تواصل السلطات المصرية حملتها ضد المثليين تبعاً لرفع علم "الرينبو" في حفل للفرقة الغنائية اللبنانية "مشروع ليلى" الذي أقيم يوم 22-9-2017 في القاهرة. وبدأت السلطات المصرية بالقبض على ستة أشخاص لاتهامهم بالتحريض على الفجور[1]، واستمرت الحملة ليصل عدد المقبوض عليهم حتى اللحظة إلى 57 شخصاً[2]. وقامت قوات الشرطة بالقبض على المتهمين من عدة أماكن منها المقاهي والبيوت. كما وصل الأمر إلى ملاحقة المدافعين عن حقوق المثليين مثل الناشطة سارة حجازي عضوة حزب العيش والحرية على خلفية دفاعها عن حقوق المثليين على صفحتها على الفيسبوك.
والجدير بالذكر أن المتهمين تمت إحالتهم إلى التحقيق أمام نيابة أمن الدولة العليا، دون أي سبب واضح لتصنيف "الميول الجنسية" كجريمة من الجرائم التي تهدد أمن الدولة. بالإضافة إلى أن التحقيقات التي تتم مع المتهمين تمثل انتهاكات لضمانات المحاكمة العادلة؛ حيث يتم التحقيق مع المتهمين دون حضور محاميهم، وتوجيه أسئلة لهم عن توجهاتهم الدينية والسياسية[3]، بالإضافة إلى إجراء فحوصات شرجية عليهم، أو تحريض المسجونين/ المسجونات للتحرش بهم، مثلما روت سارة حجازي لمحاميها وأصدقائها[4]. وتوجه النيابة العامة للمتهمين تهم الانضمام إلى جماعة أسست على خلاف أحكام القانون الغرض منها تعطيل أحكام الدستور والقانون، والترويج لأفكار ومعتقدات تلك الجماعة بالقول والكتابة، والتحريض على الفسق والفجور في مكان عام. وهي التهم المطاطة غير المعرفة، والتي من شأنها أن تزج بالمتهمين سنوات في السجن دون القيام بفعل مجرم حقيقةً. والجدير بالذكر، أن قانون العقوبات المصري لا يجرم صراحة المثلية الجنسية، ولذلك يتم استخدام مواد أخرى لملاحقة المثليين مثل التحريض على الفجور.
إلى ذلك، تشهد مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة حالة من الجدل ما بين مؤيد ومعارض. واشتملت الانتقادات على رسائل تهدد وتتوعد من أعلن عن ميله الجنسي أو المتضامنين معهم. وقد شاع نتيجة ذلك مناخ معادٍ ومروّع لكل من هو مختلف أو من يدافع عن حق الاختلاف تحت عنوان "حرب الفضيلة على الرذيلة".
ويهم المفكرة من باب التزامها بالدفاع عن حقوق المثليين متابعة هذه القضية، والتضامن مع جميع الأشخاص المحتجزين تعسفا. كما يجدر التذكير أن الفحوص الشرجية تشكل تعرضا غير قانوني لكرامة الإنسان وضربا من ضروب التعذيب وفق اللجنة الدولية للتعذيب وأن لبنان وتونس التزما على ضوء هذه الاعتبارات وقف هذه الفحوصات (المحرر).
الموقف الرسمي للدولة
على الرغم من أن الدولة ممثلة فى أجهزتها الأمنية دأبت على أداء دور الرقيب في ما يتعلق بالحريات الشخصية وبصفة خاصة الجنسانية واضعة المثليين وذوى الميول الجنسية المختلفة في دائرة التهديد الدائم، فإننا نشهد اليوم استدعاء لهذه الأجهزة لمضاعفة تدخلها في هذا المجال لوقف ما يرونه "مهازل أخلاقية" و أداء دور الأب الرقيب على القيم والأخلاق. وتمثل هذا الاستدعاء بتقدّم عدد من الشخصيات ببلاغات للنائب العام بجانب طلبات إحاطة فى البرلمان، ضد ما شهده الحفل.
النيابة العامة
لم تتوانى النيابة العامة عن لعب الدور المرسوم لها في تشريع ما يمارسه النظام المصري من انتهاك للحقوق والحريات العامة. فبعد يومين من انتهاء الحفل، طالعتنا الصحف الإلكترونية بأن النائب العام كلف نيابة أمن الدولة العليا بفتح تحقيقات موسعة في الواقعة. واستجابة لهذا الأمر، أصدر رئيس نيابة أمن الدولة العليا أمراً بضبط وإحضار هؤلاء الأفراد لاتهامهم بالترويج للفسق والفجور أثناء حفل غنائي، بعدما قامت أجهزة الامن بتفريغ كاميرات المراقبة بالحفل للتعرف على الأفراد رافعي العلم.
ثم تداولت الصحف خبر القبض على 7 أشخاص قاموا برفع علم الرينبو بالحفل بعدما أصدرت النيابة قراراً بالقبض عليهم واتهامهم بتحريض على الفسق والفجور والترويج للشذوذ الجنسي، ولم تتوفر حتى الآن أي معلومات أو بيانات عن أسماء هولاء الأشخاص أو قرار النيابة بشأنهم . كما أمرت نيابة الأزبكية بحبس 16 شخصاً أربعة أيام احتياطياً بعد التحقيق معهم واتهامهم بممارسة الفجور، وقامت بتقديمهم لمحاكمة عاجلة لجلسة الأول من أكتوبر. وفي الاتجاه نفسه، قضت محكمة جنح الدقى بتاريخ 26 سبتمبر "بحبس أحد الاشخاص ست سنوات وتغريمه 300 جنيه" بعد الإيقاع به باستخدام أحد تطبيقات المواعده الخاصة بالمثليين. وكانت النيابة العامة قد أحالته للمحاكمة الجنائية العاجلة. وبذات السياق، قررت نيابة أمن الدولة العليا فى الثاني من أكتوبر حبس شاب وفتاة خمسة عشر يوماً احتياطياً على خلفية رفع علم الرينبو أثناء الحفل بتهمة التحريض على الفسق والفجور فى مكان عام والانضمام لجماعة أسست على خلاف أحكام القانون والترويج لأفكارها والتواصل مع جهات أجنبية بغرض دعم المثليين.
وزارة الخارجية
يبدو أن الدبلوماسية المصرية تخلّت عن المبادئ والأعراف الدولية والمواقف الأممية بشأن الحماية من العنف والتمييز لتحذو حذو الأجهزة الأمنية القمعية فى الداخل المصري. فبتاريخ 1/7/2016، قررت مصر ممثلة في مندوبها الدائم لدى المجلس الدولي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، السفير "عمرو رمضان" مقاطعة جلسة فرز الأصوات لاختيار المرشح لتولي منصب مراقب حقوق التوجه الجنسي وحقوق المثليين في المجلس، الهادف إلى حمايتهم من مختلف صور العنف والتمييز. وقد ساق المندوب المصري لرفض المشاركة في اختيار المسؤول الأممي عن حقوق المثليين في خطابه الموجه لرئيس المجلس الدولي لحقوق الإنسان أن القرار المعني بحماية المثليين من العنف والتمييز "ضد قناعاتي الراسخة، والمبادئ التي أدافع عنها". ورأى أن المنصب الجديد يتخطى حقوق الإنسان والحريات الجوهرية المعترف بها عالمياً، كما أنه "لا يتسق مع القانون الدولي لحقوق الإنسان والسيادة الوطنية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، في سياق احترام القيم الدينية والأخلاقية والثقافية" ومحاولة من الباب الخلفي لتأسيس حق يصنف البشر قانوناً وفقاً لميولهم وسلوكياتهم الجنسية.
الأزهر
صرح الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الشريف، فى بيان له إن ما حدث من تنظيم الشواذ لحفل "ماجن" ورفع رايتهم، التي تعلن عن الشذوذ بكل وضوح، في مصر الأزهر، عار يجب ألا يمر مرور الكرام، مضيفاً أنه اعتداء على الشرائع السماوية والأعراف الإنسانية السوية. ويجب أن يحاسب جميع من شارك فيه ومن سمح به، ويجب منع تكراره مستقبلاً، مؤكداً أنها جريمة إرهاب أخلاقية لا تقل بحال من الأحوال عن الجرائم الإرهابية الدموية التي أرقت المجتمعات.
المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام
اصدر المجلس وهو المعني بحماية حرية الرأي والتعبير والفكر وضمان استقلال المؤسسات الاعلامية برئاسة مكرم محمد أحمد بتاريخ 30 سبتمبر قراراً قضى بمنع "المثليين" من الظهور على الفضائيات أو صفحات الجرائد إلا مَن أراد الاعتراف بخطأ سلوكه والتوبة عنه، مبرراً ذلك بأن "المثلية مرض وعار يجب التستر عليه لا الترويج لإشاعته، وذلك حفاظاً على السير والأخلاق العامة واحتراماً لقيم المجتمع وعقائده الصحيحة".
نقابة الموسيقيين
نقابة الموسيقيين بدورها خرجت عن دورها للتماهي مع المواقف المسبقة ضد المثليين. ففي موقف لافت، تخلت النقابة عن دورها في دعم الفن والحريات، لتعلن وجوب منع فرقة مشروع ليلى من الغناء في مصر، على خلفية أن المجتمع المصري شرقي وله عاداته وتقاليده. وقد أصدرت هيئة مكتب النقابة قراراً بمنع الفرقة من الغناء بمصر وعدم التصريح لها مرة أخرى، إلا بعد موافقة الأمن الوطني. ومن المنتظر أن يعرض القرار للتصديق عليه فى اجتماع مجلس إدارة النقابة المقبل.
البرلمان المصري
لم يخرج أعضاء البرلمان المصرى خاليين الوفاض من ملحمة حماية القيم والاخلاق بالرغم من الحالة الاقتصادية المترديه التى تمر في البلاد. فقد تقدم محمد صلاح "نائب رئيس الكتلة البرلمانية لحزب النور" بطلب إحاطة لرئيس البرلمان، موجهاً لرئيس الوزراء ووزيري الثقافة والسياحة، لتحديد المسؤول عن تلك الأحداث المؤسفة التي مست مشاعر المصريين، عن الكيفية والجهة التي منحت تصريحا رسمياً لإقامة حفل غنائي يشارك فيه الشباب والفتيات بشكل يصدم القيم التي تربى عليها المصريون، وتصطدم مباشرة مع قيم الدستور. وقد طالب صلاح بمحاسبة المسؤول الذي أصدر التصريح.
وكان النائب مصطفى بكرى،عضو لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب والمقرب من النظام المصري، قد أعلن عن عزمة التقدم بطلب إحاطة للبرلمان للتصدي لهذه الظاهرة، وادعى أنها – رفع علم قوس قزح – جزء من مخطط وليست فعلا تلقائيا، ومحاولة لإيهام الرأى العام بأن شباب مصر قد انحط، خاصة أن عددا من بلدان الغرب تمارس ضغوطا على مصر من أجل الاعتراف والسماح بزواج المثليين، مطالباً الجهات المختصة بالتحقيق فى هذا الأمر فوراً، لأن ما جرى كارثة، ومناقض للأديان والقيم والسلوك.
تعاطي القانون المصرى مع المثلية الجنسية
لا يوجد قانون واضح ومحدد لفظياً لمعاقبة المثلية الجنسية في مصر. لكن تستخدم قوانين مكافحة الدعارة لملاحقتهم ومساءلتهم جنائياً. وفي هذا الخصوص، تمت معاقبة المثلية تحت غطاء معاقبة "اعتياد" ممارسة الفجور والدعارة. وقد استخدمت هذه المواد المجرّمة بمصطلحاتها الفضفاضة فى حملة منهجية ضد الرجال المثليين، ومزدوجي الميول الجنسية، أو أي شخص تعتبره الحكومة داعماً لحقوق المثليين جنسياً تحت شعار"انتهاك الشرف" أو "ممارسة سلوك غير أخلاقي، وغير لائق". وتعمل الشرطة على ملاحقة المثليين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً بعدما انتشرت صفحات كثيرة للمثليين وتطبيقات المراسلة الخاصة به، وعبر مداهمة المقاهى التى يتجمعون بها.
وعلى الرغم من أن القانون يجبر المتهمين بممارسة الفجور أو الدعارة على الخضوع للكشف الطبي لتبيان مدى إصابته بأحد الأمراض التناسلية، إلا أن الأجهزة الأمنية والنيابة العامة تستغل هذا الإجبار لتوقيع الكشف الطبي الشرجي فى محاولة منهم لتمييز مثليي الجنس عن غيرهم، مما يوصم هذا الإجراء بالبطلان ويعد من أشكال العنف الجنسي وانتهاكا صارخا للمواثيق والاتفاقات الدولية الموقعة عليها مصر.
وقد أصدرت منظمة العفو الدولية بياناً يوم 30 سبتمبر يدين الحملة الأمنية. وجاء في البيان أن الفحوص التي ينتظر أن يجريها الطب الشرعي على المتهمين للتأكد من ممارستهم الجنسية "تنتهك ما ينص عليه القانون الدولي فيما يخص مكافحة التعذيب". واعتبرت ناجية بونيم، مدير الحملات بشمال أفريقيا بالمنظمة، أن قرار النائب العام المصري بمنح اﻷولوية لاستهداف مواطنين بناءً على توجهاتهم الجنسية المفترضة أمر "بائس بشدة".
وفى نهاية هذا الرصد لمواقف المجتمع المصرى لم تنتهِ الحملة ضد المثليين والمتضامنين معهم. وتحول رفع علم الذي يعبر من خلال اختلاف ألوانه عن التنوع الإنساني والهويات البشرية سواء العرقية والثقافية والدينية والميل الجنسي والهويات الجنسية .إلى وصم بوسائل الإعلام المقروءة أو المسموعة أوالمرئية أو مادة للتهكم والسخرية أو الإزدراء والسجن.
[1] راجع "حبس ستة مثليين 4 أيام على ذمة التحقيقات بتهمة التحريض على الفجور"، نُشر على موقع مدى مصر بتاريخ 29-9-2017.
[2] راجع مصطفى محيي، "ارتفاع عدد المقبوض عليهم في الحملة الأمنية على المثليين إلى 33 شخصا"، نُشر على موقع مدى مصر بتاريخ 2-10-2017.
[3] راجع على سبيل المثال منشور احمد عثمان على الفيسبوك بتاريخ 3-10-2017.
[4] راجع على سبيل المثال منشور دعاء مصطفى دروى على الفيسبوك، بتاريخ 3-10-2017.