“
انعقدت جلسة جديدة في قضية تلويث الليطاني نهار الأربعاء 3 كانون الأول أمام القاضي المنفرد الجزائي في زحلة محمد شرف. وتم النظر خلال هذا النهار في 70 ملفاً، أبرزها تخصّ معامل نبيذ، ومستشفيات ومصانع ألبان وأجبان ومصانع مواد بناء، بالإضافة إلى جمعية “إنترسوس” المعنيّة بمساعدة اللاجئين. وقد أظهرت الجلسة تقدّماً في عمل المحكمة في الكثير من الملفات، وإن واجهت العديد من الملفات الكبيرة وبخاصة لشركات نبيذ ومستشفيات، عراقيل بفعل تأخّر تقارير الخبراء. ولكن الملفت أنّه بعد مرور عام كامل على فتح ملفات الليطاني، تخطّت المحكمة مرحلة الاستجواب في غالبيتها، ودخلت في مرحلة مناقشة تقارير الخبراء التي صدرت. وعيّنت المحكمة الجلسة المقبلة في 22 كانون الثاني 2020 للمرافعة في ما يقارب ثلاثين ملفاً، وكانت قد أصدرت ما يتخطّى عشرين حكماً خلال العام الجاري.
“إنترسوس”: نحن غير مسؤولين عن المخيّمات منذ أواخر 2017
إذاً، حضر ملف جمعية “إنترسوس” المدّعى عليها بتهمة تلويث النهر عبر تركيب مراحيض في مخيّمات اللاجئين المتواجدة على ضفاف نهر الليطاني. وتُحمّل المصلحة الوطنية لنهر الليطاني الجمعية مسؤولية تفريغ مخلّفات المراحيض في مجرى النهر. وبحسب ما أفاد ممثل الجمعية في المحكمة فإنها كانت مسؤولة حتى العام 2017 عن 6 مخيمات ضمن نطاق محافظة البقاع وتحديداً في بلدات تمنين التحتا والدلهمية والمنصورة وحوش الغنم وتربل ومجدل عنجر.
حضر عن الجمعية إلى المحكمة مديرها ألكسندر ديفورت الذي استجوبه القاضي شرف باللغة الفرنسية، وحضر معه موظف كان أحد المسؤولين عن تركيب المراحيض عام 2017. ولم يقدّم ديفورت الكثير من المعطيات التي تفيد المحكمة، كونه أكد أنه حين انضم إلى العمل في الجمعية كان قد تمّ الانتهاء من مشروع تركيب المراحيض في كانون الأول 2017. وشرح ديفورت أنّ مديراً سابقاً كان مسؤولاً عن المشروع، وقد ترك العمل وهو مقيم خارج لبنان. ولفت إلى أنّ تمويل المشروع توقّف في أواخر العام 2017، فحينها سلّمت “إنترسوس” إدارة المخيمات إلى الأمم المتحدة التي بدورها كلّفت “اليونيسف” تسليم العمل إلى جمعيات أخرى. وعند هذه المعلومة، طلب وكيل المصلحة الوطنية لنهر الليطاني المحامي علي عطايا بأن تبرز الجمعية أسماء الجمعيات التي استلمت العمل من بعدها.
من جهته قال الموظف الذي كان يُشرف آنذاك على تركيب المراحيض، للمحكمة، بأنّه تمّ حفر جوَر صحيّة في مخيم تمنين التحتا، فيما أُبقيَ على المخيّمات الأخرى من دون جوَر صحيّة ولكن كان يتم تفريغ المخلّفات بشكل دوري ونقلها إلى محطة التكرير التابعة لبلدية جب جنين. عند هذه المعلومة، سأله القاضي شرف عمّا إذا كان يعلم أنّ محطة جب جنين في تلك المرحلة لم تكن تعمل، فردّ عليه الموظف بأنّه غير متأكّد من هذا الأمر. واستغرب القاضي شرف الأمر مؤكداً أنّ المحطة بقيت متوقفة عن العمل لمدة بلغت ستّ سنوات.
معامل النبيذ والمستشفيات تنتظر تقارير الخبراء
أبرزَ معظم المدعى عليهم أمام المحكمة ما يُثبت أنهم أنشأوا محطات تكرير للمياه الصناعية الخارجة من معاملهم، مثال العقود التي وقعوها مع الشركات التي تبيع هذه المحطّات، والصور التي تثبت تركيبها. وأتت هذه الخطوة بعد الانتهاء من الاستجواب وقيام الخبراء الذين كلّفتهم المحكمة بالكشف على المعامل. أما بالنسبة للذين باشروا العمل بمحطات التكرير، فقد كلّف القاضي شرف الخبراء من جديد بأخذ العيّنات من المياه الخارجة من المحطات لتبيان فعاليّتها بإخراج مياه غير ملوثة.
وخلال الجلسة نفسها، نظر القاضي محمد شرف في ملفات معظمها تتصل بمصانع النبيذ، وهي التي تأخّر صدور تقارير الخبراء الخاصّة بها. فمنها من تعذّر عليه الوصول إلى البقاع بسبب قطع الطرقات، كما أن بعضاً من نتائج العيّنات التي تم أخذها لم تصدر نتائجها بعد. وكانت ملفات معامل النبيذ أرجئت إلى الخريف كونها تباشر عملها في هذا الوقت، بحيث تنتظر نهاية موسم قطاف العنب. وتبيّن أنّ مالكي معامل النبيذ اتجهوا نحو إنشاء جور صحية خاصة لتجميع المياه الصناعية بشكل مؤقت، وذلك ريثما ينتهي الخبير من الكشف ليوجههم نحو نوعية محطات التكرير التي تناسب معاملهم ليتم تركيبها.
ويتّضح أنّ بعض التأخير يسبّبه بعض المدّعى عليهم، فبرز في بعض الملفات تأخّر في دفع الأتعاب للخبراء البيئيين، ما يرتّب على المحكمة عدم تسليم التقارير للمتقاضين. ومن جهة أخرى، تذرّع بعض المدّعى عليهم بعدم تمكّنهم من شراء معدّات إضافية من الخارج بسبب القيود التي تفرضها المصارف على المودعين. وأما بالنسبة للمستشفيات، فقد مثلت 4 مستشفيات، وتبيّن أن تقارير الخبراء لم تصدر بعد.
وأرجئت جميع الملفات إلى تاريخ 22 كانون الثاني 2020 حيث من المفترض أن تحصل مرافعات لنحو ثلاثين ملفاً في الجلسة نفسها، وفي الملفات الأخرى يُنتظر من الخبراء تسليم تقاريرهم.
حكمان بحق معملين متّهمَين بتلويث النهر
حتى اليوم، صدر نحو إثنين وعشرين حكماً قضائياً بحق المصانع المدعى عليها، آخرها حكمان صدرا صباح الأربعاء. الأول، بحق شركة تعهدات بناء (مجبل باطون) يملكها عادل سروجي. وفيما أظهر الكشف أنّ المياه الصناعية التي تخرج من معمله تُقدر بنحو ألف ومئتي ليتر يومياً، غرّم الحُكم المالك مبلغ مليوني ليرة لبنانية. وكما في كافة الأحكام القضائية التي يصدرها القاضي شرف، أُلزم مالك الشركة بزرع غرسات من أشجار الصنوبر على ضفاف النهر في المنطقة الموازية لمعمله، وأُلزم المعمل بالكشف الدوري للمياه الصناعية التي تخرج من معمله، وختاماً بأن يدفع للمصلحة تعويضاً مالياً قدره 800 ألف ليرة لبنانية.
وأدان الحكم الثاني الذي صدر بحق شركة “لوريجين” المتخصصة بصناعة مستحضرات التجميل، المفوّض بالتوقيع عن الشركة نزيه حمد بتغريمه مبلغ سبعة ملايين ليرة. ويُفيد الحكم بأنّ مصنع الشركة كان يحوّل المياه الصناعية إلى حفرة صحية من ثم إلى نهر الليطاني وقد قدرت المياه الخارجة من معمله بحوالي خمسة آلاف ليتر يومياً من دون معالجة. كذلك أدان الحكم الشركة بتغريمها مبلغ خمسة ملايين ليرة لبنانية، وألزمها بتنظيف مجرى نهر الليطاني لمسافة 500 متر وبأن تزرع على ضفتي النهر في المنطقة الموازية للمعمل 500 غرسة صنوبر، و300 نبتة من قصب السّكر على طول 300 متر. وكذلك، ألزم الحكم المعمل بالفحص الدوري كل أربعة أشهر، وبتركيب عداد للمياه التي تخرج وتدخل إلى المحطة.
وأما لناحية التعويضات المدنيّة للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني، فقد حكم القاضي بأن تدفع المدعى عليها للأخيرة مبلغاً وقدره مليوني ليرة لبنانية كتعويض عن العطل والضرر.
“