عمّال بناء يرممون مبناً قديماً في شارع باستور المقابل لمرفأ بيروت، 13 آب 2020. (تصوير داليا خميسي)
تتولّى الرقابة على شركات التأمين لجنة مراقبة هيئات الضمان المرتبطة بوزير الاقتصاد والتجارة. وقد تمّ تحديد صلاحيّات اللجنة بموجب قانون تنظيم هيئات الضمان، وهي تتّصل بشكل خاصّ بالرقابة على هيئات الضمان لمصلحة الجمهور من مضمونين ومستفيدين من عقود الضمان. ويتمحور السؤال الجوهري الذي يُطرح في هذا الخصوص حول مدى فعاليّة دور لجنة الرقابة في هذا الصدد وماهيّة صلاحيّاتها في حماية المضمونين وضمان تعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم جرّاء كوارث ضخمة ككارثة تفجير المرفأ. وبالتدقيق في عمل لجنة مراقبة هيئات الضمان خلال الفترة المنصرمة، نلحظ أنّها اتّخذتْ عدداً من المواقف والإجراءات التي تبقى قاصرة عن تأمين أيّ حماية فعلية للمضمونين، وترشح عن تخلّ أو تقاعس في أداء مسؤوليّاتها في هذا الخصوص.
مواقف وإجراءات لجنة الرقابة على هيئات الضمان
لعلّ أبرز تلك المواقف، ما يلي:
- وجّهت اللجنة في 13 آب 2020 كتاباً إلى هيئات الضمان دعتْها بموجبه إلى تعيين خبراء لتقييم الأضرار والقيام بأعمال المسح والتقييم لكافّة الأضرار الناجمة عن التفجير خلال مهلة أقصاها 18 آب 2020، وإلى تنفيذ مندرجات عقود الضمان وتسديد منافعها بصورة فورية وفق استحقاقها، فضلاً عن رفع تقارير أسبوعية للجنة. كما أكّدت اللجنة بموجب هذا الكتاب، أنّها ستعمد إلى إنزال أقصى العقوبات بحقّ الهيئات التي يتبيّن أنّها تمتنع أو تتلكّأ في تسديد مستحقّات أصحاب الحقوق بما يتضمّن تجميد أصول هذه الهيئات ومنع التصرّف بها. في الواقع، لم يكن هذا الكتاب سوى مسعى شكلي لرفع المسؤولية من خلال الإيحاء بقيام اللجنة بدورها الرقابي لجهة حماية المضمونين. وهذا الأمر يتأتّى من تجاهل اللجنة الحجّة الأساسية التي تذرّعت بها الشركات للتريّث في تسديد التعويضات، وهي أنّ العقود الصادرة عنها قد استثنتْ الأضرار الناجمة عن الأعمال الحربية أو الإرهابية، وهي أعمال تبقى مُحتَملةً إلى حين انتهاء أعمال التحقيق العدلي الذي سيخلص إمّا إلى تأكيدها وإمّا إلى نفيها. وعليه، في حين كان يُنتظر من اللجنة أن توضح موقفها من هذه الذريعة اكتفتْ بالإحالة إلى وجوب احترام مندرجات العقد تاركةً باب التفسيرات والتأويلات مفتوحاً.
ناهيك عن ذلك، ثمّة تباطؤ في عمل خبراء تقييم الأضرار، إذ لا تزال المطالبات عديدة عالقة بدون أن يصار إلى إصدار تقارير تقييم بشأنها رغم مرور ما يقارب السنة على وقوع الانفجار، وفي مخالفة لدعوة اللجنة للشركات إلى القيام بأعمال المسح والتقييم خلال مهلة قصيرة، الأمر الذي بقي بدون متابعة.
- أصدرت اللجنة في 19 آب 2020 بياناً أعلمت بموجبه المضمونين والمتضرّرين بأنّ الإعلانات والكتب الصادرة عن بعض شركات التأمين حول التعويض عن الأضرار المؤمَّنة بنتيجة تفجير مرفأ بيروت تفتقر إلى الدقّة والوضوح، وقد حدّدت اللجنة عدّة وسائل للتواصل معها. رغم ما تقدّم فإنّ اللجنة لم تقمْ بإجراءات حقيقية أو جدّية على سبيل إعلام المضمونين والمتضرّرين بماهيّة حقوقهم.
- وجّهت اللجنة كتاباً في 10 أيلول 2020 إلى هيئات الضمان والخبراء العاملين في لبنان دعتْ بموجبه الخبراء إلى الأخذ بعين الاعتبار سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي في عمليّة تقييم الأضرار وتحديد عملة وآليّة تسديد المطالبات التي تسمح للمؤمّنين بالتعويض العادل عن الأضرار الناجمة عن الحادث. كما ألزمتْ الخُبراء تسليم نسخة عن التقارير الصادرة عنهم نتيجة عمليّة الكشف والتقييم وذلك للمؤمّنين بناءً على طلبهم. إلاّ أنه رغم إشارة اللجنة في كتابها إلى مبدأ التعويض العادل، وهذا الأمر مكرّس أساساً وفق المبادئ العامّة للقانون (المادّة 134 من قانون الموجبات والعقود)، قام العديد من شركات التأمين بتسوية الكثير من المطالبات التأمينية بصورة لا تعبّر عن القيمة الفعلية للضرر الحاصل أو قامت بسداد التعويضات عبر الدفع بالليرة اللبنانية أو بموجب شيكات مصرفية لا تعكس الكلفة الحقيقية للأشياء والموادّ والتجهيزات التي جرى استبدالها أو إصلاحها والتي تمّ سداد معظمها من قِبل المؤمّنين المتضرّرين بالدولار الأميركي الفعلي. في المقابل، بقي دور لجنة الرقابة هامشياً في هذا الإطار بدون أيّ تدخّل حمائي يُذكَر لمصلحة المؤمّنين المتضرّرين أو متابعة جدّية لمضمون الكتاب المشار إليه بما يضمن التعويض العادل لهؤلاء. فضلاً عن ذلك، يمتنع بعض شركات التأمين والخبراء عن الاستجابة لطلبات المؤمّنين تزويدهم تقارير الكشف عن الأضرار، مستفيدين من عدم علم أو معرفة هؤلاء بمضمون الكتاب الموجَّه من قبل اللجنة بهذا الشأن، حيث أنّ كتب ومراسلات اللجنة لا يُصار غالباً إلى تعميمها على نحو كاف.
- وجّهت اللجنة كتاباً في 10 أيلول 2020 إلى هيئات الضمان تطالبها بتزويد لجنة الرقابة بنسخة إلكترونية عن كافّة اتفاقيّات وترتيبات إعادة التأمين من معاهدات وعقود اختيارية منظّمة مع مختلف هيئات إعادة الضمان والسارية المفعول في تاريخ وقوع تفجير مرفأ بيروت. إلّا أنّ المشكلة تكمن في عدم الإفصاح عن مضمون تلك العقود والترتيبات للجمهور، في الوقت الذي من شأن الإفصاح عنها أن يتيح للمؤمّنين المتضرّرين الحصول على معلومات مفيدة ومعرفة أوضاع الهيئات الضامنة والترتيبات القائمة بينها وبين معيدي الضمان. وبذلك، فإنّ المعلومات التي تصل اللجنةَ تبقى من دون أيّ فائدة تُذكر، طالما أنّ هذه الأخيرة تحتفظ بها لنفسها بدون اتّخاذ تدابير فعلية بحقّ شركات التأمين وبدون مشاركة تلك المعلومات مع الجمهور في ظلّ التزام اللجنة بحكم القانون بالسرّ المهني في كلّ ما يتعلّق بالأعمال والمعلومات التي تطّلع عليها.
- أصدرت اللجنة عدداً من التقارير، أوّلها التقرير الصادر في 17 تشرين الثاني 2020، تتعلّق بالأضرار المؤمّنة جرّاء انفجار مرفأ بيروت، وحصّة شركات التأمين ومُعيدي الضمان بتلك الأضرار. ولعلّ أبرز ما يمكن أن يُؤْخذ على تلك التقارير، عدم وضوح الأسس التي جرى بموجبها احتساب قيمة الأضرار المؤمّنة، فضلاً عمّا يمكن أن يثيره موضوع احتساب الأضرار بالليرة اللبنانية وفق سعر الصرف الرسمي من إشكالات عديدة بالنظر إلى كون سعر الصرف المذكور لا يعكس قيمة الأضرار الفعلية المخمَّنة بالدولار الأميركي.
- وجّهت اللجنة كتاباً في 8 نيسان 2021 إلى المحقّق العدلي القاضي طارق البيطار طالبة منه إصدار تقرير رسمي يخرج الأعمال الحربية والإرهابية من دائرة الأسباب التي أدّت إلى وقوع انفجار 4 آب 2020 لتمكين اللجنة من إصدار التوجيهات لهيئات الضمان ومخاطبة هيئات إعادة الضمان الدولية لتسديد التزاماتها. وفي حين تشكّل مراسلة المحقّق العدلي على هذا الوجه جرماً جزائياً وفق المادّة 419 من قانون العقوبات الأمر الذي قوبل بردّة فعل سلبية على مستوى الرأي العامّ، فإنّ اللجنة بدت من خلال كتابها المذكور كأنّها تقرّ ضمناً بمشروعيّة الذرائع التي تدلي بها شركات الضمان وتالياً مشروعيّة ادّعاء تلك الشركات بتعليق موجب التعويض عن الأضرار إلى حين استبعاد فرضيّتي العمل الحربي والعمل الإرهابي. وعليه، فقد أتى هذا الكتاب ليُضعف الآمال في إمكانيّة اتّخاذ اللجنة إجراءات فعلية لإلزام شركات التأمين بتسديد التعويضات من دون إبطاء.
صلاحيّات تقاعستْ لجنة مراقبة هيئات الضمان عن ممارستها
أبعد من مواقفهما المُشار إليها أعلاه، كان بإمكان وزير الاقتصاد والتجارة واللجنة أن يتّخذا عدداً من الإجراءات والمواقف والخطوات الأكثر فاعليّة في ضمان حماية المضمونين. ومن أهمّ الصلاحيات التي لم تُستخدم الآتية:
– إصدار بيان ينقض الذريعة التي تتمسّك بها شركات التأمين لناحية وجوب انتظار نتائج التحقيق العدلي الذي من شأنه بيان سبب الانفجار وما إذا كان ناجماً أم لا عن عمل حربي أو إرهابي، وتبنّي الرأي القانوني القائل من ناحية، بأنّ الحادث الذي يخرج عن نطاق ضمان التغطية، هو ذلك الذي كان سببه العمل الحربي أو العمل الإرهابي بصورة مباشرة وحصرية. وبالتالي فإنّ الأسباب المتعدّدة لحصول الحادث تجعل من العمل الحربي أو العمل الإرهابي سبباً غير مباشر وغير حصري لحصوله. وهذا يؤدّي إلى تعليق تطبيق الاستثناء المرتبط بالعمل الحربي أو الإرهابي ويوجب على شركات التأمين تغطية الحادث وفقاً للمهل المحدّدة بموجب أحكام القانون وبنود عقد الضمان، وذلك عملاً بما استقرّ عليه العلم والمبدأ القانوني الذي يوجب تفسير استثناء الأعمال الحربية أو الإرهابية من التغطية بصورة حصرية.
– مباشَرة إجراءات ضدّ شركات الضمان لا سيّما عبر اتّخاذ التدابير والعقوبات المناسبة بحقّ الهيئات المخالفة التي تصل إلى حدّ سحب الترخيص في حال تبيّن مخالفة تلك الهيئات القانون وامتناعها عن القيام بتعهّداتها تجاه المؤمّنين لديها أو عجزها عن ذلك أو تعريضها حقوقهم للضياع.
– إحالة الهيئات المخالفة ووسطاء إعادة الضمان إلى النيابة العامّة في حال تبيّن قيام تلك الهيئات وأولئك الوسطاء بعمليّات احتيال وإثراء غير مشروع بخاصّة إذا ما تبيّن احتفاظهم بجزء من التعويضات التي تردهم من معيدي الضمان وحجبها عن المضمونين.
– إصدار النصوص التنظيمية الكفيلة بحماية حقوق المضمونين المتضرّرين من تفجير المرفأ. وفي هذا الإطار، يمكن اتّخاذ قرار أو سلسلة قرارات ترمي إلى حمل هيئات الضمان على الالتزام بالمعايير الدولية المعتمَدة على مستوى هيئات الرقابة العالمية لا سيّما على مستوى الجمعية الدولية لمراقبي التأمين International Association of Insurance Supervisors (IAIS)، ولعلّ أهمّها المعايير الواردة في وثيقة المبادئ الأساسية للتأمين Insurance Core Principles الصادرة عن الجمعية المذكورة. علماً أنّه كان قد صدر في 25 كانون الثاني 2019 قرار عن وزير الاقتصاد والتجارة يتعلّق باعتماد المعايير الدولية للرقابة على قطاع التأمين ويلزم فيه لجنة الرقابة أن تأخذ بعين الاعتبار المبادئ الأساسية للتأمين الصادرة عن الجمعية الدولية لمراقبي التأمين وذلك لدى قيام اللجنة بمهامّها الرقابية وتحضير وإصدار التشريعات والقرارات المتعلّقة بتنظيم قطاع التأمين. وربّما من أهمّ النصوص التي يمكن إصدارها في هذا الشأن قرار تنظيمي يوجب على هيئات الضمان الإفصاح للجمهور عن المعلومات المتعلّقة بترتيبات إعادة الضمان وذلك التزاماً بالمعيار رقم ICP20 بعنوان “Public Disclosure” أي الإفصاح العامّ الوارد في وثيقة المبادئ الأساسية للتأمين.
– التواصل مع معيدي الضمان ومع الهيئات الرقابية في الخارج لحمل معيدي الضمان على أداء التزاماتهم لجهة سداد حصّتهم من التعويضات الناجمة عن تفجير مرفأ بيروت وذلك تبعاً لموجب هيئات الضمان العاملة في لبنان بدفع تلك التعويضات عملاً بأحكام القانون اللبناني طالما أنّها عاجزة عن إثبات أنّ الانفجار ناجم عن عمل حربي أو إرهابي، وانطلاقاً من قاعدتَيْ Follow the Fortunes أو Follow the Settlements المعمول بهما في مجال التأمين واللتين توجبان على معيدي الضمان الالتزام بالقرارات التي يتّخذها الضامن أو التسويات التي يجريها في موضوع المطالبة التأمينية طالما أنْ ليس ثمّة احتيال أو سوء نيّة أو تواطؤ مع المضمون في إطار عمليّة تسديد التعويض. ونشير في هذا المضمار إلى أنّ الهيئة العامّة لمجلس النوّاب أقرّت في 30 حزيران 2021 اقتراح القانون المعجّل المكرّر بإلزام شركات التأمين العاملة في لبنان تسديد جزء من الأموال الناتجة عن كافّة عقود الضمان كأموال جديدة. ومن البيّن أنّ ضمان تطبيق هذا القانون يعزّز دور اللجنة في هذا الخصوص.
– تفعيل عمل مكتب الشكاوى في اللجنة وتخصيص جزء من فريق عملها لمتابعة الشكاوى المتعلّقة بتعويضات انفجار بيروت.
– تعزيز التواصل مع الجمهور عبر مختلف وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي من أجل زيادة توعية المؤمّنين المتضرّرين من الانفجار بحقوقهم ومساعدتهم وإرشادهم لإيجاد السبل الآيلة إلى حمايتها.
وعلى المدى الأبعد، ثمّة إجراءات أخرى عديدة في وسع اللجنة اتّخاذها حمايةً للمؤمّنين المتضرّرين من كوارث جماعية وحوادث مشابهة:
– إعداد مشاريع قوانين لحمل المشترع اللبناني على اتّخاذ خطوات تشريعية تهدف إلى حماية الضحايا والمتضرّرين من الكوارث الجماعية كإنشاء صندوق وطني لتعويض ضحايا الكوارث أو إقرار أنظمة خاصّة لتعويض ضحايا الكوارث الصحّية أو الكوارث الناجمة عن الجرائم الجزائية أو الأعمال الإرهابية أو الحربية وذلك بمعزل عن إثبات الشروط التقليدية للمسؤوليّة المدنية التي غالباً ما تصطدم بصعوبات الإثبات وتستلزم وقتاً طويلاً لتحديد توزيع المسؤوليّات ممّا يهدّد مصالح المتضرّرين ويحرمهم من التعويض الكامل والسريع. في المقابل، نجد أنّ القانون المقارن قد أقرّ، بهدف حماية الضحايا والمتضرّرين من الكوارث الجماعية المختلفة، عدّة أنظمة خاصّة للمسؤوليّة والتعويض نذكر منها على سبيل المثال: استحداث أنظمة خاصّة للمسؤوليّة كالمسؤوليّة المدنية الخاصّة الناجمة عن حوادث السير أو الناتجة عن المنتجات المعيبة أو عن الكوارث الجماعية البيئية أو الطبيعية أو التكنولوجية (النووية والكيميائية)، واستحداث أنظمة خاصّة للتعويض عن الأضرار الناجمة عن الكوارث الصحّية أو الكوارث الناتجة عن الجرائم الجزائية أو الأعمال الإرهابية. إنّ إنشاء مؤسّسات تعويضية كالصندوق الوطني لتعويض ضحايا الكوارث، يهدف إلى جعل تلك المؤسّسات تعمل إلى جانب شركات التأمين والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. إنّ إنشاء مثل هذه الصناديق وتطوير عملها أمر ضروري لتغطية الأضرار الناجمة عن الكوارث الكبرى حيث عادة ما يكون البحث عن المسؤول مدنياً للتعويض وتقدير ملاءته أمراً صعباً ومعقّداً لا سيّما في القضايا التي تستلزم وقتاً طويلاً وإثباتات معقّدة أمام المحاكم، وانفجار المرفأ في 4 آب هو المثال الأكثر تعبيراً عن ذلك.
– تقديم مقترحات لإنشاء نظام قانوني متكامل لقواعد التأمين والتعويض، أو إقرار تعديلات تهدف إلى حماية المضمونين. وفي هذا الإطار، يمكن إقرار تعديلات ترمي إلى الحدّ من الاستثناءات من التغطية التي لا تزال شركات الضمان في لبنان تضعها والتي من شأنها إفراغ عقود التأمين أحياناً من وظيفتها التعويضية. فعلى سبيل المثال، وعلى الرغم من اقتصار قانون الموجبات والعقود على إمكانيّة استثناء العمل الحربي من التغطية، دون الأعمال الإرهابية أو الهجمات أو الانفجارات، لم يتدخّل المشترع لغاية الآن لمنع شركات التأمين من استثناء هذه المخاطر من التغطية وذلك على الرغم من كلّ ما تعرّض ويتعرّض له المضمونون والمتضرّرون من عمليّات متكرّرة تمسّ بحماية ملكيّاتهم المضمونة. في المقابل، نجد أنّ المشرّع الفرنسي قد أقرّ، بهدف حماية المتضرّرين من الأضرار الناجمة عن الأعمال الإرهابية والهجمات، عدداً من التأمينات الإلزامية، كما ألزم شركات الضمان بعدم استثناء مخاطر العمليّات الإرهابية والهجمات من نطاق تغطية عقد الضمان ولا سيّما في عقود ضمان الحريق وضمان الأضرار اللاحقة بالمركبات البرّية.
وبصورة عامّة، إنّ المطلوب من قوانين ونصوص التأمين التي على هيئة الرقابة أن تعمل على تطويرها، ليس تنظيم نظام التعويض بصورة تقليدية إنّما تطويره بصورة تواكب تطوّر مفاهيم التأمين وقواعد المسؤوليّة والتعويض على المستوى الدولي. إنّ المقاربة التقليدية للتعويض قد تجعل من عمليّة سداد التعويضات تمتدّ لأمد طويل نظراً إلى ارتباطها بأعمال الخبرة التقنية وبالبحث عن توزيع المسؤوليات. وهذا يقضي في المقابل بوجوب تطوير نصوص التأمين عبر ضمان تطبيق موجب التعويض الملقى على عاتق شركات التأمين بصورة سريعة ومنظّمة وحافظة للكرامة الإنسانية للمضمونين وللأمان النفسي والاقتصادي والاجتماعي لهم. فجسامة الكارثة توجب التعويض السريع حمايةً للمضمونين وإنصافاً لهم.