حدد قانون الأسرة السن القانوني الأدنى للزواج في 18سنة للرجال والنساء، لكنه سمح استثناء بزواج القاصرين، بعد الحصول على إذن قضائي معلل. وعلى مستوى التطبيق، فقد أكدت عدد من الدراسات والإحصائيات الأولية التي واكبت تطبيق مدونة الأسرة في السنوات الأولى لصدورها ارتفاع نسبة الاستجابة لطلبات الاذن بزواج القاصرات والتي تجاوزت 90%. وهو ما أثار قلق العديد من المهتمين خاصة من المجتمع المدني.
واستمرت الاحصائيات الوطنية الرسمية الدورية الصادرة عن وزارة العدل والحريات تؤكد ارتفاع وتيرة زواج القاصرات على الصعيد الوطني حيث انتقلت الأذون الممنوحة من طرف القضاة من 18 ألف و341 إذنا بزواج قاصر سنة 2004 إلى 39 ألف و31 اذنا خلال سنة 2011.
بالمقابل، يبقى عدد طلبات الزواج للقاصرين المرفوضة من طرف قضاة الأسرة المكلفين بالزواج ضئيلا إذ لم يتجاوز 4899 خلال سنة 2011 وهو ما يمثل نسبة 10,44% من مجموع الطلبات المقدمة، ويلاحظ في هذا السياق أن الإناث القاصرات أكثر إقبالا على الزواج دون سن الأهلية، حيث لم تتعدّ طلبات الذكور 326 طلبا في سنة 2011، مقابل 46 ألف و601 طلبا للإناث،مما يؤكد تأنيث ظاهرة زواج القاصر.
كما يلاحظ أيضا أن أكبر معدل تغيير تم تسجيله حصل في 2006، حيث ارتفع بنسبة 22% مقارنة مع سنة 2005، في حين أن أدنى معدل تغيير عرفته سنة 2008، حيث تم تسجيل نسبة ارتفاع لا تتجاوز 3% ليعاود هذا الرقم الى الارتفاع سنة 2009 بنسبة 8% ثم بنسبة 5% سنة 2010، ليصل التغيير سنة 2011 إلى نسبة 12%.
من جهة ثانية، فإن طلبات الإذن بزواج القاصر خلال الخمس سنوات الأخيرة تتوزع بين سن 14 و17 سنة بنسب مختلفة. فطلبات القاصرين الذين يصل سنهم إلى 17 سنة تشكل النسبة الأكبر بمجموع وصل إلى 144 ألف و346 طلبا خلال السنوات الخمس الأخيرة، في حين بلغت طلبات من يصل سنهم إلى 16 سنة خلال نفس المدة 55 ألف و967 طلبا. وقد بلغت طلبات القاصرين في سن 15 سنة، حسب إحصائيات وزارة العدل والحريات، ما مجموعه 11 ألف و681 طلبا، في حين لم تتجاوز طلبات من يبلغ سنهم 14 سنة حوالي 1433 في نفس السنة.
ومن خلال الوقوف على عدد من نماذج مقررات الاذن بزواج قاصر الصادر عن أقسام قضاء الأسرة المختلفة يلاحظ أن الأذون الممنوحة في هذا الإطار غالبا ما تكون معللة بما يلي:
– المصلحة الفضلى للفتيات في الزواج والتحصين وحمايتهن،
– انقطاع الفتيات عن الدراسة،
– عدم امتهانهن لأي عمل،
– ضعف الحالة المادية للوالدين،
– عادات أهل المنطقة التي دأبت على تزويج الفتيات في سن مبكرة خوفا عليهن من العنوسة،
إن تتبع تنامي ظاهرة زواج القاصرات في المغرب قد يدفع للاعتقاد بأن الأمر تخطى مستوى الظاهرة، وأصبح يشكل ثقافة موجودة ومترسخة داخل أوساط عدة، ولا سيما في المناطق القروية التي افتقدت منذ عقود لبرامج اجتماعية تنموية تمكن أولياء الفتيات القاصرات من ضمان مستقبل أفضل لبناتهم. ويبقى الحل الأوحد المتاح لهم هو تزويجهن للتخلص من أعباء آنية وللهروب من حالة الفقر والتهميش التي يعانون منها. إلا أن واقع الحال قد يؤدي إلى نتائج عكسية في حال فشل هذا الزواج. وهو ما يحدث في كثير من الأحيان بسبب هشاشة الأسر المبنية على حالات زواج قاصر. إذ يضطر أولياء أمور هؤلاء الفتيات إلى تحمل أعباء مضاعفة، حيث تصبح أسرة الفتاة القاصرة التي طلقت ملزمة بتحمل أعبائها وأعباء الأبناء الذين قد يتحدرون من علاقة لم تكتب لها فرص النجاح، خاصة أمام هشاشة الأوضاع المادية للأزواج وللأسر عموما، مما يحول زواج القاصرات إلى نواة لظهور أوضاع اجتماعية صعبة أخرى.
ان النقاش المفتوح على الصعيد الوطني والذي تشارك فيه كل القوى الحية والفاعلة في البلاد، وكذا الفعاليات المهتمة بالشأن الأسري يتزامن مع حدثين هامين: الأول له علاقة بالحوار الوطني حول اصلاح منظومة العدالة والذي يروم تقوية سلطة القضاء، والثاني المتعلق بحدث تخليد الذكرى العاشرة لصدور مدونة الأسرة. وهو نقاش يصب في اتجاه محاولة فهم هذه الظاهرة التي أضحت تبرز بقوة داخل أوساط مجتمعية عدة وتثير عددا من الاشكاليات على مستوى الممارسة والبحث عن سبل مواجهتها بالشكل الأسلم. ولعل أغلب المقترحات المقدمة في هذا الصدد ترتكز على دور الاصلاح التشريعي في سد الثغرات المسجلة على مستوى التعامل مع ظاهرة زواج القاصرات. وبالواقع، تقترح جهات عدة تحديد سن أدنى للزواج لا يتعدى 16 أو 17 سنة، وتقييد السلطة التقديرية الواسعة الممنوحة للقضاة من أجل منح اذن بزواج القاصر، والزامية القيام بالخبرة الطبية اللازمة، والزامية الاستعانة أيضا بالخبرة الاجتماعية المتخصصة كعنصر أساسي يدخل ضمن العناصر المكونة للسلطة التقديرية للقاضي.
ومن أهم الحلول المقترحة من أجل ضمان نجاعة مساطر زواج القاصر:
· توفير الامكانيات اللازمة لإجراء البحث الاجتماعي المتخصص :
من الناحية العمليةوبالنظر لعدم توفر إمكانة إجراء بحث اجتماعي متخصص للتأكد مما إذا كانت الادعاءات المعتمدة في طلب تزويج القاصرة مقبولة قانونا وواقعا، يكتفي قاضي الأسرة في الإذن بتزويجها بالبحث الذي يجريه بنفسه بغرفة المشورة بالاستماع إلى تصريحات الخطيبين وأولياء أمور القاصر. ويستأنس القاضي ببعض المعطيات التي تحصلت لديه من خلال هذا البحث، ولو من خلال تصريحات الأطراف وذلك من أجل تعليل الاذن الذي يصدره. ومن هذه المعطيات، تمتع القاصرة بالقدرة الجسدية لتحمل أعباء وواجبات الزواج (ويستدل على هذه القدرة بكون الفتاة صامت خلال شهر رمضان لسنتين متتاليتين…)، أو وجود روابط عائلية بين المخطوبين، أو كون عادات أهل المنطقة تسمح بتزويج الفتيات في مثل سن الفتاة المعنية؛ أو الظروف الاقتصادية والاجتماعية للفتاة القاصر؛ أو اقتراب القاصرة من السن القانوني للزواج. لكنه على أرض الواقع لا يتأكد من صحة المعطيات التي يطرحها الأطراف ومن مدى وجود مصلحة القاصر في هذا الزواج، ولا حتى من شرط الامكانيات المالية والاستعداد النفسي. وهو أمر يفرض بالضرورة الاستعانة بالبحث الاجتماعي المتخصص وتوفير مساعدات اجتماعيات يتولين اعداد تقارير حول ظروف كلا الخطيبين ودراسة أوضاعهما الاجتماعية والعائلية ومدى استعداد كلا الطرفين الراغبين في ابرام عقد زواج لتأسيس أسرة ما يزال أحد طرفيها قاصرا. ولا شك أن التقارير التي ستنجز في هذه الأحوال ستسهم في توفير أرضية صلبة يعتمد عليها القاضي في بناء قناعاته لمنح الاذن بزواج قاصر من عدمه.
·التنصيص على الزامية الخبرة الطبية؛
تعتبر الخبرة الطبية من المستجدات الهامة التي أتى بها المشرع، وجعلها وسيلة تمكن القاضي من تكوين قناعته فيما يخص منح الإذن بزواج القاصر من عدمه. فهي تمكنه من التأكد من نضج القاصر وأهليته الجسدية، الشيء الذي يساعده في اتخاذ ما يراه مناسبا على ضوء ما تأكد له من وجود المصلحة أو انتفائها. فمن خلال الخبرة الطبية يتأكد القاضي من قابلية القاصر للزواج. ومن المعلوم أن إجراء الخبرة مسألة فنية، يحيل القاضي القاصر بشأنها إلى خبير محلف حيث يرجع الحسم فيها إلى ذوي الاختصاص من الأطباء. ويتعين على الخبير إجراء الفحوصات السريرية اللازمة والتي ينجز على ضوئها تقرير مفصل يحدد فيه بدقة ووضوح المعطيات التي اعتمدها والخلاصة التي توصل اليها بشأن الحالة المعروضة عليه. ورغم أهمية الخبرة الطبية، فإن المشرع لم ينص على الزاميتها عند منح الاذن بزواج قاصر رغم أن نتائجها تكون حاسمة خاصة في حالة ما اذا أكدت أن القاصر غير مؤهلة للزواج.
· الحرص على التكوينالمستمر للقضاة وتشبعهم بمبادئ حقوق الانسان للمرأة والنوع الاجتماعي؛
كان من أبرز النتائج التي خلصت إليها عدد من البحوث الميدانية حول حصيلة تطبيق مدونة الأسرة خلال العقد الأول لصدورها استمرار الدور السلبي لبعض القيم الأبوية والتقاليد الراسخة في أوساط المهن القضائية التي تقاوم التغيير الذي أحدثته مدونة الأسرة حيث "ينزع بعض القضاة إلى الالتزام بالتقسيم التقليدي بين الفضاء العام الذي يسيطر عليه الذكور والفضاء الخاص المخصص للإناث". وهو ما يجعلهم لا يستحضرون فلسفة مدونة الأسرة القائمة على المساواة بين الجنسين ومبادئ الانصاف.ومن الأمثلة على ذلك، التطبيع مع ظاهرة العنف وبخاصة العنف الأسري ضد المرأة، واعتبار ذلك أمرا مقبولا يدخل ضمن نطاق ما للزوج من سلطة لتأديب زوجته في اطار المعروف، والتردد في التعامل بصرامة مع زواج القاصرات أو التطبيع مع ظاهرة تعدد الزوجات والتوسع في تفسير مفهوم المبرر الاستثنائي الموضوعي بقبول أي سبب يثيره الزوج الراغب في التعدد، والاكتفاء بالموافقة الشكلية للزوجة الأولى التي تكون في كثير من الأحيان مضغوطا عليها ولو بطريقة غير مباشرة حيث تضطر إلى قبول فكرة التعدد حفاظا على أسرتها من التفكك.وبالتالي، فإن من شأن التفكير الجدي في تنظيم دورات تكوين مستمر للقضاة والفاعلين في أوساط المهن القضائية تركز على التربية على قيم المساواة بين الجنسين وفلسفة النوع الاجتماعي وحقوق الانسان للمرأة، ودعم القضاء المتخصص اعطاء دفعة قوية لتطبيق مدونة الأسرة التطبيق الأسلم.
· تجريم زواج القاصر بشكل غير قانوني؛
ان رفض طلبات الاذن بزواج القاصر من طرف أقسام قضاء الأسرة لا يعني بالضرورة استسلام الأطراف لهذا القرار القضائي. فبامكانهم التحايل على المقرر القاضي برفض الطلب، من خلال الاكتفاء بإبرام زواج الفاتحة، ثم التقدم في وقت لاحق على ذلك بطلب أمام المحكمة من أجل استصدار حكم بتوثيق هذه العلاقة الزوجية في اطار المادة 16 من مدونة الأسرة-في حالة تعديلها وتمديد الفترة الاستثنائية لمدة جديدة-وهو ما يحدث في كثير من الأحيان. لذا، لا يمكن ضمان الاحترام الأمثل للضمانات التي وضعها المشرع لتنظيم مسطرة زواج القاصر إذا لم يتدخل بنص تشريعي آمر يقضي بتجريم كل حالات التحايل على القانون عامة، وتجريم حالة التحايل على المقتضيات المتعلقة بزواج القاصر، لأن من شأن التساهل مع هذه الظاهرة أن يؤدي إلى التطبيع معها وتفشي ظواهر أخرى قد يكون من بينها التشجيع على زواج الأطفال، وهو الواقع الذي كشفت عنه عدد من الجلسات التنقلية المتعلقة بثبوت الزوجية والتي نظمت في مناطق نائية عدة عبر ربوع المغرب.
· اعتبار طلاق القاصر طلاقا تعسفيا موجبا للتعويض :
يفترض في زواج القاصر أنه استثناء من قاعدة عامة مفادها عدم ابرام عقد الزواج إلا بين شخصين بالغين لسن الرشد القانوني المحدد في 18 سنة، وذلك بالنظر إلى أهمية هذا العقد وخطورة الآثار المترتبة عليه والتي تتعلق بإنشاء أسرة وما يترتب عنها من أوضاع قانونية وحقوق. لذا، فإن الشخص الراشد الذي يسلك مسطرة زواج القاصر يفترض فيه العلم بأن الطرف الذي ينوي الارتباط به لا يزال قاصرا وبالتالي يتعين عليه تحمل مسؤولية اختياره، بل والوفاء بالتزاماته أمام المحكمة التي منحت الاذن بالزواج. إلا أنه على أرض الواقع، مثلما أضحت حالات زواج القاصر في تزايد مستمر أمام أغلب أقسام قضاء الأسرة فإن ثمة ظاهرة أخرى لا تكاد تخطؤها العين المجردة تتعلق بطلاق القاصر. إذ أن عددا كبيرا من حالات الطلاق والتطليق تكون نتيجة فشل زيجات كانت الزوجة فيها قاصرا. وهو ما يؤكد أن الاذن القضائي الذي منح في تلك الحالات لم يكون مؤسسا على معطيات موضوعية، وأن الزوج الذي سلك مسطرة زواج القاصر لم يتحمل التزاماته اتجاه القانون بضمان مصلحة الزوج القاصر في هذا الزواج. ومن أجل التصدي لظاهرة طلاق القاصر، أضحت بعض أقسام قضاء الأسرة تعتبر طلب انهاء عقد الزواج المقدم من طرف الزوج بمثابة انهاء تعسفي للعلاقة الزوجية. وفي هذا السياق، يمكن الاشارة إلى نماذج لأحكام صادرة عن بعض أقسام قضاء الأسرة التي تبنت هذا الموقف من بينها الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بالناظور والذي حدد مبلغ المتعة الواجبة للزوجة في 60.000 درهم معللا ذلك بكون الطلاق تم بالارادة المنفردة للزوج ومدة الزواج لم تتعدّ شهرين، كما أن الزوجة كانت قاصرا، الأمر الذي اقتضى رفع مقدار المتعة.
· تدعيم الاصلاح التشريعي بتحفيز جهود التنمية للنهوض بوضعية الأسرة في جميع المجالات:
إن الأرقام الرسمية تؤكد أن زواج القاصرات لا يعتبر ظاهرة قروية بامتياز وإنما هي موجودة أيضا داخل المدن سواء الكبرى منها أو الصغرى وقد أسهم في تفشيها تنامي ظاهرة الهجرة القروية. لذلك يبقى الاقتصار على مقاربة الاصلاح التشريعي من خلال التدخل بتعديل جديد يضع حدا أدنى لسن الزواج بتحديده في 16 أو 17 سنة قاصرا عن التصدي للظاهرة إذا لم يتم التفكير في ايجاد حل لها من جذورها. ومن التدابير الممكنة في هذا السياق، التفكير في سبل النهوض بالعالم القروي من خلال ايجاد البنيات التحتية الكفيلة بإدماجه في التنمية والنهوض بواقع المرأة والأسرة القروية عموما، وضمان تمدرس وتنمية أبناء العالم القروي دون تمييز. كما يقتضي الاهتمام بالفئات والأوساط الأكثر هشاشة داخل المدن وإيجاد محفزات تدفع الأسر لحث بناتها خصوصا وأبنائها عموما لعدم الانقطاع عن الدراسة. فلا يبقى الزواج المبكر الخيار الوحيد المطروح أمام الفتاة وأسرتها.
وعموما لا بد من الاعتراف بأن مشكلة زواج القاصر هي مشكلة مركبة يختلط فيها البعد الاجتماعي بما هو اقتصادي وثقافي وقانوني وبالتالي فإن ايجاد حلول آنية لها لا يمكن أن يتحقق بمجرد اللجوء إلى الحل التشريعي ولا بد من اعتماد مقاربة شمولية. وهنا، لا بد من التفكير في القيام بدراسات اجتماعية تستهدف فهم هذه الظاهرة وأسباب تفاقمها في وقت تراجعت فيها معدلات الزواج عموما وارتفعت نسبة الوعي.
ان النقاش الذي أثير في الآونة الأخيرة حول موضوع زواج القاصر في المغرب ركز في جانب كبير منه على الممارسة القضائية حيث حملها مسؤولية تفشي الظاهرة. والحال أن القضاء لا يعدو أن يكون مجرد قناة لتطبيق القانون، وبالتالي لا بد من استحضار النص القانوني الموجود وهو نص لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يرتفع عن الواقع
للإطلاع على النص مترجما الى اللغة الإنكليزية يمكنك الضغط هنا