لقطة لحوض الليطاني نشرت على الموقع الإلكتروني لمصلحة الليطاني
“تجهيز ثرواتنا الطبيعية واستغلالها هو الأمل الوحيد إن شئنا حياة قريرة ومطمئنة”. (المهندس إبراهيم عبد العال)
لمقاربة نهر الليطاني قيميًا، لا نكتفي بالتوصيف التلقيني المدرسي أو بتجارب السياحة النهريّة بل علينا تحفيز المخيّلة. فإذا ما كان لبان (بياض ثلج) سلسلة جبال لبنان الغربيّة أنتج مجموعة أنهر صغيرة، فالليطاني نتاج السلسلة الشرقيّة (وحوضه خُمس مساحة البلد) هو الابن الأكبر لـ “لبنان”. وإن قال المهندس إبراهيم عبد العال إنّ “لبنان هبة الليطاني”، فالأمر سيّان، على اعتبار أنّ لبنان والليطاني كالثلج والنهر، كلاهما صنيعة الآخر في دورة الطبيعة.
بدأت محاولات اكتشاف مقدّرات الليطاني في عهد الانتداب، في ما هو أشبه اليوم، بتنقيب “توتال” عن النفط في بحرنا. وقد أكّد مدير عام مصلحة الليطاني د. سامي علويّة أنّ مشروع الصهيونيّة المائي متلازم ونشوء الحركة الصهيونية نفسها، وإن بدأ تنفيذه عمليًا عام 1943، أي حين “أنشأت الوكالة اليهودية بمساعدة الصندوق القومي اليهودي مكتب الأبحاث المائية[1] وقاموا بوضع كافة مخططات المشاريع المائية في دولة الاحتلال (قسّم مكتب الأبحاث المشروع إلى عدة وحدات إحداها وحدة نهر الليطاني).”
أمّا مشروع الليطاني (اللبناني) فأساس قيامه مبادرة فرديّة من عبد العال، وقد تأخّر المشروع عملانيًا بضع سنوات لأسباب سياسية، وبدأ تنفيذه أواخر عام 1958. توفي عبد العال في العام التالي، ولم يحقّق كل طموحاته. أمّا بعد انفراط عقد موالي ما سمي بـ “النهج الشهابي” [2]، وبعد حروب عدّة شهدها لبنان، أصبحنا أمام ذهنية مختلفة تمامًا في ممارسة السلطة والسياسية. وإذا كانت إسقاطات وقائع تلك الفترة على واقعنا غير مجدية، فأقلّه تستخلص هذه المقالة وقائع جغرافيّة – تاريخيّة – اقتصادية عن مقدّرات الليطاني، لتكون مدخلًا علميًا لجدل أعمق وأشمل، وقد استندنا إلى بضعة مراجع أساسيّة في هذا الصدد. واليوم هناك أربعة عناوين يعتبرها علويّة، مدخلًا أساسيًا لفهم إشكاليات الليطاني: (1) بروفايل النهر (2) بروفايل عبد العال (3) تاريخ المطامع الصهيونيّة بالمياه العربيّة (4) تاريخ مشروع الليطاني (مصلحة الليطاني ضمنًا).
من كتاب “اليوبيل الذهبي للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني (1954-2004) – ص 35
1-المياه العربية ونهر الليطاني
تنعكس زيادة السّكان تزايدًا في الحاجة إلى الغذاء، أي الحاجة إلى توسيع رقعة الأرض الزراعية، والتطوّر الصناعي والنمو العمراني. وهذا يعتمد على زيادة كمّيات المياه المطلوبة ومضاعفتها[3]. وقد أشار كتاب “المياه العربية – تحدّي واستجابة” (1999) الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية، إلى أنّ استهلاك المياه العذبة خلال القرن العشرين زاد عشر مرّات عمّا كان عليه قبل ذلك، وسيزداد بالقدر ذاته في القرن الحالي، نظرًا لزيادة عدد السكّان والسعي لرفع مستوى معيشتهم. وعليه، فإنّ أهميّة تأمين المياه العذبة توازي أهميّة تأمين مصادر الطاقة في هذا القرن. وقد أكّد الكاتب عبد المالك خلف التميمي أنّ منطقة الشّرق الأوسط هي الأكثر حساسية في هذا الصدد، عارضًا توقّعاته حيال الحاجة إلى المياه العذبة في مجتمعات المشرق العربي والمنطقة العربية اليوم. فقال إنّه “من المتوقع مع سنة 2025 أنّ هذه المجتمعات ستحتاج إلى أربعة أضعاف ما تستهلكه من المياه العذبة في الوقت الحاضر”. ونقل الكاتب آراء الباحثين التي تصبّ في رؤيتهم للعرب على أنّهم الطرف الضعيف في الحرب أو المفاوضات القائمة حول المياه، وذلك “لأنّهم يمرّون بمرحلة تاريخية خطيرة من التشرذم والنزاع في ما بينهم”. في المقابل يسعى الغرب “لاستمرار التبعية الغذائية للعرب له عن طريق تشجيع ودعم تركيا وإسرائيل للسيطرة على مصادر المياه في المنطقة العربية”[4].
وشرح الكتاب كيف أنّ تقسيم حدود الدول بعد الحربين العالميتين، ترك الكثير من مصادر المياه مشتركة بين دولتين أو أكثر، ليشكّل هذا الأمر موضوعًا للحروب أو للخلافات السياسية بين الدول، معطوفًا على حاجات الدول الإستراتيجية للمياه. وقد بدأت أزمة المياه في السبعينيات، و”بدأ منذ ذلك الوقت النزاع على المياه ومصادرها فكان لا بدّ من التفكير في المصادر البديلة مثل تحلية مياه البحر”[5]. علمًا أنّه بين كل دول المنطقة، وحدهما لبنان وتركيا، لن تواجههما مشكلة مياه في المستقبل.
ومن أنهر لبنان اثنان فقط (النهر الكبير، والعاصي) يشترك فيهما مع سوريا، ولا خلاف بشأنهما بين البلدين. أمّا الحاصباني الرافد الأكبر لنهر الأردن، فهو إحدى مشاكلنا مع إسرائيل، لمروره في الأراضي المحتلة. وفي ما عدا هذه الأنهر الثلاثة، فإنّ سائر أنهر لبنان داخليّة. هذا لم يحل دون مطامع إسرائيل في نهر الليطاني بذريعة أنّنا لا نستثمر في مياهنا كما يجب وأنّ لدينا فائضًا منها. ويشار إلى أنّ لبنان أو “قصر المياه” كما لقّب، هو من أوّل دول المنطقة من حيث معدّل كمية المياه العذبة المتوفّرة للفرد: “لكن منذ العام 2014، تجاوز قصر المياه عتبة ندرة المياه التي وضعتها الأمم المتحدة”. وقد لخّص كتاب “أطلس لبنان- تحدّيات جديدة” إشكاليّة المياه في لبنان على النحو الآتي: “إمدادات المياه في هذا البلد الجبلي متوفّرة نسبيًا لكنها غير ثابتة وغير كافية وغير موزّعة بالتساوي. وعلى الرغم من وجود صراعات على الحدود، فالسبب هو أساسًا الإدارة السيئة على المستوى الوطني”[6].
غ.فاعور، إ.فرداي، م.حمزة. أطلس لبنان- تحديات جديدة. Presses de l’IFPO، المجلس الوطني للبحوث العلمية. 2018. ص125
غ.فاعور، إ.فرداي، م.حمزة. أطلس لبنان- تحديات جديدة. Presses de l’IFPO، المجلس الوطني للبحوث العلمية. 2018. ص129
2- بروفايل عبد العال (1908 – 1958)
قبل الاستقلال وقبل أن تصبّ إسرائيل – كدولة ناشئة – اهتمامًا بمقدّرات الليطاني، كان إبراهيم عبد العال مهتمًّا بالنهر. عبد العال درس الهندسة في الخارج وعلّم في مدارس مختلفة في لبنان، آخرُها معهد الهندسة في جامعة القديس يوسف (درّس الري والصرف). وآمن بأنّ حضارة الشعوب تقاس بمقدار استغلالها لمواردها، فبادر بالاستكشافات والإحصاءات والقياسات على الطبيعة وأدرك كيفيّة وضع خطة متكاملة لاستعمالات المياه. وخلال فترة الانتداب، التحق بمؤسّسة كلّفتها المفوضية العليا الفرنسية بإجراء دراسات وأبحاث في مجال المياه والكهرباء على كافة أنهر لبنان وسوريا، وأجرى قياسات على كافة الأنهر. وعام 1938 كلّفه المهندس جوزيف نجّار برئاسة قسم الأبحاث المائية التابعة لمصلحة المياه، وهذا أوّل ما قام به نجار بعد تولّيه إدارة المصلحة التي أنشأتها الحكومة هذا العام. ونوّه نجّار بحماسة عبد العال وجدّه في العمل.
النهر الأطول بين 40 نهرًا أساسيًّا في لبنان (17 منها دائمة الجريان)
طوله 170 كم. وقدرته المائية نحو 750 مليون م3. سنويًا
يشكّل حوضه مع حوض العاصي وحوض الحاصباني 44% من مساحة لبنان.
مساحة حوضه 2175 كم مربع أي نحو 20% من مساحة لبنان (80% منه في سهل البقاع و20% في الجنوب).
ينبع من ينابيع العليق على مسافة 10 كم غرب بعلبك وعلى علو 1000 م.
يخترق سهل البقاع من شماله إلى جنوبه محافظًا على مستوى يتراوح بين 800 و 1000 م.
يزداد تصريفه تدريجيًا بسبب الروافد التي تنضم إليه
عندما يخرج من البقاع ويدخل في القسم المنخفض من مجراه، يهبط من 800 م. إلى مستوى البحر ضمن مسافة 100 كم.
يبلغ الانحدار أشدّه على علو 500 م. ضمن مسافة لا تزيد عن 40 كم.
في القسم المنخفض يتلقّى مياه نهر زريقون ونهر وادي السلوقي ثم ينحرف مجرى النهر باتجاه الغرب عند جسر الخردلي، بالقرب من قلعة الشقيف تجاه دير ميماس عند المنسوب 235 م.، حيث يسمى بنهر القاسمية
يصبّ في البحر المتوسط على بعد ثمانية كم. إلى الشمال من صور.
على حوضه 288 بلدة، طالما ارتبط مصدر معيشة سكانها بالنهر. (الحوض الأعلى 157، والأدنى 131)
وأمضى عبد العال أمضى نحو 15 عامًا في دراسة حول الليطاني من منبعه إلى مصبّـه، وقد ضمّن أهم نتائج أبحاثه في كـتاب “الليطـاني – دراسـة هيدرولـوجيـة” (1948)، ما مهّد لدراسات أكثر تفصيلًا. وعليه وضع مشروعًا متكاملًا للنهر، وأصبح مديرًا عامًا لوزارة الأشغال عام 1949. ثمّ كان له دورٌ أساسيّ في إنشاء المصلحة الوطنية لنهر الليطاني عام 1954. وكان من الأوائل الذين أدركوا أهمية النهر ومعها الأطماع الإسرائيلية. وعليه، صمّم مشروع نهر الليطاني وهندسه بمجهوده الشخصي. وكان تبنّي المشروع من قبل الدولة اللبنانية بمثابة تأكيدٍ لاعتراف الأمم المتحدة بأنّ الليطاني نهر لبناني 100%. وكان يرى أنّ تشغيل مشروع توليد الكهرباء من الليطاني سيؤمّن ثلث حاجة لبنان من الكهرباء. وكما سبق وذكرنا، بدأ الاستثمار بالنهر ينتج في ستينيات القرن الماضي. لكن يمكن القول إنّ قصّة مشروع الليطاني بدأت عمليًا عام 1954، بعد إنشاء المصلحة، وقد توفّي عبد العال في ظروف غامضة قبل اكتمال مشروعه، في إحدى مستشفيات بيروت عام 1959 وهو دون الحادية والخمسين من العمر.
إبراهيم عبد العال (من موقع الجيش اللبناني)
3- أطماع بريطانيا والحركة الصهيونية
محطّات ومواقف عدّة تؤكّد أنّ اهتمام الحركة الصهيونيّة بمياه النهر تسبق 80 عامًا إنشاء إسرائيل. ففي عام 1867 “نظمت مؤسسة استكشاف فلسطين، البعثة الصهيونية الأولى المكوّنة من مهندسين لتقييم الموارد المائية في المنطقة، ووضعت اللجنة في تقريرها مياه نهري الأردن والليطاني في اعتبارها”[8]. ومثلًا عام 1903، راسل مؤسس الحركة الصهيونية تيودور هرتزل السلطان عبد الحميد للمطالبة بحقّ اليهود في الاستقرار في منطقة الجليل وجنوب لبنان مقابل مبلغ مالي، معلنًا الليطاني محورًا لمخططات الصهيونية[9]. ثمّ ورد في رسالة حاييم وايزمن إلى رئيس الحكومة البريطانية لويد جورج عام 1919، بشأن المفاوضات التي سيتوقّف عليها مصير فلسطين (سايكس-بيكو)، الآتي: “تودّ المنظمة الصهيونية أنْ تتوجّه إليك في موضوع يسبّب لها أعمق القلق، وهو مسألة حدود فلسطين الشمالية. إنّ مقتضيات الحياة الاقتصادية العصريّة تتطلّب بإلحاح ما ندّعيه من حقوق في الشمال. إنّ مستقبل فلسطين الاقتصادي كلّه يعتمد على موارد مياهها للريّ والطاقة الكهربائيّة، وتستمدّ موارد المياه بصورة رئيسية من منحدرات جبل حرمون، ومن منابع الأردن ونهر الليطاني…”. ويقول وايزمان: “الخبراء متّفقون على أنّ الليطاني له فائدة قليلة للبنان الذي يملك وفرة من المياه، أما إذا فصلت فلسطين عن الليطاني ونهر الأردن الأعلى واليرموك عن الشاطئ الشرقي للجليل، فليس بإمكانها أن تكون مستقلّة اقتصاديًا”[10].
عبدالمالك التميمي. المياه العربية التحدي والاستجابة. مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، حزيران 1999. ص57
واتّجهت الأمور في منحى تنفيذي عام 1938، حين أرسلت أميركا مهندسًا صهيونيًا إلى فلسطين لدرس إمكاناتها الاقتصادية. فوضع كتابًا بعنوان “فلسطين أرض الميعاد” ضمّنه مشروعًا لاستثمار مياه وادي الأردن. ويعنينا فيه بندان: الأوّل جرّ المياه من ينابيع نهر الأردن، وتحديدًا الحاصباني لريّ مناطق الجليل والغور. والثاني تحويل مياه الليطاني إلى فلسطين لتصبّ في بحيرة في الناصرة. وتتكرّر الأمثلة في هذا السياق، فتكاد لا تخلو وثيقة من وثائق الصهيونية حول تاريخ إسرائيل المائي، من تصريح لزعيم يشير إلى نهر الليطاني[11].
عمومًا، سبق الاهتمام بالنّهر فكرة الدولة، لأنّ نشأة إسرائيل قامت على نظرية اقتصادية اجتماعية تقول إنّه لا يمكن بناء دولة من دون زراعة، ولا زراعة من دون ري. لذا، فالمشروع الصهيوني (البريطاني الأصل) لم يسعَ لاحتلال الأراضي التي ذكرتها نصوص تاريخية دينيّة وفق تأويلات بعض حاخامات الصهيونية، إنّما اختار احتلال أماكن حيث الموارد (وفي طليعتها المياه) والمرافق الحيوية. ويؤكّد ذلك ما قاله هرتزل بأنّ “المؤسّسين الحقيقيّين للأرض الجديدة القديمة هم مهندسو المياه”[12].
ومن هنا أتى مشروع تقسيم فلسطين (1947) كما أقرّ في الأمم المتحدة على نحو لا ينطبق على المناطق التي تقول السردية إنّها شكّلت أرض دولة إسرائيل قبل دمار الهيكل عام 90 م (وفق ما أوضح المؤرّخ الإسرائيلي شلومو ساند). ومن هنا مع صعود الصهيونية الدينيّة على حساب الصهيونية العلمانيّة، تتقدّم السرديّة التي كانت هامشيّة آنذاك في اتجاه المطالبة بحدود أوسع لإسرائيل هي من النهر إلى النهر (من النيل إلى الفرات)، أو أقلّه تطالب بما يسمونه أراضي “يهودا والسامرة” التي تركها تقسيم الأمم المتحدة للعرب. في الواقع، كان أساس المشروع البريطاني السيطرة على مرافق وموارد حيويّة لأسباب وظيفيّة اقتصاديّة في المقام الأوّل، وسعى الانتداب البريطاني إلى ضمّ منطقة الليطاني إلى المنطقة التي ينتدبها فاصطدم مع مصالح فرنسا في المنطقة التي تنتدبها (سوريا ولبنان).
أمّا مشكلة نهر الحاصباني الذي يشكّل الحدود بين لبنان وهضبة الجولان على امتداد نحو 4 كم جنوب بلدة الغجر، وهو أحد الروافد الرئيسية لنهر الأردن، فهي أكثر تعقيدًا بفعل أطماع إسرائيل. ويذكر أنّه عام 1964 عطلّت إسرائيل جميع الإنشاءات للمشروع اللبنانيّ على منابع الحاصباني والوزاني، وعطّلت المشروع العربي لتحويل روافد نهر الأردن. ثمّ بعد سيطرتها على جنوب لبنان حقّقت حلمها في استغلالها جزءًا من مياه الليطاني بواسطة أنابيب ضخمة تحت الأرض تصل إلى بحيرة طبريا. كما أنّها تسحب مياهًا من الوزّاني والحاصباني إلى البحيرة بواسطة الأنابيب. ثمّ أنّها تمنع منذ عام 1976، مزارعي لبنان من حفر آبار جديدة. وقد اشترطت لانسحابها من لبنان، تطبيقًا للقرار 425، ضمان جرّ ثلث كميّات مياه نهر الليطاني من منطقة الخردلي إلى بحيراتٍ صناعيّة تمّ إنشاؤها في شمال سهل الحولة. ويشير كتاب “المياه العربية- تحدّي واستجابة” (ص93)، إلى أنّها لم تنتظر قرارًا بل أنّها تقوم بذلك و”قد سحبت حتى الآن منذ احتلالها أكثر من ثلاثة مليارات متر مكعب من المياه اللبنانية” (أي حتى عام 1999).
غ.فاعور، إ.فرداي، م.حمزة. أطلس لبنان- تحديات جديدة. Presses de l’IFPO، المجلس الوطني للبحوث العلمية. 2018. ص127
غ.فاعور، إ.فرداي، م.حمزة. أطلس لبنان- تحديات جديدة. Presses de l’IFPO، المجلس الوطني للبحوث العلمية. 2018. ص127
وعملياً، لم تتتهِ مطامع إسرائيل في الليطاني، لا بعد النكبة وتأسيس إسرائيل ولا بعد النكسة وتوسعة الحدود على نحو مطّرد. ففي فترات الحروب الإسرائيلية على لبنان، جاهر قادة إسرائيل بمزاعم حول حقّهم في الاستفادة من الليطاني، فأطلقوا على أول اجتياح لجنوب لبنان عام 1978 اسم “عملية الليطاني” أو “حملة الليطاني”، وتكرّر اسم الليطاني خلال حروب (1982 و1993 و1996 و2006)، وصولًا إلى الحرب الأخيرة التي تمحور خطابهم فيها من حيث الأهداف، على إبعاد مقاتلي “حزب الله” إلى شمال نهر الليطاني، كأنّما حدود النهر هي ما يعنيهم اليوم أكثر من أي شكل للحدود، وإن ساقت سرديات أخرى حدود أبعد من النهر.
4- قصة مصلحة الليطاني
في المقابل، لم يبدأ اهتمام لبنان بالموارد المائية ونهر الليطاني مع الاستقلال، إنّما في عشرينيّات هذا القرن في ظلّ الانتداب، وإن انحصر اهتمام الانتداب آنذاك في وضع تقارير ودراسات بشأن الريّ وإنتاج الطاقة. ومع بدء تبلور فكرة مشروع الليطاني، ساهمت بعض الوقفات التاريخية في عدم تفتيت المشروع المزمع تنفيذه، إذ تحدّثت دراسة لجوزيف نجار (صديق وزميل عبد العال)، عن ضرورة إلغاء الامتيازات الممنوحة من قبل الدولة للأفراد في مجالي الريّ وتوليد الكهرباء، وكان موقفه حازمًا في هذا الاتجاه منذ عام 1938 حين تولّى إدارة مصلحة المياه. وكان يرى في دراسته آنذاك ضرورة تأسيس شركة مختلطة للمشاريع المائيّة من القطاعين العام والخاص لا تقلّ حصّة الدولة فيها عن 50% (هذا الاقتراح أخذ شكل قانون بعد 6 سنوات).
وكما سبق وأوضحنا، شهدت الفترة بين 1938 و1943 أبحاثًا عدّة حول المياه العربية لمصلحة الحركة الصهيونية. وعام 1945، أي قبل عامين من قرار تقسيم فلسطين، أمر حاييم وايزمان رئيس الوكالة اليهودية (قبل أن يصبح أوّل رئيس للجمهورية) بإنشاء سلطة وادي نهر الأردن (تيمّنًا بسلطة نهر تنيسي الأميركي)، وعيّن عليها رئيسًا هو رئيس سلطة نهر تنيسي نفسه. ومما يجدر ذكره، أنّ أحد مدراء سلطة وادي نهر الأردن وهو مهندس، اقترح إقامة سدّ على نهر الحاصباني في قرية إبل السقي بعلو 90 مترًا. وتصله قناة بالأراضي الفلسطينية. وعمومًا أعطى تقسيم فلسطين لإسرائيل كل الأراضي التي تمرّ بها المشاريع المائيّة (ما عدا الأراضي اللبنانية).
من جهة لبنان، أرسلت الإدارة الأميركية عام 1951 بعثة من 9 مهندسين (سمّيت بـ “النقطة الرابعة”) وأنتجت البعثة في حزيران 1954 تقريرًا من ثلاثة مجلّدات وثلاثة ملاحق: المجلّد الأوّل هو دراسة اقتصادية ماليّة لحاجات لبنان إلى الطاقة والمجلّدان الآخران هما وصف للإنشاءات المطلوب تنفيذها في المرحلتين الأولى والثانية. في العام نفسه حضرت بعثةٌ فنيّة ماليّة اقتصاديّة من البنك الدولي لبحث إمكانية تنفيذ المشروع، وبالاستناد إلى دراستي البعثتين ودراسة عبد العال، رفع هذا الأخير تقريرًا موحّدًا إلى الحكومة في تموز 1954. وفي العام نفسه كان مبعوث الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور يفاوض سوريا ولبنان والأردن حول مشروع موحّد لإنماء نهر الأردن (مشروع “جونستون”)، وبما أنّه أوكل دراسة المشروع لـ “سلطة وادي تنيسي” (أجرت الدراسات السابقة لمصلحة الصهيونية قبل قيام اسرائيل) فقد تضمّن فكرة إقامة السد على نهر الحاصباني بعلو 90 مترًا.
وقد واجه عبد العال مشروع “جونستون” بصلابة، وقوّة. وكان في طليعة لجنة فنية عربية تشكّلت للردّ على المشروع الأميركي، وأنتجت “المشروع العربي الموحّد” بناء على نظرية عبد العال واستنادًا إلى مقترحاته. رفضت إسرائيل المشروع لأنّه لحظ 80% من المياه للدول العربية و20% للأراضي الخاضعة لإسرائيل، وتذرّعت أنّه لا يستغلّ مياه الليطاني فتذهب هدرًا. في النهاية دفع توحيد الموقف العربي المبعوث الأميركي لإعادة النظر في مشروعه وتقدّم بمشروع ثانٍ أعطي لبنان بموجبه مقدار 35 مليون متر مكعب من مياه الحاصباني – الوزّاني. فطالب عبد العال بحق لبنان بكمية أكبر مستندًا إلى الأرقام والحجج العلمية لحاجات لبنان إلى مياهه. واستمرّ في محاولات إقناع مسؤولي مشروع “جونستون” لجهة أنّه يصبّ في مصلحة إسرائيل وحدها على حساب العرب. فكان دوره محوريًا في تمكّن العرب من إحباط المخططات الصهيونيّة.
في الفترة ذاتها دار جدل طويل في المجلس النيابي وفي لجنة المال والموازنة حول شكل مشروع الليطاني. فالقانون الذي أرسلته الحكومة للبرلمان ينص على إنشاء شركة مغفلة يكون رأسمالها مناصفة بين الدولة والقطاع الخاص. وكان هناك رأي أكثر تطرّفًا يرى أنّ “الدولة تاجر فاشل”، وقابلتها فكرة قيام “المصلحة الوطنية لنهر الليطاني”، وهي الفكرة التي أقنع بها عبد العال زميله السابق في الدراسة، وزير الخارجية سليم لحود، على اعتبار أنّ مشروع الليطاني يحتلّ مكانة رفيعة الأهمية، وأنّ مشروع الحكومة يجزّئ مراحل تنفيذ المشروع، فيما يعطي عبد العال الأسبقية لدرس المشروع وينادي بتطبيقه كاملًا. وكان لحّود مقرّبًا جدًّا من الرئيس كميل شمعون، فأقنعه بهذا الرأي، وهو الرأي الذي تبنّاه رئيس لجنة المال جوزيف شادر. هكذا تقدّمت فكرة إنشاء المصلحة على فكرة إنشاء الشركة، رغم معارضة بعض النوّاب الموالين لشمعون لهذا الأمر.
وصدر في تاريخ 14/8/1954، القانون القاضي بإنشاء مصلحة الليطاني، وهي مؤسّسة عامّة تتمتّع بالاستقلال الإداري والمالي، وغايتها كما ورد في المادة الأولى من القانون:
تنفيذ مشروع نهر الليطاني للريّ والتجفيف وماء الشفة والكهرباء ضمن تصميم شامل للمياه اللبنانية وفقًا للدروس التي قامت بها دوائر الحكومة بمعاونة البعثة الفنية الأميركية.
إنشاء شبكة ارتباط بين معامل توليد الكهرباء في لبنان.
إنشاء محطّات تحويل وخطوط توزيع من جميع المناطق اللبنانية.
وفي 30 كانون الأول 1955، صدرت 3 قوانين تتعلّق بقرض البنك الدولي للمصلحة، وبحقّ استثمار مختلف أقسام مشروع الليطاني وبسلفات خزينة يضعها وزير المالية في تصرّف المصلحة. وكانت الرمزيّة بالغة الأهمية في حصول المصلحة على قرض من البنك الدولي على اعتبار أنّ ذلك لا يتمّ إلا برضا الولايات المتحدة (المساهم الأكبر في رأس مال البنك) وهذا إقرار ضمني بلبنانيّة النهر. وقد تأخر تنفيذ المشروع حتى نهاية عهد شمعون، وأحد الأسباب قيام جبهة داخلية وقفت ضد الاقتراض من البنك الدولي رأَسها وزير المالية جميل شهاب.
وأمكن هنا الإشارة باختصار إلى استثمارات مصلحة الليطاني[13] للنهر قبل الحقبة النيوليبرالية:
مشاريع الطاقة:
اختار المهندس ابراهيم عبد العال بناء سدّ القرعون، بين القرعون وسحمر، واختيرت أعلى المعايير لبنائه مع مراعاة خطر الزلازل والفياضانات والقصف، إلخ.. واستقرّ تلزيم المشروع صيف عام 1958 على شركة يوغوسلافيّة. وجرى العمل على منشآت تابعة للسدّ لتصريف الفيض. وخلف السدّ على مسافة 6400 م. أنشئ نفق مركبا، ومعمل إبراهيم عبد العال لإنتاج الكهرباء، وقد أنجز العمل فيه ووضع قيد الاستثمار عام 1962، وهو يأخذ مياهه من البحيرة، ويبلغ إنتاجه نحو 24 ميغاوات من الطاقة الكهربائيّة النظيفة. وقد أنجز معمل آخر هو معمل بولس ومعه نفق الأوّلي، عام 1975، وتبلغ قدرة إنتاجه الإجمالية نحو 108 ميغاوات، وهو أهم معمل لإنتاج الطاقة الكهرمائية في لبنان. وهي المحطة المركزيّة لتجميع الطاقة المنتجة في معامل الليطاني الثلاثة لوضعها على خطوط النقل للشبكة العامة بصورة سليمة. أمّا المعمل الثالث، فهو معمل شارل الحلو، يقع على الضفة اليسرى من مجرى نهر الأولي، ويعتمد على تصريف مياه معمل بولس أرقش لإنتاج الطاقة، وينتج نحو 48 ميغاوات وقد أنجز المعمل عام 1968.
المصدر: اليوبيل الذهبي لمصلحة الليطاني
ويشار إلى أنّ مصلحة الليطاني أنشأت شبكة من خطوط التوتر العالي لتصريف الطاقة وربط المعامل الثلاث بالشبكة العامة.
مشاريع المعامل:
بدأ استثمار الطاقة في المعامل الثلاثة في الأعوام 62-65-68 على التوالي، وارتبط تشغيل المعامل بكامل قدرتها، على كميّة المتساقطات. وكانت المصلحة وقعت اتفاقيّة قرض مع البنك الدوليّ لتمويل إنشاء السدّ، ووقعت الدولة في اليوم ذاته تعهدًا بألّا يقل سعر بيع الكيلوات المنتج عن خمسة قروش. لكن الدولة عادت لتطالب بتسعيرة 4 قروش، عند وضع معمل مركبا قيد الاستثمار عام 1962، فرفضت المصلحة مخالفة التعهد. وتدخّلت وزارة المالية في حل يجعل فارق القرش، من حساب تسديد المصلحة سلف الخزينة من الدولة. وقد تبدلت التعرفة وصارت 41 ليرة ابتداءً من العام 1994 (كان سعر الصرف ثبت على 1500 ليرة للدولار).
المصدر: اليوبيل الذهبي لمصلحة الليطاني
مشاريع الري:
كان المهندس إدمون بشارة أوّل من درس مشروع ريّ القاسميّة عام 1925، ولم يبدأ تنفيذ المشروع إلّا في عام الاستقلال، وذلك بمساعدة الانتداب البريطاني. وفي 1948، أصدر عبد العال كتابه المرجعي السابق ذكره (الليطـاني- دراسـة هيدرولـوجيـة). وعام 1958 أنشئت مصلحة ري القاسمية ورأس العين. تقول إيمان إبراهيم عبد العال في إحدى مقالاتها، إنّ استغلال مياه الليطاني تناول في مرحلته الثانية مشروعات لتوسيع محيط الري وتوفير المياه لمساحات واسعة. وتشرح أنّ هذه المشروعات أصبحت “إما قيد الدراسات التنفيذية وتحضير ملفات التلزيم، أو مشاريع في مرحلة الدراسات الأولية والجدوى، ومنها مشروع ريّ البقاع الجنوبي المرحلة الثانية”. تردف إيمان عبد العال أنّ “منها أيضًا المخطط البيئي العام لحوض الليطاني ولبحيرة القرعون”، وأنّ المصلحة كانت تعمل على هبة سويدية لمراقبة وتحليل نوعية المياه، لكن لم ينفّذ شيء بهذا الخصوص.
في العام 1969، تمّ تنفيذ المنشآت الرئيسية لمشروع الري النموذجي في المنطقة الواقعة بين مجرى نهر سينيق جنوبًا ونهر الأوّلي شمالًا. ويمتدّ من شرق صيدا حتى أسفل بركة أنان شرقًا. وألحقت مصلحة ري القاسمية ورأس العين بعد ذلك بثلاثة أعوام بالمصلحة، وأعادت النظر في أسلوب العمل الذي أدى إلى هدر كبير في المياه سابقًا. (توجد صور توضح حجم هذه المشاريع). لكن تقول عبد العال إنّ المشاريع لو نفّذت كما كان المخطّط الأصلي “لكان لبنان نعم باستقلال اقتصاده، الذي كان ليصبح منتجًا يرتكز على الزراعة والصناعة وحتى الصناعات التحويلية والحرفية”، وأنّ المخطط المتكامل كان ليحول دون التلوّث الكارثي للنهر.
المصدر: اليوبيل الذهبي لمصلحة الليطاني
النهر بين سياسة الإهمال والتهديدات الإسرائيلية
لم يكتمل تنفيذ المخطط الشامل كما أمل عبد العال ومن أسباب ذلك حرب (1975-1990) و الاحتلال الإسرائيلي. وأُهمل الليطاني حتى أعلن موته عام 2016. توضح مقالة للمهندسة والباحثة عبير سقسوق رؤية عبد العال لمشروع الليطاني، إذ رأى فيه “وسيلةً موّجِهةً للعمران والاقتصاد. وكان أحد أهدافه من إنشاء المصلحة الوطنية لنهر الليطاني إيصالَ الماء إلى كلّ قريةٍ في لبنان”. ورغم أنّ لبنان يتمتع بثروة مائيّة يحسد عليها، ورغم أنّ الدولة خطتْ في الخمسينيّات خطوة كبيرة طموحة باتجاه تحقيق الأمن المائي وأمن الطاقة وحاجات الري، إلّا أنّ هذا الطموح صدّته السياسات المشجعة للاقتصاد الريعي، علاوة على ترهّل الدولة والفساد، الذي سمح بتزايد الملوثين للنهر دون حسيب أو رقيب.
وتشير سقسوق إلى أن مرسوم تنظيم الشواطئ الجنوبية (صدر عام 1973 ويشمل المنطقة المرويّة عبر مشروع ريّ القاسمية) يتناقض ومشروع الليطاني بل يبدو مفاجِئًا. وتوضح أنّ مشروع ريّ القاسمية وبعد تنفيذ وتطوير كافة قنواته في العام 1974، بات المشروع الأكبر في لبنان لناحية المساحة المرويّة وعدد الاشتراكات الزراعية، علمًا أنّ أراضي ساحل الزهراني نشطت فيها زراعة الحمضيات مع انطلاقة مشروع الريّ (1955). لكن مرسوم 1973 صنّف جزءًا كبيرًا من الأراضي المزروعة والمرويّة عبر مشروع ريّ القاسمية “مناطقَ سياحية أو سكنية”، فأتاح تشييد مساكن خاصةٍ ومطاعم ومؤسساتٍ سياحيةٍ. وقد “زاد المرسوم عوامل الاستثمار بنسب استثمارٍ عاليةٍ مقارنةً بمناطق شاطئيةٍ أخرى في لبنان، راضخًا لمفهومٍ يرى بأنّ تشجيع السياحة الشاطئية يتمّ فقط بزيادة البناء على الشاطئ”. وتوضح أنّ ذلك يتماشى مع توجّه اقتصادي في لبنان منذ العشرينيات وعبّر عنه المحامي غبريال منسّى عام 1948 بقوله إنّ “التجارة والسياحة وارتياد الأجانب لربوعنا تؤلف الأعصاب الأساسية في جهازنا الاقتصادي”.
من ناحية أخرى، يعدّ الغياب شبه الكامل للبنية التحتيّة لمعالجة المياه المستعملة السبب الرئيسيّ لتلوّث موارد المياه اللبنانية عامّة. ويشير كتاب “أطلس” (ص127)، إلى أنّه رغم التخطيط منذ عام 1982 لإرساء نظام صرف صحّي يغطي كامل البلاد، “فإن 18% فقط من مياه الصرف الصحي المنتجة في لبنان تعالج حاليًا”. وقد تحسّن الوضع قليلًا بين (2012- 2018) بعد تنفيذ بعض شبكات الصرف الصحي، لكن بقيت البنى التحتية تعمل بأقل من طاقتها لأسباب عدّة، ولا يسمح للأكبر من بينها إلّا بالمعالجة الأوّلية. بالنتيجة فإنّ مستويات تلوّث المياه ما تزال مثيرة للقلق. (خريطة التلوث)
وإذا كان عبد العال توفي عام 1959، فإنّ نهر الليطاني توفي عام 2016 بسبب التلوّث. ففي ذلك العام أعلن “المجلس الوطني للبحوث العلمية” موت الليطاني وبحيرة القرعون. وأشار إلى أنّ معدّلات السرطان في الحوض هي الأعلى إلى نحو خمسة أضعاف المعدل العام في لبنان، وأقفل أهالي بلدة القرعون “القناة 900” بعدما ردموها بالجرافات، وأجبروا الدولة على وقف مشروع ريّ البقاع الجنوبي، والذي يستفيد منه ألفا هكتار. توضح مقالة للزميلة سعدى علوه نشرت في “المفكرة”، أنّ موت النهر هو نتيجة تراكمات للمخالفات الجسيمة المرتكبة على ضفافه بخاصّة مع اندلاع الحرب اللبنانية في السبعينيات، حين تضاعفت التعدّيات على ضفاف الليطاني وروافده المهمة، ونشأت على مقربة منه صناعات من الفئة الأولى إلى الرابعة، لم تراع الشروط التي تنص عليها القوانين الناظمة. ونتيجة عقود من التفلّت، وحتى نهاية عام 2018، أحصت مصلحة الليطاني 723 مؤسسة صناعية غير مرخّصة تلوّث النهر بنفاياتها الصناعية. وفيما باشرت مصلحة الليطاني عددًا من الملاحقات ضدّ ملوّثي النهر (تابعها المرصد القضائي في المفكرة القانونية)، فإنّ الأزمة المالية وما لحقها أثرت إلى حدّ كبير بوصول هذه الملاحقات إلى خواتيمها.
خلاصة
مؤخرًا وكما فعلت خلال اجتياح 1982، وكما عادتها في كل عدوان تشنّه على لبنان، استهدفت اسرائيل منشآت مصلحة الليطاني. ويشير المؤرخ عصام خليفة اليوم إلى أنّ سيطرة إسرائيل على جبل حرمون (جبل الشيخ) ومزارع شبعا اللبنانية “تتصدّر قضية المياه الدرجة الأولى فيها، وهي ليست كأي مياه، هي مياه باردة جدًا في مقابل مياه حارّة متبخّرة في بحيرة طبريا، وهي مياه حلوة وعذبة في مقابل مياه طبريا المالحة”. ومن هنا برأيه أهميّة هذه المياه بالنسبة لإسرائيل. ويضيف خليفة عليها، الاعتبارات الدينية (حرمون هو جبل إبراهيم الخليل وابنه إسحق)، واعتبارات سياحية لها علاقة بالتزلّج، عدا موقعه الاستراتيجي الكاشف لأربع دول عربية (لبنان، سورية، الأردن، فلسطين).
وبما أنّ حرمون جبل الشيخ (قصر النِدي)، قد سقط في يد العدو، وبما أنّ اسرائيل تستفيد أساسًا من مياه الحاصباني، فالمخاطر على مياه الليطاني بدوره تزداد من إسرائيل. ولا بدّ من إعلاء أهميّة هذا النهر، وأهميته الاستراتيجيّة لدولة لبنان، واقتصاده، وأمنه. وإعادة النظر في مقدّرات النهر، وكيفيّة الحفاظ عليها وحمايتها من الإهمال الداخلي والعدوان الإسرائيلي.
[1] بالتعاون مع كل من مختبر الدراسات المائية في الجامعة العبرية في القدس والمعهد الفني العبري في حيفا
[2] تحالف نواب ومسؤولين قادهم شهاب، وهو المؤمن بترسيخ مشاريع تنمية وبدور لدولة الرعاية الإجتماعية يواجه هيمنة الإقتصاد الريعي التي كانت ولا تزال قائمة.
[3] عبد المالك خلف التميمي. المياه العربية- تحدي واستجابة. مركز دراسات الوحدة العربية. 1999. ص22
[4] عبد المالك خلف التميمي. المياه العربية- تحدي واستجابة. مركز دراسات الوحدة العربية. 1999. ص25
[5] عبد المالك خلف التميمي. المياه العربية- تحدي واستجابة. مركز دراسات الوحدة العربية. 1999. ص19
[6] غ.فاعور، إ.فرداي، م.حمزة. أطلس لبنان- تحديات جديدة. Presses de l’IFPO، المجلس الوطني للبحوث العلمية. 2018. ص122
[13]– متوسط هطول الأمطار في الحوض 700 مم. في السنة أي حوالي 764 مليون م3، (543 مليون م3 في سد القرعون و 221 مليون م3 في باقي السدود)
-كميات المياه التي يصرّفها الحوض تعادل 24% من المتساقطات الصافية على مجمل الأراضي اللبنانية (أكثر من 40% من مجموع كمية المياه الجارية في الأنهر الداخلية)
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.