بتاريخ 23/5/2019 انعقدت جلسة جديدة أمام محكمة الجنايات في بعبدا برئاسة القاضي محمد بدران في قضية مقتل ريبيكا دايكس التي تعرف بجريمة “أوبر”. وكانت هذه الجلسة مخصصة لاستجواب شهود الحق العام، بعدما تأجل هذا الأمر في الجلسة السابقة التي انعقدت بتاريخ 23/3/2019 بسبب تغيب وكيل المتهم طارق حوشية المحامي أنطوان نعمة لأسباب صحية وإصرار المتهم على حضور وكيله.

وللتذكير، تعود هذه القضية إلى تاريخ 16/12/2017 حيث عثر على ريبيكا دايكس (30 عاما) جثة مرمية على طريق المتن السريع. وبالكشف على جثتها، تبين أنها تعرضت للاغتصاب ومن ثم تمّ خنقها حتى الموت. وبتاريخ 18/12/2017، تمكنت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي من إلقاء القبض على المتهم ويدعى طارق حوشية وهو سائق تاكسي لبناني يعمل مع شركة “أوبر”. وقد تبين أن دايكس هي من الجنسية البريطانية وتعمل كمديرة برامج لدى هيئة التنمية الدولية في السفارة البريطانية منذ كانون الثاني 2017 في بيروت. وبتاريخ 24/1/2019 تم استجواب المتهم أمام محكمة الجنايات في بعبدا، حيث أقر بجريمته رغم أنه بقي مصراً أنه لا يذكر تفاصيل ما جرى معه في ذلك اليوم.

على هامش الجلسة

قد تميزت قاعة المحكمة في جلسة الخميس بهدوء نسبي أسهم فيه عاملان طارئان: الأول، شهر رمضان وارتفاع درجة حرارة القاعة بحيث كانت أشبه بالفرن، كيف لا وهي غير مجهزة بأي نوع من وسائل التكييف ناهيك عن أن القاعة تفتقر للنوافذ.

أما اللافت فكان استقدام عناصر أمنية للموقوف خلف هيئة المحكمة، ذلك أن جلسات محكمة الجنايات برئاسة القاضي بدران تعقد في قاعة المحكمة المدنية وبالتالي هي تفتقر لقفص الاتهام. فتجد الموقوفين يجلسون إلى جانب الحضور مطوقين بالعناصر الأمنية. وبفعل النقص في التجهيزات التقنية اللازمة من مكبر الصوت “ميكروفون” وخلافه، تستمر معاناة رئيس المحكمة محمّد بدران في رفع صوته تأكيداً لعلنية المحاكمات في ظل افتقار قاعة المحكمة للتجهيزات.

بدء الجلسة

قرابة الساعة الحادية عشرة، بدأت جلسات محكمة الجنايات برئاسة القاضي محمد بدران. غابت هذه المرة أسرة الضحية عن الجلسة، كما غابت وكيلة والدتها المحامية بريجيت شالبيان. بالمقابل، حضر وكيل والدها “فيليب دايكس” الذي يتخذ صفة الإدعاء الشخصي في هذه القضية أنطوان أبو ديب. وكما في كل الجلسات حضرت محامية السفارة البريطانية في لبنان تاتيانا حمية ومعها ممثل عن السفارة سبق أن جاء في المرة السابقة. وبالسؤال عن أهل الضحية، علمنا أنهم تغيبوا بسبب أن الجلسات تأخذ وقتاً وأنه يتوقع أن يأتوا جميعهم في جلسة المرافعة.

وقرابة الساعة الواحدة والنصف، أحضر المتهم طارق حوشية إلى قاعة المحكمة وكان يرتدي بنطالاً قصيراً وفي رجليه حذاء رياضي شبه مهترئ. ومن اللافت أن أحداً من أسرة المتهم لا يحضر جلسات محاكمته. أما هو فيبدو في كل مرة أكثر تأقلماً مع وضعه مما كان عليه في المرة السابقة: فقد غابت عن عينيه نظرة الضياع وحالة الجمود التي كان يتقمصها في الجلسات السابقة، بل صار يتأمل أكثر الناس في القاعة من حوله ويبدو أكثر تركيزاً.

كيس في الرأس أثناء التحقيق مع المتهم

كما ذكر أعلاه، كانت الجلسة مخصصة للاستماع لشهود الحق العام فحضر النقيبان آلان أبو طعان وسامر حنين وكذلك حضر الشاهد طارق الضو الذي كان يؤجر المتهم سيارة من مكتبه ليعمل عليها.

استجواب النقيب آلان أبو طعان انتهى بسرعة إذ اتضح أنه لم يجرِ التحقيق مع المتهم. أما الشاهد النقيب سامر حنين، فسأله القاضي إن تعرض المتهم للتعذيب أو التهويل، فأجاب بالنفي. كما سأله القاضي عن “وعي” المتهم أثناء التوقيف معه فأجاب، بأنه “كان بكامل وعيه ولم يكن تحت تأثير الكحول”.

عندها سأله القاضي إن”كان تحت تأثير المخدر لافتاً إلى أن “فحص المخدرات جاء سلبياً”. فأجاب أيضاً بالنفي. ثم سأل القاضي أطراف النزاع والنيابة العامة إن كان لدى أحدهم سؤال يوجهه إلى الشاهد، فتوجه وكيل المتهم المحامي أنطوان نعمة سائلا “إن كان ظهر على المتهم أثناء التحقيق معه أي علامات شرود ذهني”. فأجاب الشاهد : “كلا أخذت إفادته وهو بكامل وعيه وإدراكه”. فأردف المحامي نعمة: “هل كانت إجابات المتهم فورية وجازمة”. فرد الشاهد: “بعد مواجهة المتهم بالأدلة العينية والوقائع المادية كانت إجابات المتهم فورية”.

فسأله المحامي نعمة: “ماهي الأدلة العينية والمادية التي واجهت المتهم فيها حتى يعترف؟”

فاعترض وكيل جهة الادعاء على السؤال، وقام القاضي بدران باطلاعه على محضر التحقيق ليتذكر ما هي الأدلة، ثم أجاب حنين: “عندما واجهناه بعمله مع شركة “أوبر” وجهاز تحديد المواقع GPS الذي يظهر قيامه بنقل الضحية بسيارته”.

وسأل المحامي نعمة عن: “كيف حدد المتهم مكان الجريمة”. فاعترض وكيل الادعاء أيضاً على هذا السؤال. وعلق القاضي بدران بأن “مكان الجريمة ثابت في المحضر”.

أما السؤال الأخير من المحامي نعمة فكان إن”أبدى المتهم في معرض التحقيقات معه ندماً أو كان يتكلم على سجيته وكأنه لا علاقة له بالجريمة”. فرد حنين: “لم أعد أذكر”.

وقبل أن ينصرف الشاهد سأل القاضي بدران المتهم إن كان النقيب هو الذي حقق معه. فأجاب طارق: “أنا لا أعرف. لقد وضعوا لي كيساً في رأسي، والشخص الوحيد الذي رأيته كان قاضي التحقيق وقد سألني إن كنت أريد معاينة طبية لكن قلت “لا”، نظراً لجهلي بالاجراءات”.

تقنية الـGPS فضحت المتهم

ثم تم الانتقال إلى الشاهد طارق ضو الذي كان يؤجر سيارته للمتهم. فسئل عن إفادته لدى فرع المعلومات بتاريخ 4/12/2017 فأكد مضمونها. وعن طارق حوشية قال: “لقد عمل لدي اثني عشر يوماً قبل حصول الجريمة بمعدل 12 إلى 11 ساعة يومياً لقاء أجر يومي قدره 5%”.

فسأل القاضي بدران إن كانت “السيارة مجهزة بجهاز gps، فأجاب ضو: نعم وبإمكاني أن أعرف أين السيارة بأية لحظة”. وسئل إن كان هو من يحدد للسائق الأماكن التي يتوجه إليها فأجاب: “كلا”.

وأكد أن”المتهم تأخر بتسليم السيارة يوم حصول الجريمة”. وأنه “استلم السيارة في اليوم التالي ولم تبدُ عليه أي علامات تذكر”. كما أكد أن”أحداً لم يستعمل السيارة باستثناء المتهم”.

وسأل القاضي إن كانت”معطيات جهاز الـ GPS تتطابق مع معطيات حصول الجريمة”، فأجاب بـ:”نعم”.

أما عن”الوضع النفسي للمتهم لدى تسليم السيارة يوم حصول الجريمة”،فأجاب: “عادي. وقد ألقيت نظرة على السيارة صباح اليوم التالي ولم يكن فيها ما يلفت النظر”.

وبسؤاله عن موعد استلامه السيارة من المتهم في الأيام العادية قال: “عادة يتم تسليم السيارة عند الساعة الثامنة مساءً، باستثناء أيام نهاية الأسبوع حيث يتأخر، لكن ذلك لا يتجاوز الساعة الحادية عشرة والنصف ليلاً، لكن ليلة حصول الجريمة تأخر نحو ساعة إضافية”.

وبسؤال القاضي:”أي ساعة اتصلت لتسأل عن السيارة”، أجاب: “قرابة الساعة الثانية عشرة والنصف وكان الخط في البدء مغلقاً، ثم لاحقاً أجاب وقال “إن معه طلبية سينهيها ويأتي”.

وسئل إن”حصل أي خلاف أو مشاكل مع المتهم”،فأجاب بالنفي. كما سئل إن”سبق أن اشتكى أحد من المدعى عليه”، فقال: كلا.

وسأل القاضي إن”كان متأكدا أن معه طلب في السيارة”، فأكد هذا الأمر قائلاً: “نعم، يبدو ذلك من خلال تطبيق application “أوبر””،واستطرد قائلاً:” لكن استغربت وجود إشعار open door & close door فيما الطلب لم ينته، حيث أن كل سيارة تحتوي على جهاز استشعار sensor لكن لا يمكن أن أعرف أي باب تحديداً كان يفتح ويغلق”.

عندها سأل القاضي بدران الشاهد “لماذا لم تعطِ هذه المعطيات المهمة من قبل؟” فأجاب: “لأنه لم يسألني أحد عنها”، وتابع: “يمكن أن أعرف عند إدارة المحرك، ومسار السيارة. أنا اتصلت به بعد أن أغلق تطبيق uber فيما ظل جهاز الـ GPS يظهر أن الباب يفتح ويغلق. لقد تلقيت إشعارات متتالية عن فتح الباب وإغلاقه وكانت عملية فتح الباب لافتة للنظر، تقريباً حوالي خمس أو ست مرات في الدقيقة. عندها قمت بالاتصال بالمتهم للمرة الثانية وكان قد فتح خطه، وسألته عن سبب إغلاق الباب وفتحه. فأخبرني أن راكباً استفرغ وكان ينظف القيء”. ثم اقترب ضو من منصة القاضي وشرح له طريقة عمل التطبيق.

ثم سأل القاضي”إن كان يذكر المكان الذي كانت الضحية من المفروض أن تنزل فيه”. فأجاب بالنفي قائلًا: “لا لأنني لم أتابع ذلك”. وأكد أن”المتهم لم يكن بحالة اضطراب”. وحدد الفترة الزمنية بين الاتصال بالمتهم وتسلمه السيارة منه بنحو ربع ساعة.

وسأل القاضي إن كان لدى أحد أسئلة يطرحها على الشاهد فسأل وكيل المحامي نعمة إن تأكد الشاهد من سلوك المتهم قبل إعطائه السيارة، وإن أعطاه إفادة سكن، سجلا عدليا، دفتر قيادة. فأجاب: “نعم”.

وسأل أيضاً:”هل تأكدت إن كان المتهم هو نفسه الشخص الذي يقود السيارة؟”، في محاولة منه لطرح فرضية أن شخصاً آخر قاد السيارة.

فأجاب:”إن الزبون يتصل عبر تطبيق متصل بهاتفه، ويتم فيه تسجيل اسم السائق، رقم هاتفه، صورته، السيارة نوعها ورقمها وبالتالي لا يمكن أن يصعد مع سائق سيارة إلاّ إذا تطابقت ملامح السائق التي زوده بها تطبيق “أوبر””. عندها سأله: “إذا أعطى المتهم الجوال إلى شخص آخر هل يمكن معرفة ذلك؟”. فأجاب: “كلا”.

ثم قبل أن يحدد القاضي موعد جلسة جديدة ستكون مخصصة للمرافعة، طلب المحامي أنطوان نعمة تعيين “لجنة طبية تعنى بالصحة العقلية والنفسية” لموكله. فرد عليه القاضي بدران قائلاً:”مع احترامي إلك هيدا الطلب يكون في بداية الجلسة”.

ثم سأل القاضي المتهم إن كان لديه تعليق على إفادة الشاهد، فأجاب بالنفي، وطلب من وكيله أن يقدم طلبا خطيا لتعيين اللجنة بأسرع وقت ثم حدد تاريخ 20/6/2019 موعداً لجلسة المرافعة.

وبسؤال وكيل جهة الادعاء المحامي أنطوان أبو دياب إن كان طلب وكيل المتهم يمكن أن يؤثر على مسار الجلسة فنفى الأمر معتبراً “أن النتيجة تضم للأساس”.

حجج الدفاع

وفي دردشة لل “المفكرة” مع محامي الدفاع بعد انتهاء الجلسة، أدلى بأمرين يستشف منهما الاتجاه الذي ستذهب إليه مرافعته:

الأول، ادعاء تعرض المتهم للتعذيب تمهيدا للمطالبة بإبطال أقواله،

الثاني، أن موكله لم يرتكب جريمة قتل وإنما فقط جريمة تمثيل بالجثة. “المتهم قام بالتمثيل في الجثة وجريمته ليست إزهاق الروح، هذا ما يذهب إليه الدفاع”.

بانتظار المرافعة المفترض حصولها في 20/6/2019.

  • مقالات ذات صلة:

جريمة أوبر في بيروت:غياب وكيل المتهم يعرقل الجلسة

جريمة أوبر في بيروت: المتهم لا يذكر شيئاً ووالد الضحية مناهض للإعدام