“بدي بنتي لي عمرها سنتين تعرف إنّه إمها بطلة، وإنه طالبنا بحقها لآخر نفس”، يقول إيلي داوود زوج الشهيدة جيسي قهوجي الممرضة التي قضت في مستشفى الروم في تفجير 4 آب. تدمع عيون إيلي ويغصّ وهو يشرح سبب مشاركته في الوقفة الاحتجاجية أمام قصر العدل أمس الإثنين بعد مرور حوالي ستة أشهر على وقوع التفجير من دون إحراز أي تقدّمٍ على صعيد التحقيقات القضائية.
أمس وفيما التزم الشعب اللبناني والمسؤولون اللبنانيون منازلهم جرّاء الإقفال العام الذي فرضته جائحة كورونا على البلاد، احتشد أهالي ضحايا تفجير المرفأ احتجاجاً على المماطلة في التحقيقات. وناشدوا الشعب اللبناني مساعدتهم في دعم قضيّتهم، وطالبوا قاضي التحقيق العدلي، فادي صوّان، بالمبادرة سريعاً لاستكمال التحقيقات واستدعاء المتّهمين.
حطيط للقاضي صوان “استدعِ الجميع ونحن إلى جانبك”
استهلّ إبراهيم حطيط الناطق الرسمي باسم أهالي الضحايا وشقيق الشهيد ثروت حطيط كلمته بالتذكير بالوقفة الاحتجاجية السابقة التي نفذت بتاريخ 9-9-2020 أمام البوابة رقم 3 لمرفأ بيروت، “حينها قلنا ونحن في أوج ألمنا أنّنا لسنا قطّاع طرق ولن نحرق دواليباً وهذا ليس ناجماً عن ضعفٍ بل من علمنا بقوّتنا النّابعة من حجم قضيّتنا والمظلومية التي ارتكبت بحقّ فلذات أكبادنا”. وأضاف أنّه في ذلك التاريخ أكّد الأهالي أنّ المعركة الكبرى ستكون مع القضاء “الفاسد” وحذّروا من “المماطلة والتسييس”.
وهدّد حطيط بأنّ صبر الأهالي قد نفذ خصوصاً وأنّهم يستقرئون المحاولات الدؤوبة لطمس القضية وتضييعها في زواريب التسييس، محذراً من الاستمرار في تضييع الوقت. “كلّ واحد بيتشاطر وبيتحايل عالثاني وما حدا ماخذ بعين الاعتبار حرقة قلوبنا وأعصابنا ودموع الأمهات والأرامل والأيتام”، أضاف. وأطلق نداء استغاثة إلى جميع اللبنانيين “الذين وحدهم عليهم الرّهان، ولا رهان على السّلطة الفاسدة”، داعياً إياهم إلى “الوقوف بجانب أهالي الضحايا في قضيتهم الإنسانية. وحذّر من أنّ عدم التحرّك الآن لمحاسبة المجرمين يعني أنّ جريمة المرفأ لن تكون الأخيرة فـ”يد الغدر التي طالتنا اليوم بفسادها غداً ستطالكم وتطال أولادكم”.
وطالب حطيط القاضي صوّان بضرورة الإجابة على أسئلة الأهالي الذين يحق لهم بعد مرور أكثر من ستة أشهرٍ على الجريمة معرفة “من أدخل نيترات الأمونيوم ولحساب من أتت باخرة الموت؟ ومن أفرغ النترات ومن حماها كل هذه المدّة؟”
وحذر حطيط القاضي من التذرّع بسرّية التحقيقات، داعياً إلى إخراج التحقيق من التدخّلات السياسية والأمنية، حيث سجّلت اللجنة رفضها وتنديدها بالتدخلات التي تمارس على القضاء إن لجهة الاستدعاءات أو التوقيفات، مهدّداً بقطع أيدي جميع السياسيين إن لم يكفّوها عن القضاء.
كذلك دعا حطيط القاضي صوّان إلى المبادرة سريعاً لاستكمال التحقيقات واستدعاء المتهمين من دون أي اعتباراتٍ سياسيةٍ أو طائفيةٍ، معلناً دعم اللجنة له (القاضي صوان) والوقوف إلى جانبه في مواجهة كل ما يعترضه.
الأهالي: “أما آن وقت الحساب”
على الرصيف المقابل لقصر العدل تلهو الطفلة زهراء (سبع سنواتٍ) وشقيقها أحمد ( 4 سنواتٍ) بالقفز عالياً، يحاولان التسابق للمس صورة والدهما الشهيد “هولو عباس” المعلّقة على الجدار فيما تمسح زوجته غدير عباس دموعها بين الفينة والأخرى. “مش حرام هالأولاد يربو يتامى، شو ذنبهم”، تسأل غدير وتروي أنّه في الليلة التي سبقت التفجير رأى ابنها أحمد حلماً مزعجاً وظلّ طوال ذلك النهار يردد “هولو مات، ماما هولو مات”. وكانت غدير حتى لحظة التفجير تحاول وشقيقتها التحدّث معه وتهدئته، لكن رسالةً نصيةً وصلت إلى هاتفها أدركت بعدها غدير أن ما يقوله ابنها أحمد هو الحقيقة بعينها. وفيما انشغل جميع أقارب هولو في البحث عنه في المستشفيات انشغلت هي في ترتيب مراسم دفنه. “ما بحب إروي هالحادثة لأن مستحيل تصير، بس صارت مع إبني”. هولو الذي كان يعمل في إهراءات القمح وجدت جثته في اليوم التالي للتفجير، “ما في شي رح يوقفنا، نحن أساساً ميتين من جوّا، بدّي حق جوزي لو بعد 100 سنة”.
دموع غدير تقابلها دموع والدة الشهيد أحمد قعدان ودموع والدة الشهيدة روان ووالد الشهيد شربل متى، عبده متى، الذي يصرّ على إيصال رسالته أمام وسائل الإعلام، “أنا عمري 62 سنة بدي حق شربل من روح الزعماء كلّهم، مش فارقة معي، بحسب حالي متت بالكورونا”. وكان شربل وهو عنصر في قوى الأمن العام بالقرب من الحريق المندلع عندما وقع التفجير الأوّل، حيث أصيب بيده وخابر الضابط المسؤول عنه ليعلمه بأنّه ذاهب لتفقّد زملاءه الآخرين وقبل أن يكمل الجملة وقع التفجير الثاني. يتذكر الوالد المفجوع ذلك النهار وكيف كان شربل سعيداً جداً لتمكّنه من الحصول على الأموال اللازمة لاستكمال بناء منزله بعدما باع سيارته لهذا الهدف، “أحلامه كانت صغيرة وعلى قدّه، كل ذنبه أنّه خلق بهالبلد لي ما بتحترم مواطنيها”.
أما ماريانا فودوريان شقيقة الشهيدة غايا فودوريان فتعبّر عن عتبها الشديد على الشعب اللبناني الذي يحاول نسيان ما حدث في الرابع من آب، “بفهم الناس لي متضرّرة تحاول تنسى لأنهم منهارين نفسياً، بس الناس لي ما تضرّرت بشي ليه ما عم تنزل؟ وين المظاهرات لي لازم تكون بكل المناطق”. واعتبرت أنّ الطائفية السياسية هي الداء الأكبر، محذرةً الجميع “ما حدا على راسه ريشة، فحادثة تفجير المرفأ ممكن أن تتكرر في أي لحظةٍ، وتكون تكلفتها ضحايا جداد وأبرياء”.
وكان القاضي صوّان قد ادّعى الشهر الماضي على كلٍّ من رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب، ووزير الأشغال السّابق يوسف فنيانوس، ووزير المال السابق النائب علي حسن خليل، ووزير الأشغال السابق النائب غازي زعيتر، بجرم الإهمال والتقصير والتسبب بوفاة وإيذاء مئات. لكن رفض الجميع المثول أمامه، باستثناء الوزير فنيانوس، بذريعة أنّ لديهم حصانة وأنّ محاكمتهم يجب أن تتم حصرياً أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الوزراء والرؤساء الذي لم يشهد محاكمة منذ ثلاثين عاماً. وطلب المدّعى عليهم نقل الدعوى إلى محكمة التمييز الجزائية، فتوقف صوّان حينها عن النظر في القضية لحين بتّ المحكمة في الطلب.
لكن الأخيرة ردّت طلب وقف السير بالتحقيقات في 11 من الشهر الجاري، وأعادت الملف إلى القاضي صوّان من دون البتّ في طلب نقل الدعوى للارتياب المشروع إلى حين استكمال التبليغات. ما يعني أنّ القاضي صوّان يستطيع معاودة جلسات التحقيق، الأمر الذي لم يتمّ لغاية اليوم.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.