“
استكمالا للمحاكمات المتّصلة بتلويث نهر الليطاني أمام محكمة بعلبك، عقدت القاضية المنفردة الجزائيّة لميس الحاج دياب ثلاث جلسات في 28 تشرين الثاني 2019، مع كلّ من شركة “تندر بول” و”ألبان لبنان” و”شركات تبارك وصدارة والمصنع لآل الديراني”، هذا بعدما كان تم إرجاء جلسة 5 تشرين الثاني بسبب قطع الطرقات. وكانت المحكمة قد أصدرت أحكاما قضائيّة بحقّ ثلاثة معامل أخرى.
“ألبان لبنان” تعتبر تغطية الجلسات ضررا وطنيّا:
لم تبدأ جلسة المحاكمة بشكل عادي. فما أن أخذ محامي شركة “ألبان لبنان” رامز حمّود علما بحضوري كمراسل للمفكرة، حتى سارع إلى إعلان تحفّظه على مقالات المفكّرة وأيضا مقالات “المدن” وموقع الفايسبوك التابع لمصلحة الليطاني.
وقد اعتبر حمّود أنّ تغطيتنا لجلسات المحكمة هي مغايرة لما يحصل، وبالتالي تشكّل “ضررا” لسمعة لبنان وللشركة ومنتجاتها. فوفق حمّود، توجّه تغطيتنا للجلسات الرأي العام باتّجاه واحد، علما أنه كان سبق للمفكرة أن نشرت في موقعها ردّا طويلا له عملا بحق الرد. وقد أضاف حمود منحى دراميا إلى شكواه، بحيث بدا وكأنه يحمل القاضية مسؤولية الضرر طالما أنه يحصل في قاعة محكمتها (وهو يقصد تغطيتنا لجلساتنا). تعليقا على ذلك، دوّنت القاضية التحفّظ مؤكدة في الآن نفسه على علنية الجلسات وعلى حقّ جميع المواطنين بحضورها وعلى عدم تخصّصها في النظر في شكوى الجهة المدعية من المقالات المنشورة. وأبلغت المحامي بأنّه، وفي حال كان يعتبر أن الكتابات التي تناولت الشركة تشكل قدحا وذمّا أو في حال كان يريد الجلسات سرّيّة، فيمكنه القيام بالإجراءات القانونية المناسبة لذلك.
وتجدر الإشارة إلى أنّ المفكّرة تقوم بتغطية جلسات قضايا تلوّث الليطاني لما لهذه القضيّة من أهميّة بالنسبة للمواطنين وخاصّة المتضرّرين منهم جرّاء تلوّث المياه والهواء والمزروعات المروية من النهر وما نتج عن ذلك من إصابات بأمراض سرطانيّة ووفيّات كبيرة بسبب الشركات العديدة الملوّثة لمجرى النهر الأكبر في لبنان. وفي بعض القرى الواقعة على ضفاف النهر، تصل نسبة الإصابة بالسرطان إلى نسب أعلى بكثير من النسبة الوطنية العامة. وكان من اللافت أن طلب منّا أحد المواطنين كان متواجداً داخل قصر العدل، أن نتوسّع في الكتابة عن موضوع هذه الشركة وغيرها من الشركات الملوّثة لأنّ معاناة الناس من جراء تلويث النهر لا توصف.
ألبان لبنان لم تبلّغ المحكمة عن جهاز آخر لاستكمال عمليّة التكرير:
وبعد إبداء تحفظاته، صرّح المحامي حمّود عن توقّف الشركة كليّا عن رمي مياه الصرف في حفرة الترسيب المزروعة بالقصب منذ 8 تشرين الثاني مؤكّدا أنّ الخبيرَيْن المعيّنين تحقّقا من هذا الأمر، في الجلسة الثانية التي أجريت في 27 تشرين الثاني بعدما تأخرت حوالي الشهر بسبب الأوضاع في البلاد. وقدّم الأستاذ حمّود معذرة صحيّة عن حضور مارك واكد المفوّض بالتوقيع عن شركة ألبان لبنان. وقبلت المحكمة هذه المعذرة كون الجهة المدّعية لم تتبلغ أصولا موعد المحاكمة.
ووفق المحامي، شركة ألبان لبنان هي الآن بصدد انتظار وصول جهاز التناضح العكسي الذي من شأنه تنقية المياه الخارجة من محطّة التكرير والتي تتجمّع حاليا في بركة صحية معزولة بسعة 40 ألف متر مكّعب أنشئت لهذا الغرض. واستغربت القاضية من عدم ذكر هذا الجهاز كمرحلة ثانية للتكرير حين طلبت الشركة من المحكمة مهلة شهرين لتركيب محطّة التكرير، فأوضح الأستاذ حمّود أنّ “المستندات المتعلقة بتركيب المحطّة هي مبرزة في الملف وتبيّن هذا الأمر” (دون ذكر المستندات المخصّصة بجهاز التناضح العكسيّ). وأضاف أنّ شحن هذا الجهاز مع معدّات محطّة التكرير كان متعذّرا لأسباب تقنيّة، لأنّ تركيب محطّة التكرير والعمل بها يحدّدان جهاز التناضح العكسيّ المناسب. وأضاف أنّ توضيب الجهاز يستلزم أسبوعا أمّا شحنه فيستلزم 40 يوما، أمّا تركيبه فيستلزم عدة أيام. كما أعرب حمّود عن خوفه من أيّ تأخر في تخليص الجهاز من المرفأ نظرا للأوضاع العامة والأمنيّة للبلاد، وبعدها استمهل لإبراز مستندات تثبت المدّة التي يحتاجها التوضيب والشحن والتركيب.
وشدد حمّود على حسن نيّة الشركة من خلال قيامها بتأمين قيمة جهاز التناضح العسكيّ في ظلّ الأوضاع المصرفيّة في البلاد وصعوبة إجراء التحويلات الماليّة إلى الخارج، بالإضافة إلى أنّ الشركة كانت تعمل على إجراءات توقيف التلوّث منذ العام 2015 أيّ قبل تاريخ الدعوى المقدّمة من قبل مصلحة الليطانيّ.
وقبل انتهاء المرحلة الثانية للتكرير المذكورة، أعربت شركة ألبان لبنان عن نيّـتها باستعمال المياه الخارجة من محطّة التكرير المجمّعة في البركة لريّ أراضي زراعيّة، وهذا وفقا لرأي المهندسين المختصّين. ولكن القاضية الحاج دياب ذكرت أنّ الخبيرين المطّلعين لم يؤكّدا على صلاحيّة المياه للريّ بحالتها الراهنة. وشدّدت على أنّ الدعوى لا تقتصر فقط على تلويث مجرى النهر المقدّمة من قبل مصلحة الليطاني، بل تتعداها لتشمل خرقا لقانوني البيئة والمياه بأكملهما إضافة إلى قوانين أخرى. وهنا اعتبر حمّود أنّهم لا يستطيعون القيام ب”معجزات”. .
وفيما سألت القاضية عن الروائح الكريهة المنتشرة في المصنع والمنطقة المجاورة والتي بلّغ عنها الخبيران المختّصان، جاء جوابه في منتهى البساطة: “ما في مزرعة أبقار ما فيها روايح”. فردّت القاضية أنّ العلم قد توصّل لطريقة معالجة للروايح. عندها تحفظ الأستاذ حمّود عن الإجابة لأنّ الأمر تقنيّ مستمهلا بحضور مارك واكد بالجلسة القادمة لتوضيح الموضوع.
وعليه، أرجئت القاضية الجلسة إلى 19 كانون الأوّل 2019 بانتظار إبراز المستندات التي توضح عملية شحن جهاز التناضح العكسي وتركيبه، وبانتظار تقرير الخبيرين وتوضيح الجهة المدّعى عليها المعطيات الملائمة بشأن الروائح التي تنبعث من مصنعها.
عيّنات وزارة الصناعة قد تؤكّد أو تنفي توقّف “تندر بول” عن التلويث:
وفي قضية شركة “تندر بول” وهي تستثمر مسلخ دجاج، صرّح وكيلها أنّها قامت بالتعديلات اللازمة بناء على توصيات وزارة الصناعة الأخيرة، وأنّ وزارة الصناعة أجرت كشفا جديدا (في 27 تشرين الثاني) وأخذت عيّنات من المياه الخارجة من محطّة التكرير المركّبة حديثا. وبانتظار صدور نتائج فحص العيّنات أرجأت القاضية الجلسة إلى 19 كانون الأوّل.
مصانع آل الديراني تطلب شهرين لتأمين معدّات محطّة التكرير:
حضر أحمد الديراني بصفته الشخصية وبصفته مفوضا للتوقيع عن شركة تبارك وعن شركة المصنع، وحضر محمد سمير الديراني بصفته الشخصية عن شركة صدارة، وحضر الأستاذ بهيج القزح وكيلا عن جميع المدّعى عليهم.
قدّم القزح المستندات التي توضح التعاقد مع شركة مختصة بحضور الخبير شخصيّا، وهي تبيّن المعدّات المطلوبة لإنشاء محطّة التكرير وتثبت تحويل مبلغ 26 ألف دولار للشركة المذكورة. وصرّح أحد المدّعى عليهم أنّ شحن المعدّات يستلزم شهرين على أن يبدأ في 2 كانون الأوّل من الصين. لذلك طلبت المحكمة إبراز ما يثبت انطلاق الشحنة من الصين ثم تراجعت عن قرارها بعدما صرّح الديراني بصعوبة الحصول على وثيقة تثبت انطلاق الباخرة التي تشحن المعدّات إلا بعد وصولها إلى عرض البحر. وطلبت إبراز ما يثبت تعاقد شركة “بين” مع باخرة لشحن المعدّات، على أن يبرز خلال مهلة أسبوعين.
وإذ قرّرت المحكمة دعوة الخبيرين المعينين إلى الجلسة في 19 كانون الأوّل لاستيضاحهما حول بعض ما ورد في تقريرهما، ذكر الوكيل للمحكمة أنّ “نيّتهم صادقة” وأنّ المدّعى عليهم دفعوا أكثر من 50 ألف دولار حتّى الآن لتأمين محطّات التكرير، طالبا تفهّم المحكمة والجهة المدّعية.
ثلاثة أحكام بحقّ معامل ملوّثة لنهر الليطانيّ:
وقبل الجلسة لمحاكمة الشركات المذكورة أعلاه، أصدرت القاضية لميس الحاج دياب، بتاريخ 7 تشرين الثاني 2019، أحكاما قضائية بحق ثلاثة معامل مدعى عليها بتهمة تلويث نهر الليطاني. والشركات هي الخيرات للصناعات الغذائية ومرتضى للأحجار والبلاط ونشر الصخور الواقعتين في بلدة تمنين التحتا، والريف التجارية في حوش سنيد. وألزمت القاضية الشركات ومدرائها في أحكامها بغرامات مالية. كما ألزمت القاضية الشركات الثلاث، بالفحوصات الدورية السنوية بإشراف وزارة الصناعة والمصلحة الوطنية لنهر الليطاني، وبتأهيل الوسط المائي. واللافت أنها عينت خبراء للإشراف على عملية التأهيل وذلك لضمان حسن التأهيل ومنعا من انتقال التلويث بفعل المواد المستخرجة من النهر إلى مكان آخر. ويُضاف إلى ذلك، إلزامهم بغرس أشجار الصنوبر والأرز على ضفاف نهر الليطاني في المناطق المحاذية لمعاملهم.
كما ألزمت الأحكام المدعى عليهم بالتعويضات المدنية للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني، والتي تراوحت بين 700 ألف ليرة (مرتضى للأحجار) ومليون و500 ألف ليرة لبنانية (لكل من “الريف التجارية”، و”الخيرات”) كعطل وضرر.
“