يواصل أهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت معركتهم مع النيابة العامّة التمييزية التي “تمارس دور محامي الدفاع عن السياسيين والأمنيين والقضاة المتهمين بقضية انفجار مرفأ بيروت، بدلاً من أن تقف في صفّنا وتدافع عنا”، بحسب ويليام نون، شقيق الضحية جو نون. ونفّذ ذوو الضحايا الثلاثاء 21 أيلول 2021 وقفة احتجاجية أمام منزل المحامي العام التمييزي القاضي غسان خوري، جدّدوا خلالها مطلبهم بضرورة تنحّي كلّ من خوري والنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات عن ملف التفجير.
وجدّد أهالي الضحايا دعمهم لقاضي التحقيق في ملف التفجير طارق بيطار في مواجهة “محاولة الطبقة السياسية الإطاحة به عن طريق خلق ثغرات قانونية في طريقه”، بحسب قولهم، بخاصّة بعد أن نشر الصحافي إدمون ساسين خبراً عن تهديد رئيس وحدة التنسيق والارتباط لحزب الله وفيق صفا للقاضي بيطار. واليوم الأربعاء أكّدت مصادر قضائية الخبر لصحيفة “لوريان لوجور” الخبر.
وقفة احتجاجية أمام منزل خوري
عند الرابعة والنصف من ظهر أمس، تجمّع أهالي الضحايا أمام كنيسة مار شربل في ذوق مصبح، بمشاركة لافتة من عوائل ضحايا فوج الإطفاء. ثم توجّهوا إلى منزل القاضي غسّان خوري في محلة زوق مكايل، حاملين بأيديهم صور ضحاياهم وعلى وجوههم علامات الغضب. وما أن وصلوا حتى فوجئوا بالانتشار الكبير لعناصر الجيش اللبناني والقوى الأمنية أمام منزله. نادوا عليه فخرج الجيران على إثرها إلى الشرفات مؤكدين أنّ “خوري لا يمكث في منزله”. ولكن لم يصدّق ذوو الضحايا أن خوري خرج من منزله بسبب الانتشار الكثيف للقوى الأمنية وعناصر الجيش اللبناني الذين يحموه، فرفعوا صور الضحايا وعلت أصوات الأمهات: “ما ذنب أولادنا؟ وما ذنبنا حتى نخسر أغلى ما نملك وتُحرق قلوبنا؟”.
لماذا جاء أهالي الضحايا إلى منزل خوري؟
يجيب ويليام نون في كلمة له عن ذلك: “اتصلنا به بشكل محترم، لكنّه لم يحترمنا، وتحدّث إلينا بفوقية”. بعد استياء الأهالي من أداء كلّ من عويدات وخوري في ملف التفجير، صار مطلبهم الأساسي تنحيتهما وكفّ يديهما عن الملف. تقول رئيسة جمعية أهالي الضحايا، وشقيقة الضحية غايا فودوليان، ماريان فودوليان في حديث مع “المفكرة” إنّ “النيابة العامّة التمييزية بدلاً من أن تسعى لتحقيق الحقيقة والعدالة، تعمل على حماية المتّهمين في قضية التفجير، لذلك تعرقل التحقيقات، فتؤخّر إعطاء أذونات الملاحقة، ومذكّرات الإحضار، وتحديد مواعيد جلسات الاستجواب، والرد على الدفوع الشكلية”. وكانت نقابة المحامين تقدّمت بدعوى ارتياب مشروع بحق خوري، لكنّه بحسب نون “يتمسّك بالملف ويرفض أن يتبلّغ الدعوى”.
ووجه أهالي الضحايا أصابع الاتهام إلى النيابة العامة التمييزية باعتبارها تبلّغت بمدى خطورة مادة النيترات التي خزّنت في المرفأ ولم تحرّك ساكناً، “فهل كان ذلك استهتاراً أم خضوعاً لأوامر حزبية وضغوطات سياسية؟”، يسأل نون.
أهالي الضحايا يخشون الإطاحة ببيطار
من جهة أخرى، لم يصدر حتى الآن أي تأكيد أو نفي لخبر تهديد حزب الله للقاضي بيطار سواء من جهة الحزب أو من جهة بيطار “رغم خطورة الأمر، إذ يخشى أن يستخدم خبر التهديد كفخ لجر القاضي إلى إفادات تؤخذ عليه كشبهات ارتياب مشروع وبالتالي سبباً لعزله”، كما كتب المدير التنفيذي “للمفكرة القانونية” المحامي نزار صاغية على تويتر. وهذا بالضبط ما يخشاه أهالي الضحايا: “البحث عن ثغرات قانونية للإطاحة ببيطار كما حصل مع قاضي التحقيق السابق في ملف التفجير فادي صفوان”، وفق نون، بخاصّة بعد أن سمعوا عن “تحضير رئيس الوزراء السابق حسان دياب والوزراء السابقين لدعوى أمام محكمة التمييز الجزائية ضد بيطار“.
من هنا أكّد أهالي الضحايا دعمهم لبيطار الذي يرونه “غير منحاز لأيّ جهة سياسية”، وأنّه “إن لزم الأمر سنكون حرّاساً أمام منزله في وجه من يحاول المساس به”، داعين إلى “احترام القضاء والمثول أمامه لأن من لم يرتكب جرماً لا يخاف من المساءلة”، على حد تعبيرهم. كما ردّوا على من يحاول ردع بيطار: “الأخير أقوى من ذلك بدليل أنّه اليوم وتبعاً لنيل الحكومة الثقة وانتهاء العقد الحكمي لمجلس النوّاب، حدّد جلسات يومي الخميس 30 أيلول والجمعة 1 تشرين الأوّل للنوّاب الثلاثة المدّعى عليهم: علي حسن خليل، غازي زعيتر ونهاد المشنوق”.
“هل ندخل التاريخ قبل أن نصل إلى الحقيقة”؟
وعلى نسق قصص الوزراء في الحكومة الجديدة عن الضفادع والعصافير، سرد الناطق الرسمي باسم أهالي الضحايا، وشقيق الضحية ثروت حطيط، إبراهيم حطيط، قصّة قصيرة: “هناك صيّاد يستعين بكلب لملاحقة الغزلان، أطلق الصياد كلبه ليركض خلف أحد الغزلان من دون أن يتمكّن من الإمساك به. نظر الغزال إلى الكلب من خلفه، وقال له: لن تتمكّن من الإمساك بي لأنني أركض لنفسي فيما أنت تركض من أجل أسيادك”. وكانت العبرة وراء هذه القصة أنّ “السياسيين لن يلحقوا بأهالي الضحايا الذين سيصلون إلى مبتغاهم لأنهم يركضون في سبيل قضيّتهم ووجعهم ودماء شهدائهم”.
لكن، ريما الزاهد، شقيقة الضحية أمين الزاهد، تأسف من خبر وصلها عن إضافة انفجار مرفأ بيروت في آب 2020 إلى منهج التدريس لصفوف البكالوريا الفرنسية هذا العام، في حين “لانزال في المربع الأول، فهل سندخل كتب التاريخ قبل أن نصل إلى الحقيقة؟”.
من جهتها، لا تخاف أنطونيلّا حتّي، شقيقة الضحية شربل حتّي، من أن تثبط عزيمتها. فقد بدأت معركتها منذ الرابع من آب، وستستمر إلى حين ظهور الحقيقة ومحاسبة المسؤولين، وفق ما تقول. صحيح أن شقيقها لن يعود من الموت، وهذا قدره، لكنه “ليس رقماً في عدّاد الأموات حتى ننسى حكاية الأبطال الذين راحوا ليخلصوا الناس من الحريق أو نترك المجرمين يتسكعون في الطرقات من دون حساب”.