تحدٍ جديد يواجه أهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت، الذين لم يتوقفوا يوماً عن النزول إلى الشارع كلما دعت الحاجة، حرصاً منهم على استمرار التحقيق والوصول إلى الحقيقة والعدالة. ويتمثل التحدي في القرار الأخير باستبدال المحقق العدلي في قضية تفجير المرفأ طارق بيطار بقاض آخر “لمعالجة الأمور الضرورية والملحة – كطلبات إخلاء السبيل والدفوع الشكلية” بناء على كتاب وجهه وزير العدل، هنري خوري، في تاريخ 5 أيلول إلى مجلس القضاء الأعلى الذي وافق عليه.
رفض الأهالي القرار، نزلوا إلى الشارع صباح أمس الأربعاء في 7 أيلول ووقفوا أمام مدخل قصر العدل مستهدفين ببيانهم الوزير الذين اتهموه باغتيال القانون. أتبعوا تحرّكهم هذا بتحرّك ليلاً أمام منزله ثم صباح اليوم الخميس عادوا إلى قصر العدل علّ ميزانه يُنصفهم. ولم يكف الأهالي قرار استبدال القاضي الذي يعتبرون أنّه ضمانتهم للوصول إلى الحقيقة والعدالة، حتى قام الوزير خوري بتوجيه إهانات واتهامات مستغربة إليهم بأنّهم يقبضون من جهات تدفعهم إلى التحرّك. وقد ردّ الأهالي على الاتهامات في وقفتهم اليوم بنّ دم أبنائهم وضميرهم هو ما يحرّكهم فقط.
أهالي الضحايا للقاضي بيطار “إثبتْ في مكانك”
القرار المخالف للقانون، اعتبره أهالي الضحايا التفافاً على القاضي بيطار، الممنوع عن أداء عمله منذ أكثر من ثمانية أشهر بسبب طلبات الرد المقدمة بحقه، وبسبب امتناع وزير المالية، يوسف الخليل، توقيع مرسوم تشكيلات رؤساء غرف محكمة التمييز التي من شأنها تعيين قضاة للنظر في طلبات المخاصمة المتعلقة بالتحقيق. وبدلاً من تذليل العقبات أمام استمرار التحقيق والسعي لإيجاد حلّ ينصف أهالي الضحايا، سارع وزير العدل بدلاً من ذلك إلى العمل على تعيين محقق عدلي “بديل” لإخلاء سبيل الموقوفين.
وطالب الأهالي في وقفتهم الأولى الوزير بالتراجع عن قراره، حيث ألقت ريما الزاهد، شقيقة الضحية أمين الزاهد، كلمةً مرتجلة، اعتبرت فيها أنّ ما قام به الوزير هو مخالف لكلّ القوانين، وأنّه بدل السعي إلى تنفيذ مذكرات التوقيف بحق المدعى عليهم، يقوم بتنفيذ إملاءات الطبقة السياسية التي تهدف، من وراء القرار، إلى إخراج “أزلامها” الموقوفين من السجن. واعتبر الأهالي أنّ وزير العدل وبموافقة مجلس القضاء الأعلى قرروا “اغتيال القانون واغتيال الحقيقة”، مجددين دعوتهم وزير المالية يوسف الخليل إلى توقيع مرسوم تعيينات الهيئة العامة لمحكمة التمييز، “كلنا بدنا حقيقة دمنا، اليوم سقطت كل الخطوط الحمر، انتوا بدكم تضهّروا الأشخاص المدعومين، وما سائلين عن أهالي الضحايا”، وطالب الأهالي القاضي بيطار أن يثبت في مكانه وألّا يتنحى عن الملف.
وزير العدل يهين الأهالي
انتظر الأهالي طيلة نهار الأربعاء ولما لم يأت رد من وزير العدل، لم يجدوا أمامهم من خيار سوى التصعيد، فنظموا عند الساعة الثامنة مساءً وقفةً أمام منزله استمرّت حتى منتصف الليل. الوزير الذي أغاظه تجمهر الأهالي أمام منزله، اتهمهم في اتصالٍ مع قناة “الجديد” بأنهم “مدفوعين وغير بريئين”، قائلاً “يا عيب الشوم على هيك حركات، كل مرة بيجوا بيعملولي حملة رعب لأولادي، مش بريئة، هول الأهالي في مين بيدفعوهم وبيعطوهم سيارات ومرافقين، في حدا عم بيحرّكهم”.
تصريح الوزير “أخرج” الأهالي عن طورهم، ما دفعهم إلى تنفيذ وقفة احتجاجية نهار الخميس في 8-5- 2022 عند السابعة صباحاً أمام قصر العدل، رافضين العودة إلى منازلهم قبل تراجع الوزير عن قراره.
والدة الضحية أحمد قعدان التي حضرت إلى التظاهرات على دراجة نارية برفقة زوجها كعادتهما، سخرت من اتهامات الوزير “نحن ما حدا بيدفعلنا، نحن دم أولادنا ما منبيعه بالذهب”. أما والد الضحية، نيكول الحلو، فردعلىكلامالوزير قائلاً، “أنت خائف على أولادك من صريخ ناس مفجوعة، نحن لمّينا أولادنا شقف”.
ميشال أبو مرهج شقيق الضحية قيصر أبو مرهج، اعتبر أنه لا يمكن تجزئة الملف، فالقاضي الجديد سيطلب من بيطار الإطلاع على الملف وهذا ما سيضرب سرية التحقيق، وتابع أبو مرهج أنه من المعيب تلفيق التهم لهؤلاء الأهالي الذين يجرّون أجسادهم المريضة لمتابعة قضية ضحاياهم، “الله يعين العالم، في أهل ما معهم مصاري يجوا عالاعتصامات، في ناس مرضت من كثر الهم”.
محي الدين لاذقاني، ابن الضحية محمد اللاذقاني، اعتبر أن المسؤولية مشتركة بين وزير العدل ورئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود كونه وافق على القرار، وهو الذي وعد بأن يكون على مسافة عادلة من الجميع لكنه نكث بوعده، فبحسب اللاذقاني “القرار سينصف الموقوفين والمدعى عليهم، لكنه يفرّط بحق ضحايا التفجير”.
قرار غير قانوني يؤدي إلى هروب مشتبه فيهم
أثار قرار وزير العدل موجة استنكار وانتقادات. وبحسب المدير التنفيذي لـ”المفكرة القانونية” المحامي نزار صاغية، “القرار هو بمثابة اعتداء من وزير العدل على القضاء، وهو محاولة مباشرة للتأثير بالتحقيق من خلال تعيين قاض بديل عن القاضي الموجود”.
ويشرح صاغية أنّ الوزير يستند في قراره إلى وجود سابقةٍ حدثت في العام 2006 خلال التحقيق في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لكن حينها كان القاضي متواجد خارج الأراضي اللبنانية، وكان بحسب صاغية موافقاً على استبداله بقاض رديف. أما في قضية التفجير، فلا مجال للتشبيه، لأن القاضي بيطار رافض للاستبدال، وهو معطّل قصراً وليس إرادياً. ويتابع “نحن اليوم بحالة عزل قاض عن قضيته دون موافقته. واستناداً إلى المعايير الدولية، ما يحدث هو مسّ مباشر باستقلالية القضاء”.
من جهة ثانية، يعتبر صاغية أنّ القرار يستند إلى معطيات “غير مدققة”، “الوزير يقول إنّ كلّ الموقوفين صارت حالتهم خطرة وفي ناس دخلت المستشفى، بس ما عرفنا مين الأسماء، ما يدلّ على أنّ حتى المبررات بقيت من دون دليل”.
ويضيف صاغية أنه يخشى من ضغط سياسي مورس على مجلس القضاء الأعلى، ذلك لأنّ القرار بحسب صاغية تزامن مع “معمعة سياسية”، يث قام بعض النواب من التيار الوطني الحر باقتحام مكتب رئيس مجلس القضاء الأعلى والتلاسن معه.
ويعتبر صاغية أنّ القرار هو رسالة جديدة للتطبيع مع توقيف التحقيق، بحيث يستمر تعطيل التحقيق لكن يصار “عبر تطبيق القرار” إلى تهريب المشتبه بهم من العدالة وبالتالي الإفلات من العقاب. ويلفت إلى أنّ القرار لا يشمل فقط الموقوفين بل يتعداه إلى المدعى عليهم من الوزراء، ويظهر هذا واضحاً في النص من خلال عبارة “النظر بالدفوع الشكلية”، التي قد يقدّمها من هم غير موقوفين، كالوزراء المدّعى عليهم الرافضين لصلاحية القضاء بالتحقيق معهم، وهو ما يشكل باباً للهروب من العدالة . وعملياً “لا عدالة للضحايا بينما يهرب المدعى عليهم والمشتبه بهم”، يضيف.
ولإبطال القرار يرى صاغية أنّ هناك ثلاثة احتمالات:
أولاً: الضغط بشكل جدي من قبل القضاة على زملائهم المحتمل تسميتهم لرفض تعيينهم، لأن ذلك مخالف لقسمهم وواجبهم في حماية استقلال القضاء.
ثانياً: هو أن يختلف مجلس القضاء الأعلى والوزير على مقاربة الأسماء (للقاضي البديل)، إذ يمكن للاقتراحات المقدمة أن تكون محسوبة على جهات سياسية لا توافق توجه البقية، فلغاية اللحظة لم يصر إلى تسمية أي قاض.
ثالثاً: تقديم طعن أمام مجلس شورى الدولة، من قبل القاضي أو أهالي الضحايا لوقف تنفيذه.
وكان “ائتلاف استقلال القضاء” والمفكرة القانونية من بين أعضائه قد أصدر بياناً نهار الأربعاء 5-9-2022 فنّد فيه عدم قانونية القرار وتداعياته. ودعا الائتلاف “القضاة المستقلين إلى حماية المرجعية القضائية واستقلاليتها تعويضاً عن سقوط مجلس القضاء الأعلى في أداء هذه الوظيفة، وإلى التحقيق الفوري في دور وزير العدل والنوّاب في التأثير في قرار مجلس القضاء الأعلى”.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.