون على المستشفى في غسيل الكلى وتلقي علاجات السرطان والأمراض المستعصية، فتولى من يملكون سيارات خاصة بإجلاء نحو 15 مريضًا من هؤلاء قبل إجلاء أنفسهم وزملائهم.

أما من تبقى في المستشفى، وعددهم نحو 25 ممرضة وممرضا، لا يملكون سيارات خاصة، فقد ركضوا في الشوارع المحيطة بالمستشفى في ظلمة الليل ووحشة المكان خائفين. هم الذين تركوا عائلاتهم، النازح أغلبها من الضاحية ومحيطها، وسكنوا في المستشفى لكي لا يستمروا في مهامهم خدمة للمنطقة وأهلها. “شعرت أن قدماي لا تحملاني”، تقول إحدى الممرضات لـ”المفكرة”، وتتحدث عن زميلة لها انهارت وبدأت بالصراخ “حيث لم نجد سيارات أو أي آلية نقل لإبعادنا بسرعة عن المنطقة”.  حاولوا الابتعاد قدر الإمكان عن المستشفى وفي أذهانهم “قنابل الطيران الحربي الإسرائيلي، وصواريخ البوارج الحربية الإسرائيلية، والمسيّرات…وكل الإجرام الذي كنا نشهد عليه خلال استقبالنا الشهداء والجرحى والمصابين كل يوم”. نعم “خفنا” تُضيف. 

وأكد مدير مستشفى الساحل مازن علامة لـ “المفكرة” أن مستشفى الساحل أقفلت أبوابها مؤقتًا، بالتنسيق مع وزارة الصحة، في ظل استهدافها بالتهديد من العدوان الإسرائيلي “لكي لا تعرض المرضى والطاقم الطبي للخطر”، مشيرًا إلى استعدادها  استئناف عملها “عندما تتلقى ضمانات بعدم استهدافها بالتنسيق مع وزارة الصحة”. 

وفي اليوم التالي للتهديد الإسرائيلي وإخلاء المستشفى، نظمت إدارتها جولة للإعلاميين، ومن ضمنهم مراسلي وسائل إعلام أجنبية، نشروا تقاريرًا تشير إلى تمكّنهم من التجول في كل أقسام المستشفى وطوابقها السفلية حيث لم يجدوا أي باب أو مدخل إلى مكان آخر، وأن الطابقين السفليين يحتويات على المطبخ وتبعاته وغرف لتخزين نفايات المستشفى في الأول، وعلى غرف العمليات ولوازمها في الطابق السفلي الثاني.

ومن روما، قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، أمس الأربعاء، أنه لم ير “دليلًا على وجود مخبأ نقود لجماعة حزب الله تحت مستشفى الساحل”، لافتًا إلى أن “أميركا ستواصل العمل مع إسرائيل للحصول على معلومات متعمقة”، بحسب وكالة رويترز. 

الرسم الذي استخدمه المتحدث باسم العدو أفيخاي أدرعي لمستشفى الساحل

مستشفى رفيق الحريري الحكومي: مستمرون بالعمل 

 “لم نتوقّع أبدًا وقوع هذه الغارة لسببين، أوّلًا أننا نضع راية  ICRC التي يفترض احترامها، ولكنّ إسرائيل لا تحترم أحدًا، وثانيًا لأنّ المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي لم يوجّه إنذارًا مسبقًا”، يقول مدير مستشفى الحريري، جهاد سعادة، ويضيف “اليوم يقول العدوّ أنّ المستشفى لم يكن هو المقصود من الغارة، ولكنّها وقعت على بعد 50 مترًا فقط منه، على الجهة المقابلة لمبنى المستشفى، والدمار الذي خلّفته كان هائلًا، حيث سُوّيت ثلاثة مبانٍ بالأرض”.

يقول سعادة “في البداية ظننّا أنّ الغارة على المستشفى إلى أن تبيّن أنّها استهدفت ثلاثة مبانٍ في الجهة المقابلة” ، لافتًا إلى أنّ ردهة المستشفى تحوّلت في لحظات إلى ملجأ لسكان المنطقة الذين هربوا من مكان وقوع الغارة ومحيطها، وبلغ عددهم حوالي ألف نازح.

المبنى تعرّض لشظايا وأضرار كبيرة نتيجة الغارة على منطقة الجناح، من تحطّم الألواح الشمسيّة والواجهات الزجاجية، خاصة في صيدلية المستشفى حيث تحتاج الأدوية إلى درجة معيّنة من البرودة للحفاظ عليها من التّلف، إضافة إلى تحطّم الزجاج في قسم مرضى غسيل الكلى، وقسم المعلوماتية، وهبوط الأسقف في عدد من الغرف. ورغم ذلك، أكّد سعادة أنّ المستشفى مستمرة بالعمل ولن يتمّ إخلاؤها، قائلًا “لقد تلقّينا أمس اتصالًا من إحدى الهيئات لسؤالنا عمّا إذا كنّا بحاجة إلى فرق إسعاف لتساعدنا في الإخلاء، ولكنّني رفضت الأمر كلّيًا، نحن مستمرّون. الطاقم التمريضي والتوظيفي وكافة الطواقم الطبية في جهوزية تامّة وحاضرون”. وناشد سعادة عبر “المفكرة القانونية” العالم أجمع “منع استهداف الطواقم الطبية من مستشفيات ومراكز وإسعافات، وكذلك عدم استهداف المدنيين”، مشيرًا إلى أنّ 95% من الإصابات التي تستقبلها المستشفى هي عبارة عن مدنيين بينهم أطفال ونساء.

مستشفى الرسول الأعظم

من جهتها، نقلت مستشفى الرسول الأعظم عددًا من المرضى في قسم العناية المركزة إلى مستشفيات أخرى، إثر الغارات الإسرائيلية على طريق المطار القديمة في محيط المستشفى التي تضررت أكثر من مرّة، سواء في غارات طريق المطار أم في محيطها من ناحية الرمل العالي وبرج البراجنة وعين السكة. وأكدت مصادر المستشفى للمفكرة أن المستشفى ما زالت تعمل بأقسام الطوارئ والعمليات الطارئة والمختبر والأشعة. و”لكن المواطنون  قد توقفوا عن قصدها إلا في الحالات الطارئة كونها تقع في منطقة مستهدفة وفي قلب الخطر”. وما زال في المستشفى بعض الحالات في العناية الفائقة، ولا زالت تلبي احتياجات الطوارئ عندما يلزم و”لا نية بإقفال أبوابها ولا بخروجها عن الخدمة”. 

مستشفى السانت تريز والسان جورج  

ومع مستشفى الرسول الأعظم، استمرت مستشفى السانت تيريز، رغم تضررها لأكثر من أربع مرات لغاية الآن نتيجة القصف العنيف في محيطها، بالعمل في أقسام الطوارئ والعمليات الطارئة والمختبر. وأكدت مصادر من المستشفى للمفكرة أن الإدارة تعمد إلى ترميم الأضرار بعد كل استهداف في محيطها، ثم تعاود إسرائيل عدوانها في المنطقة ومحيطها لتتسبب مجددا بانهيار زجاج الواجهات والنوافذ وتخلُّع الأبواب وانهيار الأسقف. 

وردًا على استهداف مستشفيات الضاحية الجنوبية وإخراج بعضها من الخدمة، عززت مستشفى السان جورج قدراتها وفعّلت أقسامها كافة لاستيعاب الحاجة في ظلّ تعطيل إسرائيل بعض المستشفيات. وأكدت مصادر في إدارتها لـ”المفكرة” أنها ماضية في عملها بكامل قدرتها وبحضور كامل طاقمها الطبي والوظيفي. 

صورة تظهر بُعد مستشفى السان تيريز والمبنى المهدد بالقصف

مستشفى بهمن والبرج 

وأكد مصدر من إدارة مستشفى بهمن ل “المفكرة” أن العدوان الإسرائيلي المكثّف على لبنان وبيروت بما فيها الضاحية، وكذلك منطقة حارة حريك في الضاحية أصاب المستشفى بأضرار طبعًا، ولكن الأساس هو وضع الدمار الذي لحق بالمحيط ويحول دون التمكن من الوصول إلى المستشفى ، وتعذر الوصول إليها، وخلو المنطقة من السكان، واستمرار استهداف الضاحية ليلًا ونهارًا، حيث تقع بهمن في قلبها وليس على أطرافها، يجعل من استمرارها في الظروف الراهنة مستحيلًا. وعليه، أكد لنا خروج المستشفى بصورة كاملة عن الخدمة كما سبق بيانه.  

وإذ نمت للمفكرة معلومات عن توقف عمل مستشفى البرج، حاولت المفكرة التأكد من الأمر، إلا أن الاتّصال بإدارتها كان متعذّرًا على كل الهواتف المتوفرة الخاصة بها، وقد أكد لنا هذا الأمر عدد من العاملين في القطاع الصحي في المنطقة.  

صورة تظهر مستشفى بهمن من الأقمار الصناعية

حصيلة استهداف المستشفيات في الجنوب والبقاع  

وكان العدوان الإسرائيلي قد أخرج خمسة مستشفيات من جنوب الليطاني من الخدمة بشكل نهائي لغاية الساعة،  ومعها مستشفى المرتضى في بعلبك، وألحق أضرارًا بمستشفيات تمنين التحتا ورياق وتلشيحا في البقاع ، ومركز الرعاية الصحية في السكسكية جنوب لبنان. ومع استشهاد 5 مسعفين في لـ 36 ساعة الأخيرة، يلامس عدد شهداء فرق الإنقاذ والإسعاف، على اختلافها، عتبة الـ 137 شهيدا

وزارة الصحة تناشد المجتمع الدولي بالتخلي عن سياسة الصمت

وإثر استهداف مستشفى رفيق الحريري الحكومي، وتهديد مستشفى الساحل والتسبب بإخراجه من الخدمة، أصدرت وزارة الصحة اللبنانية بيانًا أشارت فيه إلى استمرار تتالي حلقات استهدافات العدوان الإسرائيلية اليوم للقطاع الطبي الصحي في لبنان. وقد جاء فيه: “بعدما عمد العدو الإسرائيلي إلى تهديد مستشفى الساحل في الضاحية الجنوبية لبيروت والذي كان لا يزال يعمل جزئيا رغم الظروف الأمنية البالغة الصعوبة، طالت غارة معادية أحد مداخل مستشفى الحريري الحكومي الجامعي الذي لا يزال يعمل بشكل طبيعي بكامل طاقمه الطبي والصحي ويستقبل عددا كبيرا من المرضى ويوجد فيه مركز أساسي للجنة الدولية للصليب الأحمر”.

وأدانت الوزارة هذه “الاعتداءات التي تعكس مضيّ الكيان الإسرائيلي قدمًا في ارتكاب جرائم الحرب التي لا تقيم وزنا لأي من القوانين الإنسانية والدولية، حيث لا تتردد قوى الاحتلال في استهداف المنشآت الصحية من جهة، والعاملين الصحيين من جهة ثانية إذ بلغ عدد الشهداء المسعفين في الساعات الأربع والعشرين الأخيرة أربعة سقطوا خلال قيامهم برسالتهم الإنسانية الإسعافية إلى جانب جرح خمسة من زملائهم وتضرر عدد من الآليات الإسعافية”.

ورفعت الوزارة الصوت وناشدت المجتمع الدولي بـ”التخلي عن سياسة الصمت حيال ما حدث ويحدث وقد يحدث. فإلى متى ستستمر هذه اللامبالاة وكم سيسقط من أبرياء ويتدمر ويتضرر من مبان حيوية حتى يستيقظ ضمير العالم وينهي الكيان الإسرائيلي عن المضي قدما في اعتداءاته على الجسم الطبي والقطاع الصحي في لبنان؟”. وطالبت الوزارة بـ “موقف إنساني دوليّ يضع حدّا لهذه الاعتداءات المتمادية على جسم صحي وإسعافي ومنشآت طبية تقدم الخدمات لمجتمع يواجه ظروف الحرب العصيبة”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

الحق في الحياة ، الحق في الصحة ، لبنان ، مقالات ، العدوان الإسرائيلي 2024



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني