في قضية شغلت الرأي العام المحلي وربما العالمي وتجاوزت حيثياتها حدود المملكة الاردنية الهاشمية، أعلنت الهيئة المدنية في محكمة أمن الدولة الاردنية في جلسة علنية عقدتها يوم الخميس الموافق 26 / 6 / 2014 براءة المتهم الفلسطيني الاصل عمر محمود محمد عثمان الملقب بـ “ أبي قتادة ” القيادي في التيار السلفي الجهادي مما نسب اليه في القضية الاولى “ تنظيم الاصلاح والتحدي ”عام 1999، وجاء في الحكم " وعليه واستنادا لكل ما تقدم ولقناعة المحكمة التامة بما توصلت اليه فانها تقرر بالاجماع وعملا بالمادة236/2 من قانون اصول المحاكمات الجزائية اعلان براءة المتهم عمر ابو عمر لعدم كفاية الادلة والافراج عنه فورا ما لم يكن موقوفا او محكوما لداع اخر".
إلا أن قرار الإفراج لم ينفذ لأن ( المتهم ابو قتادة ) موقوف على ذمة القضية الثانية “التنظيم المسلح” او ما يعرف بقضية الالفية التي رفعت جلسة الحكم فيها إلى يوم الاحد الموافق للسابع من شهر أيلول المقبل، لاستكمال تدقيق ملف القضية.ويذكر ان الأردن تسلم المتهم “أبا قتادة” من السلطات البريطانية في 7 تموز 2013 بموجب اتفاقية بين البلدين تكفل له محاكمة عادلة. وبدأت اعادة محاكمته في جلسة علنية وفقا لقانون أصول المحاكمات الجزائية الاردني يوم 10 كانون الاول 2013 بعد أن الغت الهيئة المدنية الاحكام الغيابية الصادرة بحقه وكانت المحكمة قد حكمت سابقاً على أبي قتادة غيابياًبالاعدام الذي خفف الىالمؤبد في هذه القضية، قبل أن تستلمه من بريطانيا وتحاكمه حضورياً. وقد التزمت المحكمة بالاتفاقية المبرمة مع بريطانيا بخصوص محاكمة ابي قتادة فقد جاء في الحكم " …وحيث ان المادة27/4 من الاتفاقية بشان المساعدة القانونية المتبادلة في المسائل الجنائية بين المملكة الاردنية والمملكة المتحدة لبريطانيا وايرلندا والمصادق عليها بالقانون رقم 9 لسنة 2013 المنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 1-7-2013 والذي يعمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية قد نصت :
قبل تاريخ توقيع هذه الاتفاقية وفي حال وجدت محكمة في الدولة المرسلة احتمالا حقيقيا بان افادة شخص كانت نتيجة تعذيب او سوء معاملة من قبل سلطات الدولة المتلقية وبان هذه الافادة قد تستخدم في محاكمة جنائية في الدولة المتلقية وفق ما ورد في الفقرة 1 من هذه المادة فان الادعاء العام لن يقدم هذه الافادة كما ولن تقبل بها المحكمة في الدولة المتلقية الا اذا برهن الادعاء العام في الدولة المتلقية بما لا يدع مجالا للشك بان الادلاء بتلك الافادة كان طوعا واختيارا ولم يكن نتيجة تعذيب او سوء معاملة من قبل سلطات الدولة المتلقية واقتنعت المحكمة في الدولة المتلقية … ".
وكانت هذه الاتفاقية قد ازالت العقبة الأخيرة أمام ترحيل أبو قتادة للاردن الذي وصفه القضاة البريطانيون بأنه "يشكل خطرا حقيقيا"،وعندما تم ترحيله من بريطانيا في يوليو 2013 قالت وزيرة الداخلية البريطانية تريزا ماي انها "تشعر بالإحباط مثلها في ذلك مثل غيرها من الناس" بسبب انفاق نحو 1.7 مليون جنية استرليني والكثير من الوقت حتى يتم التخلص منه.وكان أبو قتادة يرفض ترحيله منذ عام 2005 ولجأ الى القضاء أكثر من مرة للحيلولة دون ذلك[1].
وقدسمحت محكمة امن الدولة الاردنية في جلسة النطق بالحكم وعلى غير عادتها للصحفيين والإعلاميين بإدخال كاميرات الفيديو والتصوير، الأمر الذي تم فيه نقل وقائع المحكمة بالصوت والصورة[2]. ويأتي هذا الحكم بعد معركة قانونية استمرت نحو عشر سنوات لإرغام رجل الدين المتشدد على الخضوع للمحاكمة في بلده الأصلي الأردن.وتثور مخاوف لدى الاردن من أن يستخدم أبو قتادة نفوذه لزعزعة الاستقرار فيه، في الوقت الذي تزداد فيه القلاقل على حدودها.وكان أبو قتادة، قد منح حق اللجوء السياسي في بريطانيا عام 1994، الا أن جهاز الأمن "أم أى 5 " كان يرى في وجوده في بريطانيا تهديدا متزايدا للأمن القومي بسبب تشدد آرائه عن الجهاد. ولعل هذا ما دفع البعض الى قراءة الحكم من زاوية سياسية باعتباره صفقة بين الحكومة الاردنية والتيار السلفي لتهدئة الاوضاع في محيط ملتهب يقع الاردن في قلبه. وربما هذا ما كان يلمح من خلال السماح لابي قتادة اثناء المحاكمة بالاداء بتصريحات سياسية ذات صلة باحداث المنطقة لاسيما الشأن السوري وتطورات موقف الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) التي لم تحظ بالقبول من ابي قتادة.فقد أعلن هذا الأخير تأييده للمهلة التي أعلنها زعيم جبهة النصرةأبو محمد الجولاني لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، ووصف عناصر التنظيم "بالمجرمين" وأصحاب الفكر الضال.وأضاف أبو قتادة في تصريحات للصحفيين قبيل الجلسة التي عقدتها محكمة أمن الدولة الخميس 27 / 2 / 2014 في إطار محاكمته بتهم تتصل بالإرهاب، "أؤيد الجولاني في كل ما قاله لأن استهداف المجاهدين بهذه الطريقة المشينة غير مقبول، ومن حقهم أن يدافعوا عن أنفسهم".وأوضح أن "الهدف الأول بالنسبة الينا هو مقاتلة النظام المجرم في دمشق، لكن أوساخ الطريق يجب أن تزال، وأصحاب الفكر الضال المنحرف يجب أن يوقفوا عند حدهم"، في إشارة واضحة إلى تنظيم الدولة الإسلامية( داعش ).وتابع منظر التيار السلفي الجهادي ابو قتادة "أستطيع التأكيد اليوم أن مسمى تنظيم الدولة في العراق والشام غير حقيقي، والقريبون منهم أكدوا لي أن هذا التنظيم غدا مجموعات لا قيادة لها ولا نظام يجمعها" .[3]ولعل هذا ما جعل بعض المتابعين يرون في تسليم ابي قتادة للاردن صيدا ثمينا[4]: فهم يرون أن جلسات المحاكمة كانت بمثابة مؤتمرات صحفية للسجين ابي قتادة يطلق من خلالها فتاوى دينية ذات ابعاد سياسية شرعن فيها العمليات العسكرية ضد حزب الله اللبناني، وهاجم خلالها منهج دولة الاسلام في العراق والشام ( داعش ). فالعبء الثقيل على بريطانيا يبدو انه بات اليوم يشكل صيدا ثمينا للاردن المحاصر بتنظيم داعش من الجبهة الشرقية والشمالية والذي اعلن الاردن جزءا من دولته المستقبلية، وهو التنظيم الذي تحاربه الدولة سياسيا ويحاربه الشيخ فقهيا وهو صاحب التأثير الكبير على التيار السلفي الجهادي في العالم وليس في الاردن فحسب.
اما على الصعيد المحلي فلم يرق هذا الحكم للكثيرين ممن يتخذون موقفا معاديا للتيارات الاسلامية عموما، ووصفوا الحكم بأنه سياسي باميتاز وأنه يقوي شوكة الحركات الارهابية على عكس السياسة المعلنة للحكومة الاردنية في محاربة الارهاب ، لا بل أن بعض المعلقين على موقع التوصل الاجتماعي " الفيس بوك " عقدوا مقارنة بين موقف محكمة امن الدولة من ناشطي الحراك الذين تصدر الاحكام بادانتهم تباعا دون تهم واضحة ومحددة من وجهة نظرهم، وبين موقف ذات المحكمة من الافعال المنسوب ارتكابها للقيادي في التيار السلفي ابي قتادة، وان المحكمة تكيل بمكيالين وتحاكم سياسيا لا قانونيا..
وبالاضافة الى ما ذكر سابقا من أن هذا الحكم قد يشتم منه نكهة سياسية بطابع قانوني، لا يمكن لنا أن نغفل أنه قد جاء تحت تأثير الاتفاقية المبرمة بين الحكومة البريطانية والحكومة الاردنية بشأن تسليم ابي قتادة ومحاكمته في الأردن. فإزاء العبارات الصريحة في قرارات المحاكم البريطانية، وجدت الحكومتان الاردنية والبريطانية نفسيهما في وضع لا مفر منه اذا اريد للمتهم ان يسلم للاردن، وانه لا بد من احداث تعديلات على القانون الاردني، من شأنها ان تمنع تقديم اقوال المتهمين ضد المتهم الماثل (تلك التي اخذت لدى المدعي العام الى المحكمة)، الا اذا اثبت المدعي العام انها اخذت منهم بطوعهم واختيارهم دون اكراه او تعذيب او سوء معاملة.وكانت الافادات المطعون فيها شكلت عقبة قانونية في مواجهة رغبة الحكومة البريطانية بتسليم المتهم الى الأردن، ذلك ان جميع التطمينات المقدمة من السلطات الاردنية لم تؤشر الى إمكانية استبعاد هذه الافادات في ظل القواعد العامة للاصول الجزائية الاردنية التقليدية المنصوص عليها في المادة 148من قانون الاصول الجزائية. وتبعا لذلك، اضطرت الحكومة البريطانية على التفاوض الجاد مع السلطات الاردنية لوضع قواعد قانونية آمرة وملزمة، وبعبارات لا لبس فيها تمنع المحاكم الاردنية من استخدام الافادات المطعون بها على انها اخذت تحت التعذيب عند اعادة محاكمة المتهم في الاردن. وهذا ما حققته حكومة المملكة المتحدة من خلال التفاوض على معاهدة المساعدة القانونية المتبادلة مع الأردن في 24 آذار 2013.
وبهذا الحكم يكون الاردن قد اصطاد عصفورين بحجر واحد، فهو من جهة حسّن صورته امام المجتمع الدولي بشكل عام وامام بريطانيا بشكل خاص في مجال حقوق الانسان من خلال تنظيم محاكمات عادلة للمتهمين بقضايا ذات طابع سياسي امام المحاكم الاردنية، ومن جهة ثانية يكون الاردن قد ابدى حسن نية تجاه التيار السلفي الجهادي، وربما يمكن توظيف ذلك في صراعات اقليمية او محلية مستقبلية لمصلحة الاردن.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.