“
تكثر مؤخراً “الحركة” حول قضية كارثة الليطاني على الصعيد الرسمي: تصريحات والتزامات وتعهدات ووعود وإجتماعات ولجان بالجملة من رأس السلطة ولغاية الدائرة الرسمية الأصغر في الوزارات والمصالح المعنية بالحوض.
حتى الآن، ينفي مدير عام مصلحة الليطاني الدكتور سامي علوية ل “المفكرة القانونية” أن تكون المصلحة على علم بإقفال مصنع ملوث واحد على طول النهر وعرضه. كلام يؤكده الخبير البيئي الدكتور ناجي قديح ل”المفكرة” متسائلاً: “ألا يوجد في هذه البلاد سلطة أو مسؤول قادر على إقفال مصنع أو اتخاذ قرار تنفيذي فعلي بوقف القتل الجماعي الحاصل؟” إذن، ماذا تفعل الدولة بوزاراتها وأجهزتها وإداراتها؟ وهل تهدف أعمالها إلى معالجة آثار التلوث فقط أم أنها تهدف أيضا إلى معالجة مصادره ومسبباته، ومن ضمنها اتخاذ اجراءات بحق المعامل والمنشآت الملوثة؟
تستعرض “المفكرة” الخطوات التي تمت حتى الآن في ملف الليطاني وبحيرة القرعون. وهي تسارع إلى القول أنه فيما لحظت بعض التقدم الطفيف والبطيء على صعيد معالجة آثار التلوث، فإن الصورة تبقى جدّ قاتمة على صعيد معالجة مسببات التلوث، وتحديدا على صعيد الملاحقات الإدارية والقضائية للجهات الملوثة التي تبقى إلى حدّ كبير فوق القانون (المحرر).
في أوائل أيلول 2018، حمل أحد مفتشي مصلحة الليطاني قارورة من مياه نفايات الصرف الصناعي إلى أحد معامل الألبان في البقاع، وعاد بها إلى المختبر المختص لفحصها. بعد ساعتين، وتحديداً في إثر إخراج القارورة من البراد تحضيراً لتحليلها، انفجرت به. “كادت أن تقتلني أو على الأقل تؤذيني”، وفق ما أكده ل”المفكرة القانونية”.
يعتبر الخبير البيئي الدكتور ناجي قديح أن ما حصل في القارورة “حصيلة تولد غازات ناتجة عن تفكك المواد العضوية بفضل نشاط البكتيريا، وهذا يدل على احتواء العينة على ملوثات عضوية ونسبة بكتيريا عالية أدت إلى انفجارها”. فنفايات صناعة الألبان والأجبان، يقول، “تشبه بتركيبتها مياه الصرف الصحي، ولكن بنسب أعلى بكثير من الملوثات العضوية والبكتيرية والأحماض العضوية وبتركيز عال جداً”. وهذا يعني “عدم معالجة هذا المصنع، الذي يرمي مخلفاته في الليطاني، لنفاياته الصناعية السائلة قبل التخلص منها “.
ما حصل في عينة أحد أهم مصانع الألبان والأجبان في لبنان، منذ أكثر من 15 عاماً، ليس إلا مؤشراً للحال التي أنتجتها سياسة إدارة الظهر وغض النظر عن الإنتهاكات المزمنة بحق نهر الليطاني، خاصة في حوضه الأعلى البقاعي، حتى بعد مرور عامين على إقرار مجلس النواب ثلاثة قوانين خصصت ألف ومئة مليار ليرة لبنانية لمعالجة تلوث النهر وبحيرته على سد القرعون.
الوضع الناس في حوض الليطاني ومحيط بحيرة القرعون يبقى كارثي
تظهر تحاليل العينات التي أخذت على طول مجرى نهر الليطاني والغزيل (أحد أهم روافد الليطاني الأعلى) وجود تلوث جرثومي وكيميائي بعد احتوائها على الزئبق، مما يبرر، حسب مدير عام مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية الدكتور ميشال افرام، احتواء بعض إنتاجات الحقول الزراعية التي تروى من هذه المياه على نسب من التلوث الكيميائي والجرثومي ومنها البقدونس والنعنع، وعثر بداخلهما على معادن ثقيلة منها رصاص يزيد عن 12 ضعفاً على المسموح به. كما احتوت هذه العينات من الخضار على نسب من كروميوم يزيد 42 ضعفاً على ما هو مسموح به. واظهرت تحاليل عينات مياه نهر البردوني (رافد الليطاني أيضاً) احتوائها نسباً رهيبة من جراثيم ايشيريشيا كولي تراوحت ما بين 500 ألف إلى 900 ألف في المليمتر المربع علماً أن النسبة المطلوبة هي صفر/ ملم. حبل استخدام المبيدات والأسمدة الزراعية غير المطابقة للمواصفات، والتي أحصت وزارة الصحة 45 نوعاً منها مسرطنا في 2016، ما زال على غاربه. وتنضم بعض البلديات، التي يجب أن تكون العين الرقابية والحامية الأولى للمال العام والمصلحة العامة وصحة الناس، إلى جوقة الملوثين والمعتدين، سواء عبر تحويل صرفها الصحي إلى الليطاني، وبنائها منشآت في استملاكات مصلحة الليطاني، أو عبر غض النظر عن الملوثين في نطاقها البلدي.
وجاء إقرار القانون 63/2016، (أحد القوانين التي رصدت أموالا عامة للمعالجة) بعد إعلان مجلس البحوث العلمية موت الليطاني ومعه بحيرة القرعون في صيف 2016. موت انسحب أيضاً على حياة ناسه الذين بلغ معدل إصابتهم بالسرطان خمسة أضعاف المعدل العام في لبنان، وفق المعطيات الأولية لدراسة أشرف عليها الدكتور إسماعيل سكرية. الموت عينه طال منشآت تابعة لمصلحة الليطاني، وأبرزها القناة 900 التي ردمها سكان القرعون في آب 2016 لأنها تنقل المياه القاتلة بين بيوتهم.
![]()
أي خطوات لمعالجة آثار التلوث؟ دراسات ومحطات تكرير على مجرى الليطاني و…
أمام هذه الكارثة على الصعد الصحية والبيئية والزراعية والإقتصادية، وبعدما صار الليطاني قضية وطنية على صعيد الرأي العام لاحتلاله الموقع الأول جغرافيا وبيئيا بالتسبب بالقتل على المستويات كافة، ربما يفيد جرد الخطوات الأساسية التي قامت بها الدولة على طريق المعالجة.
يقول علوية، مدير عام مصلحة الليطاني أن تشكيل اللجان الرسمية الخاصة بالليطاني “تاريخي”. ومنعا للإبتعاد كثيراً، يقول أنه تم تشكيل آخر ثلاث لجان خاصة بالليطاني في الأعوام 2012 و2014 و2016. لجان “لو تفعلّت كما يجب، لو سارت نحو الهدف الذي أنشات من أجله، لما وصل الوضع إلى ما هو عليه”. بموازاة اللجان، أطلق عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب علي فياض الحملة الوطنية لنهر الليطاني، التي رفعت الصوت ونظمت حملة لتنظيف النهر ميدانيا في 2016، ولكنها لا تتمتع بأي هيكلية رسمية أو أي صلاحيات.
مع اللجان الموجودة، اقترح وزير الصناعة حسين الحاج حسن تشكيل لجنة عليا لليطاني برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري. وعقدت لجنة الإدارة والعدل برئاسة النائب جورج عدوان اجتماعاً في المجلس النيابي دعت إليه كل الوزراء المختصين في الصناعة والصحة والبيئة والزراعة والداخلية، والمدعي العام التمييزي سمير حمود والمدعي العام في البقاع ورؤساء الأجهزة الأمنية في البقاع ومصلحة الليطاني. لم يحضر أي من الوزراء المختصين، فيما طالبت اللجنة الجهات المحتصة بتزويدها بتقارير عن التقدم الحاصل في معالجة كارثة الليطاني.
كتب كثيرة، إلى كل الوزارات الآنفة الذكر وجهتها مصلحة الليطاني تطلب فيها تزويدها بما تقوم به كل وزارة على حدة في نطاق اختصاصها. وحده مجلس الإنماء والإعمار، وفق علوية نفسه، أرسل جردة بما تم تنفيذه على الأرض على صعيد إنشاء محطات التكرير.
وزير الصناعة حسين الحاج حسن عقد مؤتمراً صحافياً أعلن فيه ما قامت به وزارته من: تنبيه إلى 261 مصنع مرخص، إصدار قرار بإقفال مؤقت ل 27 مصنعاً، وتسوية وضع 117 مصنعا غير مرخص، والطلب من المهندسين والفنيين في الوزارة مساعدة الصناعيين على الالتزام بالمعايير المطلوبة بالسرعة القصوى والعمل وفق الشروط الفنية والبيئية المفروضة قانوناً.
من جهته، أفاد مجلس الإنماء والإعمار بجدول يبين التقدم الحاصل في العمل على دراسة وتلزيم وتنفيذ محطات تكرير مياه الصرف الصحي في البقاع واستكمال شبكات وصل القرى المعنية بكل منها. وأشار المجلس إلى بدء تشغيل محطات تكرير زحلة وجب جنين وصغبين، من بين 12 محطة في البقاع. ووفق كتاب المجلس فقد شرع بتنفيذ عدد من المحطات، وتلزيم دراسات لمحطات إضافية، مشيراً إلى أن الإنتهاء من المحطات كافة يحتاج إلى نحو خمس سنوات.
وفي هذا الشأن،يؤكد علوية أن المصلحة لم تتلق من أي جهة معنية، سواء مؤسسة مياه البقاع أو وزارة الطاقة أو مجلس الإنماء والإعمار، أي مستند رسمي يفيدها بنوعية المياه المكررة ومدى مطابقتها للمواصفات، وما إذا كانت صالحة لاي نوع من الإستخدام. كما يتوافق علوية مع النائب علي فياض والخبير البيئي الدكتور ناجي قديح على أن تشغيل محطتين أو ثلاث من أصل نحو 12 محطة في البقاع وحده، “لا قيمة فعلية له ولا فعالية حقيقية طالما أن المياه المكررة الخارجة من المحطة ستختلط بمياه الصرف الصناعي والصحي ونفايات المستشفيات المرمية في النهر من العلاق، منبع الليطاني غربي بعلبك، ولغاية القاسمية، مصبه على شاطئ صور جنوباً”. . ويشير علوية إلى أنه “لم يتم حتى الآن استكمال شبكات الصرف الصحي لكل المناطق المحيطة بمحطة زحلة، وأهمها تعنايل”، وهي أكبر مركز للصناعات في قضاء زحلة.
أما على صعيد القرعون، فقد تم مؤخرا تشكيل لجنة مشتركة من خبراء حملة الليطاني ومن الخبيرين المختصين ناجي قديح وكمال سليم وخبراء في مصلحة الليطاني. وقد جرى التوافق على تفريغ بحيرة القرعون من مخزونها الذي يتم الحفاظ عليه عادة، والبالغ 65 مليون متر مكعب في أيام الشح، إلى عشرين مليون متر مكعب فقط وذلك لكشف الرسوبيات وجرفها تمهيدا لاستكمال معالجتها. ويتم تفريغ البحيرة عبر زيادة ضخ المياه واستعمالها في توليد الطاقة الكهربائية.
وفي يوم الأربعاء الماضي، احتفلت مصلحة الليطاني بإطلاق 11 منصة عوامة مقدمة بهبة من حكومة هولندا لتخفيف تلوث بحيرة القرعون، بلغت قيمتها نحو 400 ألف دولار. وقال البروفسور كمال سليم، الخبير في المجلس الوطني للبحوث العلمية ومركز الطاقة الذرية، ل”المفكرة” أن المنصات العائمة تعمل على الطاقة الشمسية وترسل موجات ما فوق الصوتية من شأنها تخفيف التلوث في البحيرة. وفي تقرير علمي حول فحص عينات جمعها من البحيرة في محيط المنصات، وزود المفكرة به، يعرض سليم للتطور التاريخي للتدهور البيئي الذي بدأ في 2008 حيث تكاثرت السيانو بكتيريا بشكل غير طبيعي لتفرز مواد مسممة في البحيرة، قاضية على كل الأحياء المائية.
وبعدما يفصل سليم حول تطور السيانوبكتيريا وظهور أنواع أخرى خطرة منها (تنشر المفكرة صورة عن التقرير ربطا) يُرفق صورا للبحيرة تبين انخفاض اللون الأخضر المعبر عن البلوم، ليشير إلى أنه وبعد الدراسة المجهرية ومقارنة مع شهر آب 2018، ظهر خلل واضح لخلايا السيانوبكتيريا التي فقدت إمكانية التواجد في الطبقات العليا وبسقوطها إلى الطبقات السفلى من البحيرة تفقد إمكانية التغذية عن طريق التركيب الضوئي.
وقال سليم في تقريره أنه “يمكن اعتبار وجود المنصات إيجابيا في وضع البحيرة الكارثي، وهذا لا يعني أنه الحل المثالي، فنحن بحاجة إلى مراقبة حثيثة ومستمرة وبأبحاث دقيقة للتأكد من فعالية هذه التقنية”.
وقال سليم ل”المفكرة” أن هناك سبع دول في العالم اعتمدت تقنية المنصات الهولندية[1] ولكننا نحتاج إلى ثلاثة أشهر على الأقل لتبيان مدى فعاليتها بدقة وحجم هذه الفعالية.
وقال علوية ل”المفكرة” أن المصلحة تأخذ برأي الخبراء وهي في طور تجريب المنصات حاليا للتأكد من فعاليتها. ويتوافق سليم وعلوية على أن لا أهمية لأي معالجة موضوعية للبحيرة إذا لم تتم معالجة الليطاني الذي يصب فيها من منبعه في العلاق وعبوره كامل سهل البقاع حيث يصب في سد القرعون ومنه نحو الجنوب.
وعليه، يظهر واضحا أن كل ما تقوم به الإدارات المختلفة من إجراءات، يبقى ذات فعالية محدودة إن لم تكن معدومة، في ظل انتفاء أو محدودية الخطوات اللازمة لمعالجة مصادر التلويث. وهنا، نتبين حجم الخلل في أجهزة الدولة.
أي خطوات لمعالجة مصادر التلوث؟ “لم يقفل مصنع ملوث واحد”
على هذا الصعيد، تبدو مصلحة الليطاني الأكثر نشاطا منذ تولي علوية منصب المدير العام فيها. فبالإضافة إلى كتب الإستفسار عما أنجز في الوزارات المعنية، أطلقت مصلحة الليطاني حملة على ملوثي نهر الليطاني وبحيرة القرعون، والمعتدين على استملاكاتها، لتضع بين يدي القضاء ولكن أيضا بعهدة الرأي العام ملفات هؤلاء، طالبة إتخاذ التدابير المناسبة بحقهم.
ويحيل علوية المواطنين إلى صفحة المصلحة على فايس بوك حيث تعرض يوميا كل تعديات المؤسسات الملوثة بأسمائها مع صور وفيديوهات توثق هذا التلويث المتعمد لنهر الليطاني “من دون أن يتحرك أحد”. ونشرت المصلحة فيديو مصورا ذات عنوان استفزازي “المستشفيات تعالج المرضى بتسميم الليطاني”
ويكشف علوية ل”المفكرة” عن تقديم المصلحة شكاوى جزائية أمام النيابة العامة التمييزية بحق 219 مؤسسة صناعية في البقاع تمكنت حتى اليوم من التأكد من تلويثها لنهر الليطاني. كما أرسلت كتاباً إلى وزارة الصناعة بالمعنى نفسه، تطالب المسؤولين فيها “باتخاذ الإجراءات المناسبة بحق هذه المؤسسات المخالفة للقوانين والتي تعتدي على النهر وصحة الناس وتدمر الثروة المائية والزراعية وتقضي على أي إمكانية لمعالجة الكارثة”. وقد أودع علوية المفكرة نسخاً عن كل الكتب التي أرسلتها المصلحة إلى الجهات المعنية كافة “من دون أن نتلقى جوابا شافياً من أي منهم، ومن دون أن يتخذ القضاء قراراً بإقفال أي منها، كما لم يصلنا من وزارة الصناعية أي لائحة لمصانع تم إقفالها”.
إذن، مرّ عامان على إقرار قانون تنظيف الليطاني، وما زالت 640 مؤسسة صناعية من كل الفئات ترمي، وكما فعلت منذ سنوات طويلة نفاياتها الصناعية القاتلة من دون أي معالجة. وها هي مصلحة الليطاني تنهي بتاريخ 19 أيلول 2018 مسح ما مجموعه 69 مؤسسة صناعية في البقاع لتتأكد من رمي 55 مؤسسة منها نفاياتها الصناعية في الليطاني من دون أي معالجة”. وفق علوية، “يمكن للناظر إلى التقرير أن يرى أن لجنة الكشف المؤلفة من مندوبين من المصلحة ووزارت البيئة والصناعة والزراعة والقوى الأمنية ومفرزة زحلة القضائية، قد أوصت بإقفال المؤسسات التي ثبت عدم التزامها بالشروط الموضوعة. وهنا أيضا تراه يؤكد: “مرّ شهر على إيداع القضاء هذه التقارير التي تقول بوجوب الإقفال ولم يصدر أي قرار قضائي يكلف القوى الأمنية بالتنفيذ”.
ومع ذلك أرسل علوية إلى لجنة الإدارة والعدل النيابية، برئاسة النائب جورج عدوان، تقريراً بخلاصة عمل لجنة الكشف على المؤسسات الصناعية بما تم إنجازه حتى الآن.
من جهته، يقول الخبير قديح أن الوزارات المعنية، و”خصوصا وزارتي الصناعة والبيئة تمنح المهلة تلو الأخرى للمصانع منذ 2001 وحتى اليوم من دون اتخاذ إجراءات جدية توقف مسلسل الموت بالتلوث سواء لليطاني وبحيرة القرعون ومعهما الناس”.
في مصلحة الليطاني، يرن هاتف المدير العام لمصلحة الليطاني الدكتور سامي علوية في مكتبه لتقول مساعدته أن رئيس إحدى بلديات قضاء صور على الخط. فور إعلامه بهوية المتصل يقول علويه “شغله مش معي، بل مع رئيسة الدائرة الفلانية في المصلحة في الجنوب، وليتابع ملفه معها”. يختصر علوية ما يحصل بالتالي “لقد حوّل رئيس البلدية المتصل مجرور بلدته بأكمله إلى قناة الري التابعة لمصلحة الليطاني في القاسمية، وقدمت المصلحة شكوى ضده”.
ليس هذا الإعتداء إلا نموذجا عما حصل ويحصل على نهر الليطاني وبحيرة القرعون. ويرى علوية أن بعض هذه المشاكل مؤسساتي بحيث أن المصلحة لا تتمتع بحوكمة النهر، إنما تبقى صلاحيات حماية النهر مشتتة بين وزارات الصناعة والزراعة والداخلية والبلديات ولاحقاً البيئة لدى استحداث وزارة لها.
ورغم ذلك، يرى علوية أن لدى المصلحة هامش واسع للتحرك في حال توفر الإرادة، إذ يكفي أن أموال المصلحة سندا لقانون المحاسبة العمومية هي أموال عامة، وهي مسؤولة عن حماية مشاريع الري وتوليد الطاقة والحفاظ على ديمومتها، وتجهيزاتها، مما يجبرها على التحرك تجاه ما يسبب هدرا أو ضررا للمال العام”.(مرفق الإطار القانوني الذي تتحرك المصلحة ضمنه).
يرى الدكتور ناجي قديح أن التعاطي مع نهر الليطاني “ما زال محكوما بالمصالح السياسية والإنتخابية التي سادت عبر التاريخ وأوصلتنا إلى هنا”. وفيما هو لا يستثني أحدا، يقول قديح ” مرّ عامان على قانون الليطاني ومعه الإعتمادات المالية، ولم نلمس أي تغيير جدي باستثناء صوت المصلحة الذي يعلو لوضع الجهات كافة أمام مسؤولياتها”. ويعتبر أن “لا شيء يبرر التساهل المزمن، والذي ما زال مستمراً مع الصناعات التي ترمي تدفقاتها الصناعية في روافد الليطاني، وفي مجراه”. كان من المفروض، وقد أعطيت هذه المصانع مهلاً منذ 2001، تسمح لها بمعالجة نفاياتها، أن يتم إقفال المخالف منها، “لكنهم، ما زالوا يمنحونهم المهلة وراء المهلة من دون أي إجراءات جدية تقضي على التلوث” وفق قديح. ويستغرب كيف أن “كل المسؤولين في طول البلاد وعرضها غير قادرين على أخد قرار بإقفال مصنع يقتل الطبيعة والبيئة والناس ويدمر الثروة المائية والزراعية والإقتصادية لمنطقة تشكل ربع مساحة لبنان”. هذا الأداء غير مبرر وغير مفهوم كون قوانين حماية البيئة (444/2002) والليطاني (63/2016) والمياه تمنح الغطاء القانوني الكافي لمعالجة ما يحدث “إذ لا شيء مبرر في القانون والأخلاق والمسؤولية تجاه المواطن وكذلك في الدين والشرع وكل ما يريدون”.
النائب فياض: خطوات لمعالجة التلوث، فشل في وقف عوامله
بعدما يعدد النائب علي فياض ما جرى على الأرض وخصوصا التقدم في موضوع محطات التكرير يعود ليضع الإصبع على التقصير: وزارة الصناعة لم تقفل المصانع الملوثة حيث يقولون أن لا صلاحية لهم بالإقفال الدائم، وزارة الزراعة لم تضع استرايجية لضبط المبيدات والأسمدة، فيما لم يتحرك القضاء ووزارة الداخلية والمحافظون لمنع التعديات. أما البلديات فبائسة، لم تتخذ إجراءات مانعة للتلوث، ولم تبلغ عن تعديات او تمنعها”. من جهته، وفق فياض، “يسير مجلس الإنماء والإعمار متل السلحفاة وكأننا في سويسرا ولسنا أمام كارثة وطنية”. بالنسبة إليه “يجب إعلان حال طوارئ في البلاد والدولة لا تعلنها، لا يمكن حلّ كارثة الليطاني بالإجتماعات والتخطيط والتوصيات فقط”. ويؤكد فياض أن أي وزارة أو إدارة معنية بالليطاني، بما فيها البلديات، وتقول أنها لا تتمتع بصلاحيات كافية للقيام بدورها، هي تذر الرماد في العيون، إذ أن هناك ما يكفي من قوانين لتغطية كل الجهات وخصوصا لوقف المأساة في حوض الليطاني”.
ويتوقف فياض أيضا عند نقاط الضعف: “تحتاج كارثة الليطاني إلى وتيرة أسرع في التنفيذ من قبل الجميع”، مؤكداً أنه يتم الضغط على مجلس الإنماء والإعمار “لتسريع تنفيذ محطات التكرير وتقليص المدة من خمس إلى ثلاث سنوات وحتى سنتين”. وما يساعد في الإسراع أن “رئيس مجلس الإنماء والإعمار أكد للنواب توفر المبلغ المطلوب لمحطات البقاع والبالغ 244 مليون دولار”، مؤكداً لهم “أن الحصول على التمويل من أجل حل مشاكل التلوث مُيسر”.
ويعتبر فياض أنه ليس بإمكان الحكومة أو أي وزارة أن تتذرع بوضعية تصريف الأعمال “لأن الليطاني يعتبر في مصاف القضايا الوطنية الطارئة التي تحتاج إلى حلول” .
وعليه، وكخلاصة، ومن دون أن يحمل الكلام تجنياً على أحد، يمكن القول أن شيئاً مهماً وملموساً لم يحصل بعد عامين على إقرار ألف ومئة مليار ليرة لبنانية لتنظيف الليطاني، طالما تبقى الدولة أضعف من أن تردع ملوثا واحدا.
مقالات ذات صلة:
ألف ومئة مليار ليرة لليطاني وناس النهر لم يروا شيئاً: من أوقف دراسة توثيق جريمة إصابة أهل البقاع بالسرطان؟
مصلحة الليطاني تستفيق من سباتها.. علوية: الأزمة مرآة لانهيار سياسي واجتماعي
لمشاهدة التقرير حول الليطاني انقر/ي على الرابط ادناه:
المحكومين بالإعدام بالسرطان على مجرى الليطاني
[1] علمت “المفكرة” أن الهولنديين يعرضون بيع 11 منصة إضافية تسمح مع المنصات ال11 المقدمة حاليا للتجربة، أن تغطي كامل البحيرة، لكن القرار اللبناني في المصلحة لم يؤخذ بعد “لن أتصرف بالمال المخصص لتنظيف الليطاني والبحيرة قبل التأكد من فعالية التقنية وتجربتها” يقول علوية ل”المفكرة”. وبعد تركيب المنصات بيوم واحد، تسبب صيادون بتعطيل منصة من ال 11 التي وضعت في البحيرة، وفق ما أكد علوية ل”المفكرة”، “رغم أننا طالبنا كل الجهات المعنية بمنع صيد الأسماك والسهر على سلامة المنصات وتسهيل عملية تخفيف التلوث في البحيرة”.
“