
رسم رائد شرف
انعكس انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد شغور رئاسي لأكثر من سنتين على الجريدة الرسمية التي نشرت في عددها الصادر بتاريخ 30 كانون الثاني 2025 أول دفعة من المراسيم التي أصدرها الرئيس جوزاف عون. وهكذا يكون رئيس الجمهورية قد باشر ممارسة واحدة من أبرز صلاحياته الدستورية ألا وهي إصدار المراسيم التي عادت إليه بعد انتقالها إلى مجلس الوزراء بسبب الفراغ في رئاسة الجمهورية الذي امتد بين 31 تشرين الأول 2022 و9 كانون الثاني 2025.
لكن المتصفح للجريدة الرسمية سرعان ما سيلاحظ وجود ثلاثة أنواع من المراسيم أصدرها رئيس الجمهورية منذ توليه سدة الرئاسة هي التالية:
- النوع الأول يخص المراسيم التي تحتاج إلى موافقة مجلس الوزراء التي حصلت على تلك الموافقة خلال فترة الشغور الرئاسي كالمرسوم رقم 27 المتعلق بالنظام المالي لهيئة الشراء العام الذي وقعه رئيس الجمهورية بتاريخ 20 كانون الثاني 2025 على الرغم من أن مجلس الوزراء وافق عليه في جلسة عقدت بتاريخ 17 كانون الأول 2024، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول سبب عدم إصدار مجلس الوزراء هذا المرسوم عندما كان يتولى صلاحيات رئيس الجمهورية.
- النوع الثاني وهو يتعلق بالمراسيم العادية التي لا تحتاج إلى موافقة مجلس الوزراء والتي يقوم رئيس الجمهورية بإصدارها على أن تحمل توقيع رئيس الحكومة والوزير المختص. وهذه المراسيم كانت خلال الشغور الرئاسي تحتاج إلى عقد جلسة للحكومة لإقرارها كون صلاحية إصدار المراسيم انتقلت إلى مجلس الوزراء، بينما اليوم عادت تلك الصلاحية إلى رئيس الجمهورية ما يعني أن إصدارها لم يعد يحتاج إلى موافقة مجلس الوزراء.
- النوع الثالث وهو الأخطر أي المرسوم رقم 24 الصادر في 22 كانون الثاني 2024 المتعلق بشروط استبقاء الضباط الاختصاصيين في الجيش في الخدمة بعد بلوغهم السن القانونية. فهذا المرسوم[1] يحتاج إلى موافقة مجلس الوزراء لكنه صدر كما يظهر من بناءاته بعد الحصول على الموافقة الاستثنائية لكل من رئيسيْ الجمهورية والحكومة.
فبعد غياب طويل بسبب الفراغ الرئاسي عادت ظاهرة الموافقات الاستثنائية المخالفة للدستور بسبب انتخاب رئيس جديد للجمهورية. فالموافقات الاستثنائية هي آلية لا سند دستوري لها ابتدعها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لأول مرة سنة 2013 بموجب تعميم اعتبر أن استقالة الحكومة واقتصار دورها على تصريف الأعمال يمنعها من الانعقاد ما يعني أن جميع المراسيم التي تحتاج إلى موافقة مجلس الوزراء لا يمكن أن تصدر، لذلك لا بد من الاستعاضة عن موافقة مجلس الوزراء من خلال الحصول على الموافقة الاستثنائية لكل من رئيسي الجمهورية والحكومة قبل صدور المرسوم. وقد سار جميع رؤساء الحكومات منذ 2013 على هذا النهج إذ تم إصدار تعميم مماثل في كل مرة عقب استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة.
والظاهر أن المرسوم رقم 24 لم يكن التطبيق الوحيد للموافقات الاستثنائية إذ وجه رئيس الحكومة كتابا إلى وزير المالية بتاريخ 20 كانون الثاني 2025 أعلمه بموجبه صدور موافقة استثنائية عنه وعن رئيس الجمهورية بالموافقة على مشروع مرسوم يرمي إلى نقل اعتماد من أجل تمويل ترحيل مواد كيميائية خطرة من منشآت النفط في طرابلس والزهراني بسبب “عدم إمكانية انعقاد مجلس الوزراء في المرحلة الراهنة” على أن “يعرض لاحقا على مجلس الوزراء على سبيل التسوية”.
وقد شرحت المفكرة القانونية بإسهاب في ورقة بحثية حول تصريف الأعمال خطورة الموافقات الاستثنائية ومدى مخالفتها للدستور لا سيما وأن الحكومة المستقيلة يمكن لها الاجتماع حتى لو كانت تقوم فقط بتصريف الأعمال، وهي بالفعل اجتمعت خلال السنوات الماضية عشرات المرات وأقرت أخطر المواضيع لعل أبرزها ما بات يعرف باتفاقية وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني 2024.
ومن علامات الاستفهام التي تطرح حول هذا الأمر مسألة تمديد اتفاق وقف إطلاق النار إلى 18 شباط 2025 الذي أعلن عنه رئيس حكومة تصريف الأعمال بعد التشاور مع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب من دون اجتماع الحكومة للحصول على موافقة مجلس الوزراء كما تفرضه المادة 52 من الدستور. وعلى الرغم من أن إعلان التمديد لم يتكلم صراحة عن موافقة استثنائية لكن حصوله بهذه الطريقة لا يمكن أن يفهم إلا عبر آلية الموافقات الاستثنائية التي تؤدي إلى حلول رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة مكان مجلس الوزراء.
فمع انتخاب الرئيس جوزاف عون عادت الموافقات الاستثنائية إلى الحياة كون إصدار المراسيم انتقل مجددا إلى رئيس الجمهورية، ما يعني أن اجتماع مجلس الوزراء لم يعد ضروريا لإصدار تلك المراسيم. فبدل أن يشكل انتهاء الشغور الرئاسي مناسبة لانتظام الحياة الدستورية أصبح ذريعة من أجل إحياء ممارسة لا أساس دستوري لها إطلاقا.
[1] من الأمور المستغربة في بناءات هذا المرسوم أيضا هو استناده إلى مرسوم تشكيل الحكومة وهو الأمر الذي لا يتم ذكره اطلاقا في المراسيم التي يصدرها رئيس الجمهورية.
متوفر من خلال: