إسرائيل تحاصر رزق 800 صياد جنوبًا خلافًا لإعلان وقف إطلاق النار


2024-12-02    |   

إسرائيل تحاصر رزق 800 صياد جنوبًا خلافًا لإعلان وقف إطلاق النار
ظلّت مراكب معظم الصيّادين مركونة في ميناء صور مع تضييق مساحة الصيد البحريّ بفعل التهديدات الإسرائيليّة

عاد بسّام مرعي من البحر، فجر اليوم الإثنين 2 كانون الأول 2024، حاملًا غلّة من السمك، بعد “سراحة” ليليّة انتهت حدودها عند مخيّم الرشيديّة للاجئين الفلسطينيّين، على بعد 4 كلم جنوب ميناء صور. وقال الصيّاد العتيق إنّ الصيد كان ضئيلًا، بسبب ضيق المساحة المتاحة للصيد. ولا يزال وصول صيادي صور إلى البحر مقيّدًا بسبب التهديدات الإسرائيلية المباشرة. 

الصيّاد بسّام يبدأ يوم عمله ظهرًا لينهيه في فجر اليوم التالي

وفقًا لما قاله بعض الصيادين الذين قابلتهم “المفكّرة”، أبلغهم الجيش اللبناني أن الوصول إلى البحر “سيكون على مسؤوليّتهم الخاصّة”، موجّهًا إليهم “تعليمات بعدم الإبحار عميقًأ وعدم تخطّي بحر الرشيديّة جنوبًا”. وأكّد مصدر في الجيش لـ”المفكّرة” أنّ هذه “توجيهات تأتي بسبب التهديدات الإسرائيليّة”. 

ورغم المخاطرة، يواصل بعض الصيادين العمل سعيًا وراء رزقهم في جزء من مياه شاطئ مدينة صور. لكنهم لا يزالون غير قادرين على الوصول إلى بحر البيّاضة (على بعد 15 كلم عن صور) ثمّ الناقورة الحدوديّة جنوبًا، حيث يعدون أنفسهم بصيد وفير، وظلّت بهذا 26 كيلومترًا من الساحل الجنوبي، من رأس الناقورة إلى الرشيدية، محظورة عليهم منذ تصعيد العدوان في 23 أيلول المنصرم.

وتقلّصت مساحة الصيد حيث ينشط صيّادو صور بشكل رئيسيّ اليوم إلى أقل من 10 كلم، بين الرشيدية والقاسميّة. وشرح صيّادون أن تقييد مساحة الصيد يحصر الصيّادين جميعهم في مساحة ضيّقة، ما يعني تدنّي غلتهم. في المقابل، ترك عدد كبير من الصيّادين مراكبهم مركونة في ميناء صور، رغم وقف إطلاق النار، بسبب هذه القيود. 

وقبل العدوان، كان ينشط 350 صيّادًا في ميناء الصرفند، و400 صيّادًا في ميناء صور، و80 صيّادًا في ميناء الناقورة، وقد منع هؤلاء من الإبحار مع صيّادي صيدا الـ 300، بفعل الحصار البحريّ الإسرائيليّ ضدّ كامل الساحل الجنوبي منذ 7 تشرين الأوّل 2024. وكانت المنطقة البحريّة بين صور والناقورة مقصدًا لصيّادي الصرفند وصور والناقورة، وهم المتأثّرين اليوم بشكل مباشر بالتهديدات البحريّة الإسرائيليّة. 

عاد الصيّادون إلى ميناء صور فور إعلان وقف إطلاق النار

“كالنسر في قفص”

يرسم الياس عسّاف ابتسامة خفيفة على وجهه، وهو يحرّك دفّة مركبه ذو المحرّك الواحد ببطء، مستعدًّا للإبحار. الصيّاد الصوريّ سعيد بعودته إلى البحر، بعد شهرين من الحصار، لكن “البحر ضاق علينا” يقول. 

شقيقه ورفيقه في رحلات الصيد يضيف: “لا يمكنك أن تحدّ حركة صيّاد في بحر ضيّق، يصبح مثل النسر المحبوس في قفص، لا يستطيع الطيران بحرية ولا الوصول إلى فرائسه في الأماكن التي اعتاد عليها، ونحن محصورون اليوم في مساحة ضيّقة تجعل الصيد أقل وأصعب”.

بدوره أجّل الصيّاد حسين سكماني الخروج إلى البحر حتّى تخفيف القيود، وفضّل قضاء الوقت في إصلاح ما تعطلّ في مركبه بعد شهرين من التوقف القسري عن الصيد. وقال إنّه اعتاد الصيد في منطقة البيّاضة، حيث السمك كبير والرزق وفير. 

وأكّد الصيّادون أنّ اعتمادهم كان على المساحة البحريّة بين الناقورة والبيّاضة. وأوضح مصدر في الجيش اللبناني لـ”المفكّرة” تعليقًا على شهادات الصيّادين، أنّ “قوّات العدو لا تزال في البحر وتوجيهاتنا للصيّادين هدفها حفظ حياتهم”. ولم يحدّد المصدر العسكريّ المساحة البحريّة التي تشهد تواجدًا إسرائيليًّا مباشرًا لكنّه قال إن “البحر كلّه مراقب” . 

الصيّادان إلياس ورامي عسّاف يتحضّران للإبحار رغم الحصار الإسرائيليّ لمعظم الساحل الجنوبيّ

تهديدات إسرائيليّة مستمرّة

يرى الصيّاد محمّد ابن البرج الشمالي أنّ الواقع في البحر يشكّل امتدادًا للواقع في البر، لناحية محاولة القوّات الإسرائيليّة منع عودة اللبنانيّين إلى قراهم، وتوسيع المنطقة المهدّدة إلى خارج القرى التي تتواجد فيها هذه القوّات “عاد الكثير من أهالي القرى إلى تلك المهدّدة، لكنّ قدرتنا على المناورة هنا أقلّ، طالما أنّنا عزّل في مراكبنا في عرض البحر”. ويؤكّد محمّد أنّ “الالتزام في المنطقة المقيّدة مستمرّ بانتظار أن يعيد الجيش اللبناني فتح البحر أمامنا”. 

ويشير العسكريّ السّابق الذي بدأ مهنة الصيد كهواية لكنّها سرعان ما تحوّلت إلى مصدر رزقه الوحيد مع أزمة 2019، إلى أنّ التهديدات الإسرائيليّة غير محصورة بالبحر: “أخرج إلى الصيد ليلًا، فيما العدو يهدّدنا بالتجوّل في هذه الأوقات، لكنّ حسابات البحر تختلف، وأي استهداف يعني هلاك المركب بمن فيه”.  

ومنذ لحظة دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، هدّد الجيش الإسرائيليّ سكّان جنوب الليطاني مرارًا طالبًا منهم عدم التجوّل ليلًا، ويحذّر الجيش الإسرائيلي الجنوبيّين باستمرار من العودة إلى أكثر من 60 قرية حدودية “ومحيطها”. وتبدأ المنطقة الساحليّة التي يحذّر الجيش الإسرائيليّ من العودة إليها، من المنصوري على الساحل وصولًا إلى الناقورة (15 كلم من الشريط الساحلي).

وفرض الجيش الإسرائيليّ خلال شهرين من العدوان حصارًا بحريّا شمل تهديدًا مباشرًا في 7 تشرين الأوّل ضدّ “المستجمين والمتواجدين على شاطئ البحر وكل من يستعمل القوارب للصيد أو لأي استعمال آخر”، وذلك على كامل الساحل الجنوبيّ وصولًا إلى نهر الأوّلي. وأجبر هذا الواقع الصيّادين على اعتزال مراكبهم طوال فترة العدوان. 

وخسر الصيّادون موسمًا هامًا لصيد السمك بين تشرين الأوّل وتشرين الثاني. ويعدّ هذان الشهران موسم الذروة، حيث يبدأ العديد من أنواع الأسماك بالانتقال بالقرب من الشواطئ للتكاثر أو للحصول على طعام قبل حلول الشتاء، بخاصّة أسماك البوري والدنيس وغيرها من الأنواع المتوفرة بكثرة في هذه الفترة.

يجمع ميناء صور صيّادي المنطقة ويعدّ نقطة جذب سياحيّة أيضًا

“لقمة العيش على حدود الخطر”

بدوره، يشرح هيثم، الذي يلقبه رفاقه بـ”إبن البحر”، أنّه خلال شهرين من الحصار خلال العدوان “تضوّرنا جوعًا”. وقال الصيّاد الذي صمد في الحارة القديمة طوال مدّة العدوان إنّه كان يعتمد على الإعانات لإطعام أسرته “لكنني عدت إلى البحر فور وقف إطلاق النار، وعلى مسؤوليتي الخاصة”. 

وعاد هيثم فجر اليوم بغلّة قليلة تكفي وجبة عشاء له ولأسرته، لكنّه كان يمنّي نفسه بصيد أكبر يسمح له ببيعه وتحصيل بعض المال. ووصف فترة الحرب بأنّها “فترة جوع ورعب”، لكنّ إبعاده عن البحر كان الأصعب: “البحر مكان إقامتي، لقد كنت مهجّرًا من البحر إلى داخل المدينة”. 

ولا يزال في بال هيثم حادثة مقتل زملاء المهنة على شاطئ المدينة قبل 3 أيّام من وقف إطلاق النار. وكانت طائرة مسيّرة إسرائيليّة قتلت قبل ذلك صيادين اثنين من عائلة فلسطينية لاجئة تقيم في مخيّم الرشيديّة صباح 23 تشرين الثاني، بعد لحظات من رميهما شباكهما في البحر. وقال الصيّاد الصوريّ إن “الجيش الإسرائيليّ كان ولا يزال يتّخذ مثل هذه التدابير للتنكيل بنا”. 

ولم يعد صيّادو الناقورة إلى مينائها، كما لم يعودوا إلى بلدتهم، إذ يستمرّ تهجيرهم رغم وقف إطلاق النار، بفعل التهديدات الإسرائيليّة، رغم أن القوّات الإسرائيليّة لم تدخل البلدة. وقد تحدّثت تقارير صباح اليوم الإثنين عن قيام القوّات الإسرائيليّة بإطلاق النار على المنازل في الناقورة.

البحر مفتوح بحسب إعلان وقف إطلاق النار

ورغم أنّ إعلان وقف إطلاق النار يؤكّد عدم انتقاص السيادة اللبنانيّة، ويمنع إسرائيل من شنّ عمليّات هجوميّة، فإنّ الخروقات الإسرائيليّة المتكرّرة، هي ما يثير قلق الصيّادين من أي استهداف محتمل. 

وقال الصيّاد بسّام مرعي، “نحن نخرج بشباك الصيد وبمراكب صغيرة ومتواضعة”، مشيرًا إلى أنّ مراكبهم لا يمكن أن تشكّل تهديدًا عسكريًّا. واعتبر أنّ عودته من التهجير لن تكتمل قبل أن يعود إلى البحر من دون قيود. ويتخوّف عدد من الصيّادين من أن تطول مدّة هذه التدابير، مشيرين إلى أنّها بدأت قبل سنة وشهرين، بعد بدء العدوان، بحظر الصيد على مسافة 3 كلم من الحدود، قبل أن يحظّر الصيد كليًّا خلال الحرب، ثم يعود بمساحة ضيّقة جدًا بعد وقف إطلاق النار. 

ويتعارض تهديد الصيادين في البحر مع القرار 1701 ونَص إعلان وقف إطلاق النار، الذي أكد على سيادة لبنان ولم يتضمن أي تقييد لحق سكان الجنوب في العودة إلى أراضيهم حتّى الخط الأزرق. ويشمل ذلك البحر الذي يقع ضمن السيادة اللبنانية. 

وكانت “المفكّرة” قد رأت في التدابير الإسرائيلية في جنوب الليطاني خرقًا للقرار 1701 وإعلان تطبيقه، مؤكّدة أن الإعلان لم ينصّ على منع سكّان جنوب لبنان من العودة إلى قراهم، ولا يحق لإسرائيل حرمان السكّان بالتهديد أو بالفعل العسكري من حقهم بالتنقل على أرضهم والوصول إلى قراهم وبيوتهم.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، العدوان الإسرائيلي 2024



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني