تُجمع المدارس الاقتصادية على اختلافها (من أقصاها ليبرالية إلى أقصاها تدخلية) على أنّ الدولة ملزمة بتأمين حق التقاضي للجميع. ولا يكون هذا الحق مؤمناً فعلياً إلا بقدر ما يكون المرفق القضائي فعالاً. ولكن، ماذا عن لبنان؟ ما هي الميزانية التي تمّ رصدها للقضاء في هذا البلد؟ وما هي نسبتها في الموازنة العامة للدولة؟ وهل هي تعتبر مناسبة على ضوء المعايير والمقارنات الدولية؟ هذه الورقة تستعرض وتبيّن وتحتسب وتحلّل نفقات القضاء في مختلف فروعه، ونسبها من النفقات العامة وتطوّرها خلال سنيّ ما بعد الحرب. كما تقارن الدراسة هذه الأرقام والنسب بمثيلاتها في الدول الأوروبية كما في بعض الدول العربية والإقليمية. ويلحظ أنه حتى إقرار مشروع الموازنة العامة لسنة 2017 في تشرين الأول 2017، عاش لبنان ابتداء من 2006 ولأكثر من 12 سنة من دون موازنة عامة، في ظل ممارسات غير دستورية ليس هنا المكان المناسب للتوسع فيها.
نسب النفقات المخصصة للهيئات القضائية في لبنان
بداية في هذا المجال، يقتضي التوضيح أنّ الهيئات القضائية في لبنان تنقسم إلى ثمانية أنواع، تستمد حاجاتها من موازنة وزارات مختلفة. فالقضاء الإداري (مجلس شورى الدولة) والعدلي والقضاء المدني والجزائي المتخصص تستمد موازناتها من وزارة العدل. والقضاء المالي (ديوان المحاسبة)، يستمد موازنته من رئاسة الوزراء. والقضاء العسكري يستمد موازنته من وزارة الدفاع الوطني. ويتمتع بالمقابل المجلس الدستوري بموازنة خاصة. أما القضاء السياسي (المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء) فموازنته تبقى صفرا لعدم تفعيله. أما بخصوص القضاء الطائفي، فيقسم إلى نوعين: المحاكم الشرعية السنية والجعفرية والمذهبية الدرزية، والتي تعتبر جزءاً من الإدارة العامة للدولة وتغطى جميع نفقاتها ضمن موازنة رئاسة مجلس الوزراء، ومحاكم القضاء المذهبي المسيحية، وهي تستفيد من مساهمات تقتطع من موازنة وزارة العدل. وقد أضيف إلى كل هذه الهيئات المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بحيث وضع القرار الدولي بإنشائها على عاتق الدولة اللبنانية وجوب تأمين 49% من موازنة المحكمة مقابل 51% تؤمنها دول مساهمة أخرى. وعليه، أضيف فصل إنفاقي مخصص للمحكمة ضمن مشاريع الموازنات منذ العام 2008 إلى العام 2011 من خلال وزارة العدل. ومنذ العام 2012، أُخرج تمويل المحكمة من مشاريع الموازنة وبات يتم بأساليب مختلفة (الهيئة العليا للإغاثة، مصرف لبنان…).
ويبين الجدول أدناه توزيع النفقات القضائية بحسب فروع القضاء بين سنة 1997 وسنة 2017.
جدول 1: النفقات القضائية بحسب فروع القضاء (1997-2017)
الأرقام بآلاف الليرات اللبنانية
1997
1999
2005
2008
2012
2017
القضاء السياسي : المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء
–
–
–
–
–
–
القضاء الدستوري: المجلس الدستوري
100 208 1
685 798 1
190 724 1
340 689 1
300 733 1
065 873 1
القضاء العدلي والقضاء الخاص وتعاضد القضاة والمساعدين
948 568 25
232 605 30
327 450 37
000 016 41
716 278 71
236 638 84
القضاء الإداري: مجلس شورى الدولة
559 747 1
004 276 2
000 344 2
000 429 2
000 204 5
600 829 6
القضاء المالي: ديوان المحاسبة
057 870 2
300 625 3
580 557 4
310 592 4
500 632 7
150 783 7
القضاء العسكري: محاكم عسكرية
300 256
500 422
000 201
500 172
000 237
980 227
القضاء المذهبي
755 326 9
083 995 10
219 522 15
208 051 17
124 748 21
069 865 23
المحكمة ذات الطابع الدولي
–
–
–
000 000 47
000 000 49
000 000 57
مجموع نفقات الشؤون القضائية الفعلية
719 977 40
804 722 49
316 799 61
358 950 113
640 833 156
100 217 182
نسبة نفقات القضاء العادي (عدلي واداري) من النفقات العامة
0.399%
0.389%
0.341%
0.377%
0.332%
0.346%
نسبة النفقات القضائية من النفقات العامة دون “المحكمة الدولية”
0.64%
0.59%
0.53%
0.58%
0.47%
0.47%
نسبة النفقات القضائية من النفقات العامة
0.64%
0.59%
0.53%
0.99%
0.68%
0.69%
رسم بياني 1: توزّع النفقات القضائية بحسب فروع القضاء وفق مشروع موازنة 2017
للاطلاع على الرسم البيانب، انقر/ي على الرابط في اسفل الصفحة
وبالتدقيق في هذه الأرقام، نلحظ ثلاثة أمور:
أن للرواتب ثقلا هاما في موازنة القضاءين العدلي والإداري. ففي المحاكم العدلية عام 2017، نجد أن نسبة 90.25% من النفقات التشغيلية للقضاء العدلي مُخصّصة للرواتب وملحقاتها عام 2017. الأمر نفسه نلحظه عند التدقيق في أرقام القضاء الإداري (مجلس شورى الدولة).
إنّ التدقيق في طبيعة النفقات القضائية تظهر غلبة واضحة للنفقات التشغيلية تقارب 98% من مجمل النفقات القضائية (موازنة 2017)، وضعف النفقات الاستثمارية. وهذا الأمر يعني شبه غياب لأية خطة إصلاح بنيوية على الصعيدين المادي والبشري في القضاء وضعف النفقات المُرتبطة ببرامج ومشاريع على المديَين المتوسط والطويل والهادفة لتطوير الكفاءة البشرية وعمل المحاكم.
إذا وضعنا نفقات المحكمة الخاصة بلبنان لمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري جانبا، نجد أن نسبة النفقات القضائية من النفقات العامة بلغت أعلى مستوى لها في العقدين الأخيرين في سنة 1997 حيث بلغت 0.64%. فيما بلغت هذه النسبة مستواها الأدنى في العامين 2012 و2017 (0.47%). وإذا حسمنا من ثم نفقات القضاءين الاستثنائي والطائفي لما يشكلانه من خروج عن مبدأ القاضي الطبيعي، انخفضت نسبة سائر النفقات من مجموع النفقات العامة وفق موازنة 2017 إلى 0.382%، علما أن نسبة نفقات القضاء العدلي والقضاء الإداري من مجموع النفقات العامة لا تتعدى 0.346% في السنة نفسها.
مقارنات دولية وإقليمية
بالتدقيق في الأرقام، يتبيّن أنّ معدّل الإنفاق الأوروبي على “موازنة الأنظمة القضائية” أكبر من كافة النسب الظاهرة في الجداول اللبنانية السابقة منذ العام 1997 حتى العام 2017. ففي لبنان وفق مشروع موازنة 2012، بلغت نسبة النفقات القضائية من الإنفاق العامّ 0.47% بعد حسم المحكمة ذات الطابع الدولي. أما أوروبياً وفي العام نفسه، فبلغ المعدّل 2.2% مع 5.7% لإيرلندا الشمالية كأقصى نسبة و0.6% للكسمبورغ كأدنى نسبة؛ أي أنّ أدنى نسبة أوروبية لدولة صغيرة كلوكسبورغ (يقل عدد سكانها عن عدد سكان بيروت دون الضواحي) تتجاوز نسبة النفقات القضائية اللبنانية. كما يلحظ أن نسبة موازنة الأنظمة القضائية تبلغ 0.9% في كلّ من “إسرائيل” وقبرص و1.2% في كلّ من تركيا وأذربيجيان. وبالانتقال إلى نفقات العام 2014، يُظهر الجدول التالي نسب نفقات “موازنة الأنظمة القضائية” من النفقات العامة في دول الإتحاد الأوروبي وفق الأرقام المنشورة في تقرير الهيئة الأوروبية لقياس الفاعلية القضائية Commission Européenne pour l’Efficacité de la Justice (CEPEJ) (المؤسسة من قبل لجنة وزراء مجلس أوروبا) لعام 2016.
جدول 3: نسب نفقات “موازنة الأنظمة القضائية” من النفقات العامة في دول الإتحاد الأوروبي (2014)
المملكة المتحدة، السويد، البرتغال، رومانيا، بلغاريا، سلوفاكيا، هولندا، ليتوانيا، لاتفيا
أكثر من 3%
الدانمارك، إيرلندا، بولندا، هنغاريا/المجر
الأرقام المستخدمة لإعداد هذا الجدول هي من التقرير التالي:
CEPEJ, “European judicial systems Efficiency and quality of justice”, Edition 2016 (2014 data), No.23
على صعيد بعض الدول العربية، فإنّ النسب أيضاً هي أعلى من النسبة المعتمدة في لبنان. وبمقارنة نسبة نفقات وزارة العدل في لبنان مع مثيلاتها في الأردن وتونس، يظهر أنّ هذه النسب بلغت في العام 2014 مثلاً 0.707% من النفقات العامة الفعلية في الأردن. أما في تونس فقد بلغت هذه النسبة 1.42% في العام 2014 و1.68% في العام 2016.
في الختام، لا بدّ من الإشارة إنّ تطوّر النفقات المخصصة للهيئات القضائية ولوزارة العدل ونسبها من المالية العامة لا يعني حتماً أنّ الدول التي تخصص نسبة أكبر من النفقات للقضاء هي بالضرورة الدول التي تمتلك جهاز عدل أفضل من غيرها. فهذه النسب تُظهر ما يُخصص لجهاز العدل من نفقات والأهمية التي توليها الدول في موازناتها لهذا الجهاز، ولكنها لا تظهر فعالية هذه النفقات التي تفترض وجود آليات أخرى لقياسها.
نشر في العدد الخاص عن القضاء في لبنان، للاطلاع على العدد انقر/ي هنا http://bit.ly/2u5t3KM
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.