“
يضطلع مجلس النواب في تونس حسب أحكام دستور 2014 دورا محوريا في وضع القوانين وتركيز المؤسسات الضامنة لتحقيق انتقال ديمقراطي سلس وسليم. فللمجلس دور مهم في تأسيس حياة سياسية ديمقراطية وذلك من خلال دوره التشريعي وذلك سواء فيما يتعلق بوضع النظام القانوني للمؤسسات الدستورية أو فيما يتعلق بالتشريع في مواد تتعلق بالحقوق والحريات. كما للمجلس دور انتخابي مهم يمكنه من تركيز عدد من المؤسسات الدستورية والتي من دونها لا يمكن أن يكون النظام السياسي متوازنا.
وقد قام المجلس خلال سنة 2018 بالتصويت على 58 مشروع قانون، تمت المصادقة على 56 منها بينما لم تتحصل بقيتها على الأغلبية المطلوبة للمصادقة عليها.
وبالتدقيق في القوانين التي صادق عليها مجلس النواب خلال سنة 2018، نجد أنه قد تمت المصادقة على 16 قانونا أساسيا مقابل 40 قانونا عاديا، منها 31 قانونا يهتم بالمصادقة على اتفاقيات دولية. كما اتسم التشريع خلال سنة 2018 بطفرة القوانين ذات الطابع الاقتصادي والمالي والتي يتعلق أغلبها بالموافقة على اتفاقيات دولية لمنح قروض ومساعدات مالية والتي بلغت 19 قانونا ومنها كذلك قوانين المالية أو القوانين ذات الصبغة الجبائية وقد بلغت 8 قوانين. وإن دلّ هذا العدد الكبير من القوانين ذات الطابع الاقتصادي على شيء، فإنه يدلّ على عمق المشاكل الاقتصادية التي تمرّ بها البلاد منذ فترة.
ننشر هنا الحلقة الأولى من تقريرنا عن تشريعات سنة 2018، والتي نتولى فيها عرض القوانين الصادرة في هذه السنة والتي تدخل في إحدى الفئات الآتية: (1) السلطات العمومية والهيئات الدستورية المستقلة، و(2) الحقوق المدنية والسياسية، و(3) الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، و(4) البيئة والعمران، و(5) المساءلة والمحاسبة ومكافحة الفساد.
1- السلطات العمومية والهيئات الدستورية المستقلة:
نص الدستور على ضرورة إرساء خمس هيئات دستورية مستقلة وهي: الهيئة العليا المستقلة للانتخابات (الفصل 126 من الدستور)، هيئة الإتصال السمعي البصري (الفصل 127 من الدستور)، هيئة حقوق الإنسان (الفصل 128 من الدستور)، هيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة (الفصل 129 من الدستور) وهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد (الفصل 130 من الدستور).
وفيما تم منذ سنة 2012 تركيز الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تمهيدا لإجراء العمليات الانتخابية، فإن المجلس الحالي لم يكن قد أنجز طوال كامل الفترة النيابية، إلا القانون الأساسي عدد 59 لسنة 2017 المؤرخ في 24 أوت 2017 المتعلق بهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد والتي لم يتم إرساؤها بعد. وتبعا لذلك، واصلت مؤسسات يعود تاريخ إنشائها إلى ما قبل الثورة عملها رغم أنها لا تتوفر على شرط الاستقلالية ذات الصلاحيات ومن أبرز هذه المؤسسات الهيئة العليا لحقوق الإنسان المؤطرة بقانون 37/2008. كما نجد هيئات أخرى منشأة بموجب مراسيم صدرت عقب الثورة، ومنها هيئة مكافحة الفساد وهيئة الاتصال السمعي البصري (الهايكا). كما نلقى فراغا مؤسساتيا بما يتصل بالمهام المناطة بالهيئات الدستورية المستقلة، كما هي الحال بما يتصل بحماية البيئة والأجيال القادمة.
وفي سنة 2018، أعطي الجهد التشريعي لإقرار قانون أساسي هو القانون الأساسي عدد 47 لسنة 2018 المؤرخ في 7 أوت 2018 الذي يتعلق بالأحكام المشتركة بين الهيئات الدستورية المستقلة.
كما تم لاحقا إقرار القانون الأساسي عدد 51 لسنة 2018 المؤرخ في 29 أكتوبر 2018 المتعلق بهيئة حقوق الإنسان. أما بقية الهيئات الدستورية الأخرى كهيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة وكذلك هيئة الاتصال السمعي البصري لم يتم النظر في مشاريع القوانين المتعلقة بها بالرغم من إيداعها بالمجلس[1].
القانون الأساسي المتعلق بالأحكام المشتركة بين الهيئات الدستورية
طرح مشروع هذا القانون خلافا داخل المجلس، إذ تباينت آراء النواب نظرا لما يمكن أن يسببه من إشكالات قانونية. وإذ ساند العديد منهم المشروع الحكومي، فقد نادى آخرون بإمكانية التنصيص على هذه الأحكام صلب القوانين المنظمة لكل هيئة دستورية. واقترح فريق ثالث إصدار مجلة للهيئات الدستورية المستقلة، تكون الأحكام المشتركة بابها الأول.
فعلى المستوى القانوني، برزت فكرة وضع إطار مشترك للهيئات الدستورية من خلال قراءة معيّنة للفصل 125 من الدستور لاعتباره يضع إطارا عاما يجب أن تخضع له جميع الهيئات الدستورية. إلا أنها شكّلت كذلك مشكلا لكون القوانين التي تنظّم هذه الهيئات هي قوانين أساسية، وهي بذلك على نفس القيمة القانونية للقانون الإطاري مما لا يجعله ملزما. كما تمثّل قوانين الهيئات الدستورية قوانين خاصة بينما يمثل قانون الأحكام المشتركة للهيئات الدستورية قانونا عاما وهو ما يطرح عديد الإشكاليات القانونية عند التطبيق خاصة مع وجود نظرية قانونية في مجال التأويل تقرّ بإمكانية مخالفة النصّ الخاص للنص العام والتي يمكن أن تمسّ عند تطبيقها من مبدأ السلامة القانونية.
وإذ تمت المصادقة على الصيغة الأولى من مشروع هذا القانون في 5 جويلية 2017، فإن الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين عادت وأبطلت عددا من فصوله[2]. وقد تناول الإبطال مسائل عدة أبرزها الرقابة البرلمانية على الهيئات الدستورية المستقلة وذلك من خلال إمكانية سحب ثقة عضو أو أكثر من أعضاء الهيئات المستقلة. إذ أكدت الهيئة الوقتية “على أنّ سحب الثّقة يتنافى ومبدأ استقلالية الهيئات الدستورية الذي اقتضاه الفصل 125 من الدستور ولا يحقّق التّناسب المطلوب بين مبدأي المساءلة والاستقلالية كما يتنافى ومبدأ الفصل بين جهة المبادرة بطلب الإعفاء والجهة المقرّرة له”[3].
ويلحظ أن النواب تشبثوا في الصيغة الثانية بخيار الرقابة[4]، ممّا أدى إلى التصريح مرة أخرى بعدم دستورية مشروع القانون للأسباب نفسها.
وبعد إرجاع مشروع القانون مرة أخرى، تمت المصادقة على المشروع للمرة الثالثة بتاريخ 11 جويلية 2018، في صيغة قامت الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين بقبولها في قرارها الصادر في نفس الشهر من نفس السنة.. وعلى هذا الأساس أصبح للمجلس صلاحية إعفاء أحد أعضاء الهيئة فقط على أن يتم ذلك بناء على طلب معلّل من ثلث أعضاء مجلس الهيئة طبق الأسباب والشروط والإجراءات المنصوص عليها ضمن القانون الخاص بكل هيئة”.
إرساء هيئة حقوق الإنسان
بالرغم من وجود الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية التي تم إرساؤها بموجب القانون عدد 37 لسنة 2008 المؤرخ في 16 جوان 2008[5]، فقد أسسّ دستور سنة 2014 لإنشاء هيئة دستورية تتعلق بحقوق الإنسان صلب الفصل 128 منه.
وقد تم إعداد مشروع القانون المتعلق بهيئة حقوق الإنسان منذ شهر فيفري سنة 2016 تحت إشراف الوزارة المكلفة بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان وعرضه على استشارة وطنية خلال شهر مارس من نفس السنة. وقد قامت الحكومة في 16 جوان 2016 بإيداع مشروع القانون المتعلق بهيئة حقوق الإنسان بمجلس النواب الذي لم يصادق عليه سوى في جلسته العامة المنعقدة يوم 16 أكتوبر 2018.
وقد أسس مشروع القانون المصادق عليه لوضع هيئة تسعى إلى تعزيز وتطوير حقوق الإنسان وذلك من خلال اقتراح النصوص القانونية وإنجاز البحوث والدراسات ومتابعة تنفيذ توصيات الهيئات المستقلة والمنظمات الإقليمية والأممية المتعلقة بحقوق الإنسان… كما لها كذلك عديد المهام التحقيقية وذلك خاصة من خلال رصد انتهاكات حقوق الإنسان والتحقيق فيها. كما أعطى القانون صلاحية انتخاب أعضاء الهيئة التسعة من قبل مجلس النواب، على أن تتركب من قاض إداري وقاض عدلي ومحام وطبيب إضافة إلى خمسة أعضاء يمثلون الجمعيات المعنية طبقا لأنظمتها الأساسية بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات[6].
كما يلحظ أن المجلس فشل خلال هذه السنة في تركيز المحكمة الدستورية.
2- الحقوق والحريات المدنية والسياسية:
لم تحظَ القوانين المتعلقة بالحقوق والحريات باهتمام كبير من قبل المجلس، مقارنة بالمجالات الأخرى، خلال سنة 2018. فلم تتم المصادقة إلا على 4 قوانين تمس مباشرة بهذا المجال، ثلاثة منها تعلّق بالمصادقة على معاهدات دولية[7].
فقد قام المجلس بالمصادقة على القانون الأساسي عدد 33 لسنة 2018 مؤرخ في 6 جوان 2018 يتعلق بالموافقة على انضمام الجمهورية التونسية إلى بروتوكول الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب بشأن حقوق المرأة في أفريقيا من دون أيّ تحفظ على بنوده. ويتضمن هذا البروتوكول حقوقا واسعة للمرأة. إذ تنص المادة الثانية منه على”مكافحة كافة أشكال التمييز ضد المرأة، من خلال التدابير التشريعية والمؤسسية المناسبة، وغيرها من التدابير”. كما تلزم هذه المادة أيضا الدول الموقّعة على البروتوكول بـ”تعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك المرأة والرجل، بهدف تحقيق القضاء على الممارسات الثقافية والعادات الضارة وكل الممارسات الأخرى القائمة على الاعتقاد بكون أي من الجنسين أدنى أو أعلى من الآخر، أو على أدوار نمطية للمرأة والرجل”. وبالإضافة إلى ذلك يضع البروتوكول عديد الآليات التي من شأنها دعم حقوق المرأة منها “إدماج منظور نوع الجنس في القرارات السياسية والتشريعات والخطط والبرامج والأنشطة الإنمائية،وكذلك في جميع ميادين الحياة الأخرى” وهو ما يتجاوز الآليات التي تم التنصيص عليها صلب القانون الأساسي المتعلق بالقضاء على أشكال العنف ضد المرأة[8].
كما تمت المصادقة أيضا على القانـون الأساسي عدد 50 لسنة 2018 مؤرخ في 23 أكتوبر 2018 الذي يتعلق بالقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري. وهو يجعل من التمييز العنصري جريمة يعاقب عليها القانون.
وقد تمت أيضا المصادقة على قانون أساسي عدد 2 يتعلق بالموافقة على انضمام الجمهورية التونسية إلى اتفاقية مجلس أوروبا بشأن حماية الأطفال من الاستغلال والاعتداء الجنسي (لانزاروتي) وكذلك القانون الأساسي عدد 34 لسنة 2018 مؤرخ في 6 جوان 2018 يتعلق بالموافقة على انضمام الجمهورية التونسية إلى البروتوكول الاختياري الثالث الملحق باتفاقية حقوق الطفل المتعلق بإجراء تقديم البلاغات.
كما تجب الإشارة أيضا إلى أنه قد تم خلال سنة 2018 إيداع عدد من مشاريع القوانين المهمة التي تدعم الحقوق والحريات ولم يتم النظر فيها بعد منها مقترح القانون الأساسي عدد 71 لسنة 2018 المتعلق بمجلة الحقوق والحريات الفردية وكذلك مشروع القانون الأساسي عدد 91 لسنة 2018 المتعلق بإتمام مجلة الأحوال الشخصية التي تتعلق بتنقيح الجزء المتعلق منها بالمواريث.
3- الحقوق والحريات الاقتصادية والاجتماعية:
لم تكن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية من المسائل التي قام المجلس بالتشريع فيها إذ لم تتم المصادقة على أي مشروع من المشاريع المحالة إلى المجلس في هذا المجال في 2018. ومن أبرز مشاريع هذه القوانين، مشروع قانون الأمان الاجتماعي الذي فشلت الجلسة العامة في المصادقة عليه في شهر ماي 2018 نظرا لغياب التوافق بين الكتل النيابية.
ويهدف مشروع القانون إلى إرساء برنامج “الأمان الاجتماعي” الذي يهدف إلى ضمان حقوق دنيا للفئات الهشة ومحدودة الدخل تونسيين كانوا أو أجانب. كما يضمن مشروع القانون أولوية لهذه الفئات في السكن الإجتماعي ويضمن لهم حدا أدنى من الدخل. وقد أكد وزير الشؤون الاجتماعية أثناء مناقشة مشروع هذا القانون أمام مجلس نواب الشعب بأنه يهدف إلى مراجعة سجلّ الفقر في تونس خاصة أنه سجلّ كان يوظّف سياسيّا، مشيرا إلى أن المشروع يندرج ضمن تجسيم ما جاء في الدستور في علاقة بحقوق الفئات الضعيفة ومحدودة الدخل. ولم تتم المصادقة على مشروع هذا القانون إلا خلال سنة 2019 في صيغة لا تختلف كثيرا عن الصيغة التي رفضها المجلس خلال سنة 2018. ويُلحظ أن إقرار هذا القانون تمّ بدفع من صندوق النقد الدولي، مما دفع جانبا من نواب الشعب للتعبير عن خشيتهم من أن تكون الغاية منه مراجعات تشريعية وترتيبية لاحقة تمس بالحقوق الاجتماعية للطبقة الوسطى التونسية التي تعول كثيرا في تحقيق توازناتها على انتفاعها من خدمات صندوق الدعم.
4- البيئة والعمران:
صادق مجلس نواب الشعب في تونس، يوم 28 ماي 2018، على القانون عدد 35 لسنة 2018 المؤرخ في 11 جوان 2018 المتعلّق بالمسؤولية المجتمعية للمؤسسات خلال فترة اتسمت باهتمام نسبي من قبله بالقوانين ذات الصبغة البيئية والتلوث على المستوى المحلي والتي تزامنت مع الانتخابات البلدية. فقد سبقته المصادقة على قانون يتعلّق بممارسة الصيد البحري.
ويهدف القانون المتعلق بالمسؤولية المجتمعية للمؤسسات إلى تشريك المؤسسات العمومية والخاصة في تطوير المحيط البيئي والمجتمعي الذي تتدخّل فيه. وفي الحقيقة، لم يتم سنّ هذا القانون تكريسا لأحكام الفصل 45 من الدستور التونسي الذي يضع على عاتق الدولة ضمان الحق في بيئة سلمية ومتوازنة أو استجابة للتوجهات الدولية في هذا المجال فقط، بل أيضا نتيجة لعديد المشاكل البيئية والاجتماعية التي تسببت فيها بعض المؤسسات في مختلف مناطق الجمهورية والتي كانت سببا مباشرا في اندلاع عدد من الاحتجاجات الاجتماعية التي طالبت بمحاسبة هذه الشركات على الأضرار التي سببتها وذلك من خلال غلقها أو إجبارها على المساهمة في تنمية المناطق المتضررة من أنشطتها.
ومن المفارقات في هذا القانون أيضا، أنه لم يتم تقديمه من قبل الحكومة لمجابهة هذه المشاكل المجتمعية في إطار رؤية تضع في الميزان جميع الجوانب المالية والتقنية للعمل الحكومي وإنما تم إيداعه في شكل مقترح قانون تبنّته مجموعة من النواب المنتمين إلى مختلف الكتل النيابية.
وبالرغم من أن هذا القانون يقوم على “تبني سلوك شفاف يعود بالفائدة على المجتمع جهويا” (الفصل الأول) إلا أنه لا يحيل بتاتا إلى النظام القانوني للامركزية. كما أنه لا يضع آليات تسمح بانتفاع الجماعات المحلية من نظام المسؤولية المجتمعية للمؤسسات.
كما تم إعطاء رئيس الحكومة دورا رئيسيا في تفعيل أحكام هذا القانون. فمساهمة المؤسسات في برامج المسؤولية المجتمعية (الفصل 2) وإحداث لجنة قيادة جهوية تهتم بوضع أولويات التدخّل في هذا المجال وضبط طرق عملها (الفصل 4) وإحداث مرصد للمسؤولية المجتمعية (الفصل 6)، تخضع جميعها إلى أوامر حكومية تضبطها وتفسّر طريقة سيرها. إذ أن المشرّع، لم يخض عند مناقشة هذا القانون في التفاصيل، بل وضع الخطوط العريضة لنظام المسؤولية المجتمعية فقط وأحال جميع المسائل التقنية والعملية إلى رئيس الحكومة الذي يجب أن يصدر أوامر حكومية من أجل تطبيقه.
كما قام المجلس بالمصادقة على القانون عدد 30 لسنة 2018 مؤرخ في 23 ماي 2018 المتعلق بإتمام القانون عدد 13 لسنة 1994 المؤرخ في 31 جانفي 1994 المتعلق بممارسة الصيد البحري الذي يحتوي على فصل وحيد يهدف إلى “تعزيز معاينة جرائم الصيد البحري المتعلقة بالصيد في المناطق المحجرة وتحرير محاضر في الغرض بالاعتماد على المعلومات المتعلقة بمواقع وجود وحدات الصيد البحري والتي توفرها تجهيزات المراقبة عبر الأقمار الاصطناعية”.
وقد قام المجلس خلال موفى سنة 2017 بالمصادقة على مشروع قانون يتعلق بتنقيح الفصل 15 من مجلة الغابات والذي صدر بالرائد الرسمي للجمهورية خلال سنة 2018. ويقضي هذا القانون بإحداث إمكانية “إنجاز مرافق عمومية أساسية مدرجة بمخططات التنمية” دون تحديد طبيعة هذه المرافق ونوعية الأنشطة الممارسة في إطارها. ويتعلق الفصل 15 الذي تم تنقيحه بتحويل صبغة الغابات من كونها تابعة لملك الدولة العام والذي لا يمكن للدولة لا استغلاله ولا التفويت فيه خلافا لملك الدولة الخاص الذي يمكن استغلاله وحتى التفويت فيه. كما يلحظ أن تقييم ضرورة إنشاء هذه المرافق العمومية لا يخضع فقط إلى السياسة التي يتم وضعها من قبل السلطات المركزية بل أصبح كذلك للسلطات المحلية إمكانية تضمين المرافق العمومية صلب مخططات التنمية خاصة وأن المناطق الغابية أصبحت تدخل ضمن المناطق البلدية بعدما تم تعميم التراب البلدي على كل التراب التونسي. وفيما من شأن هذا التنقيح أن يدعم الولوج إلى المرافق العمومية بالنسبة للسكان المتواجدين قرب المناطق الغابية، فإنه لم يضع ضمانات كافية لحماية الخصوصية البيئية لهذه المناطق. وهو ما يجب أن يتم تكريسه أكثر صلب مجلة الغابات.
ولا بد من الإشارة بالمقابل بأن ثمة مشروعين آخرين عالقين لدى المجلس لم يتم النظر فيهما بعد، وهما مقترح القانون عدد 92/2018 المتعلق بتنقيح مجلة الغابات وكذلك مقترح قانون أساسي عدد 89/2018 المتعلق بتنقيح مجلة المياه.
5- المساءلة والمحاسبة ومكافحة الفساد:
صادقت الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب التونسي بتاريخ 17 جويلية 2018 على مشروع القانون عدد 46 لسنة 2018 المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح وبمكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح الذي جاء تعويضا عن القانون عدد 17 لسنة 1987 المؤرخ في 10 أفريل 1987 المتعلق بالتصريح على الشرف بمكاسب أعضاء الحكومة وبعض الأصناف من الأعوان العموميين واستكمالا للنظام القانوني المتعلق بمكافحة الفساد[9].
وقد أسس هذا القانون لحماية المال العام وذلك بإرساء رقابة شاملة على القطاعين العام والخاص. فقد وسّع القانون نطاق الرقابة لتشمل المشتغلين في الأمن الداخلي وغيرهم من أعوان الوظيفة العمومية وليشمل في القطاع الخاص الإعلاميين وأصحاب المؤسسات الإعلامية والمسؤولين النقابيين ومسيري الجمعيات والأحزاب.كما أسس كذلك إلى عديد الإجراءات الأخرى التي تجعل من التصريح بالمكاسب والمصالح إجباريا ويترتب عن عدم القيام به عديد العقوبات الجزائية[10]. كما أنه نص على وجوب نشر التصاريح الصادرة عن عدد من المناصب العليا والهامة في الدولة.
ومن بين الخلافات التي طرحت أثناء مناقشة مشروع هذا القانون، نذكر مسألة مجال انطباق القانون إذ يقتصر المشروع الأولي على القطاع العام فقط ولا يشمل القطاع الخاص ولا يحقق بذلك الغاية الرئيسية منه وهي مكافحة الفساد المنتشرة في القطاع الخاص كالقطاع العام. وفي هذا السياق اعتبر عدد من النواب[11] أن حماية المال العام أشمل من القطاع العام لأن ذوات القطاع الخاص أيضا خاضعة لواجب حماية المال العام، فيما اعتبر عدد من النواب خاصة منهم نواب كتلة حركة النهضة أن الغاية من مشروع هذا القانون ليست مراجعة التشريع الجنائي لمكافحة الفساد بقدر ما يهدف إلى سد فراغ تشريعي لموظفي القطاع العام فقط.
ختاما، تجدر الإشارة إلى أن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد أعطت تفسيرا للقانون من شأنه أن يوسع عدد الأشخاص المعنيين بالتصريح، بحيث يقدر عددهم بما يتجاوز 350 ألفا. وهو ما يطرح تساؤلات بخصوص قدرة الهيئة على ممارسة رقابة فعلية على تصاريح هؤلاء وتتبعهم في حالة عدم قيامهم به.ويخشى أن يؤدي تضخيم عدد الأشخاص الملزمين بالتصريح إلى إضعاف فاعلية هذا القانون.
وفي هذا الإطار، لم ينظر مجلس نواب الشعب خلال سنة 2018 في مشروع القانون الأساسي عدد 08/2018 المتعلق بانضمام الجمهورية التونسية إلى اتفاقية الإتحاد الإفريقي لمنع الفساد ومكافحته بالرغم من إحالته على أنظار المجلس منذ جانفي 2018 مع طلب استعجال النظر. ويندرج مشروع هذا القانون في إطار المصادقة على مبادرة إقليمية في إطار تفعيل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد المعتمدة بنيويورك في أكتوبر 2003 والتي تعتبر الآلية الدولية المرجعية في مجال التوقي من ظاهرة الفساد ومكافحته والتي وقعت عليها تونس في سنة 2006 وصادقت عليها بموجب القانون عدد 16 لسنة 2008 المؤرخ في 25 فيفري 2008.
- نشر هذا المقال في العدد | 14 | أبريل 2019، من مجلة المفكرة القانونية | تونس |. لقراءة العدد انقر/ي على الرابط ادناه:
لمن القانون في تونس 2018؟
[1] مشروع القانون عدد 1/2018 المتعلق بحرية الاتصال السمعي البصري ومشروع القانون عدد 69/2018 المتعلق بهيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة.
[2]قرار الهيئة الوقتية لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين عدد 4/2017 المؤرخ فــي 8 أوت 2017 المتعلّق بالطّعن فــــي دستوريّة مشروع القانـــون عدد 30/2016 المتعلّق بالأحكام المشتركة بين الهيئات الدّستوريّة المستقلّة.
[3]قرار الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين عدد 03/2018 مؤرخ في 30 جويلية 2018 يتعلق بالطعن في دستورية مشروع القانون الأساسي عدد 30/2016 المتعلق بالأحكام المشتركة بين الهياكل الدستورية المستقلة.
[4]تمّت المصادقة عليها من قبل مجلس نوّاب الشّعب بتاريخ 27 أكتوبر 2017،
“