أصدر مجلس شورى الدولة بتاريخ 21/5/2024 قرارا بإلزام الدولة تسديد تعويض لمواطن فقد عينه اليمنى بفعل الرصاص المطاطي الذي أطلقته القوى الأمنية على المتظاهرين في بيروت في 18/1/2020. ففي ذلك اليوم، واليوم الذي يعقبه، فقد أربعة متظاهرين أعينهم بالرصاص المطاطي، علما أن “المفكرة القانونية” كانت وثّقت شهادات 3 منهم. وقد أكّد هؤلاء أنّهم لم يقوموا بأية أعمال شغب عند استهدافهم، وبأن عناصر القوى الأمنية أطلقوا النار عليهم من مسافة قريبة وبتصويب مباشر باتجاه العين، ما يؤشّر إلى كيفية استخدام قوى الأمن الداخلي للرصاص المطاطي بحقّ المتظاهرين وتعمدها إصابتهم على هذا الشكل. ولم تكن هذه الحوادث الوحيدة التي استهدفت فيها عيون المتظاهرين، إذ وثّقت “المفكّرة” فقدان 12 شخصاً على الأقل إحدى العينين خلال مشاركتهم في التظاهرات التي أعقبت اندلاع انتفاضة 17 تشرين الأوّل 2019. فهذا النهج تكرّر في ثلاث محطّات، أبرزها في 8 آب 2020 إبّان التظاهرة التي تلت تفجير المرفأ، والتي فقد 7 من المشاركين فيها أعينهم إمّا بالرصاص المطاطي أو بتوجيه القنابل مباشرة إلى أعينهم من قبل القوى الأمنية والجيش وشرطة مجلس النواب.
وبالرغم من فداحة الإصابات، لم يتم الإعلان عن أي تحقيق رسمي جدّي في تلك الحوادث إن كان من قبل النيابات العامّة أو مجلس النوّاب أو أي تدبير مسلكي أو تأديبي بحق العناصر التي ارتكبتها. وكانت نتيجة الشكاوى الجزائية التي قُدّمت بشأنها أمام النيابة العامة التمييزية إما حفظها أو تجميدها من قبل مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية من دون أن يرشح عنها أي نتيجة. وبالتالي تعذّر تحديد الأشخاص الذين قاموا بالاعتداء، ما قطع الطريق على المتضررين بالادعاء عليهم جزائيًا ومدنيًا في ظل تقاعس الجهات التي تمثّل الحقّ العام عن إجراء تحقيقات جديّة. هذا الواقع دفع خمسة ممن فقدوا إحدى أعينهم لمداعاة الدولة (وزارة الداخلية والبلديات – قوى الأمن الداخلي) أمام القضاء الإداري (مجلس شورى الدولة) بهدف تحميلها مسؤولية الضرر الذي تكبدوه من جراء أعمال أجهزتها. وقد مثّلهم المحامي حسام الحاج.
ورغم زهادة التعويض الذي قضى به المجلس في أوّل قرار يصدر عنه في هذه الدعاوى الخمس، وقيمته 890 مليون ليرة لبنانية، إلّا أنّ القرار تناول مسائل هامة حول نظام مسؤولية الدولة عن الأضرار التي تلحق بالمتظاهرين يجدر التوقف عندها. وقد صدر القرار تحت الرقم 445/ 2023-2024 عن الهيئة المؤلفة من القاضي وليد جابر رئيساً والمستشارتين ثريا الصلح وسارة رمال.
أولاً: الدولة تتنصّل من المسؤولية وتحمّلها للضحية
اعتبرت الدولة في لائحتها الجوابية على طلب المستدعي بالتعويض له عن فقدان عينه، أن المتضرر يتحمّل وحده عبء المسؤولية، باعتبار أن سبب الضرر معزو له وحده لأنه قام هو ورفاقه بأعمال شغب تمثلت بخلع لوحات إعلانية وإطلاق مفرقعات على القوى الأمنية وتكسير دروعها ومحاصرة مجموعة منها بالإضافة إلى تكسير آلية عسكرية وإحراق محلات وبنوك في وسط المدينة، كذلك التعرض بالضرب للعناصر. وقالت الدولة – وزارة الداخلية أن القوى الأمنية لم تستخدم الرصاص المطاطي إلا باتجاه أرجل المشاغبين وبمسافة لا تقل عن عشرة أمتار. وقد جاء جواب الدولة هذا في تناقض مع بيان قوى الأمن الداخلي الذي صدر في 21/1/2020 وأقرّت فيه بإطلاق الرصاص عن مسافة قريبة تبلغ أقل من 10 أمتار من المتظاهرين، حيث جاء فيه أنّ “تُعطى الأوامر للعناصر بإطلاق الرصاص المطّاطي باتّجاه الأرجل حصرًا، على مسافة حوالي /10/ أمتار، وما حصل في بعض الحالات القليلة جدًّا، (أي وجود الدافع البلاستيكي مع الكرة المطّاطية) وذلك نتيجة إطلاقها من مسافة قريبة على أشخاص كانوا يقومون بأعمال شديدة العنف.” وبالمقابل، خلا ملف الدعوى من أي دليل على إقدام الضحية – المستدعي على أي أعمال شغب، بل اكتفت الدولة بإلقاء التهمة عليه لتبرير أفعال القوى الأمنية من دون أن تقدم أي إثبات على ادعائها، كما امتنعت عن إبراز محاضر التحقيق في هذه الحادثة رغم تكليفها بذلك من قبل المجلس.
وبحسب الدولة – وزارة الداخلية، فإن التظاهرة موضوع الدعوى تحولت إلى مواجهات بين المتظاهرين والقوى الأمنية أدت إلى إصابة عسكريين ومدنيين، الأمر الذي دفع قوى الأمن إلى استعمال القوة بتدرج وبحسب المبادئ والمعايير الأساسية الدولية. وأجابت الدولة أنها راعت مبادئ المشروعية والضرورة والتناسب إذ إن الرصاص المطاطي استخدم مرتين فقط بعد استنفاد كافة الوسائل المتاحة، فقالت إنّهم لجأوا أولا لرشّ سبراي رذاذ الفلفل، ثم رشّ المياه والطلب من المتظاهرين السلميين الابتعاد عن مكان الشغب. في المقابل، أكّد المتظاهرون الذين قابلتهم “المفكّرة” أنّهم تعرّضوا للإصابة قبل بدء أعمال الفوضى، وبأن التصويب تمّ باتجاه أعينهم مباشرةً.
واللافت أن الدولة أشارت إلى أنه توافر لديها معلومات عن إقدام عناصر من حرس المجلس النيابي على إطلاق الرصاص المطاطي على المتظاهرين في منطقة العازارية، أما القوى الأمنية فقد استخدمته على أرجل المشاغبين المحاصرين للقوى الأمنية على جامع الأمين. إلا أنّها لم تذكر أي معلومات حول الأشخاص الذين أطلقوا الرصاص ولم تبيّن أي أدلّة حول ذلك، كما تجاهل المجلس في قراره هذه الإشارة، واكتفى بتقييم سلوك قوى الأمن الداخلي.
ثانيًا: القوى الأمنية ارتكبت خطأً جسيمًا
ناقش المجلس في قراره ما إذا كانت مسؤولية قوى الأمن الداخليّ في القضيّة تنعقد على أساس الخطأ أم على أساس نظرية المخاطر التي لا تشترط بالضرورة أن يكون هناك خطأ قد وقع من قبل الإدارة، بل تستند إلى أنّ الضرر اللاحق بالمُستدعي قد نتج عن نشاط إداري يتميز بطبيعته أو بحكم ظروفه المحيطة بخلق خطر يهدّد الأفراد، أي عن الأسلحة والآلات التي استعملتها قوى الأمن في إطار عملية ردع أعمال الشغب خلال التظاهرة.
وفيما كان تقرير المستشارة المقرّرة القاضية ثريا الصلح في 25/1/2024 ومطالعة مفوّض الحكومة القاضي مارون روكز في 7/3/2024 قد ذهبا في اتجاه الإقرار بمسؤولية الدولة على أساس نظرية المخاطر، ذهب المجلس في قراره في اتجاه معاكس. إذ اعتبر أنّه إذا كان المتضرر من الأشخاص الذين تستهدفهم عمليات الأمن (وليس شخصاً ثالثاً)، فإن المسؤولية تبنى على أساس الخطأ الجسيم، نظرًا للمخاطر الكامنة في استعمال الأسلحة الخطرة التي تمتدّ لتشمل الأسلحة البسيطة، مُعتمدًا في ذلك على توسّع الاجتهاد الإداري في اعتبار الأسلحة خطرة ليس فقط بطبيعتها وإنما أيضا بمفاعيلها الضارة. وميّز القرار بين المسؤولية على أساس الخطأ وعلى أساس نظرية المخاطر، إذ أن تفعيل الأخيرة يفترض أن يكون المتضرّر من غير الأشخاص الذين تستهدفهم عمليات الأمن، أما المسؤولية التي تشترط الخطأ فتطبّق عندما يكون المتضرر ممن تستهدفهم هذه العمليات. واعتبر المجلس أن الخطأ الذي يجب البحث عنه لانعقاد مسؤولية الدولة في هذه القضية، ليس الخطأ البسيط أو الطفيف، بل الخطأ الجسيم، وذلك لكون نشاط المرفق الأمني “متسماً بصعوبة خاصة أو ينطوي على خطورة بالغة واستثنائية أو يتطلب جهوداً خاصة واختصاصات مهنية دقيقة.”
وبناء على هذا التوجّه، وبالاستناد إلى الوقائع التي تؤكّد تعرّض المستدعي لإصابة بعينه اليمنى أدّت إلى استئصالها نتيجة الرصاص المطاطي التي كانت قوى الأمن تستخدمه على الجزء العلوي من أجسام المتظاهرين، أقرّ المجلس بمسؤولية الدولة في هذه القضية على أساس الخطأ الجسيم. وهذا الخطأ يتمثّل حسب القرار، في مخالفة أفراد قوى الأمن الداخلي للتعليمات والأوامر الموجهة لهم بتصويب الرصاص المطاطي إلى الأرجل. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ القرار خلا من الاستناد إلى أي تعليمات خطيّة بهذا الشأن، بل اكتفى بتبنّي الحجج التي ساقتها الدولة في جوابها، والتي قد تتنافى مع واقع الحال الذي يُنبئ عن وجود سلوك معتاد بالتصويب في اتجاه الأعين نظراً لتكرار الإصابات في العيون في أكثر من تظاهرة.
ثالثًا: نقل عبء الإثبات إلى الدولة
في سياق بحثه عن خطأ الدولة في هذه القضية، اعتبر القرار أنّه وإن كان عبء الإثبات يقع من حيث المبدأ على عاتق المتضرّر، عملاً بمبدأ “البينة على من ادّعى”، إلا أنه في حالات كثيرة قد يعتبر الخطأ قائمًا بمجرّد الادّعاء به. ويكفي بحسب المجلس أن يكون هناك قرينة على وجود خطأ لا يمكن دحضها إلا بإثبات العكس من قبل الدولة، فينقلب عندئذ عبء الإثبات إليها، بحيث يبقى عليها أن تنفي مسؤوليتها عن طريق إثبات أنها لم تخطئ ولم تتسبّب بوقوع الضرر.
ويُعبّر هذا التوجّه عن تطوّر لافت في تعاطي القضاء الإداري مع اختلال موازين القوى بين فردٍ محدود القدرة في الوصول إلى المعلومات ومصادرها، وبين إدارة تمتلك هذه المصادر وتستطيع الوصول إليها. وعليه، اعتبر القرار بأنّ هذا الاستثناء الذي يقلب عبء الإثبات هو لصالح المستدعي و”يقتصر تطبيقه على بعض فئات المتضررين في بعض المرافق العامة، كمرفق الأمن كما في الحالة الراهنة، لا سيما إذا كان إثبات الخطأ صعبًا وشائكًا.
رابعًا: افتراض خطأ الضحية
اعتبر القرار أن من شأن خطأ الضحية التخفيف كليًا أو جزئيا من مسؤولية الدولة في حال توافره وثبوته. ثم عرض تدرّج قوى الأمن الداخليّ في استعمال أدوات الردع للمتظاهرين بحيث تمّ بداية توجيه الإنذارات الشفهية عبر مكبّرات الصوت لمُثيري الشغب بالإقلاع عن أعمالهم، كما للمتظاهرين السلميين بضرورة الابتعاد عن المشاغبين حفاظًا على سلامتهم، ومن ثم رشّ المياه وإطلاق القنابل المسيّلة للدموع لتفريقهم، قبل استخدام الذخيرة المطاطية.
وما يثير الانتباه في القرار أنّه تبنّى الرواية التي أوردتها القوى الأمنية في تقاريرها حول أعمال الشغب والتدرّج في استعمال القوة، رغم خلوّها من أي إشارة إلى الضحية – المستدعي فرديًا ورغم عدم تقديم الدولة أي دليل يُشير إلى مشاركة المستدعي في هذه الأعمال. فاعتبر المجلس أن ما وقع من أعمال شغب واعتداء على القوى الأمنية أثناء التظاهرة، واستخدام أدوات قمعية تتناسب مع الأعمال التي تخرج عن إطار التظاهر السلمي، من شأنها أن تعفي المسؤولية عن الدولة جزئيًا وليس كليًّا، الأمر الذي يؤثر على تقدير قيمة التعويض، ودون أن يُحدّد نسبة المسؤولية التي يتحمّلها كل من الطرفين.
ويلحظ أن تقرير المستشارة المقرّرة القاضية ثريا الصلح كان وزّع نسبة المسؤولية بحدود 25% على الدولة مقابل 75% على الضحية، وذلك من دون الاستناد إلى أيّ دليل يُشير إلى عمل فردي ضارّ ارتكبه المستدعي. وهو الأمر الذي خالفه مفوّض الحكومة القاضي مارون روكز في مطالعته للمجلس حيث اعتبر أن المستدعي لم يدلِ بقيامه بأية أعمال شغب، وبأن على الإدارة أن تثبت أنّه قام بهذه الأعمال باعتبارها تملك الملف الإداري بما يتضمّن التقارير الأمنية والاستخبارية. وقد أكد مفوض الحكومة أنه لا يحقّ لأي سلطة عامة أن تطلق الرصاص المطاطي تجاه الوجه أو الأعين أو الأجزاء العليا من الجسم وهذا يعتبر خطأ جسيمًا.
وعليه، يؤخذ على القرار أنه لم يُثبت قيام المستدعي بأي عمل خارج عن القانون، بل أخذ الفرد بالجريرة التي نسبتها القوى الأمنية إلى الجماعة المتظاهرة، وذلك من دون أن يبيّن ما هي أخطاء المستدعي التي ارتكبها وتُبرّر الاعتداء عليه أو يثبتها. وهو توّجه يأتي في خلاف اجتهادات محكمة التمييز المتعلّقة بالتظاهرات والتي اعتبرت صراحة أنّ مجرد تواجد بعض الأشخاص في مظاهرة ومشاهدة أعمال الشغب لا تشكل عناصر كافية للقول بأن هؤلاء قاموا بارتكاب جرم جزائي، كمعاملة رجال الأمن بالشدة أو الشغب والامتناع عن التفرق بغير القوة، في ظل غياب أدلة أخرى تعزز هذه الوجهة (مثلاً قراري الغرفة السادسة رقم 96/2006 و97/2006).
ويتنافى موقف المجلس هذا الذي فيه شيءٌ من افتراض حسن النية، مع الأسلوب القمعي الممنهج الذي اعتمدته السلطة السياسية في مواجهة الانتفاضة الشعبية، على مدى أشهر. وقد سبق ل “للمفكرة” أن وثقت وأحصتْ حالات العنف التي استخدمت فيها السلطة العنف والتعذيب في وجه الانتفاضة والتي بقيت معظمها بمنأى عن أي محاسبة فعلية.
خامسًا: تعويض يتجاهل الضرر المعنوي والمستقبلي
خلص القرار إلى ترتيب مسؤولية جزئية على الدولة توجب التعويض على الضحية. ورغم أن المستدعي طالب بتعويضه بمبلغ عشرة ملايين دولار أميركي والتعويض له بدخل بدخل شهري يوازي خمسة أضعاف الحدّ الأدنى للأجور وبرر هذه المبالغ والأضرار التي لحقت به بشكل مفصّل في مراجعته، إلا أن المجلس قدّر قيمة التعويض بمبلغ 890 مليون ليرة لبنانية (أي ما يُقارب 10 آلاف دولار أمريكي بتاريخ صدور القرار) لمصلحة المستدعي بالإضافة إلى فائدة 1% من تاريخ صدور القرار إلى حين الدفع الفعلي.
وبرّر القرار قيمة التعويض بأن تكلفة ترميم محجر العين، بالإضافة إلى تركيب عين صناعية، تبلغ حوالي خمسة عشر ألف دولار أميركي بحسب المستندات التي أرفقها المستدعي، كما أن الأخير لم يتعرّض لعجز كلّي يمنعه من أداء مهامه الحياتية والعملية ممّا ينفي وجوب تعويضه بأجر شهري. وتجدر الإشارة إلى أنّ مفوض الحكومة كان قد اعتبر في مطالعته المقدمة للمجلس أنّه يقتضي الحكم بدخل شهري مدى الحياة للضحية، نظرًا للعطل الدائم، وإعادة النظر بنسب المسؤولية وفقًا للأدلة الواردة في الملف الإداري، إلا أن المجلس قرّر عدم تبنّي هذه الوجهة.
يُسجّل على القرار في هذه النتيجة التي خلُص إليها، أنّه حصر الضرر الذي أصاب الضحية بالتكاليف الطبية والاستشفائية لمعالجة الإصابة التي تعرّض إليها، وذلك دون أن يتطرّق إلى الأضرار الأخرى ومنها الضرر المستقبلي الذي سيلحق بالضحية بفعل خسارته عينه، والتكلفة الباهظة لعملية تركيب عين بديلة، بالإضافة إلى الضرر المعنويّ الهائل الذي تكبّده ولم يزل. وهو توّجه يأتي في تعارض مع مبدأ التعويض العادل والشامل.
وكان عدد من ضحايا عنف القوى الأمنية الذين أصيبوا في أعينهم سواء بالرصاص المطاطي أو غيرها من الأسلحة، قد أفادوا ل “المفكّرة” أنّهم ما زالوا يعانون بعد سنوات من إصابتهم من أضرار معنويّة وكذلك مادية بفعل العلاج المستمر. وهذه الأمور لم يتطرّق إليها المجلس في قراره مخالفا بذلك مبدأ التعويض الشامل.
خلاصة:
تكمن أهمية هذا القرار أنّه يُعيد الاعتبار للمحاسبة القضائية على عمل القوى الأمنية في قمع التظاهرات بشكل خاص، بخاصّة بعد فشل مختلف آليات المحاسبة الأخرى كالملاحقة الجزائية والإجراءات التأديبية والرقابة البرلمانية. وهو يُعطي الأمل بالعدالة لعدد من ضحايا عنف السلطة ممن فقدوا أعينهم برصاصها المطاطي وأسلحتها الأخرى ولا يزالون ينتظرون قرار المجلس في الدعاوى التي تقدموا بها. إلا أنّه يسجّل على المرفق القضائي بشكل عام، أنّه فشل في تحميل مسؤوليات شخصية جزائية ضدّ المرتكبين، الذين حفظت النيابة العامة العسكرية والتمييزية الشكاوى في حقّهم.
يأتي هذا القرار في ظل تعطّش اللبنانيين للعدالة، وفي ظل التقهقر الذي يعيشه القضاء في لبنان، وشبح التعطيل الذي يُلاحق المؤسسات القضائية ومنها مجلس شورى الدولة، ممّا يهدّد العدالة في لبنان، ويؤخّرها كما هو الحال في ملفات عديدة أهمّها الملفات المتعلقة بالانهيار المالي والاقتصادي، وملف تفجير مرفأ بيروت، حسبنا أن نستذكر عنف السلطة تجاه ضحاياه ومنهم من فقدوا أعينهم أثناء مطالبتهم بمحاسبة المجرمين.
للاطّلاع على قرار مجلس الشورى